وزارة العدل الأميركية تمنح رجال المباحث صلاحيات جديدة تشمل مراقبة المساجد

TT

في إطار التعديلات الهيكلية التي تجريها وزارة العدل الاميركية بهدف منع وقوع هجمات إرهابية جديدة في الولايات المتحدة، أعلنت الوزارة امس إرشادت جديدة تمنح مكتب المباحث الفيدرالي (اف. بي. آي) صلاحيات أكبر في مراقبة الأماكن العامة.

وبموجب هذه التعديلات، فان عملاء مكتب المباحث صار بإمكانهم، مثلا، الدخول الى المؤسسات الدينية ومواقع شبكة الانترنت بدون تقديم دليل على وجود نشاط جنائي. ويتبع مكتب المباحث، إدارياً، إلى وزارة العدل.

وسيكون لهذه التعديلات، التي تأتي ضمن جهود وزارة العدل في مكافحة الارهاب، تغيير بارز في نشاط مكتب المباحث، حسبما افاد مسؤولون من الوزراة واشاروا الى ان عملاء مكتب المباحث كان لديهم في الماضي الحق في اجراء عمليات المراقبة هذه في حال كانت بحوزتهم معلومات محددة، إلا أنهم كانوا يترددون لغموض تلك الصلاحيات. واوضح المسؤولون ان المعايير الجديدة ستزيل قيودا خطيرة كانت تعيق سابقا جهود مكافحة الارهاب.

وقال مسؤول كبير في هيئات تطبيق القانون «المشكلة هي أننا نواجه اشخاصاً مثل (زكريا) موساوي او اي من الخاطفين الذين عرف عنهم انهم يقضون اوقاتا كثيرة في المساجد او المؤسسات المماثلة، التي يصعب علينا ان نعرف ماذا يخططون بداخلها». يذكر ان موساوي، الفرنسي من اصل مغربي، هو المتهم الوحيد في قضية هجمات 11 سبتمبر (ايلول) الماضي، وتعتبره السلطات الاميركية بمثابة الخاطف العشرين، الذي لم يتمكن من المشاركة في الاعتداءات، فقط لانه كان داخل السجن في قضية مخالفته قوانين الهجرة. وكان موساوي قد اعتقل بعد ان اثار شبهات سلطات مدرسة الطيران التي كان يدرس فيها.

واشارت المصادر الى ان الشيخ عمر عبد الرحمن الذي يقضي عقوبة في السجن بالولايات المتحدة، لادانته في قضية الهجوم على مركز التجارة العالمي عام 1993، تمكن من كسب اتباعا على علاقة بتنظيم «القاعدة» حين كان يخطب في مساجد ببروكلين (ولاية نيويورك) وجيرسي سيتي (ولاية نيوجيرسي).

وبما أن تقارير تحدثت مسبقاً عن التعديلات الجديدة، فان عدداً من جمعيات الدفاع عن الحقوق المدنية اعرب عن تحفظاته وانتقاداته لمنح هذه الصلاحيات الكبيرة لضباط المباحث. وقالت لورا ميرفي مديرة «اتحاد الحقوق المدنية الاميركية» إن مكتب «اف. بي. آي» صار يقول للاميركيين، «إنه لا يحق لكم القيام بعمل غير قانوني حتى تتجنبوا قدوم الضباط ودقهم ابوابكم». واضافت ميرفي «قد تكونون تؤدون عملاً مشروعاً مثل ممارسة العبادة او المشاركة في غرفة محادثة، في الوقت الذي يتجسس» عليكم ضباط المباحث.

وتتحدث ارشادات وزارة العدل الجديدة عن حق دخول ضباط المباحث الى الاماكن العامة والمنتديات، بما في ذلك، غرف المحادثة على الانترنت، بهدف المراقبة واحتمال التحقيق. وعلى الرغم من ان الارشادت لا تذكر تحديداً المؤسسات الدينية، فان مسؤولا في وزارة العدل قال الليلة قبل الماضية ان آثار التغييرات الجديدة ستمكن ضباط المباحث من مراقبة المساجد من النوافذ. وقال المسؤول «هذه اماكن مفتوحة. لم يعد مطلوباً منهم، فقط لكونهم ضباط مباحث، غض الطرف عن انشطة مرئية للجميع».

وأعلن عن هذه الارشادات الجديدة، بعد يوم واحد، من اعتراف مدير «اف. بي. آي» روبرت مولر بأن المكتب فشل في التعامل باقتدار مع إنذارات «حمراء» صدرت في ولايتي مينيسوتا وأريزونا قبل 11 سبتمبر، وكان من الممكن ان تؤدي التحقيقات بشأنها الى الخاطفين الانتحاريين.

