أسرتا منفذي عمليتين تفجيريتين تتحدثان لـ«الشرق الأوسط»:

والدة أبو النصر: «طلب ابني أن أدعو له بالشهادة ففعلت وأنا على جبل عرفة» * والد عليان: «ابني حلق لحيته وحمل المتفجرات وسافر ماشيا حوالي 10 أميال»

TT

في نهاية جلسة الحكومة الإسرائيلية توجه وزير الدفاع بنيامين بن اليعزر، إلى دائرة التحقيقات لجهاز المخابرات العامة (الشاباك) في القدس المحتلة للقاء فلسطينيين لم ينجحا في تنفيذ عملية تفجيرية للوقوف على الاسباب التي تدفع اي كان للقيام بمثل هذه العمليات.

والفلسطينيان هما غسان ستيتة (26 سنة) وعرين احمد (20 سنة)، واعتقلا قبل حوالي عشرة ايام وهما يستعدان لتنفيذ عملية في مدينة ريشون لتسيون جنوب تل ابيب. وقال بن اليعزر «اعرف انني كنت فضوليا، اذ أردت معرفة الأشخاص الذين يقفون وراء العمليات التي تلحق بنا أضراراً بالغة جدا». وقد جرى الحوار بين بن اليعزر والشابين الفلسطينيين باللغة االعربية. ونسب الى عرين القول انها وافقت على العملية لأن صديق شقيقها قتل على ايدي الجيش الإسرائيلي وانها فوجئت بالسرعة التي اعدت بها العملية. وأضافت انه بعد أربعة أيام فقط من الاستجابة لطلبها كانت في طريقها من بيت لحم الى ريشون لتسيون وبجانبها ستيتة.

وقال بن اليعزر: «في الحديث مع الاثنين أدركت سهولة تجنيد فلسطينيين لمهام انتحارية... لا يوجد قاسم مشترك بين الانتحاريين.. ثمة جو مساعد للبحث عن الانتقام». واضاف «بكت عرين أثناء الحديث لكن ستيتة كان مثل الحجر، لم يبد أي مشاعر، فقلت لنفسي إنني اشهد شيئا شيطانيا. لا شك انهم السلاح الأكثر فتكا الموجه ضدنا».

وواجه الأمن الإسرائيلي تحديا خطيرا منذ عام 1994 بعد ان استطاع يحيى عياش مسؤول الجناح العسكري لحركة «حماس» الذي كان يطلق عليه اسم «المهندس» إدخال «القنابل البشرية» في الصراع المسلح بعد ارتكاب المتطرف اليهودي باروخ غولد شتاين لمجزرة الحرم الإبراهيمي في الخليل في 25 فبراير (شباط) 1994 التي راح ضحيتها اكثر من 29 فلسطينيا.

وحتى الآن لم يستطع الأمن الإسرائيلي القضاء على هذا التحدي وعبر عن هذا العجز العديد من المسؤولين الإسرائيليين بقولهم «لا نستطيع منع شخص قرر الموت».

ويثير هذا النمط من العمليات العسكرية ردود فعل إسرائيلية قاسية جدا وجدلا في اوساط علماء المسلمين. في الوقت نفسه تكونت ثقافة خاصة لدى جيل من الفلسطينيين الآن وهي «ثقافة الاستشهاديين».

ولإلقاء الضوء على هذه الثقافة رصدت «الشرق الأوسط» سلوك بعض الذين فجروا انفسهم، عبر لقاءات صحافية مع ذويهم.

حسين ابو النصر:

ينتمي ابو النصر لحركة الجهاد الإسلامي بغزة، وكان قد تربى في مسجد «الشهيد عز الدين القسام» في جباليا شمال القطاع، الذي يعتبر أحد معاقل الفدائيين. ولد حسين ابو النصر في 12 يوليو (تموز) 1978 بمخيم جباليا، ودرس في الجامعة الإسلامية (كلية أصول الدين). وقبل ان ينهي دراسته بسنة واحدة فقط أبدى الاستعداد لتنفيذ عملية ليلحق بشقيقه عبد الله الذي قتل عام .1994 وقال شقيقه الثاني مصطفى (27 سنة) لـ«الشرق الوسط» «عاش شقيقي حسين بيننا شهيدا حيا، فقد رهن نفسه للشهادة منذ وقت طويل ولم نستغرب حين سمعنا خبر استشهاده فقد كان يردد دائما في كل مناسبة عبارة اريد الشهادة، وحين سمعت خبر تفجير شاحنة مفخخة قرب مستوطنة نتساريم بغزة في 25 مايو (ايار) العام الماضي أحسست لحظتها بأن الشهيد منفذ العملية قد يكون شقيقي حسين».

