الإدارة الأميركية تطلق فكرة «الدولة الفلسطينية الانتقالية» كبالون اختبار

TT

قال وزير الخارجية الأميركي، كولن باول، أول من أمس، إن إدارة الرئيس جورج بوش تناقش، حاليا، إمكانية الدفع نحو اقامة دولة فلسطينية انتقالية، كحل مؤقت، لكسر حالة الجمود السائدة في العملية السلمية بالشرق الأوسط.

من جانبهم، اعترف مسؤولون أميركيون آخرون بأن الفكرة ستثير، لجملة أسباب، جدلا شديدا داخل إسرائيل، وبين الفلسطينيين، وداخل العالم العربي. فبالنسبة للإسرائيليين، هناك مخاوف من أن تعتبر خطوة كهذه «مكافأة للعنف ضد إسرائيل»، أما بالنسبة للعرب، فلا بدّ أنها ستثير لديهم القلق من أن تكوين دولة فلسطينية انتقالية، سيعيق الخطوات الموصلة إلى اقامة دولة دائمة.

لكن البيت الأبيض، أسرع للتأكيد، بأن هذه الفكرة ليست الا واحدة من عدة أفكار أخرى مطروحة للنقاش الهادف إلى تحديد الكيفية التي يمكن بها إحياء العملية السلمية. ولهذا الغرض، سيجتمع الرئيس بوش اليوم مع فريق الأمن القومي، لبحث ملامح مبادرته للسلام في الشرق الاوسط ولبدء بوضع خطة مسبقة قبل انعقاد المؤتمر الدولي الذي تأمل وزارة الخارجية الأميركية ان ينعقد في الشهر المقبل. وتبدو الفكرة بمثابة بالون اختبار.

وتجدر الإشارة الى ان الإدارة الأميركية أصبحت ملتزمة باقامة دولة فلسطينية، كان بوش قد أعلن عنها في خطابه بالأمم المتحدة العام الماضي ثم أشار مرة أخرى إليها في الرابع من أبريل (نيسان) الماضي. لكن الهوة الكبيرة القائمة حاليا بين إسرائيل والفلسطينيين، حول كيفية تحقيق ذلك، دفعت وزارة الخارجية الأميركية إلى العمل وفق مبدأ الدولة الانتقالية، والتي على الرغم من عدم اعلانها بشكل واضح ورسمي، فان المسؤولين الاميركين يرون انها قد توفر هيكلا حكوميا أكثر رسمية للفلسطينيين، لكنها، في الوقت نفسه، ستؤجل النظر في ثلاث قضايا خلافية أساسية. وهذه القضايا هي مسألة حدود الدولة الفلسطينية الجديدة، ووضع القدس، وعودة اللاجئين الفلسطينيين.

في هذا الصدد، قال باول، إن بوش «يعرف أن تحقيق هذا الهدف (اقامة الدولة الفلسطينية)، يتطلب المرور باقامة دولة مرحلية، كخطوة انتقالية. وقد يكون ضروريا تحقيق عدة خطوات متتالية».

ويبدو أن هذه الفكرة، حسب مسؤول أميركي كبير، بدأت تكتسب قدرا متزايدا من القوة، لأنها قد تثبت أهميتها كواحدة من الوسائل القليلة المتوفرة لتحقيق أهداف متعارضة في آن واحد. فأولا، قد تمنح الفلسطينيين الأمل، وفي الوقت نفسه، تقوض تأثير الراديكاليين، بدون الاضطرار إلى التعامل مع القضايا الشائكة التي منعت التقدم نحو الحل النهائي للمشكلة.

ضمن هذا السياق، قال باول: «في حالة قيام دولة مرحلية، سيكون بإمكان الفلسطينيين أن يروها كخطوة في الطريق إلى حل شامل، فهي شيء يستطيعون أن يضعوا آمالهم وأحلامهم فيه، شيء يمكن للمجتمع الدولي أن يستثمر فيه بثقة».

من جانب آخر، قد يعطي اقامة هذه الدولة المرحلية، الوقت الكافي للسلطة الفلسطينية كي تحقق إصلاحات أساسية، ولعلها، حسب مسؤول اميركي، «تضعف من قبضة عرفات على السلطة، وتجلب جيلا جديدا من القادة إلى حكومة أكثر ديمقراطية قبل أن تولد الدولة الرسمية الحقيقية».

كذلك، قد تكون الدولة الفلسطينية المرحلية، حسب مسؤولين في وزارة الخارجية الأميركية، أداة فعالة لتحقيق الآليات الرسمية المتوفرة لكل وطن، مثل الدستور، والمجلس الوطني، واستقلال القضاء.

لكن، رئيس الوزراء الإسرائيلي، آرييل شارون، يعارض بشدة أي خطوة تتعامل مع القضايا السياسية، بدون انتهاء العنف ضد الإسرائيليين، الذي يحمّل عرفات مسؤولية استمراره. وأعاد شارون تأكيد موقفه المعارض، مرة أخرى، في محادثاته الأخيرة مع بوش، بالبيت الأبيض، يوم الاثنين الماضي. ومن المتوقع، أنه سيعارض، أيضا، أي مبادرة، يعتبرها مكافأة للفلسطينيين، بعد مرور 20 شهرا على الانتفاضة الجديدة، التي شهدت عشرات العمليات الانتحارية.

من جانب آخر، يحتاج العرب، حسب المسؤول الأميركي، إلى ضمانات بأن إسرائيل لن تعتبر الدولة الفلسطينية المرحلية، كصيغة نهائية، ثم تبدأ ببناء أسوارها الأمنية حولها.

وعبّر المسؤولون الأميركيون عن مخاوفهم، أيضا، من تنفيذ هذه الخطوة، إذ قال مسؤول في وزارة الخارجية ا لأميركية: «فكرة الدولة المرحلية فيها عيوب كثيرة، لكن المشكلة تكمن، في طرح فكرة أفضل منها. لذلك فهي تبدو الفكرة الأقل عيوبا من غيرها».

ضمن هذا السياق، اجتمع الرئيس بوش أمس بوزير الخارجية السعودي، الأمير سعود الفيصل، قبل البدء باجتماعه اليوم (الجمعة) مع فريق الأمن القومي، المتكون من وزير الخارجية كولن باول، ونائب الرئيس ديك تشيني، ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد، ومستشارة الأمن القومي كوندوليزا رايس، ومدير المخابرات المركزية جورج تينيت.

ويسعى السعوديون للتأكد من أن الإدارة الأميركية ستستمر في جهودها لتحقيق حل سياسي للنزاع أولا، بدلا من التركيز على القضايا الأمنية كشرط مسبق، مثلما يطالب به شارون.

*خدمة «لوس أنجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»