قضية سوري مولود في الكويت ومعتقل منذ 8 أشهر تثير جدلا واسعا في أميركا

TT

كشفت سجلات القضاء الاميركي، وتقارير المحامين ان سائق سيارة اجرة سابقا في بوسطن اعتبرته السلطات مشتبها اساسيا في تحقيقات الارهاب، قضى 8 أشهر في زنزانة انفرادية بدون عرضه على قاض او تكليف محام بالدفاع عنه.

واوضحت السجلات ان نبيل المرابح البالغ من العمر 35 سنة احتجز في 18 سبتمبر (ايلول) الماضي بعد اجراءات احتجاز روتينية، ولم يعرض على قاضي تحقيق فيدرالي لتوجيه الاتهام له حتى 22 مايو (ايار) الماضي، بعد اسبوعين من تحقيق اجراه معه مكتب المفتش العام في وزارة العدل، الذي يدرس ويفحص الاتهامات بانتهاكات حقوق الانسان ضد المحتجزين في سجون نيويورك ونيوجيرسي.

وفي الاسبوع الماضي نقلت السطات المرابح من مركز اعتقال في بروكلين الى محكمة في بافلو بنيويورك، حيث تم توقيفه بتهم ناشئة عن محاولة دخول الولايات المتحدة في شهر يونيو (حزيران) الماضي بطريقة غير قانونية. واذا ادين، سيواجه المرابح حكما اقل من الفترة التي قضاها في السجن، طبقا للمدعي العام للدائرة الغربية في نيويورك.

والجدير بالذكر ان قضية المرابح اثارت ضجة بين المدافعين عن الحريات المدنية والمحامين الجنائيين الذين ذكروا انها واحدة من اكثر الحالات تطرفا بخصوص انتهاك الحكومة الحقوق المشروعة لمئات من الاشخاص في اطار التحقيقات بخصوص الارهاب. وتمثل فترة الثمانية اشهر التي قضاها في السجن اطول فترة قضاها اي شخص في السجن بعد احداث 11 سبتمبر بدون اجراءات تقاض.

غير ان وزارة العدل تؤكد بحماسة ان المرابح خسر حقه في ان يعرض على قاضي الهجرة عندما انتهك أمرا سابقا بترحيله، وعاد الى الولايات المتحدة. وذكرت مصادر قانونية رفضت الكشف عن هويتها ان المرابح احتجز كشاهد مادي، وهو الامر الذي يعني من الناحية الفنية انه تحت اشراف المحكمة خلال فترة احتجازه.

وقال مارك كورالو وهو متحدث باسم وزارة العدل «ليس لديه الحق في العرض على القضاء لأنه ُرحل من قبل، وعندما عاد الى البلاد وقبض عليه اعيد تنشيط قرار الترحيل».

ولحظت وزارة العدل ايضا ان المرابح عرض على القضاء ثلاث مرات، مرتين فور اعتقاله والاخيرة في جلسة استماع في الشهر الماضي.

وذكر المدافعون عن حقوق الانسان انه حتى لو كانت كل تلك الظروف صحيحة، فلا يجب احتجاز شخص لهذه الفترة بدون حصوله على محام يمثله.

وذكر مارك كريغر، وهو محام دفاع في ديترويت التقى بالمرابح في مركز متروبوليتان للاحتجاز ولكنه لم يمثله «اذا قرأت عن حدوث مثل ذلك لمواطن اميركي في الصين او في كوبا ـ انهم احتجزوا مواطنا اميركيا لمدة 8 اشهر بدون عرضه على القضاء ـ فإن وزارة الخارجية ستصاب بلوثة».

وتجدر الاشارة الى انه لم يسمح للمرابح بلقاء اجهزة الاعلام، وكل المعلومات المتوفرة عن ظروفه جاءت من سجلات المحكمة ومن المحامين ومن المدافعين عن حقوق الانسان، الذين تحدثوا معه في عدة مناسبات. ورفض كورالي المتحدث باسم وزارة العدل مناقشة ما اذا كان تم تخصيص محام للدفاع عن المرابح.

