المحققون يرجحون أن يكون ألمانيا من أصل سوري جند عطا وعددا من منفذي تفجيرات نيويورك وواشنطن في تنظيم «القاعدة»

TT

قال مسؤولون اميركيون والمان ان المحققين في احداث 11 سبتمبر (ايلول) توصلوا الى هوية الرجل الذي جند محمد عطا والانتحاريين الآخرين من خلية هامبورغ في صفوف تنظيم القاعدة. ويعتقد هؤلاء المحققون ان المتهم الذي عثروا عليه، هو مواطن الماني من اصل سوري لعب دورا رئيسيا في ربط عطا بقيادة الشبكة الارهابية في افغانستان. ويقول المسؤولون الالمان انهم لا يعرفون اين يوجد هذا الرجل حاليا، لكن اسمه محمد حيدر زمار ويبلغ من العمر 41 سنة. واضافوا ان اسرة زمار ابلغت السلطات بأنه مفقود منذ ان غادر هامبورغ الى المغرب في اكتوبر (تشرين الاول) الماضي. ويعتقد المسؤولون الالمان ان زمار ربما يكون معتقلا في الولايات المتحدة او في بلد ثالث اعتقله نزولا عند طلب اميركي. وامتنع مسؤول اميركي عن الحديث مباشرة عن مكان زمار الحالي لكنه قال ان المسؤولين في الولايات المتحدة يعرفون اين يوجد الان. وقال ذلك المسؤول: «ان زمار لا يتجول حاليا في الشوارع» ويتفق المسؤولون الاميركيون والالمان على ان اهمية زمار في التعرف على بداية هجمات 11 سبتمبر (ايلول) وكشف اسرارها. ولا شك ان دوره سيوضح كيف ان فئة من الشباب المسلم والمهاجر، تعيش حياة هادئة ومنسجمة مع محيطها في مدينة المانية، تحولت الى نواة لاكبر الهجمات التي شنتها القاعدة واكثرها دموية. وتعتقد اجهزة الاستخبارات الغربية بانها اذا استطاعت ان تضع اياديها على تفاصيل المخطط، قد تتمكن من تعميق رؤيتها للمخططات المستقبلية لهذه المنظمة.

كان زمار شخصية كاريزمية يؤمن ايمانا عميقا بالتزام المسلم بواجبات الجهاد وكان هذا جوهر دعوته في مسجد هامبورغ. ويقول المحققون ان عطا وغيره من اعضاء مجموعة هامبورغ، وقعوا حوالي عام 1997 تحت تأثير زمار، خاصة انهم كانوا ذوي ميول معادية للغرب. واستمرت عملية ترسيخ الاتجاهات الراديكالية في هامبورغ في شقة كان يستأجرها عطا ومعه اثنان من الهاربين من العدالة هما رمزي بن الشيبة وسعيد بهاجي. وقد استأجروا هذه الشقة في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1998 واطلقوا عليها اسم «بيت التابعين» ويقول المسؤولون ان بن الشيبة الذي فشل اربع مرات في الحصول على تأشيرة دخول الى الولايات المتحدة لعب دورا اساسيا في جانب التجهيز والامداد في هجمات 11 سبتمبر. وقال محلل سعودي ان السعوديين تأكدوا من وجود علاقة عائلية بين بن الشيبة وخالد المحضار، الذي كان على متن الطائرة التي ارتطمت بالبنتاغون. وقال المحلل السعودي ان بن الشيبة، وهو يمني، ابن عم زوجة المحضار. ومع ان المحضار كان مواطنا سعوديا الا انه يتحدر من اسرة يمنية بارزة. وربما توضح هذه العلاقة كيف تسنى للمجموعة الالمانية بقيادة عطا ان تلتحم بمجموعة السعوديين الاكبر والذين اصبحوا خاطفين. وكانت السلطات الالمانية قد اصدرت اوامر لاعتقال ابن الشيبة وبهاجي ومواطن الماني والده مغربي وزكريا الصبار ذي الاصل المغربي. وهؤلاء جميعا هربوا من المانيا بعد ايام قليلة من احداث 11 سبتمبر. وصرح مسؤول في اجهزة مكافحة الارهاب الاميركية ان ثلاثة من هؤلاء اما توفوا او انهم مختفون الآن في باكستان.