وأضاف مصطفى ابو النصر «نفذ شقيقي العملية الاستشهادية يوم الجمعة. وأذكر أنه اغتسل وتوضأ لأداء صلاة الفجر في المسجد وخرج ولم يعد بعدها. وسمعت في ذلك اليوم خبر وقوع العملية الاستشهادية وذكرت الإذاعة العبرية اسمه وكذلك الفضائيات العربية. وسمعنا بذلك في وقت متأخر، فقد كنا آخر من يعلم، حتى أن الجهة المخططة للعملية وهما «حماس» و«الجهاد الإسلامي» لم تخبرانا إلا في وقت متأخر جدا بعد ان علمنا من وسائل الإعلام.

يذكر ان حركة الجهاد كانت تواجه مشكلتين أساسيتين في العمليات الاستشهادية وهي ضعف إمكاناتها فيما يتعلق بالمهندسين القادرين على تفخيخ المتفجرات وعملية توفير المتفجرات، لذا اعتادت للجوء لحركة «حماس» للحصول على المتفجرات وتفخيخها والتدرب على تفجيرها. وتابع مصطفى: «كان والديَّ يشاهدان التلفزيون وكذلك اخوتي ورأوا صورة حسين على شاشة التلفزيون وكانت صدمة كبيرة بالنسبة لهم، رغم توقعنا استشهاده في أي وقت. لكن الصدمة في مثل هذه الحالة لا يمكن تفاديها». ويضيف «كان الشهيد حسين يلح على والدتي بان تدعو له بالشهادة، وكانت ترفض ذلك نظرا لكونها أماً، حتى سافرت لأداء فريضة الحج العام الماضي ودعت له بالشهادة وهي على جبل عرفة، واستجاب الله لدعائها».

وقال مصطفى ابو النصر: «كان الشهيد حسين محبوبا لدى الجميع، وانا واثق بأنه صلى في جميع مساجد غزة وحرص على ذلك، وفي مسجد الشهيد عز الدين القسام كان أول من يدخله لأداء فريضة الصلاة حتى انه اختار مكانا في المسجد للصلاة فيه، وأصبح يعرف هذا المكان باسمه بجانب المؤذن. ويوم استشهاده انتظره المؤذن ابو حسن وحجز له مكانه المعتاد بجانبه ولكنه لم يأت فقد صلى في مسجد آخر في ذلك اليوم، حتى يكون في اقرب نقطة لانطلاقه لتنفيذ العملية الاستشهادية. وكان الشهيد حسين مدربا للكاراتيه، في مسجد القسام ودرب الشهيد حسين عشرات الأشبال، حتى ان بعض هؤلاء الأطفال حملوا صوره وعلقوها في منازلهم».

وقالت والدة حسين لـ«الشرق الاوسط»: «كان يلح علي الشهيد حسين بأن أدعو له بالشهادة ورفضت. وقبل ان أغادر غزة لأداء فريضة الحج، عاد وطلب مني ان أدعو له بالشهادة في بيت الله الحرام، واستحلفني بالله على ذلك، فدعوت له على جبل عرفة بأن ينال الشهادة، وها هو قد نالها، ومن يصدق الله يصدقه، وانا احتسبته عند الله فداء للإسلام وان يجعله شفيعا لنا يوم القيامة. ويوم استشهاده بكيت حسين وعندما وضع في القبر أطلقت زغرودة مدوية».

وقالت شقيقته ليلى: «لقد كان حسين هادئ الطبع، طيب القلب متسامحاً وكان حديثه دائما معنا حول الشهادة والحور العين والجهاد، وكان يردد عبارة: سوف يأتي يوم ويبايع الناس فيه على الشهادة. كان الشهيد حسين من رواد المساجد وامتاز بالزهد في الحياة وقوة الجسم، وليلة استشهاده كان أكثر هدوءا من قبل ونظرته كانت نظرة مودع للدنيا تمتزج فيها جميع المشاعر والأحاسيس ترى فيها الحزن على فراق أهله والفرح بلقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحبائه وأصدقائه ممن سبقوه في جنات الفردوس، وتحدث يحثنا على الصلاة والجهاد وحب الشهادة في سبيل الله والتزود بالتقوى لأنها خير الزاد».

