خسارة المرشحين من أصول عربية وبعضهم تعرض لحملات عنصرية

TT

لن تغير الانتخابات التشريعية الفرنسية التي ستتكامل فصولاً يوم الأحد القادم، شيئاً بالنسبة للمواطنين الفرنسيين من أصول مغاربية وعربية. فرغم «يقظتهم» السياسية وعشرات المرشحين منهم ومشاركتهم المتنامية في الحياة السياسية المحلية وخصوصاً مع وجود خزان من الناخبين ربما يزيد على مليون ونصف مليون ناخب، فان هذه الجالية لن يمثلها احد من ابنائها في البرلمان الجديد لا بل ان أياً من أبنائها لن يكون حاضراً في الجولة الانتخابية الثانية.

ويقول مثل فرنسي «سنونوة واحدة لا تصنع الربيع». وفي حالة الجالية المغاربية ـ العربية، فان حالة تقية صيفي، الوزيرة من أصل جزائري التي منحت الكثير من الآمال وشجعت العشرات على خوض العمل السياسي، بقيت شأناً معزولاً ولا انعكاس له على تمثيل هذه الجالية في البرلمان الذي سيبقى قلعة حصينة محكمة الاغلاق في وجه ابنائها.

والعقبة الأولى التي واجهها هؤلاء هو تحفظ الأحزاب الفرنسية الرئيسية ازاء تبني مرشحين من المنتمين اليها ومن بين الوجوه المعروفة التي أثبتت جدارة في العمل العام او ذات المستوى العلمي او الاجتماعي اللائق. وسبب هذا التحفظ اعتبار هذه الأحزاب ان المجتمع الفرنسي ليس مستعداً بعد لتقبل مثل هذا الأمر الذي سيكون من شأن العمل به الحاق الخسارة السياسية بالحزب المعني. ونتيجة لذلك فان الاتحاد من أجل أكثرية رئاسية، وهو تجمع احزاب سياسية داعمة للرئيس جاك شيراك لم يأخذ على لوائحه الا مرشحة واحدة من أصل مغاربي ـ عربي هي ليندا عصماني (باريس)، والاتحاد الديمقراطي الفرنسي تبنى مرشحين اثنين، فيما تبنى الحزب الاشتراكي ثلاثة، والحزب الشيوعي العدد نفسه.

وازاء هذا الواقع المرير والذي يزداد ايلاماً لاعتبار هذه الجالية انها لعبت دوراً في انجاح الرئيس شيراك والحاق الهزيمة باليمين المتطرف، فقد ادارت رأسها باتجاه الأحزاب الثانوية مثل القطب الجمهوري والخضر واليسار المتطرف التي فتحت اذرعها ولوائحها بوجههم من غير تحفظ. ومن لم يسعفه الحظ في هذا الاتجاه كذلك، فضل ان يترشح مستقلاً وعلى حسابه الخاص! والمرشحة الوحيدة التي كان لديها حظ ما بالفوز هي ليندا عصماني، ابنة الثمانية والعشرين ربيعاً والمرشحة عن الاتحاد من اجل اكثرية رئاسية، عن الدائرة العشرين في باريس. وأمل ليندا عصماني كان ان تستفيد من دينامية شيراك من تراجع اليسار لتزيح جان ـ كريستون كمبادليس الاشتراكي عن المقعد النيابي الذي مثله منذ سنوات. لكن هذه المرشحة من اصل جزائري حلت في المرتبة الثالثة وحصلت على 4070 صوتاً وعلى 11.40% من اصوات الدائرة، فيما حصل كمبادليس على 15.36% من الأصوات.

غير أن ما أطاح ليندا عصماني هو تكاثر المرشحين يميناً، خصوصاً وجود ميشيل بولتيه الذي حل ثانياً، ووجود مرشح آخر من اليمين هو جان ـ بيار ماتيي. وقالت عصماني لـ«الشرق الأوسط» امس انها تعرضت «لحملة عنصرية دنيئة» من قبل بولتيه الذي لا يقبل اطلاقاً ان تكون هي مرشحة الاجماع لليمين المعتدل. كذلك نددت عصماني بـ«الخبث» الذي ميز تصرف كمبادليس تجاهها واستخدام اصلها المغاربي في الدعاية ضدها في الدائرة الانتخابية.

