شيك بقيمة 23 دولارا «يطير» من أميركا لترتفع قيمته إلى أكثر من 18 ألف دولار في لبنان

المدير العام لبنك قبضه في بيروت: «تجيير» الشيك من الخلف أثار ارتيابنا فحولناه إلى بنك في نيويورك ليسحبه لنا

TT

في 8 فبراير (شباط) الماضي أعطت هيئة الخدمات الاجتماعية في مدينة كولومبيا، بولاية تنيسي الأميركية، شيكا بقيمة 23 دولارا لعاطلة عن العمل هناك، كعادة الهيئة في تقديم مساعدة أسبوعية لأمثالها ممن تساعدهم في دفع ما عليهم من مصاريف، فقامت ستيفاني براون وصرفت الشيك نقدا من سوبر ماركت في المدينة، بعد أن قامت بتجييره لصالح المحل أو أحد العاملين فيه.. بعدها مضت أيام وأسابيع طبيعية على كل صعيد، حتى اتصل مدير في بنك «إيه.أم. ساوث» حيث للهيئة الخدماتية التابعة لحكومة الولاية حسابات، وقال لمديرها العام وموقع الشيكات للعاطلين عن العمل: «حسابكم مكشوف عندنا، فقد سحبتم أكثر مما كان لديكم من رصيد في الحساب».

لم يصدق مدير عام الهيئة، ليريوي ويليامس، ما سمعه من مدير البنك، فطلب كشوفات وصورة بالكومبيوتر عن الشيكات التي منحها طوال شهر مضى، ليتضح له فيما بعد أن ما أعطاه لستيفاني براون تحول الى شيك بقيمة 18 ألفا و923 دولارا، وعليه اسم جوزف كرياكوس، بدلا من اسمها، كما تم «تجييره» لشخص آخر، ووجد أيضا على خلفيته ختمين، أحدهما لبنك أوف نيويورك، بنيويورك، والآخر لمصرف لم يصدق مديره عينيه حين قرأ اسمه وعنوانه: البنك الأهلي انترناشونال ـ فرع شارع فردان في بيروت.

انتفض ويليامس عن طاولته واتصل بالشرطة، فحضر منها محققون، اتصلوا حالا بمكتب المباحث الأميركي (إف.بي.آي) الذي كان قد وزع على الهيئات المتنوعة والمؤسسات في أميركا تعليمات باعلامه بكل ما يتعلق ببلد عربي من صغيرة أو كبيرة، بسبب تفجيرات واشنطن ونيويورك الأخيرة، فاكتشف خبراء المكتب بعد فحص دقيق للشيك أن «جهة ما، أو شخصا ما، أو ربما منظمة، قامت باستخدام مادة كيماوية خاصة، يمكنها محو أي كلام مكتوب بالحبر أو على الآلة الكاتبة أو بالكومبيوتر وسواه من على أي ورقة، بحيث يتم كتابة كلمات جديدة من كومبيوتر آخر على أي وثيقة أو شيك مستهدف للتعديل «وهذه المادة لا نجدها عادة الا لدى دول ومؤسسات خاصة» وفق ما نقله الى «الشرق الأوسط» أمس المحقق في مخفر كولومبيا للشرطة، هانت بلير، نقلا عن «إف.بي.آي» الأميركي.

وقال بلير بالهاتف إن اتصال شرطته كان سريعا بمكتب المباحث الفيدرالي، الا أنه لا يعرف ما اذا كان «إف.بي.آي» سيستمر بوضع يده على ملف الشيك «أو اذا كان سيعبر في تحقيقاته الحدود الأميركية ليصل الى لبنان» على حد تعبيره.

واتصلت «الشرق الأوسط» أمس بالبنك الأهلي إنترناشونال في بيروت، وهو بنك تم تأسيسه منذ عام تماما من دمج بنك لبنان والكويت مع فرع البنك الأهلي الأردني في بيروت برأسمال 22 مليون دولار، فتغير اسمه الى ما هو عليه الآن وأصبح له 11 فرعا في لبنان وعلى الطريق 3 فروع سيتم تدشينها قريبا، فقال رفيق عرموني إنه يعرف بعض التفاصيل عن هذا الشيك، الذي قام بمراجعة صورة بالكومبيوتر عنه حين حديثه مع «الشرق الأوسط» أمس عبر الهاتف.

