رامسفيلد وآرميتاج سيستخدمان «الجزرة والعصا» لإقناع الهند وباكستان بتقديم تنازلات متبادلة

TT

لم يستطع الروس والصينيون، ولا مؤتمر البلدان الآسيوية، المنعقد هذا الأسبوع، في كازاخستان، أن يخفف من حدة الأزمة بين الهند وباكستان، وأمام هذا الوضع يطرح الدبلوماسيون سؤالاً عما تستطيع الولايات المتحدة القيام به لمنع البلدين النوويين من الدخول في الحرب.

كبداية، سيقوم الدبلوماسيون الأميركيون الكبار والمسؤولون العسكريون باستخدام الضغط الذي لا يستطيع فرضه سوى الدولة العظمى الوحيدة على كوكب الأرض، والمراهنة على أن البلدين لن يستطيعا رفض الاستماع لها. وحسب بعض المسؤولين في إدارة الرئيس الاميركي جورج بوش سيكون تحقيق هذا الهدف معززا بتقارير استخبارية حول ما يجري حاليا بين القوات المتنازعة ميدانيا، والتحذير مما قد يحدث لو أن الحرب اندلعت.

لكن عندما يبدأ وكيل وزير الخارجية الأميركية، ريتشارد آرميتاج، وزميله وزير الدفاع، دونالد رامسفيلد، برحلتهما الى شبه القارة الهندية خلال الأيام الخمسة القادمة، فانهما سيطلبان من البلدين المتنازعين، أن يقدما تنازلات ثقيلة، ولهذا الغرض سيحمل المسؤولان الأميركيان معهما اغراءات مادية مقابل تعاون البلدين.

وتأتي مهمة المسؤولين الأميركيين بعد فشل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في جهوده الرامية لحل الأزمة (يوم الثلاثاء الماضي) أثناء انعقاد قمة الأمن الآسيوي في الماآتا، لاقناع رئيس الوزراء الهندي آتال بيهاري فاجبايي والرئيس الباكستاني برويز مشرف بإجراء محادثات مباشرة بينهما منعا لاندلاع حرب محتملة بين بلديهما حول كشمير.

وستكون الرسالة الأميركية الأكثر صرامة موجهة لباكستان، التي ستكون أول محطة في رحلة المبعوثين الأميركيين. فآرميتاج المعروف بصراحته القاسية ومعرفته العميقة لمنطقة جنوب آسيا، يعتزم أن يكون حازما عند لقائه بالرئيس الباكستاني اليوم، إذ سيطلب منه وقفا فوريا لتسلل المقاتلين الاصوليين عبر خط وقف اطلاق النار في كشمير، وفرض اجراءات مشددة على المناطق التي يستخدمونها في هجماتهم على المنطقة الواقعة تحت السلطة الهندية.

مقابل ذلك، ستخبر الولايات المتحدة الرئيس الباكستاني، أن قبوله بتنفيذ المطالب الأميركية ستجعله يكسب جبهات أخرى بدلا من كشمير.

في هذا الصدد، قال مسؤول كبير في وزارة الخارجية الاميركية، إن مشرف «ستكون أمامه فرصة احتلال موقع جديد في العالم، كزعيم معتدل للعالم الاسلامي، وستحصل باكستان على مساعدات اقتصادية جديدة عبر استمرار تقليص ديونها الدولية.. وإذا تمكنا أن نعمل معه لإنهاء دعم العنف، فآنذاك ستكون باكستان البلد الذي نستطيع أن نتعاون معه. لذلك، فهي فرصة لباكستان لتحقيق اهدافها، وفي الوقت نفسه ستجعل من نفسها بلدا يكسب احترام المجتمع الدولي».

يبدو أن الأميركيين لمسوا بريقا من الامل، أول من أمس، وهذا ما دفع الناطق بلسان وزارة الخارجية الأميركية، ريتشارد باوتشر إلى القول: «لدينا بعض الأدلة التي تشير إلى أن الإجراءات الباكستانية تجاوزت الكلام فقط». لكنه أضاف: «في هذه المرحلة، نحن غير مستعدين للقول إن نشاطات المتطرفين قد تم إيقافها، لكننا ما زلنا نتطلع الى تحققها، والرئيس مشرف وعد بذلك».

في محطتهما الثانية، سيحث آرميتاج ورامسفيلد الهند على إظهار قدر أكبر من ضبط النفس، في الوقت الذي ستعطى باكستان الفرصة لكبح جماح الناشطين وقطع الطرق التي توصلهم الى كشمير. وحالما تظهر هذه العملية تقدما ملحوظا، ستتجاوب الهند بالبدء بتخفيض قواتها العسكرية على الحدود مع باكستان.

ومعلوم أن للبلدين ما يقرب من مليون جندي على امتداد حدودهما التي يبلغ طولها 1800 ميل.

من جانب آخر، سيركز آرميتاج ورامسفيلد على تلك الخطوات الأولية الحساسة، وفي نفس الوقت، سيضعان الخطوط العريضة للخطوات اللاحقة، إذا وافق البلدان على بذل جهودهما لايقاف المناخ العدائي السائد بينهما، حسب ما قاله أحد المسؤولين الأميركيين أول من أمس.

ضمن هذا السياق، قال وزير الخارجية الأميركي، كولن باول، إن واشنطن ستحث البلدين على البدء بحوار مباشر بينهما، حول مستقبل كشمير، التي كانت سببا لوقوع حربين بينهما. وإذا كانت الهند غير راغبة في الوساطة الاميركية فان باكستان، من جانبها، حريصة جدا على أن تلعب واشنطن دورا مباشرا، مثلما هو الحال في الشرق الاوسط.

وقال مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأميركية: «هناك حساسيات متعددة. الهند لا تريدنا أن نكون وسطاء، لكنها تريد الولايات المتحدة أن تساعد في تسهيل الحوار مع باكستان، نحن نرغب في أن يكون الحوار على كل القضايا المطروحة على طاولة المفاوضات، وقد نكون قادرين أيضا حول طرح بعض الأفكار».

بالنسبة للولايات المتحدة، تكمن المهمة الأكثر صعوبة في التأكد من عدم تصاعد التوتر القائم حاليا بين البلدين، عبر دفع الرئيس الباكستاني الى مواجهة الناشطين الكشميريين.

وكان المسؤولون الأميركيون قد أثنوا على مشرف عندما وعد في شهر يناير الماضي بأنه سينهي كل النشاطات الاصولية داخل وخارج باكستان. وبادرت حكومته على اثر ذلك باعتقال ما لا يقل عن 2000 من الناشطين الأصوليين، في أكبر إجراء أمني مضاد لهم خلال عدة عقود.

لكن الجهود لم تستمر، إذ تم اطلاق سراح الكثير منهم، واستؤنفت، في الوقت نفسه، الهجمات داخل الاراضي الهندية، منذ بداية الربيع. يذكر ان الناشطين الاصوليين يسعون الى تحقيق الاستقلال لمنطقة كشمير التي تضم اغلبية مسلمة أو الانضمام إلى باكستان.

* خدمة «لوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»