الظواهري فصل قياديين جهاديين اتهمه أحدهما بالعيش على الذل ورسائل تكشف قلقه على الشخصية الغامضة «نجيب المصري»

أشعار أرسلها زعيم تنظيم الجهاد إلى أصولي فلسطيني طالب لجوء في لندن * خلافات حادة واتهامات حول تحالف الظواهري مع بن لادن

TT

فتح الحديث عن مصير أيمن الظواهري المجال لتساؤلات عن مستقبل جماعة الجهاد، وأي من قادة التنظيم يمكن أن يخلف الرجل الذي مثل علامة بارزة في تاريخ الحركة الاصولية في مصر، منذ انضم للمرة الأولى للحركة الاصولية، ولم يكن اكمل السادسة عشرة من عمره (عام 1966)، مروراً بتأسيس تنظيمه من بقايا تنظيم الجهاد القديم الذي كان ضُرب بشدة بفعل قضية اغتيال الرئيس انور السادات، واخيراً بالتحول الخطير الذي ادى الى انقسامات بين معظم اعضاء جماعته، وهو التحالف مع بن لادن المشتبه الرئيسي في احداث 11 سبتمبر الارهابية، واصدار الفتوى المشهورة التي ادت الى توجيه ضربات الى المصالح الاميركية بدلا من أنظمة عربية في عام .1998 وكان رد فعلها مطاردة المباحث الاميركية للكثير من قيادات جماعته، ووقوع الكثير منهم في قبضة المخابرات الاميركية مثل «مجموعة البانيا» ومنهم احمد اسماعيل عثمان واحمد السيد النجار، ومحمد حسن، وماجد مصطفى عديل طارق انور الذي قتل في افغانستان اكتوبر (تشرين الاول) الماضي، وعديل شريف حسن «من قيادات الجماعة الاسلامية» الذي أعدم عام 1993 في قضية «العائدون من افغانستان»، بالاضافة الى خطف ابرز قياديي «الجهاد» من الامارات المهندس محمد، شقيق ايمن الظواهري وتسليمه الى مصر العام الماضي.

وكشف اصوليون في العاصمة البريطانية ان كومبيوتر ايمن الظواهري الذي عثر عليه في احد المنازل بالعاصمة كابل، لا يحتوي على اسرار مثيرة باستثناء الرسائل الالكترونية المتبادلة بين الظواهري، وكنيته (ابو محمد)، وقيادات التنظيم في لندن وباكو (أذربيجان ) واليمن، عبر شخص اسمه عزت موجود كحلقة وصل، كان موجودا باحدى الدول الخليجية.

وفي الكومبيوتر رسالة مهمة حصلت عليها «الشرق الاوسط» من احد الاسلاميين تخص اربعة قياديين من جماعة «الجهاد» وهم ابو ايمن وابو حمزة ( ليس ابو حمزة المصري مسؤول منظمة انصار الشريعة بلندن) وفتحي، وعبد الله، وهي بتاريخ 24 ذو القعدة 1421 الموافق 17 فبراير (شباط) 2001، اي قبل ستة شهور تقريبا من الحوادث الارهابية التي ضربت الولايات المتحدة وفيها يعلنون الخروج المؤقت من جماعة «الجهاد». وتقول الرسالة: نظرا للاحوال التي تمر بها الجماعة في الفترة الحالية، والتي منها النزاعات الخاصة بالامارة (حكومة طالبان) والتي لا نعد انفسنا على اي طرف من الفريقين، ونظرا لما نراه ونلمسه من طريقة التعامل مع افراد الجماعة، والتي كان اخرها كارثة تسليم اخينا جمال واهله، لذا فقد قررنا الابتعاد عن الاخوة، لان البعد قد يكون سببا للاصلاح، مع البحث عن عمل يفيد السلام والمسلمين. ثم اننا لسنا بتاركي الجماعة، ولم نفكر في هذا الامر من قريب او من بعيد. ويؤكد القياديون الاربعة ان العلاقات الشخصية بينهم والظواهري لن تتأثر بمثل هذا القرار.

ويقول القياديون الاربعة في الرسالة الموجهة الى الظواهري: سنظل اذا رأينا ان الاحوال قد انصلحت، ورأينا ان الجماعة ممكن ان تكون في حاجة الينا، فسنكون ان شاء الله تعالى على اتم الاستعداد للعودة الى العمل. يؤكدون حرصهم على عدم اظهار مشاكل جماعة «الجهاد» في الخارج. وفي الفقرة الاخيرة من الرسالة الالكترونية يقولون: اذا بقينا في هذا البلد او سافرنا الى الخارج، سنظل على تنسيق وعمل مع الجماعة حفاظا على مظهرها العام.

