التجاذب بين المسؤولين اللبنانيين ينتقل من الانتخابات إلى المازوت ومؤيدو الحريري يشكون من استهداف «الأجهزة» لحكومته

TT

انتقل التجاذب السياسي في لبنان من قضية انتخابات المتن، الى قضية اخرى لا يبدو انها تقل أهمية عنها في التأثير على العلاقات بين المسؤولين، بعدما تصاعدت المواقف بشأن قرار منع تشغيل السيارات العمومية العاملة على المازوت وصدور اتهامات من النواب المؤيدين لرئيس الحكومة رفيق الحريري بحق الاجهزة الامنية لجهة «استغلالها معاناة السائقين لتفجيرها في وجه الحكومة، ربما انتقاماً منها لانها منعتها من التمادي في ارادة التزوير والتصعيد خلال انتخابات المتن». جاء ذلك رداً من الحريري ـ على ما يبدو ـ على تهديدات اطلقها سائقو السيارات العمومية بتطويق مجلس الوزراء بسياراتهم واقفال طرق لبنان. وخرجت صحيفة «المستقبل» التي يمتلكها الحريري بعنوان يقول: «بعد المتن... المازوت وقود سياسي جديد للاجهزة». ووجهت في افتتاحيتها اتهامات الى هذه الاجهزة بـ «اضرام النار في انتخابات المتن التي كادت ان تؤدي الى حريق وطني كبير».

وتتجه الانظار مساء اليوم الى مقر مجلس الوزراء الذي سيبحث في موضوع تنفيذ المنع المقرر ان يبدأ السبت المقبل، والتعويضات المقترحة للسائقين الذين ظهرت منهم بوادر تحركات عنيفة تمثلت في اغلاق طريق مطار بيروت الدولي لنصف ساعة امس، وفي عقد جمعية عمومية تخللتها مشادات واشتباكات. وجاء ذلك كله وسط تصاعد الجدل السياسي والضغط النيابي والحكومي لتنفيذ القانون، مع صدور تلويح من رئيس مجلس النواب نبيه بري يطرح الثقة في الحكومة اذا لم تنفذ قرار المنع.

وزار بري امس رئيس الجمهورية اميل لحود. وقال عقب اللقاء انهما بحثا في «ضرورة تنفيذ القانون المتعلق بوقف السيارات العاملة على المازوت». وتوجه بري بعد ذلك الى مجلس النواب حيث التقى عدداً من النواب، مؤكداً لهم ان قضية وقف السيارات العاملة على المازوت «ستبقى هم المجلس حتى تطبيق القانون»، و«ان الخامس عشر من الشهر الحالي هو موعد فاصل في هذا المجال». وقال: «كما اكدنا في جلسة الاستجواب فان المجلس النيابي يعتبر جلساته مفتوحة حتى تنفيذ هذا القانون،. وان هذا الامر بات موضع اجماع، فرئيس الجمهورية اكد اليوم (امس) دعمه لهذا القرار، ورئيس الحكومة يشدد على تطبيقه»، منوهاً بموقف وزير الداخلية الياس المر «الذي اعطى تعليماته للاجهزة المعنية لتنفيذ هذا القرار في موعده».

واشار بري الى ان «المجلس النيابي بإصراره على تطبيق القانون لا يقف ضد مطالب السائقين بتعويضات او بسواها». وقال: «نحن على استعداد لأن نساعد في كل ما يتعلق بحقوق هذه الفئة من المواطنين،. الا ان احداً يجب ألا يتوهم ان التهديد بالنزول الى الشارع يحول دون تنفيذ القانون».

وسأله بعض النواب عما يتردد عن تدخلات وتحركات من قبل جهات مخابراتية، فقال: «ان مثل هذه التدخلات لن تحول دون تنفيذ القرار». واضاف: «الجهات المخابراتية لم تضع يدها في موضوع الا واعطت النتائج المعكوسة والحمد لله».

من جهته، اكد الحريري ان الحكومة «ستنفذ قرار منع السيارات العاملة على المازوت في الخامس عشر من الشهر الحالي بحذافيره ولن تتراجع ابداً عنه».

وكان وزير الطاقة والمياه محمد عبد الحميد بيضون قد اكد أيضاً «عدم تراجع الحكومة عن قرارها بشأن وقف السيارات العاملة على المازوت». واعتبر «ان من يحرك الراغبين في التظاهر ينطلق من خلفيات سياسية».

وفي اطار ما يتردد حول دور الاجهزة، اكدت وزارة الدفاع في بيان اصدرته امس ان الاجهزة الامنية التابعة لها «لا تتدخل بأي طريقة بالشؤون النقابية ولا بالتحركات العمالية الا لناحية حفظ الامن». وعلقت على ما اوردته بعض وسائل الاعلام عن دور مفترض للاجهزة الامنية في تحريك بعض القطاعات النقابية احتجاجاً على تطبيق قانون منع السيارات العاملة على المازوت موضحة ان «الاجهزة التابعة لإمرتها لا تتدخل بأي طريقة بالشؤون النقابية ولا بالتحركات العمالية التي لا تدخل في اطار عملها ومهامها الا لناحية حفظ الامن.

وكشف رئيس لجنة الادارة والعدل في البرلمان اللبناني مخايل ضاهر ان رئيس المجلس نبيه بري حضه على الاسراع في انجاز مشروع قانون شرعة المحافظة على البيئة. وقال لـ«الشرق الأوسط» انه «لاول مرة في تاريخ الجمهورية اللبنانية يطرح رئيس المجلس الثقة بحكومة»، في اشارة منه الى ان ما قاله بري للنواب امس من انه بصدد طرح الثقة بالحكومة اذا لم تطبق قرار المنع.

ورأى عدد من النواب ان هناك محاولات من جهات لم تعد خافية على احد لدعم وتشجيع اصحاب السيارات والفانات العاملة على المازوت لتصعيد تحركهم بهدف اسقاط الحكومة واحراج رئيسها رفيق الحريري.

اما السائقون فقد عقدوا جمعية عمومية حيث تجمعوا منذ الصباح امام مقر اتحادهم في وسط العاصمة وافترش كثيرون منهم ارض الشارع رافعين ارغفة الخبز وشعارات ولافتات تطالب باستيراد المازوت النظيف، وتؤكد ان من واجب السلطة ان تؤمن لهم خبزهم «كفاية يومهم». وجرى ذلك وسط تدابير امنية اتخذها الجيش اللبناني وقوى الامن الداخلي وفرقة مكافحة الشغب.

والقى رئيس اتحاد سائقي السيارات العمومية للنقل البري عبد الامير نجدي كلمة لوح فيها بسلسلة خطوات تصعيدية اذا لم يستجب المسؤولون للمطالب التي رفعها الاتحاد. وطالب المسؤولين بوضع حد «لهذه المشكلة المتفاقمة التي تطاول 40 الف سائق عمومي».

وأيد الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان مطالب السائقين وتحركاتهم، داعياً الحكومة الى تأجيل بت هذا الملف وايجاد الحلول وفق المقترحات المقدمة من نقابات السائقين «بما يحافظ على البيئة النظيفة ويساهم في تلافي حصول مجزرة اجتماعية بحق شريحة اساسية من المواطنين».