ظاهر شاه الأوفر حظا ليصبح رئيسا «رمزيا» لأفغانستان وكرزاي لتولي رئاسة الحكومة

رباني يسعى لمزاحمتهما مستفيدا من تحالفاته مع التاجيك والأوزبك في الشمال مدعيا انه امل البلاد الوحيد

TT

من منزله الفخم يلقي الرئيس الافغاني السابق برهان الدين رباني الخطب النارية ويتوشح بسيماء الحكام العظماء والاقوياء، مدعيا انه ما يزال الرئيس الشرعي وانه يمثل الامل الوحيد لتوحيد هذه البلاد المنقسمة على نفسها. وعلى بعد حارتين من هناك يحاول الملك السابق محمد ظاهر شاه ان يطرح حججا اكثر ذكاء وبراعة لعودته الى السلطة. ففي كل يوم يعقد الملك البالغ 87 سنة جلسته الملكية في حديقة قصره الغناء ليتلقى التهاني من مئات المؤيدين على عودته بعد 30 عاما من حياة المنفى والذين يحثونه على ان يمارس دوره من جديد كأب للأمة ورب للاسرة الافغانية. ومن دار الضيافة التابع للقصر الرئاسي الذي نجا بمعجزة من 23 عاما من الحرب الاهلية، يواصل قائد الحكومة المؤقتة حميد كرزاي جهوده ليصبح القائد المنتظر عن طريق تجميع العون الدولي وضبط التوترات الاثنية وارضاء امراء الحرب المتنافسين.

يتنافس هؤلاء الزعماء الثلاثة على الموقع القيادي في هذه الاسابيع المتبقية على انعقاد اللويا جيرغا ـ الجمعية الوطنية التقليدية ـ في الفترة 10 ـ 16 يونيو (حزيران) لاختيار رئيس جديد لافغانستان التي استعصت عبر القرون على كل المحاولات لاخضاعها للسلطة المركزية والحكومة الموحدة. ومن بين الزعماء الثلاثة فان اموال المجتمع الدولي ودعمه وقوته تقف بصورة واضحة الى جانب حميد كرزاي، 44 سنة، الذي يتحدث عدة لغات ويتحدر من جذور ارستقراطية، والذي تألق نجمه وحظي باحترام عميق وشهرة واسعة، لانه استطاع ان يحافظ على وحدة بلاده المعذبة من خلال خطة انتقالية توصلت اليها الاطراف المختلفة باشراف الامم المتحدة. لكن الافغان معروفون بمقاومتهم للنفوذ الاجنبي والضغوط الاجنبية، ولذلك فان الكثيرين يعبرون عن شكوكهم ومخاوفهم مما يرونه مخططا غربيا لتمكين كرزاي والقضاء بالتالي على آمال منافسيه السياسيين والاثنيين والعسكريين، في استغلال اللويا جيرغا لخدمة اهدافهم الخاصة ومطامحهم الشخصية.

وقال صادق مدبر، عضو اللجنة التحضيرية للويا جيرغا، وهي لجنة مستقلة من 21 عضوا «ليست هناك حملة انتخابية رسمية، ولكن على المستوى غير الرسمي فان الجميع يحاولون تسيير الامور في اتجاه معين». ومع ان اعضاء اللجنة مطالبون بالحياد الا ان مدبر قال ان هناك ما يشبه الاجماع وسط المنظمين على اختيار الملك السابق رأسا للدولة، على ان تكون اغلب السلطات لمنصب رئيس وزراء غالبا ما يملأه حميد كرزاي. ويجري اختيار اعضاء اللويا جيرغا البالغ عددهم 1501 باساليب تتفاوت بصورة كبيرة بين ولايات البلاد المختلفة وعددها 415 ولاية. ويؤدي هذا الواقع الى تغذية مخاوف المراقبين من ان وزنا اكبر سيعطى لممثلي المناطق الريفية البعيدة غير الخاضعة للسلطة وعلى حساب المثقفين في المدن الذين يمكن الاعتماد عليهم في التصرف وفق ما تمليه مصلحة البلاد الوطنية.