وبعد 11 سبتمبر استجوبت الشرطة الالمانية زمار لكنها اطلقت سراحه ووضعته تحت المراقبة. وقال المسؤولون الالمان انهم لم تكن لديهم ادلة كافية تسمح باعتقال زمار وقد غادر المانيا بصورة عادية يوم 27 اكتوبر بدعوى انه كان ينوي اكمال اجراءات الطلاق من زوجته المغربية. وقال المسؤولون انه حصل قبل سفره بيومين على جواز سفر مدته سنة واحدة. وقال مسؤول الماني كبير «لا شك ان الاميركيين كانوا على علم بانه سيغادر البلاد». وقال المسؤولون الالمان انهم تأكدوا ان زمار وصل بالفعل الى المغرب ولكنه اختفى بعد ذلك. وعندما استفسر عنه المسؤولون الالمان لدى نظرائهم المغاربة ابلغهم هؤلاء بانه غادر البلاد الى اسبانيا. ولكن السلطات الاسبانية قالت انها لا تملك ادلة على انه دخل الى هناك.

وما تزال زوجة زمار واطفاله الستة في المانيا وقد قدمت اسرته بلاغا رسميا للسلطات الالمانية بأنه مفقود. وقد رفض احد افراد الاسرة الاجابة على الاسئلة بشأن زمار. ويقول بعض الدبلوماسيين الغربيين وخبراء الاستخبارات، ان الولايات المتحدة قامت خلال الاشهر التسعة الماضية بترحيل عشرات من العناصر المتهمة بالنشاطات الارهابية الى بلدان غير الولايات المتحدة متفادية اجراءات تسليم المطلوبين. ويشترك مسؤولو الاستخبارات الاميركيون بنشاط في التحقيق مع هذه العناصر، المنفصلة عن عناصر القاعدة وطالبان المعتقلين في قاعدة غوانتانامو بكوبا. وإذا تم تأكيده، فان اعتقال زمّار سيسبب وقوع إشكال دبلوماسي بين الولايات المتحدة وألمانيا، أو بين ألمانيا وبلد ثالث قد يأخذه. إذ يحمل زمار الجنسية الألمانية عن طريق الاكتساب، وأي بلد يعتقله مجبر، وفق القانون الدولي، على إخبار ألمانيا بالأمر وأن يسمح للمسؤولين العاملين في القنصلية الألمانية بمقابلته.

وكان زمار حسب ما قاله المسؤولون الألمان، عضوا مخضرما في معسكرات «القاعدة» بأفغانستان، وسبق له، حسب نفس المسؤولين، أن قاتل في البوسنة، وكان يتردد على شقة محمد عطا الواقعة في شارع مارين بمدينة هامبورغ. وقال الجيران إنه كان يأتي، من وقت إلى آخر، بسيارة محملة بصناديق ليقوم بنقلها إلى الطابق الثاني. وكانت الشقة، حسب بعض المسؤولين الألمان، تستضيف بانتظام اشخاصا كانوا يجلسون في حلقة ويمضون وقتا طويلا يتحدثون فيما بينهم. ولا بد أن وزن زمار الذي يزيد عن 150 كيلوغراما السبب الرئيسي وراء تذكر الجيران الجيد له. ويبدو أن هذه المجموعة، قررت في وقت ما، يعود إلى سنة 1998 أو بداية 1999، طلب الانتماء الى «القاعدة»، حسبما قال مسؤول أميركي في مكافحة الإرهاب، وأضاف هذا المسؤول أن زمار لعب دورا رئيسيا في هذا التحول. وأضاف مسؤول ألماني، مؤيدا: «لعب زمار دورا قياديا، بل دورا حاسما».

وكان خالد شيخ محمد، الذي اعتبرته السلطات الأميركية، الأسبوع الماضي، مسؤولا رئيسيا عن التخطيط لهجمات 11 سبتمبر، قد زار ألمانيا عام .1999 وقال المسؤولون الأميركيون إنهم لا يستطيعون الجزم بذهابه إلى شقة عطا، في هامبورغ. وكانت صحيفة لوس أنجليس تايمز، قد نقلت عن أحد المسؤولين الأميركيين قوله ان محمد زار المانيا في سنة 1999، وأنه قام بزيارة عطا في شقته. وقال المسؤولون، إنه ربما كان هدف محمد من زيارة ألمانيا اجراء التقييم النهائي للمجموعة. وأعقب هذا اللقاء، سفر عطا وفريقه إلى معسكرات «القاعدة» في أفغانستان. وفي هذا الصدد، قال أحد المسؤولين الأميركيين انه «تم التخطيط والتنسيق للعملية من قادة رئيسيين في أفغانستان». وأضاف مسؤولون آخرون، إن زمار بعد إكماله لمهمة تجنيد المجموعة لتنظيم «القاعدة»، ظل يمارس دورا داعما.

