المباحث الأميركية تجاهلت تحذيرات فرنسية عن موساوي وأحبطت مطالب عملائها لتفتيش كومبيوتره النقال

السلطات الجوية الأميركية حذرت قبل 3 سنوات من احتمال قيام أتباع بن لادن باختطاف طائرات

TT

اكدت عميلة في المباحث الفيدرالية الاميركية (اف بي آي) في خطاب من 13 صفحة كشف محتوياته اول من امس ان مسؤولي المكتب لم يخفقوا فحسب في التحقيق مع زكريا موساوي، الذي كان يدرس بواحدة من مدارس الطيران بولاية مينيسوتا قبل هجمات 11 سبتمبر (ايلول) الماضي، وانما حاولوا جاهدين وقف العملاء المحليين في مينيسوتا من ربط موساوي بالهجمات الارهابية حتى بعد وقوعها. وقالت كولين رولي، المستشارة العامة بفرع «مكتب المباحث الفيدرالي» بمينابوليس، في خطابها الموجه الى مدير (اف بي اي) روبرت مولر ان المعلومات التي قدمتها اجهزة الاستخبارات الفرنسية والتي تحتوي على معلومات حول انشطة لموساوي لها علاقة باسامة بن لادن، كانت اكثر من كافية لإصدار مذكرة مراقبة خاصة تسمح بتفتيش جهاز الكومبيوتر النقال الذي يملكه موساوي وذلك خلال الاسابيع التي سبقت وقوع الهجمات في 11 سبتمبر. بيد ان طلبات استخراج هذه المذكرة احبطت بواسطة مشرفين تابعين لـ«مكتب المباحث الفيدرالي» بواشنطن «كانوا مصممين فيما يبدو على الاستمرار في تجاهل الخطر الذي كان يشكله موساوي الى درجة ان بعض العملاء الميدانيين تشككوا في ان بعض المسؤولين الرئيسيين في «مكتب المباحث الفيدرالي» يعملون جواسيس لحساب بن لادن للتأثير على جهود فرع مكتب المباحث بمينابوليس»، على حد تعبير كولين رولي في خطابها الذي وجهته الى مولر. الجدير بالذكر ان عملاء «مكتب المباحث الفيدرالي» كانوا في حاجة ماسة في اغسطس (آب) الماضي الى تفتيش جهاز الكومبيوتر المحمول الذي يملكه موساوي الذي كان محبوسا على ذمة التحقيق في انتهاكات تتعلق بقانون الهجرة بعد ان اثار شكوك المسؤولين في مدرسة الطيران التي يتلقى تدريبا فيها على قيادة الطائرات التجارية. وكانت السلطات الاميركية قد وجهت الى موساوي تهمة التآمر في هجمات 11 سبتمبر، اذ سيواجه عقوبة الاعدام اذا ادانته المحكمة التي من المقرر ان تبدأ جلساتها في وقت لاحق من العام الجاري. وكان خطاب كولين رولي بتاريخ 21 مايو (أيار) الحالي، اثار ضجة في الكونغرس الاسبوع الماضي، ونشرته مجلة «تايم» الاميركية كاملا في موقعها على شبكة الانترنت اول من امس، أي بعد يومين من رفض «مكتب المباحث الفيدرالي» تسليمه لمحققين تابعين للكونغرس او حتى لاعضاء مجلس الشيوخ. كما جرى تسريب مقتطفات من الخطاب، الذي وجهته كولين رولي في الاساس الى مولر وعدة اعضاء في لجنة الاستخبارات التابعة للكونغرس، الى وسائل الاعلام اواخر الاسبوع الماضي.

واوضح مسؤولون في مكتب «اف. بي. اي» اول من امس ان الخطاب لا يزال سريا رافضين التعليق على محتوياته، بيد ان ذلك اثار ردود فعل فورية غاضبة في الكونغرس في اوساط الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء. وقال عدد من اعضاء الكونغرس ان الخطاب المذكور يعتبر دليلا آخر على ان «مكتب المباحث الفيدرالي» في حاجة الى مراجعة شاملة ونادوا بالمزيد من المباحث والتحريات وجلسات السماع العلنية في هذا الشأن.

