وزير الخارجية الإيراني يقدم استقالته احتجاجا على مشروع لمساءلته في البرلمان عن إخفاقات لوزارته

TT

أكد مسؤول ايراني رفيع في حديث خاص مع «الشرق الأوسط» صحة المعلومات المتداولة منذ أسبوع في طهران حول تقديم وزير الخارجية كمال خرازي استقالته، نافياً ان يكون الرئيس محمد خاتمي قد قبل بشروط خرازي للتراجع عن الاستقالة ومنها أن يسحب الرئيس ثلاثة من النواب الاصلاحيين المقربين من الرئيس خاتمي ورقة مساءلة لوزير الخارجية قدمها الى البرلمان ووقع عليها ثمانية نواب حتى الآن.

وقال المصدر لـ«الشرق الأوسط» ان كون خرازي مرتبطاً ببيت مرشد النظام آية الله علي خامنئي (ابن المرشد متزوج من ابنة شقيقة خرازي) قد وفر له غطاء لا يحظى به أي وزير آخر، ولهذا فان خرازي لم يكن ليتصور ان النواب قد يقتربون منه متجاوزين الخطوط الحمراء بغية مساءلته. وقد ازعجه كثيراً اقدام احد النواب الأعضاء في لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية على جمع التواقيع على ورقة مساءلة برلمانية حول عدم فاعلية سياسة ايران الخارجية وافتقار وزير الخارجية للمؤهلات المطلوبة في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ ايران لصيانة مصالح البلاد العليا ومنع تعرض الأمن القومي والسيادة الايرانية على اراضيها ومياهها للتهديد.

وما يجدر ذكره ان خرازي لم يكن ضمن رجال خاتمي بل ان مواقفه ونهجه وعمله كانت تؤهله للعمل في أجهزة المرشد وليس ضمن فريق عمل الرئيس الاصلاحي، غير ان مرشد النظام رفض بقوة اسناد حقيبة الخارجية الى شخصيات قريبة من خاتمي مثل محسن امين زادة وعلي رضا معيري والدكتور محمد صدر، مما سبب في أن يختار خاتمي خرازي للحيلولة دون فرض علي اكبر ولايتي وزير الخارجية السابق عليه، علماً ان ولايتي يتولى الان رئاسة الرابطة العالمية لأهل البيت كما انه مستشار لمرشد النظام في شؤون السياسة الخارجية. وفي يونيو (حزيران) الماضي، وعقب فوز خاتمي الساحق في الدورة الثانية لرئاسته، قرر الرئيس الايراني اجراء تعديلات اساسية في حكومته، وناقش موضوع تعيين معيري السفير الحالي لدى فرنسا أو محمد صدر مساعد وزير الخارجية حالياً وزيراً للخارجية مكان خرازي، إلا ان قراره هذا اصطدم من جديد برفض مرشد الثورة الذي أصر على ان يبقى خرازي على رأس الجهاز الدبلوماسي الايراني.

وقد أثار قرار ابقاء خرازي استياءً كبيراً لدى النواب الاصلاحيين الذين يعتبرون الوزير خرازي من رجال مرحلة التكتم والحوارات ما وراء الستار، بينما ايران خاتمي بحاجة الى دبلوماسية فعالة ووزير خارجية قاطع وصريح الذي يستطيع ان يدافع بصلابة واقتدار عن مصالح البلاد العليا. ويتهم بعض النواب خرازي وحاشيته في الوزارة بالضعف وعدم التمتع بنظرة بعيدة للأمور.

وخلال قمة عشق آباد الأخيرة فوجئ الرئيس خاتمي باذاعة خبر توقيع اتفاقية بين روسيا وقزاقستان وروسيا وأذربيجان لتقسيم بحر قزوين. وكان وزير الخارجية قد طمأن خاتمي على ان روسيا ستظل ملتزمة باتفاقياتها السابقة مع ايران وخلال قمة عشق آباد، سيبادر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بطرح مقترحات جديدة حول النظام الحقوقي المستقبلي لبحر قزوين. وما حصل في عشق آباد لم يكن متطابقاً مع توقعات خرازي فحسب، بل ان خاتمي اعتبر اعلان توقيع اتفاقية ثنائية بين روسيا وقزاقستان، اساءة الى شخصه ومحاولة لحرمان ايران من حقوقها المشروعة في بحر قزوين.