واحد العوامل التي يصعب التكهن بها هو مدى التأييد الذي يمكن ان يحصل عليه رباني. ويتحدر رباني، 62 سنة، من قومية التاجيك وقد تلقى تعليمه بالقاهرة وصعد الى الزعامة اواخر الستينات اذ نجح في تنظيم المقاومة المسلحة ضد نظامين: اولا نظام محمد ظاهر شاه حين اظهر ميولا علمانية، وبعد ذلك ضد النظام الشيوعي بعد الغزو السوفياتي عام .1979 وقد نصب رباني رئيسا للبلاد بعد النصر الذي حققه القائد العسكري الراحل احمد شاه مسعود واتباعه الذين كانوا يستخدمون الاسلحة والاموال الاميركية لضرب الغزاة السوفيات واستطاعوا اسقاط الحكم الشيوعي عام .1992 لكن النزاع بين ميليشيات تحالف الشمال سبب من اراقة الدماء والفوضى والفظائع بالنسبة للسكان ما جعل الكثيرين يرحبون بمقدم حكم طالبان بعد اربع سنوات. وقد ذهب رباني حينها الى المنفى، ثم عاد الى كابل بعد الغارات الجوية الاميركية وبعد ان تمكن تحالف الشمال من دحر حكومة طالبان، وقصد مباشرة الى احتلال القصر الرئاسي واعلن نفسه حاكما شرعيا للبلاد. وحتى بعد الوصول الى اتفاقية لاقتسام السلطة في بون بالمانيا في ديسمبر (كانون الاول) الماضي، فان سلطات الامم المتحدة امضت شهرين في اقناع رباني بمغادرة القصر الرئاسي. وهو لم يغادر الا بعد ان خصصت له الفيلا الفخمة بحي وزير اكبر خان حيث يجاوره الان الملك السابق.

وفي مقابلة اجريت معه في صالونه الواسع ، حيث تصطف الاريكة المريحة على طول الجدار ويملأ الحراس العابسون الممرات، قال رباني بمنتهى الوضوح انه ما يزال يطمح لان يكون رئيسا. كما عبر عن استنكاره لدعم الغرب المبالغ فيه لكرزاي. وقال رباني وهو يجلس على كرسيه الذي يشبه العرش: «لن نسمح بالتدخل الاجنبي في الشؤون الافغانية بعد اليوم». ولرباني اعتراضاته وانتقاداته للحملة التي تقودها الولايات المتحدة ضد المقاتلين المزعومين للقاعدة وطالبان متهما القوات الاميركية بانها مستغفلة من قبل امراء الحرب المحليين لتصفية حسابات مع خصومهم الافغان. ويصور رباني نفسه وكأنه هو الذي انجح مفاوضات بون التي حاول اجهاضها عدة مرات، مدعيا ان جهوده الشخصية هي التي ادت الى تعيين كرزاي. ويصر كذلك على انه شجع محمد ظاهر شاه على العودة، لكن الحقيقة هي انه ادان دور الملك ووصفه بان «انقرض مثله مثل الديناصورات».

ومع ان علاقة رباني بالقادة الشباب من تحالف الشمال تعتبر حاليا اضعف مما كانت عليه في اوائل التسعينات حينما كان احمد شاه مسعود داعمه الاساسي، الا انه ما يزال يحافظ على قدر كبير من النفوذ في اوساط الجيش والشرطة وذلك من خلال حلفائه الذين يديرون وزارتي الدفاع والداخلية. ورغم انه اكد لمسؤولي الامم المتحدة وللمسؤولين الاجانب الذين يشرفون على تنظيم اللويا جيرغا، انه سيلتزم بنتائج المؤتمر مهما كانت، الا انه ما يزال على صلات وثيقة بالعديدين من القادة التاجيك والاوزبكيين بالشمال الذين لا يدينون بولاء يذكر لكرزاي ولا يكنون احتراما لقومية البشتون من جنوب البلاد.

