من شرطي خارق إلى جاسوس خارق.. مكتب المباحث الفيدرالي يضع أميركا تحت المراقبة

TT

واشنطن ـ وكالات الانباء: يجند مكتب المباحث الفيدرالي (اف.بي.اي) كل طاقاته لمواجهة تحدي الارهاب، ليختار التحول الى جاسوس خارق لمراقبة الاميركيين والاجانب في الولايات المتحدة بشكل اكثر دقة وفاعلية. وكما كان الحال في الخمسينات والسبعينات، سيتسلل عناصره من الآن وصاعدا الى ميادين السياسة والدين والحياة الخاصة وحرية التعبير، وهي ميادين شديدة الدقة والحساسية.

وهم مسلحون في خطوتهم هذه بمبرر فائق هو هجمات 11 سبتمبر (ايلول) الماضي التي استوجبت اجراء اصلاح عميق في صفوف اجهزة الامن الاميركية. وبعد ان عمل وزير العدل جون اشكروفت ومدير اف.بي.اي» روبرت مولر على وضع تفاصيل مشروعهما خلال الاشهر التي تلت الاعتداءات، عرضا خطتهما على الاميركيين، معلنين وضعها موضع التنفيذ فورا، وبمباركة الرئيس جورج بوش.

ويتضمن الشق الرئيسي من هذا الاصلاح انشاء جهاز استخبارات داخل الـ«اف.بي.اي» يعمل بشكل مستقل، وذلك للمرة الاولى في تاريخ المكتب. ويشبه هذا الجهاز الذي سيطلق عليه اسم «مكتب الاستخبارات»، ادارة مراقبة الاراضي الفرنسي لمكافحة التجسس او جهاز الامن الداخلي الاسرائيلي (شين بيت).

وسيوضع بادارة مسؤول سابق في وكالة المخابرات المركزية (سي.آي.ايه). و«اف.بي.اي» مخول عمليا بمراقبة الاجتماعات السياسية والتجمعات الدينية ومنتديات المناقشة عبر الانترنت. وسيتم تجهيز عناصره بوسائل تقنية شديدة التطور تمكنهم من دخول بنك المعلوماتية المخصص حتى الآن للمستهلكين ورجال الاعمال والعلماء، من اجل رصد أي دليل يشير الى نشاط ارهابي.

وقال اشكروفت في سياق عرض تعليماته: «ان كان هناك مكان يستقبل الجمهور، وكان الجمهور موضع ترحيب فيه، فان «اف.بي.اي» ايضا يكون موضع ترحيب فيه». ولن يكون عمل عناصر «اف.بي.اي» بعد الآن مقيدا كما كان الحال من قبل بوجوب الحصول على مذكرة من قاض تسمح لهم بدخول مسجد او احتفال ديني او اجتماع سياسي او بفرض تنصت هاتفي او معلوماتي على شخص ما.

واوضح اشكروفت: «ينبغي السماح للعناصر على الارض بهامش مبادرة اكبر، ولا سيما في مجال تدارك الامور، مما يمنحهم قدرة اكبر على جمع معلومات حول جرائم لم ترتكب بعد». واثار الغموض الذي يلف تعريف السلطات «النشاط الارهابي» قلق انصار الحريات الفردية الذين يخشون من حصول تجاوزات.

وقال وزير العدل: «ان معظم الناس يعتقدون ان قوة تمارس بشكل اعتباطي،وغير شرعي بهدف اثارة الفوضى في البلاد وبلبلة نظامها السياسي وقدرتها على اتخاذ قرارات هي من العناصر الرئيسية للارهاب»، لكنه اقر بأن «هناك اكثر من تحديد للارهاب».

وبرز «اف.بي.اي» بعد الحرب العالمية الثانية وحتى السبعينات من خلال مراقبته المتواصلة لشخصيات سياسية وثقافية، في اطار الحملة التي شنها السناتور جوزف ماكارثي على الشيوعيين. واكتشف الاميركيون خلال الستينات ان «اف.بي.اي» كان يراقب القس مارتن لوثر كينغ وحركات الراديكاليين السود مثل حركة «بلاك بانترز» (الفهود السود).

وعمد «اف.بي.اي» في تلك الحقبة الى التسلل الى صفوف هذه الحركات لمحاولة القضاء عليها من الداخل، مثلما سعى للسيطرة على الحركات المعارضة لمواصلة حرب فيتنام، ومن ثم تلك المعارضة للسياسة الاميركية في اميركا الوسطى.

وقال بيتر كوزنيك مؤرخ حركة الحريات الفردية بدهشة ان «الاميركيين نسوا تاريخهم.. انهم يضحون بحريتهم من اجل امنهم». واضاف: «ان تعرضت الولايات المتحدة لاعتداء ارهابي ضخم جديد، عندها ستكون الديمقراطية الاميركية برمتها في خطر».