فقد وصف السيناتور كارل ليفين، عضو مجلس الشيوخ عن الحزب الديمقراطي ورئيس «لجنة الخدمات المسلحة» التابعة للمجلس، خطاب كولين رولي بأنه «مثير للصدمة». واضاف ليفين، ان السبيل الوحيد للوصول الى لب المشكلة يكمن في تكوين لجنة تحقيق واسعة ورفيعة المستوى بالاضافة الى كشف الوثائق ذات الصلة وتوجيه المسؤولية الى اشخاص محددين. اما زعيم الاغلبية الديمقراطية في مجلس النواب، توم داشل، فقد وصف مذكرة كولين رولي بأنها دليل على الحاجة الى اجراء تحريات بشأن «مكتب المباحث الفيدرالي»، رغم المعارضة القوية من جانب البيت الابيض لاجراء مثل هذا التحقيق. وكشف داشل في برنامج تلفزيوني بثته شبكة «ان بي سي» ان الرئيس بوش ونائبه ديك تشيني حاولا في يناير (كانون الثاني) الماضي كسب تأييده لـ«عدم التحقيق في احداث 11 سبتمبر». واضاف داشل ان تحفظ بوش وتشيني تركز حول الحفاظ على سرية مثل هذه التحقيقات واشارا، حسب ما ذكر داشل، الى ان لجان الاستخبارات التابعة لمجلسي النواب والشيوخ الاميركيين هي «الجهة المناسبة لاجراء مثل هذا النوع من المباحث الحساسة التي تحتوي على مواد سرية».

كما ظهر زعيم الاقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ، ترينت لوت، في برنامج بثته شبكة «سي بي اس» التلفزيونية الاميركية حول ذات القضية لكنه آثر تجنب اتخاذ موقف ازاء اجراء تحقيق مستقل، بيد انه نادى باجراء اصلاحات على «مكتب المباحث الفيدرالي» وتحقيق حول ما كان يدركه المسؤولون بالفعل حول موساوي وما اتخذ من اجراءات في هذه القضية. كما اشار الى مذكرة كولين رولي واصفا اياها بأنها «انتقادات خطيرة» وبأنها «مذكرة لا يمكن تجاهلها».

وتزامن الكشف عن مذكرة كولين رولي كاملة مع تأكيد لمسؤول اميركي اول من امس بأن «هيئة الطيران الفيدرالية» ابلغت خطوط الطيران قبل ما يزيد على ثلاثة اعوام بأن تكون في «حالة تأهب قصوى» تحسبا لعمليات خطف طائرات من جانب اتباع زعيم شبكة «القاعدة» اسامة بن لادن. وقال المسؤول ان «هيئة الطيران الفيدرالية» اصدرت التحذير المذكور في 8 ديسمبر (كانون الاول) 1998 لتعميمه على شركات الطيران وانتهت فترة التحذير بعد سبعة اسابيع. واضاف المسؤول ان هذا التحذير، شأنه شأن التحذيرات الاخرى التي جرى تعميمها على خطوط الطيران خلال عام 2001 قبل وقوع هجمات سبتمبر، لم يحتو على اخطار جدية محددة كما لم يطلب من خطوط الطيران زيادة مستوى الاجراءات الامنية. كما اوضح كذلك ان الغرض الاساسي تركز في جعل التحذير محددا في ذلك الوقت وليس دائما استنادا على المعلومات الاستخباراتية التي كان يجري الحصول عليها من الاجهزة الامنية. واثارت تعليقات كولين رولي اللاذعة سلسلة من التساؤلات الجديدة خصوصا في الجزء المتعلق بتأكيدها ان مسؤولين كبارا في «مكتب المباحث الفيدرالي» سعوا الى عرقلة تحقيق حول موساوي عقب وقوع هجمات 11 سبتمبر عن طريق حجب بعض الحقائق ذات الصلة بالاخطاء التي ارتكبوها قبل الهجمات. وتقول كولين رولي ان «مكتب المباحث الفيدرالي» وضع الاميركيين في مواجهة المزيد من الاخطار نتيجة فشله في الرد بسرعة وعلى نحو متشدد لتحديد ما اذا كان موساوي متورطا في التآمر لتنفيذ هجمات 11 سبتمبر ام انه جزء من هجمات ارهابية اخرى لم تنفذ بعد وليس لها صلة بهجمات 11 سبتمبر. وذكرت كولين رولي انه بعد ايام فقط من إلقاء القبض على موساوي في 15 اغسطس (آب) الماضي. بات عملاء مكتب المباحث الفيدرالية في مينابوليس على قناعة تامة بأن عنصرا متشددا كان يسعى لتلقي تدريب على الطيران بغرض تنفيذ اعمال ارهابية. وكان ذلك الاعتقاد قائما على أساس التحقيقات التي اجريت مسبقا مع موساوي نفسه الى جانب القدر الكبير من المعلومات التي قدمتها اجهزة الاستخبارات الفرنسية. كما ان الاشارة في مذكرة كولين رولي الى «النشاطات ذات الصلة بابن لادن» تعتبر اول مؤشر على ان السلطات الاميركية شككت في وجود علاقة لموساوي باسامة بن لادن قبل وقوع هجمات سبتمبر الماضي. واوردت رولي في مذكرتها كذلك انه «رغم هذه المخاوف، عرقل المسؤولون في المركز الرئيسي لمكتب المباحث الفيدرالي بواشنطن كل جهود عملائه في استخراج مذكرة خاصة بموجب قانون للمراقبة على الاجانب كان من المفترض ان يسمح لهم بالتنصت على مكالمات موساوي وتفتيش جهاز الكومبيوتر الخاص به ومتعلقاته الشخصية. اذ ان طلبا خاصا باصدار هذه المذكرة رفض في 28 اغسطس، أي قبل وقوع الهجمات بحوالي اسبوعين. وبعد دقائق فقط من اصطدام طائرتين من الطائرات الاربع المخطوفة ببرجي «مركز التجارة العالمي» بنيويورك اتصل مشرف من «مكتب المباحث الفيدرالي» بواشنطن على صلة بقضية موساوي بكولين رولي هاتفيا واعتقدت انه كان بصدد الاعتراف بضرورة استخراج مذكرة لتفتيش متعلقات موساوي، لكنها فوجئت بان المسؤول اكتفى فقط بابلاغها بأنه «ليس هناك ما يمكن اجراؤه في مينابوليس قبل الحصول على اذن من رئاسة مكتب المباحث خوفا من ان يؤدي ذلك الى افشال جهود اخرى في اماكن اخرى من الولايات المتحدة».