وعلى عكس رباني، فان ظاهر شاه، الذي ينتمي الى البشتون وتربطه قرابة بعيدة مع كرزاي، يصور رئيس الحكومة الانتقالية كاداري بارع وكحليف هام. ويقول اقرباء الملك واصدقاؤه ذوو الطموح الواسع الذين رافقوه خلال 30 عاما من المنفى في ايطاليا، انه سيسعى الى نوع من المشاركة في السلطة مع كرزاي، اذا انتخب رئيسا للدولة. وقال ظاهر شاه بتواضع مكتسب عندما سئل عما اذا كان سيسعى لتولي القيادة عندما تبدأ اللويا جيرغا اعمالها: «الشعب هو الذي سيقرر وليس انا، لقد عدت الى البلاد بمناسبة انعقاد اللويا جيرغا لأكون بالقرب من شعب افغانستان. وانا لن اتدخل في الاجراءات، ولكنني مستعد لتقديم النصح والاستشارة لو طلب مني المشاركون كذلك».

والملك السابق بادي الضعف، وهو يحاول تفادي الاسئلة المتعلقة بطموحه الشخصي بالتأكيد انه من غير «اللائق ان نتحدث مسبقا عن ارادة الشعب». لكن اتباعه المتحلقين حوله يسارعون للاشارة الى ان تحالفا بين الملك السابق كرئيس رمزي للدولة وبين كرزاي في المنصب التنفيذي الاول سيجمع سلطات الملك السابق والمهارات العالية، الدبلوماسية والادارية لكرزاي. اما الدبلوماسيون الاجانب وهم قادمون جدد الى هذه العاصمة، ومتأثرون كثيرا بالتفكير الرغبوي، فيعتقدون ان كرزاي سينتخب رئيسا للدولة. وقال احد هؤلاء الدبلوماسيين: الاغلبية الساحقة من الافغان لها نظرة ايجابية جدا للسلطة الانتقالية، وهذا لا يعني انهم لا يعرفون انها مدعومة من الغرب، ولكنهم لا يعتقدون ان ذلك شيء سيئ. وقد ادى كرزاي دوره كزعيم قومي بصورة افضل مما كان الكثيرون يتوقعونها. ويتحدث كرزاي الانجليزية والفرنسية بطلاقة، وهو مهذب ووافر الكرامة الشخصية ولذلك استطاع ان يحقق التوازن بين الحاجة الموضوعية للعون الاجنبي وبين رعب الافغان ونفورهم من ان يراهم الغير في موقع المتسولين. وفي هذا الصدد فان كرزاي قد تخطى كل التوقعات، على الاقل في هذه العاصمة التي اخذت تستعيد عافيتها.

ويلاحظ الدبلوماسيون انه بصرف النظر عن نتائج المنافسة على الرئاسة فانه من المهم استيعاب الشماليين بصورة ما لتحقيق توازن اثني وسياسي في حالة تولي ظاهر شاه وكرزاي، وكلاهما من البشتون، للمنصبين الرئيسيين. ومن المأمول ان تبقي اللويا جيرغا على عبد الله عبد الله وزيرا للخارجية، وهو من التاجيك خاصة ان اتقانه للغة الانجليزية وطبعه الرزين قد نالا الاعجاب من كثير من الغربيين. ومن المتوقع كذلك اسناد منصب مرموق لرباني في الحكومة المقبلة، ان لم يكن لشيء فعلى الاقل لتفادي المشاكل التي يمكن ان يسببها اذا كان غاضبا. واصر الدبلوماسي ان «كرزاي هو الوحيد الملائم ليصبح رئيسا للدولة، ان عهد الملك الذي استمر 40 عاما لم يكن عهدا متميزا، اما حكم رباني فقد كان كارثة. والخيار يبدو لنا واضحا نحن الاجانب، ولكن هذا لا يعني الكثير. هناك عقبات كثيرة في الطريق».

*خدمة «لوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»