لبنان: دمشق حذرت من إقحام رئيس الجمهورية بموضوع انتخابات المتن و«عطلت» محاولات التغيير الحكومي

TT

انتهت انتخابات دائرة المتن الشمالي، في لبنان، بعد اسبوع من التطورات المثيرة للجدل الى «تسوية» سياسية ومخرج وصف بانه «لائق» مهد الطريق لاعلان النتائج قانونياً. وفي قراءة هادئة ودقيقة لاكثر من مسؤول وسياسي ومتابع يمكن الخروج بملاحظات واستنتاجات هي التالية:

اولاً: التسوية التي حصلت لم تكن ممكنة لولا الدخول السوري على خطها، وبشكل مباشر، آخذاً شكل نصائح متشددة الى مختلف الافرقاء، وذلك بعدما شعرت دمشق ان هناك من يحاول جر البلاد الى ازمة سياسية كبيرة، وان المسألة خرجت عن كونها مسألة ربح وخسارة لمقعد نيابي لتضع العلاقات الرئاسية مجدداً والوضع الحكومي برمته على منعطف خطير وفي لحظة اقليمية شديدة التعقيد والغموض.

ثانياً: اكدت سورية من خلال تدخلها غير المباشر بالازمة على معطيين اساسيين: المعطى الاول، ان رئيس الجمهورية (العماد اميل لحود) هو خارج هذه اللعبة السياسية واي مساس بموقعه ودوره ونفوذه يضعف لبنان، وبالتالي ينبغي فصل نتيجة الانتخابات عن مقام الرئاسة. وهو ما حرص النائب المعارض نسيب لحود وايضا اركان الحكم على التشديد عليه والاشادة بدور الرئيس لحود في استيعاب الازمة واطرافها والنأي بنفسه عن التجاذبات التي سبقتها ورافقتها وتلتها. والمعطى الثاني ان لا تغيير في الوضع الحكومي بل يجب العمل على اعادة تماسكه وتفعيله وتصويب ادائه وحصر اهتمامه بمعالجة الملفات الاقتصادية والاجتماعية الساخنة.

ثالثاً: ان الانتخابات الفرعية في المتن الشمالي افرزت حدثاً لافتاً هو المشاركة الشاملة، بما فيها القوى والتيارات التي كانت مقاطعة للانتخابات السابقة، وبالتالي سقوط هذا السلاح كخيار سياسي وكحقبة سياسية بعد اتفاق الطائف كان عنوانها «الاحباط المسيحي».

رابعاً: هناك امكانية متوافرة اذا احسن استخدامها لفتح قنوات الحوار مع المعارضة. فالتوجه الآن لدى غالبية القوى التي خاضت المعركة تحت شعار المعارضة هو لمد جسور التلاقي والمصالحة الوطنية وفتح صفحة جديدة مع الحكم على اساس الاعتراف المتبادل. وان كان هناك من يحاول ان يأخذ المعارضة الى مزيد من التشنج والتطرف بينما مسؤولية الحكم ان يشجع الفرقاء المنفتحين على التلاقي ومساعدتهم على تطوير مواقفهم والاعتراف بهم ومعالجة ما يشكون منه والاصغاء الى ما عندهم من هواجس والعمل على تبديدها.

خامساً: اظهرت انتخابات المتن الفرعية خللاً كبيراً في ادارة السلطة لها بشكل ادى الى نتائج لم يعرف لبنان مثيلاً لها من حيث اجوائها المثيرة وانقسامات الوزراء بشأنها وخاصة بين وزارتي العدل والداخلية وبين الداخلية ورئاسة الحكومة، اضافة الى الحديث المعلن عن حجم التدخلات السياسية مع القضاء بحيث اختلطت الاشكالات القانونية بالتسويات السياسية.

سادساً: لا احد حسم حتى الآن من هو الأب الحقيقي والفعلي للانتصار. هل هو نسيب لحود الذي ظهر على امتداد جولات المعركة انه القائد الفعلي لها؟ ام هو قائد الجيش الاسبق العماد ميشال عون الذي تخلى عن مقاطعة السياسة واوعز الى تياره بالانخراط في المعركة؟ ام هو رئيس الجمهورية الاسبق امين الجميل الذي سعى لاثبات مرجعيته كزعيم مسيحي قوي؟

وبالتالي من المبكر الحديث عما اذا كان فوز غبريال المر فوزاً للمعارضة بكل اطرافها مع العلم ان بعضاً من المعارضة كان داعماً لمرشح آخر هو غسان مخيبر كحزب الكتلة الوطنية والمرشح المنسحب جبران تويني مدير عام صحيفة «النهار». لكن قياساً على الحرب الكلامية الضروس التي استعرت بين اركان المعارضة اثناء فترة المعركة فان التحالف بين اركان المعارضة اصبح هشاً الى درجة يصعب معها، حسب البعض، تكرار التحالف في الاستحقاقات المقبلة.

سابعاً: اثبتت معركة المتن الشمالي التي شكلت تاريخياً احد المواقع الاساسية للقرار الماروني، ان ميشال المر الارثوذكسي ما زال يشكل الرقم الابرز في معادلة هذه المنطقة بالرغم من انه لا ينتمي الى الغالبية المارونية التي جهدت فعالياتها السياسية والدينية في المعركة لاستعادة القرار الماروني لهذه المنطقة المهمة.

ثامناً: اعطت انتخابات المتن الفرعية الفرصة للزعيم الدرزي والاشتراكي وليد جنبلاط للعب دور توفيقي بارز بين العهد والمعارضة، فهو لم يدخل الى جانب احد «المرّين» (اي المرشحين غبريال وميرنا المر) بل اختار الوسط فأوعز الى مؤيديه بالاقتراع لغسان مخيبر. لكن بعد ظهور النتائج بارك فوز غبريال المر ودعا رئيس الجمهورية الى اعلان فوزه وحسم الجدل حول ملابسات النتيجة لقطع الطريق امام «بعض الموتورين» ـ على حد قوله ـ بالاضافة الى زيارته للنائب نسيب لحود وزيارته المرتقبة الى بكركي وهكذا ظهر من تحركات جنبلاط انه يهندس بدقة العلاقات بين السلطة والمعارضة وربما بتشجيع من القيادة السورية خاصة بعد تشديده امام النائب لحود على ان الانتصار الذي تحقق في المتن هو انتصار للخط الاعتدالي الوطني ولتيار الاعتدال المسيحي الوطني الديمقراطي.

هذه الاستنتاجات والملاحظات تؤشر في دلالاتها الى ان الاتجاه الراهن يقضي بتجاوز سلبيات الحدث الانتخابي والعمل على تثمير ايجابياته واحتواء تداعياته على الساحة السياسية.