وكان زمار قد اعتقل، في الأردن، في يوليو (تموز) الماضي، لعدة أيام، قبل تسليمه إلى ألمانيا، حسب مسؤول استخبارات ألماني. وقال هذا المسؤول إن زمار بقي رهن الاحتجاز أثناء فترة انتقاله من الأردن لكنه تجنب ذكر أين ذهب زمار بعد ذلك أو لماذا احتجز. من جهة اخرى، كان عطا قد غادر الولايات المتحدة، في بداية ذلك الشهر ثم زار إسبانيا، وسبق له أن زار إسبانيا في يناير (كانون الثاني) .2001 وقال المسؤول الأميركي في مكافحة الإرهاب، إن المحققين يعتقدون بأن أحد أعضاء القاعدة التنفيذيين ذهب إلى إسبانيا للقاء عطا، ومناقشة خطة العملية، ثم غادر بعد ذلك. لكنه المسؤول أوضح ان المحققين لم يحددوا الشخص الذي التقى به عطا. واضاف المسؤول «ان اجتماع مدريد ما يزال سرا غاضما بالنسبة لنا». وقال ان المسؤولين تخلوا عن نظرية كانت شائعة تفيد بان القائد الكبير بالقاعدة او العقل المدبر للعمليات الاوروبية كان يقيم بأوروبا.

وكان زمار في الفترة السابقة لـ 11 سبتمبر على قائمة المانية لمراقبة المتطرفين كما كان في تلك القائمة ايضا واحد على الاقل من مجموعة هامبورغ هو بهاجي، كما ذكر احد المسؤولين الالمان في هامبورغ. وبعد 11 سبتمبر عثرت الشرطة الالمانية في شقة بهاجي على كتب حول الجهاد سجل عليها زمار اهداءات شخصية. وقد ابلغ اثنان من المجندين في القاعدة في المانيا اعتقلا في 10 سبتمبر وهما في طريقهما الى افغانستان السلطات الالمانية ان بن الشيبة هو الذي جندهما، ولكن زمار كان حلقة الوصل الاساسية.

الجدير بالذكر ان محمد، وهو في الـ 37 من عمره وكويتي الجنسية، قد ورد اسمه في تقارير صحافية الاسبوع الماضي عندما ذكر اسمه ابو زبيدة احد قادة القاعدة الذي اعتقل اخيرا بأنه الشخص الذي «قدم الخطة» لخطف اربع طائرات وتوجيهها الى مركز التجارة العالمي والبنتاغون، طبقا لما ذكره مسؤول كبير في الادارة الاميركية. غير ان مجموعة من المسؤولين الاميركيين والالمان اشاروا الى انهم ليسوا واثقين مما اذا كانت فكرة خطف الطائرات تبلورت بين افراد مجموعة عطا او محمد، ولكن في فترة من الفترات اعتبرت القاعدة الخطة قابلة للتنفيذ.

وكانت نقطة انطلاق المخطط في الاجتماع الذي عقد في ماليزيا في يناير(كانون الثاني) 2000 عندما التقى اثنان من الخاطفين من بينهم المحظار، بمسؤل كبير من القاعدة كان قد اتى من افغانستان. ويعتقد المحققون ان الغرض من ذلك الاجتماع كان تقييم العمليات الفاشلة لتفجير مطار لوس انجليس الدولي وبعض الاهداف في الاردن خلال احتفالات الالفية، وكذلك للتخطيط لهجوم اكتوبر 2000 على المدمرة الاميركية كول في اليمن وهجمات 11 سبتمبر في الولايات المتحدة. وكانت ادارة آليات تنفيذ المخطط من مسؤولية محمد وغيره من قادة القاعدة بمن فيهم ابو زبيدة ومحمد عاطف المسؤول عن العمليات العسكرية الذي قتل في غارة على كابل في نوفمبر الماضي. وربما يكون محمد طليقا في افغانستان او في منطقة القبائل في افغانستان.

*خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»