وكتبت كذلك في مذكرتها المرسلة الى مولر: «حتى بعد بدء الهجمات ظل المشرف يحاول عرقلة اجراء التفتيش على جهاز كومبيوتر موساوي، بل واشار الى ان الهجمات التي استهدفت نيويورك وواشنطن لم تكن سوى مصادفة فقط مع شكوك اف. بي. آي المسبقة التي حامت حول موساوي». واضافت كولين رولي انه بينما كان عملاء «المباحث الفيدرالية» يحاولون التوصل الى الجهة التي دبرت الهجمات وما اذا كانت هناك هجمات اخرى متوقعة»، بيد ان المحققين في واشنطن منعونا من مجرد محاولة التحقيق مع موساوي في اليوم الذي وقعت فيه الهجمات، أي في وقت من المحتمل ان يكون بحوزته معلومات حول مشاركين آخرين في الهجمات. وذكرت كولين رولي كذلك: «حصل مسؤولو مكتب المباحث في نهاية الامر على مذكرة لتفتيش كومبيوتر موساوي في 11 سبتمبر باستخدام ذات المعلومات التي رفضها في السابق محامو ومشرفو المكتب على اعتبار انها غير كافية لتأكيد وجود سبب محتمل». الجدير بالذكر ان المحققين حصلوا في كومبيوتر موساوي على برنامج خاص بالطيران ومعلومات حول الطائرات التي تستخدم في رش المحاصيل، الى جانب مواد اخرى اعتبرها المحققون مشبوهة. واشارت كولين رولي في مذكرتها لمولر الى احكام سارية تحظر أي اجراء تأديبي خلال اجراءات النظر في الشكاوى. مولر من جانبه احال خطاب كولين رولي الى المفتش العام لـ«اف بي آي» بغرض التحقيق واعترف بحدوث اخطاء في قضية موساوي، كما قال ايضا انه يعتزم اجراء اصلاحات ومراجعة شاملة على المؤسسة لكي تصبح قادرة على تحليل وتوزيع المعلومات الاستخبارية والتعامل مع الاخطار الارهابية بصورة افضل قبل احتمال وقوعها. ومن المتوقع ان يعلن مولر خلال الاسبوع الحالي عن خطته الخاصة باعادة تنظيم «مكتب المباحث الفيدرالي». وكانت رولي قد انتقدت في مذكرتها الى مولر المسؤولين الذين قرروا ترقية المشرف الذي وجهت اليه مسؤولية افشال التحقيق مع موساوي، كما انتقدت على وجه التحديد خطط مولر الخاصة بمركزة جهود مكافحة الارهاب في واشنطن بما في ذلك اقتراحه الخاص بانشاء فرقة خاصة تابعة للمركز الرئيسي لمكتب المباحث، اذ تساءلت في مذكرتها الى مولر: «اذا كنا في حالة حرب، أليس من المفترض ان يكون الجنرالات في ميدان المعركة بدلا من الجلوس في مواقع بعيدة عنها مع استمرارهم في محاولات فرض وجهات نظرهم؟».

* خدمة «لوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»