والمرشحة الرئيسية الأخرى في باريس هي بارزة خياري عن تحالف اليسار أي احزاب الاشتراكي والشيوعي والخضر. لكن مشكلة خياري التي ناضلت بشدة للحصول على هذا الموقع انها ترشحت في دائرة تضم الأحياء الباريسية الراقية (الدائرة 16) حيث من المستحيل اقصاء اليمين عنها. ورغم ما بذلته من نشاط في حملتها الانتخابية، فانها لم تحصل إلا على 9.26% من الأصوات بحيث ان التنافس في الدورة الثانية سينحصر بين مرشحي اليمين.

والمفارقة، انه في الدائرة نفسها، كان ثمة مرشح آخر من أصل عربي ولكن عن الجبهة الوطنية المتطرفة، وهذا المرشح الذي حصل على 1434صوتاً (5.67%) هو فريد سماحي.

وفي اطار تحالف اليسار، خاضت المرشحة المغاربية جميلة سونزوني المعركة التشريعية عن الخضر وبدعم الحزب الاشتراكي عن احدى دوائر مدينة ميلوز، شرق فرنسا. وجميلة سونزوني معروفة في هذه المدينة حيث تشغل منصب مستشارة بلدية. لكن وجود جالية مغاربية قوية فيها والحملة النشطة التي قامت بها لم يكفيا لأن تكون حاضرة في الدورة الثانية، رغم انها حصلت على 17.66% من الأصوات.

وفي مدينة تولوز (جنوب فرنسا) لم ينجح صلاح مقران وهو شخصية معروفة في اطار مجموعة دينامية تسمي نفسها «موتيفيه» في تهديد نائب المدينة ورئيس بلديتها فيليب دوست بلازي. فقد جمع مقران 3128 صوتاً (8.15%) فيما حصل دوست بلازي على ما يزيد على 16 ألف صوت.

وفي مدينة فيل جويف، القريبة من باريس، حصلت المرشحة المغاربية الأصل فتحية ملاطي عن القطب الجمهوري على 2.43% من الأصوات، فيما حصل حسن عوميس المرشح عن الحزب نفسه في دائرة قريبة على 552 صوتاً (1.59%). وفي الدائرة نفسها (جنوب ـ غرب مدينة كريتيل) تنافس مرشحان آخران من أصول مغاربية: احمد خليفي (309 أصوات) وجمال نقّاز (225 صوتاً). اما مالكة احمد، المغربية الأصل ومرشحة القطب الجمهوري عن دائرة اوبرفيليه فقد حصلت على 579 صوتاً وهو ما يعادل 2.65% من الأصوات.

وهكذا تبدو حالة المرشحين من أصول مغاربية ـ عربية، وجودهم يكاد يكون معدوماً داخل لوائع الأحزاب الكبرى. وبالنظر الى النظام الانتخابي وغياب النسبية والارتكاز الى الدائرة المصغرة، يصعب عليهم كثيراً ان يدخلوا عتبة البرلمان طالما لم يحصل تغير حقيقي في الذهنيات. وبغياب هذا التغير، فانهم سيجدون انفسهم مضطرين للانكفاء الى الأحزاب الصغيرة التي لا تسمن ولا تغني من جوع. اما الآخرون، أي المستقلون، فان حظوظهم في تحقيق اختراقات انتخابية معدومة تماماً، والذين خاضوا هذه التجربة خيبتهم النتائج، فمهدي غيرو، مثلاً، عن الدائرة السادسة في باريس حصل على 0.2% من الأصوات (82 صوتاً) ورشيد لونيس (عن أحد تيارات الخضر) حصل في الدائرة العشرين (باريس) على 0.82% من الأصوات. كذلك فان لويزا معمري، الجزائرية الأصل وهي شخصية معروفة في مدينة دوان حيث تعيش جالية جزائرية كبيرة، لم تحصل إلا على 0.73% من الأصوات. ولويزا معمري رئيسة جمعية من المتحدرين من الحركيين تضم حوالي 3 آلاف شخص وقريبة من مسجد باريس الكبير. لكن كل ذلك لم يكن كثير الفائدة للاقلاع في الانتخابات التشريعية.