وحسب مصادر الاصوليين بالعاصمة لندن فان كومبيوتر الظواهري احتوى على خلافات شخصية حادة واتهامات بينهم على الامارة وصلت الى حد التفوه بالفاظ «الخيانة»، وقرارين باقالة اثنين من قيادة الجهاد في لندن احدهما يخص ابو كريم والاخر «ابو نضال» او«عباس» وهما كنيتان تخص عادل عبد المجيد عبد الباري المحتجز في سجن بيل مارش على ذمة الطلب الاميركي لترحيله بتهمة التورط في تفجيرات سفارتي الولايات المتحدة في نيروبي ودار السلام.

لكن هناك شخصية محورية واحدة في جميع الرسائل المتبادلة بين اليمن واذربيجان ولندن وافغانستان وهي شخصية «نجيب المصري» الذي تبحث عنه المخابرات الاميركية، وفي معظم الرسائل هناك حالة من القلق الشديد من الظواهري على ذراعه الايمن نجيب المصري، الذي فر من اليمن الى اذربيجان عقب تلقيه اخبارية بقرب تسليمه الى مصر ثم تنقطع اخباره. وتبدو اهمية نجيب المصري من كثرة الرسائل المتبادلة في محاولة لتقصي اخباره، ثم رسالة اخيرة تكشف ان نجيب سلم الى مصر.

وفي الكومبيوتر كذلك رسالة مهمة اطلعت عليها «الشرق الأوسط» من (ابو محمد)، وهي كنية ايمن الظواهري الحليف الاول لبن لادن الى اصولي فلسطيني طالب اللجوء السياسي بلندن»، وفي الرسالة اشعار من غزل الظواهري تنم عن ذوق رفيع للغاية وعبارات حب وتقدير وتكريم لجهود الرجل الذي ظل في مواجهة الاحداث. والاصولي الفلسطيني تبحث عنه سكوتلانديارد بعد صدور قانون «الاحتجاز بدون اشتباه» منذ ستة شهور.

وحسب مصادر الاسلاميين بلندن ان كومبيوتر الظواهري يحتوي كذلك على رسائل وانتقادات حادة لمنهجه بسبب اقترابه الشديد من «ابو عبد الله» كنية بن لادن، لانه تخلى عن مبادئ الجماعة واولوياتها وهي «قتال العدو القريب خير واولى من العدو البعيد». وهناك كذلك اشارات الى ابو عمرو عبد الحكيم حسان وكنيته «مرجان» وكان احد المرشحين لخلافة الظواهري، وهو المسؤول الشرعي لجماعة «الجهاد» وصاحب كتاب «التبيان في مسائل الكفر والايمان» وهو من خمسة مجلدات.

وضمن الرسائل التي اطلعت عليها «الشرق الاوسط» وهي موقعة من الظواهري، وارسلت من افغانستان الى لندن عبر البريد الالكتروني من كومبيوتر الظواهري، رسالة بإقالة ابو كريم (يعتقد انه حسب المصادر الامنية البريطانية هاني السباعي مدير مركز المقريزي للدراسات التاريخية بلندن) ويقول النص الحرفي لرسالة موجهة من ابو محمد «الظواهري»، الى الاخ عزت، وهو قيادي اصولي من جماعة الجهاد كان يقيم باحدى الدول الخليجية، برجاء ابلاغ الاخوة التالي : نظرا لما تفوه به الاخ ابو كريم من الفاظ سيئة من اننا نعيش على الذل، وان الاخ داوود خائن (يعتقد انها كنية عيدروس) ونظرا لما تفوه به من عبارات قذف فيها غمز ولمز، من امثال: من يملك قوت يومه يملك حريته، وكيف اعاودك وهذا اثر فأسك، ومتى الانتقال من تبعية الى تبعية، نظرا لما تفوه به من قذف في حق الاخ عباس (يعتقد انه عادل عبد الباري المحتجز في سجن بيل مارش مع عيدروس على ذمة الطلب الاميركي).

