المبعوث البريطاني للسلام في السودان: اهتمامنا بالوضع السوداني ليس ناشئا عن اكتشاف النفط فيه

آلان غولتي لـ«الشرق الأوسط»: لا ينبغي أن يوضع انفصال الجنوب على قدم المساواة مع مطلب تقرير المصير

TT

لم تمض شهور على تعيين الولايات المتحدة مبعوثا خاصا لها الى السودان، وهو السناتور جون دانفورث، حتى قامت بريطانيا بتعيين آلان غولتي كمبعوث خاص لذات المهمة، مما يؤكد اهتمام الغرب بما يجري في السودان، وضرورة ايقاف الحرب الاهلية الدائرة فيه منذ اكثر من 19 عاما.

ومثل غولتي بلاده كسفير في الخرطوم لأكثر من ست سنوات، لكن علاقته الدبلوماسية مع السودان امتدت لاكثر من ثلاثين عاماً، ساهم خلالها في هندسة وقف إطلاق النار في بحر الغزال عام 1998. وعمل غولتي مديرا لادارة الشرق الاوسط وشمال افريقيا في الخارجية البريطانية، مما أهله للاضطلاع بكثير من تطورات الاحداث بالنسبة للسودان، ومحيطه العربي والافريقي. ومنذ تعيينه في منصبه الجديد التقى غولتي جميع اطراف النزاع السوداني، كما استقبله الرئيس السوداني عمر البشير، بالاضافة الى هيئة قيادة المعارضة السودانية وزعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان العقيد جون قرنق، والتقى غولتي الرئيس الاوغندي يوري موسيفيني، والرئيس الكيني دانيال ارب موي، والرئيس المصري حسني مبارك، كما ينوي لقاء الرئيس الليبي معمر القذافي، بهدف دفع عجلة السلام في السودان. وفي مقابلته الاولى مع الصحافة العربية، التي خص بها «الشرق الأوسط»، تحدث غولتي، عن نتائج هذه اللقاءات.

وهذا نص الحوار:

* عندما كنت في القاهرة أخيراً للقاء سياسيين سودانيين، أعلنت ان بريطانيا مستعدة لتقديم مساعدات للسودان، فما هي طبيعة هذه المعونة؟

ـ أعتقد ان بريطانيا كبقية أعضاء المجموعة الدولية، يمكنها أن تساعد السودانيين على استغلال الفرصة السانحة لحل خلافاتهم وإنهاء هذا النزاع الذي أضر بالبلاد لزمن طويل، وإن مهمتي، بشكل ما، هي في الحقيقة إدارة المساهمة البريطانية في إطار الجهد (الدولي) الجماعي.

* إذن هذه المساعدة التي تحدثت عنها في القاهرة ليست اقتصادية مثلاً، بل أنتم تعتزمون تقديمها في إطار جهود السلام؟

ـ في الحقيقة لقد فاجأتني بنسب كلام لي لا أتذكر قوله، فأنا لم أدلِ بتصريحات علنية في القاهرة. وزيارتي تركزت اساساً على العملية السياسية بحثاً عن السلام. لكن بالطبع نواصل (الحكومة البريطانية) تقديم مبالغ كبيرة (للسودان) على شكل معونات تنمية وإغاثة. وواضح أن إنهاء النزاع عن طريق وقف لإطلاق النار، والافضل طبعاً ان يتم ذلك من خلال تسوية، تفتح الطريق أمام فرص جديدة لتقديم مساعدات عملية اخرى من هذا النوع.

* يتردد في الاوساط السودانية ان بريطانيا تتجه الى استضافة مؤتمر حول السودان ترعاه مع الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي ويشارك فيه اطراف النزاع، فهل بوسعك أن تؤكد أنكم تدرسون ذلك حالياً؟

ـ لا.. لا. هذا النوع من التكهنات سابق لأوانه. والذي نتطلع إليه حالياً هو استئناف محادثات إيقاد في السابع عشر من يونيو (حزيران) الجاري في نيروبي، بدعم دولي وحماس أكبر مما مضى. هذه هي الخطوة الاولى، ونأمل أن يكون لهذه المحادثات حظ من النجاح. لكن من السابق لاوانه الحديث الآن عن مؤتمر أوسع.