وذكر عرموني ان المصرف الذي يديره في بيروت «لا علاقة له من قريب أو بعيد بما جرى.. نعم، أعرف أن هناك بعض الملابسات حول تجيير الشيك، الا أنني لم أكن أعلم أنه تم تزوير قيمته من 23 دولارا الى 18 ألفا و923 دولارا سوى منك الآن.. نحن قبضناه لصالح عميلنا بقيمة 18 ألفا و923 دولارا، لكنني أعترف بأن شكوكا ساورتنا حول التجيير لصالح عميلنا في خلفية الشيك» كما قال.

* الشكوك حملتكم على ماذا؟

ـ اضطررنا للقيام بتحصيله لصالح عميلنا، جوزف كرياكوس، وهو لبناني يقيم في ولاية تنيسي، عبر بنك آخر، وليس عبر المقاصة الدولية، أي قمنا بارسال الشيك الى بنك أوف نيويورك، ليقوم هو بتحصيله النهائي بعد التأكد من صحة التجيير.

* وأكد لكم صحته؟

ـ طبعا، لأن الشيك عاد بعد أيام مسحوبا عبر بنك اوف نيويورك، الذي راجع بنك «إيه.ام.ثاوث» في كولومبيا، وأكد له صحة التجيير، والا لما كان دفعه أصلا، وبذلك لا تقع علينا أي مسؤولية.

* كرياكوس زبونكم، ولديه حساب عندكم، ألم يتصل بكم أحد لتجميد رصيده حتى تنتهي التحقيقات ؟

ـ الى الآن لا شيء، وأعتقد أن الأمور لا بد أن تتم أولا بين السلطتين الماليتين في الولايات المتحدة ولبنان.

* كيف هو وضع كرياكوس المالي عندكم؟

ـ لا أستطيع البوح بأي شيء يخص أي عميل عندنا، وذلك من باب السرية المصرفية. وعلى أي حال فان لدينا في لبنان أجهزة تكافح تبييض الأموال وغيرها، وهي التي من مهمتها الاهتمام بهذا الشيك واتخاذ الاجراءات، فتعلمنا بذلك ونحن نطبق فقط.

* هل تؤكد أن الشيك تعرض لتزوير في عملية «تجييره» من الخلف؟

ـ نعم أؤكد ذلك.

* كيف عرفت بالتزوير، ولماذا قبضت الشيك اذن؟

ـ عرفنا به لأننا عندما أرسلنا الشيك الى بنك أوف نيويورك أعاده الينا، فطلبنا منه بعدها أن يتأكد من السبب، فعاد بنك أوف أميركا واتصل ببنك «إيه.ام.ساوث» فرد الأخير بأن الشيك ليس فيه ما يريب، لذلك دفع قيمته الى بنك أوف نيويورك، الذي قام بتحويل المبلغ الينا تسديدا للشيك، الا أنني الآن (أمس) فقط، علمت أن التزوير شمل أيضا قيمته.

وذكر رفيق العرموني إن مسؤولية مصرفه تنحصر فيما حدث في لبنان «لا في نيويورك أو كولومبيا بولاية تنيسي» وفق تعبيره. وذكر أن مصرفه قبض الشيك لصالح كرياكوس بعد أن تسلم البنك تأكيدات موثقة من «إيه.إم.ساوث» عبر بنك أوف نيويورك، بأن الشيك صحيح «مع ذلك، فنحن لن نقوم بأي اجراء الا بطلب من السلطات المالية اللبنانية. أما في ما يتعلق بكرياكوس، فمشكلته ليست عندنا في البنك ولا في لبنان عموما، بل عند الأميركيين» كما قال. وختم قائلا: «يبدو أن هناك عصابات دولية تتحرك في العالم، وصادف أنها لامستنا هنا في لبنان بعض الشيء» لذلك أبدى الاستغراب في كيف تتضاعف قيمة شيك صغير في مدينة بالجنوب الأميركي 820 مرة ليقبضها زبون في بنك بشارع فردان في بيروت.

=