وتعكس قضية المرابح التوتر المتزايد بين جهود الحكومة لحماية الامن القومي ومحاولات المدافعين عن حقوق الانسان للحفاظ على حقوق المعتقلين المدنية، ولاسيما في حالات استغلت فيها السلطات كل الوسائل القانونية لاستمرار احتجاز المتهم، ولكنها تخشى من احتمال ان يتسبب شخص في اضرار كبيرة اذا تم الافراج عنه. وقد رفض المسؤولون الاميركيون ذكر ما اذا كان المرابح ما يزال يعتبر مشتبها فيه في تحقيقات الارهاب. وفي الايام التي اعقبت القبض عليه، ذكرت التقارير الصحافية ان السلطات ربما ربطت بينه وبين اثنين من الذين شاركوا في احداث سبتمبر ورجل ثالث حكم عليه بالاعدام في الاردن في مؤامرة تفجيرات الالفية التي اعدتها القاعدة.

وتجدر الاشارة الى ان المرابح، وهو سوري من مواليد الكويت، اصبح محط عملية بحث في عدة دول في اعقاب 11 سبتمبر. ففي 17 سبتمبر اغارت السلطات على آخر عنوان معروف له، وهي شقة في جنوب غربي ديترويت، واعتقلت ثلاثة رجال يعيشون بالمكان. وعثرت السلطات على اوراق هوية مزورة، وشرائط تسجيل وورقة تحتوي على رسوم توضيحية للقاعدة الجوية الاميركية في تركيا.

وفي اليوم التالي اعتقلت سلطات مكتب المباحث الفيدرالي المرابح بعد اشهار السلاح في وجهه في سوق، حيث كان يعمل. وبناء على عدة تقارير فان السلطات اهتدت الى المرابح عن طريق رائد حجازي، طالب ادارة الاعمال السابق بكاليفورنيا الذي عمل سائقا لسيارة اجرة مثل المرابح. وفي اكتوبر (تشرين الاول) عام 2000 اعتقل حجازي في سورية لاتهامه بالمشاركة في مخطط لتفجير فندق بالاردن عشية اعياد الالفية. وتقول التقارير ان حجازي تعرف على المرابح كوكيل لاسامة بن لادن.

ويبدو ان الحكومة استخدمت مسوغين قانونيين لاعتقال المرابح خلال فترة التحقيق معه. الاول هو تجديد امر ابعاد صدر في يونيو 2001 بعد ان ضبط المرابح وهو يحاول التسلل عبر الحدود الاميركية الكندية. ويسمح قانون الهجرة والتجنيس للمدعي العام بتجديد أوامر الابعاد السابقة دون مراجعة من احد قضاة الهجرة وذلك بالنسبة لأي اجنبي يعود الى البلاد بصورة غير قانونية. وينص القانون الفيدرالي على ضرورة تنفيذ الابعاد خلال 90 يوما. ولكن القانون الذي طبق بعد هجمات 11 سبتمبر، ينص على ان الاجنبي الذي لا يتيسر ابعاده «في الوقت المناسب من المستقبل المنظور» يمكن اعتقاله لفترات اضافية ربما تصل الى ستة اشهر اذا كان اطلاق سراحه «سيهدد الامن القومي للولايات المتحدة او سلامة المجتمع او أي فرد من افراده».

