مذكرة داخلية تكشف تعثر برنامج إلكتروني لدى المباحث الأميركية للتنصت على رسائل «القاعدة»

TT

كشفت مذكرة داخلية تابعة لمكتب المباحث الفيدرالي الأميركي (إف.بي.آي) أن المكتب تعامل بشكل غير مناسب مع عملية مراقبة شملت تنظيم أسامة بن لادن منذ عامين، وذلك بسبب مشاكل فنية متعلقة ببرنامج «كارنيفوري» الخاص برسائل البريد الالكتروني المثير للجدل، والذي تبين من خلاله أن إف .بي،آي لم يكن قادرا على إدارة عملية التنصت التي كان يقوم بها. وجاء في المذكرة التي كشف عنها يوم الثلاثاء أن محاولة جرت خلال شهر مارس (آذار) من عام 2000 لمراقبة بريد إلكتروني خاص بمشتبه فيه لم تحدد هويته جانبت هدفها عندما التقط برنامج «كارنيفوري» رسائل لأشخاص لا علاقة لهم بعملية المراقبة.

وقد حصل مركز حماية خصوصية المعلومات الإلكترونية الخاصة، وهو جماعة تتمركز في واشنطن وتعارض تقنية المراقبة، على نسخة من مذكرة إف.بي.آي.

ويتيح برنامج الحاسوب الآلي «كارنيفوري»، الذي أطلقت عليه تسمية أخرى هي دي.سي.إس 1000، للمحققين التقاط أية رسائل بريد إلكتروني ترسل من أو إلى من يشتبه في ممارسته لأنشطة إجرامية أو إرهابية. لكن المذكرة التي كشف النقاب عن محتواها تشير إلى أنه في حالة واحدة على الأقل التقط البرنامج رسائل بريد إلكتروني خاصة بأشخاص أبرياء لا علاقة لهم بالتحقيقات الجارية.

هذه الواقعة أضافت جديدا إلى القائمة المتزايدة من المزاعم المتعلقة بأخطاء «إف.بي.آي» التي ارتكبت قبل الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، بما فيها دليل يشير إلى أن المقر الرئيسي لمكتب المباحث الفيدرالي تجاهل طلب الحصول على إذن تفتيش قضائي خاص بقضية زكريا موساوي المتهم بأنه الخاطف المفترض رقم 20 في هجمات 11 سبتمبر (أيلول)، كما تجاهل تحذيرات متكررة متعلقة بإرهابيين تلقوا تدريبات في الطيران، نقلها عميل للمكتب في ولاية أريزونا. وتسببت المذكرة أيضا في إثارة المزيد من الانتقاد لبرنامج «كارنيفوري»، الذي تنتقده جماعات الحقوق المدنية، وفي إثارة الشكوك المتعلقة بتأكيدات إف.بي.آي بأن البرنامج يوفر قدرة «هائلة» على التقاط رسائل البريد الإلكتروني المستهدفة، عند انتقالها في الفضاء الإلكتروني. لكن المتحدث باسم إف.بي.آي جون كولنغوورد قال إن ما حدث كان خطأ نادرا نتج عن مشاكل تقنية متعلقة بالشركة التي توفر خدمة «الإنترنت»، وليس بالمكتب.

المذكرة التي تقع في صفحة واحدة وعليها تاريخ يوم 5 إبريل (نيسان) عام 2000، وقد أرسلت عبر البريد الإلكتروني، كان المقصود منها تحديد المشاكل التي نشأت خلال قضية دينفر الإرهابية الخاصة بماريون باومان، الشهير بسبايك، مستشار إف.بي.آي لشؤون الأمن القومي. وقد نفى باومان التعليق على ما جاء في المذكرة، كما رفضت السلطات المعنية تحديد هوية كاتب المذكرة أو توفير المزيد من التفاصيل بشأن القضية.

هذه القضية المتعلقة بشعبة أسامة بن لادن، أو ما يطلق عليها «يو.بي.إل»، والتي تحقق في أعضاء تنظيم القاعدة المشتبه في أنشطتهم، خضعت لمساءلة الكونغرس خلال الأسابيع الماضية، بسبب دورها في التستر على مذكرة بعث بها خلال شهر يوليو (تموز) من عام 2001 عميل مكتب المباحث الفيدرالي في منطقة فونيكس، كينيث ويليامز، أشار فيها إلى أن أعضاء في تنظيم القاعدة قد يكونون تسللوا لمعاهد طيران، وطلب أن يتحرى المكتب أمرهم لعلاقتهم بمنطقة الشرق الأوسط.