* ولماذا ما تزالون تراهنون على إيقاد مع أنها فشلت منذ إنشائها قبل سنوات في إحراز أي تقدم في البحث عن حل للمشكلة؟

ـ هذا ليس صحيحاً. فالوثيقة الاساسية المعتمدة في عملية السلام هي في الحقيقة إعلان إيقاد للمبادئ الصادر عام 1994، والذي وافق عليه الجانبان في عام 1997 كأساس للمناقشات. وتاريخياً أعربت الحركة الشعبية لتحرير السودان على امتداد الفترة الماضية عن رغبتها القوية في أن تتم المفاوضات وفق النمط الذي وضعته إيقاد. لكن من الصحيح أيضاً القول أن هذه المحادثات لم تحقق القدر المأمول من النجاح. ولهذا بالذات فإن المجموعة الدولية، وخصوصاً شركاء إيقاد، يدركون ان ثمة حاجة الآن لتنشيط هذه المحادثات وإعادة إطلاقها بمزيد من التصميم. وهو ما يسعى الكينيون، بالنيابة عن إيقاد، الى القيام به حالياً.

* وهل تؤيد فكرة توحيد مبادرة إيقاد والمبادرة الليبية ـ المصرية المشتركة لأن ذلك سيعزز جهود السلام بشكل اكبر، أم انك تعتقد ان الفرصة لن تسنح بتحقيق اندماج بينهما؟ ـ حسناً، قال لي المصريون والكينيون إنهم يحبذون تعاوناً اوثق وقد عبر الجانبان عن حرصهما على التنسيق مع بعضهما (في إطار جهودهما، كل عبر مبادرته المنفصلة)، وأعتقد ان هذا ما يحدث حالياً. لا أظن أن على المرء ان يتحدث الآن بطريقة شكلية عن اندماج بين المبادرتين. المهم في الامر هو أن جميع جيران السودان يعملون، كبقية المجموعة الدولية، في اتجاه تحقيق الاهداف نفسها وهي مساعدة السودانيين على حل خلافاتهم. وبقدر ما نعمل سوية ويُطلع أحدنا الآخر على ما يجري، فإنني أعتقد ان بوسعنا تحقيق هذه الاهداف، والمبادرتان اللتان ذكرتهما ستكونان عندها متكاملتين بدلاً من أن تكون إحداهما مناقضة للأخرى.

* وهل لمست لدى السودانيين انفسهم خلال زياراتك الاخيرة، رغبة جادة في التوصل الى سلام؟

ـ نعم هذا هو الانطباع الذي خرجت به من اتصالات اجريتها مع قادة سودانيين ومع الحكومة وممثلي احزاب المعارضة الآخرين. وبطبيعة الحال فإن كل طرف يرغب بتحقيق السلام انطلاقاً من وجهة نظره هو. وعادة يبدأ المرء التفاوض استناداً الى موقفه الخاص، ثم يتم استكشاف حجم الارضية المشتركة (بين الاطراف المتفاوضة)، وهذا احد التوجهات التي ستشهدها المفاوضات التي تبدأ في وقت لاحق من هذا الشهر.

* قلت إنك ستهتدي في عملك بالتقرير الذي وضعه مبعوث السلام الاميركي جون دانفورث، وكما تعلم فقد أبدت المعارضة عدم ارتياحها للطريقة التي تعاطى فيها مع مبدأ تقرير المصير. كيف تنظر الى مطلب تقرير المصير لجنوب السودان، وهل ترى فيه مدخلاً للانفصال، وهل تؤيد مطلب الانفصال؟

ـ بالنسبة لمطلب تقرير المصير، وغيره من القضايا المطروحة، الامر الأهم هو ما يقرره السودانيون انفسهم. وأحسب ان الاطراف كلها قد أعربت، ولو في أوقات مختلفة، عن التزامها بمبدأ تقرير المصير. وهذا موقف حكيم، لأنه لا بد لأي تسوية لهذا النزاع الطويل من أن تحظى بتأييد شعبي. إذن يجب العثور (في مرحلة مقبلة) على تعبير عن مبدأ تقرير المصير، يتمتع بتأييد شعبي، مما سيجعل التسوية السلمية امراً ممكناً. هذا موقف حكيم، لكن ذلك لا يعني أن نتيجة هذا الاختبار للإرادة الشعبية ستكون بالضرورة الانفصال. إذن من الخطأ المساواة بين الانفصال ومطلب تقرير المصير. ربما كان الانفصال أحد الخيارات التي قد يتم الأخذ بها في الوقت المناسب، لكن لا ينبغي أن يوضع على قدم المساواة مع تقرير المصير.