وقالت سلطات تطبيق القانون كذلك ان المرابح محجوز كشاهد مادي، وهو تعبير يشير الى الشخص الذي يملك معلومات تعتبر اساسية لمحاكمة قضية من القضايا الجنائية. وقد كان لجوء وزارة العدل الى احياء قانون الشاهد المادي مثيرا للجدل. اذ حكم قاض فيدرالي في مانهاتن، في ابريل (نيسان)، بان قانون الشاهد المادي غير قانوني. واستأنفت الحكومة هذا الحكم. وعبر محامو الدفاع والمدافعون عن الحريات المدنية عن قلقهم لجوانب عديدة في اعتقال المرابح. ومن اهم النقاط التي يثيرونها في هذا الصدد ان وثائق المحكمة تحتوي على امر اعتقال صادر يوم 6 ديسمبر (كانون الاول) ينص على مثول المرابح امام مدع فيدرالي للرد على تهمة قدمت ضده في القسم الغربي لمدينة نيويورك. وورد في التهمة انه تفادى التفتيش من قبل احد ضباط الهجرة والادلاء باقوال كاذبة عن جنسيته واستخدم وثيقة مزورة عندما دخل مرة اخرى الى البلاد.

وتوضح وثائق المحكمة ان المرابح، الذي كان محتجزا ببروكلين لم يوضع تحت الحبس رسميا حتى 22 مايو. ويحتج محامو الدفاع بأن التأخير الذي فاق الخمسة اشهر يمثل خرقا للحق الدستوري للمرابح في ان يظهر امام المدعي الفيدرالي خلال 48 ساعة وان يزود بمحام يمثله.

وقال اروين شوارتز، رئيس الرابطة الوطنية لمحامي الدفاع: «اذا كانوا قد انتظروا ستة اشهر دون ان يفصلوا في تهمة قائمة وامر اعتقال، فانهم يكونون قد ارتكبوا خطأ فادحا وفق قانون الاجراءات الفيدرالي».

واذا كان المرابح محتجزا على اساس انه شاهد مادي، فان محامي الدفاع يقولون ان المفروض تخصيص محام للدفاع عنه. ولكن المرابح لم يحدد له محام طوال ستة أشهر في الوقت الذي كان محامو حقوق الانسان يحاولون ان يجدوا له محاميا دون جدوى.

وبعد خمسة اشهر من الاعتقال زود المرابح بقائمة محامين يمكن ان يتصل بأي منهم حسب شهادة آدم كارول، منسق عمليات مساعدة ضحايا 11 سبتمبر بالدائرة الاسلامية لشمال اميركا والذي التقى المرابح ثلاث مرات وتحدث معه من خلال الهاتف.

ويعتقل المرابح حاليا بالوحدة السكنية الخاصة، في الطابق التاسع من مركز اعتقال المتروبوليتان، مع مجموعة مجهولة العدد من المعتقلين الاخرين الذين يخضعون جميعا لظروف اعتقال مشددة. ومثله مثل المعتقلين الاخرين فان المرابح يسمح له بنصف ساعة فقط خارج زنزانته ولا يتحرك الا بالقيود على رجليه ويديه وهي متصلة بحزام حديدي في الوسط. ويقول كارول ان مكتب المباحث الفيدرالي حقق مع المرابح اربع مرات. وأضاف كارول ان المرابح اضرب عن الطعام عدة مرات لتحسين ظروف اعتقاله. وقال انه كان حاضرا يوم 9 مايو اثناء تحقيق اجراه مع المرابح مكتب المفتش العام، والذي كان يرغب ان يكون مع المرابح محام يمثله، ونسبة لأنه لم يكن قد خصص له محام من قبل فقد قبلوا حضور كارول لذلك التحقيق. ويقوم مكتب المفتش العام بالتحقيق في ادعاءات حول خرق حقوق الانسان بمركز اعتقال المتروبوليتان وفي سجن المقاطعة بباسيك، بنيوجيرسي، حيث يقبع مئات المعتقلين.

وقال كارول ان المرابح تحدث عن معاملته وعن حرمانه من حق التمثيل القانوني وعجزه عن الوصول الى القضاء. وبعد شهرين من ذلك التاريخ، أي في 22 مايو ابلغ المرابح انه معتقل بموجب الاتهامات التي قدمت له في بفالو وانه سيعرض على قاضي التحقيق في بروكلين. وقد خصص له محام من مكتب المحامي العام الفيدرالي. وامتنع المحامي بيتر كيرشهايمر عن التعليق، وكذلك مكتب المفتش العام.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»