الحرب الإسرائيلية الأخيرة على الفلسطينيين مخططة منذ 1997 ولا علاقة لها بالحملة ضد «الإرهاب»

TT

يتضح من اكثر من رواية لأكثر من مصدر عسكري وسياسي في اسرائيل، ان العمليات الحربية الاخيرة التي نفذتها القوات الاسرائيلية ضد المدن الفلسطينية والقرى والمخيمات المحيطة بها خلال الشهرين الفائتين، استندت الى خطة حربية مفصلة كانت قد وضعتها دائرة التخطيط في الجيش منذ سنة 1997، ولا علاقة لها البتة بالانتفاضة او بما يسمى بـ«مكافحة الارهاب الفلسطيني» والعمليات الانتحارية داخل اسرائيل.

وقد وضعت الخطة الحربية المذكورة، في حينه، بعد ان نشبت الصدامات الدامية بين قوات الاحتلال وبين الشرطة الفلسطينية في شهر سبتمبر (أيلول) سنة 1996، التي قتل فيها مائة رجل شرطة فلسطيني و19 جنديا اسرائيليا. المعروف ان تلك الصدامات نشبت اثر قرار الحكومة الاسرائيلية فتح نفق تحت اسوار القدس القديمة، قيل في حينه انه يزعزع اركان مباني الحرم القدسي الشريف (بما فيه الصخرة المشرفة والأقصى المبارك). فخرج عشرات الوف الفلسطينيين يتظاهرون في الشوارع ويتقدمون نحو الحواجز العسكرية القائمة على مداخل المدن الرئيسية. فراح الجيش الاسرائيلي يخيف المتظاهرين بالرصاص ويحاول التقدم نحوهم بطرق استفزازية، فتصدى لهم رجال الشرطة وغيرها من قوى الأمن الفلسطينية. ووقعت الاشتباكات بين الطرفين مباشرة.

وقد اثارت هذه الاشتباكات ونتائجها قلقا شديدا في الاوساط السياسية والعسكرية في اسرائيل، خصوصا ان اليمين كان قد انتصر لتوه في الانتخابات (التي جرت في مايو/ايار من العام نفسه وتغلب فيها بنيامين نتنياهو على شيمعون بيريس في رئاسة الحكومة). وبدأ يرسم مخططاته للقضاء على اتفاقيات اوسلو ونتائجها. واختلف العسكريون، يومها، في تفسير الظاهرة. فأولئك الذين شاركوا في وضع الاتفاقيات الأمنية، وبينهم رئيس اركان الجيش الجديد امنون لفكين ـ شاحاك (الذي كان مفاوضا رئيسيا في المحادثات الأمنية)، اعتبروا ذلك الصدام ازمة عابرة. واتجهوا نحو المرور عليها ومواصلة التعاون مع اجهزة الامن الفلسطينية. والباقون، خصوصا معارضي اتفاقات اوسلو منهم، اعتبروا الصدام علامة خطيرة تحتم اعادة النظر في الاتفاقيات. وبعضهم ضغط باتجاه اعداد خطة لتحطيم هذه الاجهزة تماما وانتظار الوقت المناسب لتنفيذها.

وفي نهاية عام 1997 كانت الخطة العسكرية الحربية ناجزة. وظل موضوع تنفيذها موضع نقاش داخل المؤسسة الاسرائيلية العسكرية والسياسية. وقد اسقطت عن جدول البحث في فترة حكم ايهود باراك (1999 ـ 2000). ولكنها طرحت من جديد بعد اندلاع الانتفاضة. وطرحها رئيس الاركان الحالي، الجنرال شاؤول موفاز، ونائبه موشيه يعلون، مجددا عندما صعد ارييل شارون الى الحكم. وتبناها الجنرال يتسحاق ايتان، قائد قوات الجيش الاسرائيلي في الضفة الغربية، الذي كان احد المشاركين الاساسيين في اعدادها. وبات واضحا للقيادة العسكرية ان تنفيذ الخطة هو مسألة وقت لا اكثر. وانتظروا اللحظة المناسبة لذلك، بعد ان اجروا عليها آخر التعديلات.

وهكذا، تم اختيار اللحظة، عندما وقعت عملية نتانيا (عندما قام شاب فلسطيني بتفجير نفسه داخل حفلة عيد الفصح في فندق «بارك» في المدينة مساء 28 مارس/آذار) الماضي. وفي حينه اتضح ان نائب الرئيس الأميركي، ديك تشيني، اطلع على تفاصيلها خلال زيارته للمنطقة. وقد اعترف الجنرال ايتان بهذه الوقائع، جزئيا، خلال مقابلة تلفزيونية مع القناة الثانية الاسرائيلية، مساء أول من امس الجمعة. وقال: «لقد تصورت هذا السيناريو للحرب منذ سنة 1996».

وتؤكد مصادر اسرائيلية اخرى ان التطبيق الفعلي لهذه الخطة، بدأ عمليا، بعد ثلاثة اشهر من حكم شارون. حين اخذت القوات الاسرائيلية تنفذ عمليات القصف والتدمير ضد اجهزة الامن الفلسطينية، على الرغم من ان العمليات الفدائية نفذت بأيدي عناصر «حماس» و«الجهاد الاسلامي» و«الجبهة الشعبية» المعارضة.

والمعروف ان اجهزة الأمن الفلسطينية وحتى مقاتلي تنظيم «فتح» امتنعوا عن القيام بعمليات فدائية داخل اسرائيل معظم فترة الانتفاضة. وقد حاولت القوات الاسرائيلية جرهم الى الحرب بعدة عمليات استفزازية، مثل اغتيال قائد «فتح» في محافظة طولكرم مدير عام وزارة الصحة، د. ثابت ثابت (وهو معروف بنشاطاته السلمية العديدة مع قوى السلام الاسرائيلية) والاغارة على مباني ومقرات اجهزة الأمن والشرطة واغتيال عدد من عناصرها القيادية. ولم تنخرط قوات «فتح» في العمليات داخل اسرائيل، الا بعد اغتيال قائدها في طولكرم، رائد الكرمي، قبل اربعة اشهر.