وقالت ام احمد زوجة شقيقه «كان الشهيد حسين أخا عزيزا بمعنى الكلمة داوم على الصلاة وعمره ست سنوات ويصوم كل يوم اثنين وخميس وكان متعلقا بالشهادة. ذات مرة سألته ان كان ينوي الاستشهاد فعلا فلم يجبني ولكنني أوصيته اذا استشهد بأن يشفع لي يوم القيامة وفي يوم استشهاده يوم الجمعة كنت آخر من رآه من العائلة، فقد استحم في شقة شقيقه زوجي (أبو أحمد) وترك جميع أغراضه على غير عادته وكان لديه هاتف جوال. وأسأل الله ان يجمعنا معه في جنات الفردوس وهنيئا له بالشهادة».

* احمد عمر عليان

* من جانبه، قال والد احمد عليان لـ«الشرق الأوسط» «كان أحمد مؤذنا في مسجد السلام بطولكرم في الضفة الغربية ولم نكن نعلم ان الشهيد عضو في كتائب عز الدين القسام الا بعد تنفيذه العملية الاستشهادية في نتانيا في 4 مارس (آذار) من العام الماضي التي قتل فيها أربعة إسرائيليين وجرح 74 آخرون.

واضاف «اعتكف الشهيد احمد في المسجد خلال الأيام العشرة التي سبقت استشهاده وصام تلك الأيام وقضاها في الصلاة والعبادة وقيام الليل. وقبل يومين من تنفيذ العملية الاستشهادية حلق لحيته الطويلة وأصبح يلف وجهه بالكوفية الفلسطينية لاخفاء ذقنه الحليق، نظرا لأن الناس اعتادوا عليه كمؤذن في المسجد بلحية طويلة».

واستطرد والد احمد قائلاً: «خلال الأيام القليلة التي سبقت العملية الاستشهادية كان يتردد قليلا على المنزل واصبح يودع والدته قبل خروجه من المنزل. وفي صباح يوم تنفيذ العملية ارتدى سترة جلدية سوداء وسروالا أسود، وانطلق من طولكرم خارجا من المسجد عند الساعة السادسة صباحا لوجهة غير معروفة بعد ان زارنا في المنزل عند الساعة الثالثة فجرا. وبعد أن تلقينا خبر استشهاده عثرنا بالصدفة على وصيته وكان قد أخفاها في ألبوم للصور الفوتوغرافية العائلية، فجر يوم تنفيذ العملية عندما دخل المنزل. وتحمل الوصية تاريخ 25 فبراير (شباط) 2001 وقال فيها: «إن إسرائيل تذبح الفلسطينيين والقدس محتلة والعرب لم يحركوا أي ساكن، لذلك علينا نحن الفلسطينيين ان نقدم أرواحنا ونستشهد بأي شكل من أشكال الشهادة في سبيل الله للدفاع عن القدس».

وقال الوالد: «ان الشهيد احمد كان من حفظة القرآن الكريم وحصل على رقم قياسي من جوائز وزارة الأوقاف الفلسطينية في طولكرم. حفظ القرآن الكريم وعمره 13 سنة ومنذ ذلك الوقت أطلق عليه لقب «الشيخ احمد». ووصف عملية خروج ابنه لتنفيذ العملية فقال «لحظة خروجه من المسجد في حي السلام بطولكرم متوجها لتنفيذ العملية الاستشهادية لم نره، ولكننا سمعنا روايات مواطنين رأوه ويعرفونه طبعا. ووصف أحدهم خروجه وهو يرتدي سترة جلدية سوداء لم يستطع الشهيد إغلاق سحابها على جسمه، اذ كان من الواضح انه يحمل المتفجرات على جسمه فاستعان بشخص لإغلاقها. واستغرب ذلك المواطن لكنه رغم ذلك ساعده بدون ان يعلم شيئا عن الموضوع، وقطع الشهيد مسافة 10 كيلومترات تسللا بطرق جبلية وعرة تحت جنح الظلام للوصول الى نتانيا حيث قام بتنفيذ العملية الاستشهادية».

=