ويضيف الظواهري في رسالته الالكترونية: لقد يئست من علاج الاخ ابو كريم، ولهذا فقد اصدرت القرارات التالية: اولا بفصل ابو كريم من الجماعة اعتبارا من اليوم 21 ربيع الاول 1419 هجرية الموافق 15 يونيو (حزيران) 1998 ميلادية. ثانيا يعامل الاخ ابو كريم بالحسنى وتحفظ له كل حقوقه الاسلامية، ثالثا لا يرد على الاخ ابو كريم فيما يصدر منه تجاهنا. والسلام عليكم ورحمة الله. وقد عثرت شرطة سكوتلانديار البريطانية على كميات من الرسائل المتبادلة بين ابو محمد عند مداهمتها لمنازل الاصوليين المصريين الخمسة في عملية «التحدي» المشهورة التي شاركت فيها المخابرات البريطانية فجر 23 سبتمبر (ايلول) 1998، وهم هاني السباعي واسامة حسن وسيد عبد اللطيف وسيد معوض وعادل عبد الباري وابراهيم عيدروس، وهناك رسائل اخرى بها تلميحات كانت تصب ضد التحالف الذي ابرم بين الظواهري وبن لادن تحت لافتة الجبهة الاسلامية العالمية لجهاد اليهود والصليبيين في فبراير (شباط) .1998 وفيها في الوقت ذاته تجريح ضد الظواهري في انه لا يملك قراره بسبب انضوائه تحت راية بن لادن.

ويفجر هاني السباعي مدير مركز المقريزي للدراسات التاريخية بلندن مفاجأة بالكشف عن شخصية نجيب المصري في لقاء مع «الشرق الأوسط» بانه احمد سلامة مبروك (46 عاما)، خريج كلية الزراعة جامعة القاهرة الذي حوكم في قضية الجهاد الكبرى 462 امن دولة عليا لعام 1981، وصدر ضده حكم بالسجن 7 سنوات، ثم سافر الى السعودية ومنها الى افغانستان.

وينفي الاتهامات الامنية البريطانية الموجهة اليه بأنه «ابو كريم»، ويقول ان هذه مزاعم لا أساس لها لها من الصحة.

وتعتبر مصادر الاصوليين بلندن ان «نجيب» احمد سلامة مبروك الذي وقع في قبضة عملاء المخابرات الاميركية عام 1998 «السي آي ايه» اثناء وجوده في اذربيجان ثم سلم الى مصر هو الرجل الثاني في التنظيم.

ويقول السباعي الصادر ضده حكم غيابي بالسجن المؤبد في قضية «العائدون من البانيا»، وهي نفس القضية التي صدر فيها حكم بالسجن المؤبد على احمد سلامة مبروك، بعد ان تسلمته مصر من اذربيجان وظهر بصورة مفاجئة في قاعة المحكمة عام .1999 ويقول ان مبروك كان على خلاف شديد مع قيادات الجهاد بسبب قربهم من بن لادن، ولذا فانه ترك افغانستان في حدود عام 1997، وتوجه الى اليمن ومنها الى اذربيجان حيث تم اختطافه من هناك مع عصام مرزوق (كندي الجنسية)، وترحيلهما الى مصر.

ويشير الى ان قضية «العائدون من البانيا» التي حوكم فيها 107 من الاصوليين امام المحكمة العسكرية العليا في قاعدة الهايكستب شمال القاهرة، هي اكبر قضية حسب عدد المتهمين الموجودين على لائحة الاتهام منذ اغتيال الرئيس المصري الراحل انور السادات 1981 من بينهم 44 متهما اغلبهم سلم من البانيا والامارات والكويت واذريبجان وجنوب افريقيا، وتصدر لائحة الاتهام في القضية زعيم الجهاد المصري ايمن الظواهري وشقيقه المهندس محمد، وكلاهما صدر ضده حكم بالاعدام غيابيا. وعلى لائحة الاتهام في هذه القضية ايضا نصر فهمي نصر حسانين وعادل سيد عبد القدوس محكوم عليه بالإعدام غيابيا في القضية العسكرية شهر فبراير لعام 1994، وثروت صلاح شحاته (نائب زعيم الجهاد) و طارق أنور سيد أحمد (قتل في الغارات الاميركية على خوست)، وعبد الله محمد رجب عبد الرحمن، وعبد العزيز موسى داوود الجمل، وعلى أبو السعود مصطفى محمد. ويحتل «نجيب» المصري مكانة مميزة في كواليس الاصوليين، باعتبار انه كشف العديد من انشطة «الجهاد المسلح»، واسماء الموجودين في افغانستان، ويصف خبراء الشؤون الامنية النجار بانه الثعلب لدهائه، وخبرته في عالم التنظيمات السرية.