والمتابعون لشؤون ايران، قد رصدوا منذ عودة الرئيس خاتمي من سفره الى آسيا الوسطى اختفاء خرازي أكثر فأكثر من اجتماعات مجلس الوزراء والمجلس الأعلى للأمن القومي، واعتماد خاتمي اكثر فأكثر على صدر وأمين زادة بوزارة الخارجية ومحمد علي ابطحي في المكتب الرئاسي.

وحينما أوفد خاتمي أبطحي الى الامارات في زيارة مهدت الطريق لزيارة الشيخ حمدان بن زايد وزير الدولة الاماراتي للشؤون الخارجية لطهران، قبل تطورات عشق آباد، لم تكن هناك مؤشرات ودلالات واضحة حول استياء رئيس الجمهورية من وزير خارجيته، غير ان غياب خرازي في مراسيم استقبال الشيخ حمدان ومن ثم لقاءه مع الرئيس خاتمي، وكون لقاؤه مع المسؤول الاماراتي بروتوكولياً، قد كشف عن وصول علاقات الرئيس خاتمي مع وزير خارجيته الى نقطة حساسة لم يعد باستطاعة اي منهما تجاوزها من دون تسويتها او خروج خرازي من الحكومة كرهاً او طوعاً.

وعلمت «الشرق الأوسط» ان رسالة مساءلة خرازي المرفوعة الى البرلمان احتوت عدة نقاط أهمها:

ـ اهمال وزير الخارجية في أمر حراسة حقوق ايران في بحر قزوين.

ـ فشل وزارة الخارجية في ضمان موطئ قدم لايران في افغانستان وما أسفر عن ابعاد ايران من أفغانستان سياسياً واقتصادياً.

ـ فشل وزارة الخارجية في اقناع حكومة حميد كرزاي بعدم توقيع اتفاقية نقل النفط والغاز من تركمانستان الى باكستان عبر أفغانستان في الوقت الذي كان كرزاي قد وعد خلال زيارته الى طهران بأن يسعى لتغيير مسار خطوط نقل الغاز لضمان عبورها من ايران مقابل تزويد بلاده من قبل ايران بالنفط الرخيص والغاز المجاني.

ـ فشل وزير الخارجية في تقديم ايضاحات مقنعة حول اتصال ابن شقيقه ومساعده السابق صادق خرازي مع الدبلوماسيين الأميركيين.

ـ عدم توظيف الدبلوماسيين المؤهلين في مناصب دبلوماسية حساسة والاعتماد على الروابط العائلية والصداقات لتعيين اعضاء البعثات الدبلوماسية.

وكان خرازي قد هدد قبل اسبوعين في اجتماع لمجلس الوزراء بتقديم استقالته ما لم يتم سحب ورقة مساءلته، غير ان خاتمي اكد انه من حق النواب مساءلة الوزراء، ورئيس الجمهورية لن يتدخل لحرمان نواب الشعب من حقهم الأساسي. وقد خرج خرازي من اجتماع مجلس الوزراء من دون ان يحدد ما اذا كان سيقدم استقالته أم انه سينتظر رسالة من مهدي كروبي رئيس البرلمان لحضور جلسة مساءلته.

ويستبعد أحد النواب الاصلاحيين ان تتم مساءلة خرازي في وقت قريب بسبب اجواء الخوف التي تسود البرلمان منذ اجتماع النواب مع مرشد النظام في الأسبوع الماضي في «يوم البرلمان». وأشار النائب الى ان المرشد حذر النواب من تجاوز الخطوط الحمراء وخرازي هو أحد الخطوط على حد قول النائب الاصلاحي.