وحسبما جاء في المذكرة، آنفة الذكرة، فإن شعبة يو.بي.إل كانت قد حصلت خلال شهر مارس (آذار) من عام 2000 على إذن قضائي استنادا لقانون مراقبة التجسس الأجنبي، لاستخدامه بحق مشتبه فيه، في إطار عملية تحقيق تمت في دينفر، وكانت تلك آخر قضية معروفة.

وتضمنت المذكرة أسماء المشتبه فيه وجميع من كانت لهم علاقة بالقضية، باستثناء اسم باومان، الذي تم إخفاؤه من النسخة التي حصل عليها مركز حماية خصوصية المعلومات الإلكترونية.

وتضيف المذكرة أنه في يوم 16 مارس (آذار)، خلال ذلك العام، «تم تشغيل برنامج كارنيفوري، لكنه لم يعمل كما يجب»، حيث التقط رسائل إلكترونية تخص المستهدف وتخص آخرين لا علاقة لهم بالقضية.

وتسترسل المذكرة بالقول :لقد شعر الموظف الفني في إف.بي.آي بالغضب الشديد كما يبدو إلى درجة أنه قام بإتلاف جميع رسائل البريد التي التقطها البرنامج، بما فيها تلك المتعلقة بالهدف المقصود. لكن كولنغوود، المتحدث باسم إف.بي.آي، قال إن المذكرة لم تكن دقيقة، وإن رسائل البريد الإلكتروني التي تم التقاطها خلال العملية محفوظة وما زالت مغلفة في المحكمة التي تشرف على أشرطة التسجيل السرية.

وتشير المذكرة أيضا إلى اتصال عبر البريد الإلكتروني يحدد «أخطاء» أخرى ارتكبت استنادا لقانون مراقبة التجسس الأجنبي، كما تزعم بأن «جملة من الوقائع تشير إلى مكتب متخصص تابع لوزارة العدل الأميركية (مكتب مراجعة قضايا جميع المعلومات) يشير إلى عندم تمكن إف.بي.آي من التعامل مع القانون المذكور».

وقال مسؤول في جهاز الضبط القضائي يوم الثلاثاء إن الفقرة المذكورة قد تكون متعلقة بمشاكل متواصلة متعلقة بطلبات تقدم بها مكتب المباحث الفيدرالي للمحكمة المتخصصة في القانون المذكور، والتي تقوم بالموافقة على الطلبات. وكانت المحكمة قد منعت أحد عملاء المكتب من التقدم ببعض القرائن خلال عام 2000 على اعتبار أنها ليست قطعية، وقد ثبت من خلال مراجعة شاملة وجود مشاكل مشابهة في حالات أخرى، كما أشارت إلى ذلك مصادر مطلعة.

وقد اعتاد مكتب المباحث الفيدرالي على استخدام البرنامج الذي أطلق عليه في السابق «كارنيفوري»، لما يقرب من ثلاث سنوات، استنادا إلى تفويض قضائي، من أجل التنصت على اتصالات تتم عبر شبكة الإنترنت ومن أجل تحديد من يقومون بكتابة رسائل البريد الإلكتروني، وتسجيل محتويات الرسائل. وهي تفعل ذلك من خلال التقاط «جرعات» المعلومات التي تحتوي على تلك التفاصيل.

وكان أنصار الحقوق المدنية وبعض المشرعين قد أعربوا عن مخاوفهم لأن هذا البرنامج قد يتمكن من كشف الاتصالات الخصوصية المتعلقة بأنشطة قانونية يمارسها آخرون، إلى جانب تلك الخاصة بالخاضعين للتحقيق. لكن مسؤولي «إف.بي.آي» ظلوا يرددون وهم يردون على الانتقادات، إن البرنامج لا يشكل تهديدا يذكر لمسألة الخصوصية لأنه قادر على التقاط الأجزاء الدقيقة المستهدفة من الاتصالات. وذلك هو ما طرحه مسؤولو المكتب للكونغرس خلال صيف عام 2000، بعد أشهر محدودة من الكشف عن عملية المراقبة التي تمت في قضية دينفر.

لكن وقبل هجمات الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية، قال متحدث باسم «إف.بي.آي» إن المكتب استخدم برنامج «كارينفوري» بشكل نادر لأن الشركة التي توفر خدمات الإنترنت لم تكن قادرة على الوفاء بالمتطلبات الفنية اللازمة لعملية مراقبة المشتبه فيهم. وأضاف المكتب أنه استخدم البرنامج المذكور فقط مرتين منذ شهر يناير (كانون الثاني) وحتى أواسط أغسطس (آب) الماضي.

ومنذ ذلك الحين، ظل المكتب يكرر رفضه مناقشة أو التحدث عن عدد المرات التي استخدم فيها البرنامج المذكور خلال الأشهر الأخيرة الماضية، طارحا أن استخدام البرنامج معفي من قوانين الكشف عن المعلومات.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»