وجاء اعتراف مولر مع كشف مكتب المباحث عن مذكرتين تحذيريتين اخريين صدرتا قبل 11 سبتمبر، ونقلتا الى الكونغرس للتحقيق بشأنهما.

ففي مذكرة صدرت عام 1998، أبلغ طيار عميل في اوكلاهوما سيتي رؤساءه عن اشتباهه في «اعداد كبيرة» من اشخاص عرب يتلقون تدريبات في مناطق المطارات. وقال الطيار في مذكرته «ان الظاهرة الحديثة» ربما تتعلق بـ «نشاط إرهابي مخطط». والضابط الذي تلقى هذه المذكرة من الطيار، لم يوصلها في حينها الى المقر الرئيسي لمكتب المباحث في واشنطن، ولم يتم التحقيق أبداً بشأن هذه القضية، حسبما افاد مسؤول كبير في «اف. بي. آي».

أما المذكرة الثانية، فقد حذر فيها مسؤولون استخباراتيون من ان دولة شرق اوسطية حاولت شراء جهاز تدريب، الامر الذي يخرق القوانين الاميركية. لكن المصادر التي كشفت عن الامر اول من امس لم تعلن عن تاريخ المذكرة ولا عن اسم الدولة المعنية.

واكدت المصادر ان كلتا المذكرتين تم تحويلهما الى الكونغرس لدراستها وبحث تجاهل التحذيرات والاسباب التي أدت لفشل الاستخبارات الاميركية في التنبؤ بهجمات سبتمبر.

وعلى الرغم من ان المسؤولين في مكتب المباحث قللوا من اهمية المذكرتين الجديدتين، فان تلك التحذيرات تعتبر نموذجاً لما وصفه مولر بالفرص التي تم تضييعها في محاربة الارهاب.

وبتأكيده انه «يجب علينا أن نتغير»، كشف مولر عن خطة لاعادة هيكلة مكتب المباحث، قال انها تهدف لتطوير استراتيجية تمنع هجمات مستقبلية.

وقال مولر لصحافيين «لم يكن هناك تحذير محدد (قبل 11 سبتمبر) حول هجوم في يوم محدد، ولكن ذلك لا يعني أنه لم تكن هناك أعلام حمراء». واوضح مولر انه شخصياً تعرض الى إساءة فهم حين أنكر وجود تحذيرات قبل 11 سبتمبر.

وكان مكتب المباحث قد تعرض الى انتقادات شديدة خلال الاسابيع القليلة الماضية، بشأن تجاهله لمذكرة كتبها عميل في مدينة فينكس (ولاية أريزونا) قبل 11 سبتمبر وحذر فيها من نشاطات طلاب طيران عرب، وكذلك لجهود عملاء في مينيبوليس (ولاية مينيسوتا) في الحصول على امر بتفتيش جهاز كمبيوتر واغراض شخصية اخرى تابعة لموساوي قبل وقوع الهجمات.

لكن مولر اكد اول من امس انه لم يكن بامكان مذكرة فينكس ولا مينيبوليس ولا غيرها ان تقود المحققين لكشف مؤامرة 11 سبتمبر.

واثناء اعلانه المرحلة الثانية من اعادة تنظيم هيكلية المكتب قال مولر «من المهم للغاية لقدرتنا على التعامل مع الارهاب ان تكون لنا ادارة تتمتع بالحيوية والنشاط وتكون قادرة على تحليل المعلومات». واضاف «مهم للغاية ان تكون لنا اتصالات تمكننا من منع وقوع الهجوم القادم. ما يتعين علينا فعله كمنظمة هو ان نضع خيوط المعلومات جنبا الى جنب».

ومما تشمله خطة اعادة هيكلة مكتب «اف. بي. آي» زيارة عدد الضباط العاملين في مجال مكافحة الارهاب الى 3718 ضابطا ومسؤولا، بعد ان كان عددهم .2178 كما تشمل الخطة نقل 480 ضابطا للعمل في مكافحة الارهاب بدلا من مكافحة الجريمة والمخدرات. ومن المجالات الاخرى التي ستشهد تغييرا انشاء مكتب للاستخبارات يديره ضابط من وكالة الاستخبارات المركزية «سي. آي. إيه».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ وخدمة لوس أنجليس تايمز ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»