وجاء الخيط لقضية «العائدون من ألبانيا»، ومن خلال أكثر من عشرين ألف ورقة من ملفات التحقيق، التي ضبطتها أجهزة الأمن المصرية من خلال القاء القبض على المتهم احمد ابراهيم النجار في ألبانيا التي هرب اليها عقب صدور حكم باعدامه في قضية خان الخليلي عام .1994 ومنذ القبض على النجار بدأ عناصر التنظيم في التساقط الواحد تلو الآخر، إذ كشف النجار اسماء عدد كبير من شركائه، وأدلى بمعلومات تفصيلية عن الدعم الذي تلقاه من قيادات جماعة الجهاد الاسلامي وعلى رأسهم أيمن الظواهري.

وفقد الظواهري خلال الأعوام الاربعة الاخيرة عدداً من أهم كوادره، بدءاً بشقيقه محمد الذي اختفى وقيل انه سلم الى مصر من الامارات، وهو كان يتولى مسؤولية لجنة العمل العسكري احدى أهم لجان الجماعة.

وحسب مصادر الاصوليين الموثوقة فان شقيق الظواهري كان يعمل حتى قبل شهور قليلة من هربه الى الامارات تحت اسم المهندس محمد ربيع محمد مسؤولا للجنة الاغاثة الدولية التابعة لرابطة العالم الاسلامي، ومقرها جدة. وخسر الظواهري كذلك اثنين من ابرز قادة التنظيم هما نصر فهمي نصر وطارق انور اللذان قتلا في مدينة خوست في اكتوبر (تشرين الاول) الماضي.

وتعتبر السلطات الامنية في مصر هاني السباعي من القيادات الاصولية المحسوبة على جماعة «الجهاد» وضمته الى قائمه المتهمين في القضيه التي عرفت اعلاميا باسم «العائدون من البانيا» واصدرت المحكمه حكما بالاشغال الشاقة المؤبدة غيابيا على السباعي الذي اعتقل لاول مرة في حياته على ذمة قضية اغتيال الرئيس الراحل انور السادات وافرج عنه دون محاكمه واعيد اعتقاله اكثر من مرة بتهمة الانضمام الى جماعة الجهاد قبل خروجه من مصر واقامته الدائمة في بريطانيا. واعترف المتهم احمد ابراهيم السيد النجار في «قضيه العائدون من البانيا» بان هاني السباعي عضو بجماعه «الجهاد» منذ فتره طويله وقال انه التقى به لاول مرة حينما كلفه عضو التنظيم مجدي سالم بالقاء دروس شرعية في مسجد عمر بن عبد العزيز في منطقه بولاق الدكرور الذي كان تابعا لجماعه الجهاد وهناك التقى هاني السباعي الذي كان يلقي دروسا دينية بنفس المسجد ايضا. ويقول السباعي ان الخطأ الكبير الذي وقعت فيه جماعة «الجهاد» هو خلافهم مع الدكتور سيد امام زعيم «الجهاد» السابق قبل الدكتور الظواهري، صاحب كتاب «العمدة في اعداد العدة» وموسوعة طلب العلم الشريف، واسمه عبد القادر بن عبد العزيز الحفيف، وكان توجههه الاساسي عدم الدخول في مصادمات مع الحكومة، حتى لا تفرط الحركات الاصولية في رأس مالها، وهو الافراد او العناصر البشرية، وكان رأيه دفع عناصر من «الجهاد» من طلبة الثانوية العامة الى الالتحاق بالكليات العسكرية، وتكوين كوادر داخل الجيش. ويعمل السباعي حاليا مستشارا تاريخيا لمركز الدراسات الاسلامية في استراليا ويكتب في عدد من المجلات والاصدارات التي تصدرها مؤسسات اوروبية وغربية ابرزها مجلة نداء الاسلام التي تصدر من استراليا ومجلة المنهاج اللندني، كما تنشر له مقالات ودراسات في مجلة المحاماة التي تصدرها رابطة المحامين الاسلاميين في مصر. واصدر السباعي عدة كتب مؤخرا منها «دور رفاعة الطهطاوي في تخريب الهوية الاسلامية» و«ثورة الزنج» و «الصراع بين المؤسسات الدينية والانظمة الحاكمة» و«جماعة التوابين في التاريخ الاسلامي».