* تحاول أن تباعد نفسك عن الحلول المطروحة وتتجنب الايحاء بتحبيذ صيغة معينة لحل النزاع، فهل يعود ذلك الى التزامك العمل على مساعدة السودانيين لصنع سلامهم بأنفسهم، كما قلت في مناسبة سابقة؟

ـ نعم ولا، في الوقت نفسه. انا حريص جداً على السودان وأهله، انطلاقاً من تجربتي الشخصية. وأود كثيراً أن أساعدهم، ولو بشكل محدود، للتوصل الى سلام عادل يوفر لهم الفرصة للتمتع بحياة افضل في المستقبل. ليس هناك مباعدة (للذات) على هذا المستوى. لكن فكرتك الاخرى صحيحة، وهي انني مؤمن بأن العثور على السلام هو من شأن السودانيين ولا ينبغي بالجهات الخارجية ان تفرضه عليهم. ليس لدينا حلول سحرية يمكننا أن نعطيها لهم، بيد ان بوسعنا أن نقدم لهم النصح والافكار العملية، إلا أن عليهم هم ان يعثروا على السلام.

* وهل تعتقد أن احد هذه الحلول يتمثل بحل مشكلة الحرب في الجنوب، ام ان الحل يجب ان يكون اشمل، بمعنى إشراك المعارضة الشمالية في الحكم؟

ـ اعتقد انك عندما تحاول أن تنهي نزاعاً ما يتوجب عليك ان تتعاطى اولاً مع أولئك المنهمكين فعلياً في الصراع، وهذا يعني الاطراف المتحاربة في الوقت الراهن. لكن إذا استطعنا التوصل الى وقف إطلاق نار او إنهاء للقتال في الجنوب، فهذا بطبيعة الحال لن يكون كافياً لحل مشاكل السودان كلها. لكن من الضروري ان نبدأ، ونقطة البدء هي الفصائل المشتبكة حالياً. وفي عالم مثالي، فإن قدراً من التفهم لدى هذه الفصائل حول الاتفاق سيُوسع بحيث يشمل القوى السياسية الاخرى في السودان.

* وهل تخليتم عن مطلب عودة الديمقراطية التعددية في السودان؟

ـ إننا نرى أن الديمقراطية هي الطريقة الافضل التي يمكن ان يتبعها المرء لترتيب شؤونه (والدول لتنظيم أمورها). لكن الشكل المحدد لتلك الديمقراطية يجب ايضاً ان يعكس الحاجات الخاصة والظروف المحددة للدول نفسها. وبالتالي فأمر تحديد شكل هذه الديمقراطية عائد أيضاً للسودانيين (مبتسماً)، توخيت الاجابة بحذر لاني شعرت ان هناك شيئاً وراء سؤالك.

* النظام الحالي في السودان كان يُنظر اليه من قبل بريطانيا واوروبا بالاضافة الى أميركا، على انه نظام اصولي يسعى لتصدير القلاقل الى حد إدراجه في قائمة الخارجية الاميركية للدول الداعمة للارهاب، هل تغيرت نظرتكم بعد إبعاد الدكتور حسن الترابي عن الحكم؟ وهل ترون أن المشكلة كانت في الترابي تحديداً؟

ـ لا اريد ان أشخصن المسائل بهذه الطريقة، اعتقدنا ان موظفين سودانيين قد تورطوا بشكل ما في محاولة اغتيال الرئيس (المصري حسني) مبارك في عام 1995، وهي ادت كما تعرف الى فرض مجلس الامن الدولي عقوبات، في إطار الجهود لتأمين تسليم السودان للأشخاص الثلاثة المشتبه في تورطهم في ذلك الهجوم. لقد تم حل تلك القضية بشكل مرضٍ ورفع مجلس الامن العقوبات في سبتمبر (ايلول) الماضي. وانطلاقاً من ذلك، فإن صفحة من التاريخ السوداني قد طويت، وكلنا امل في أنه لن تكون هناك حاجة لإعادة فتحها مرة أخرى بذات الطريقة. ومن جهة ثانية، فالتعاون بين السودان وأميركا وآخرين في إطار مكافحة الإرهاب الدولي، مستمر، وهذه خطوة إيجابية الى الامام.

* دعني ألعب دور محامي الشيطان، وأقول أن هناك من يؤكد ان بريطانيا كانت جزءاً على الاقل من المشكلة السودانية مما يجعلها غير قادرة على ان تكون جزءاً من الحل، ما رأيك بذلك؟

ـ فترة الحكم الثنائي التي كنا خلالها نحن ومصر مسؤولين عن إدراة السودان، قديمة جداً. وربما كان لدينا بعض المعرفة الموروثة وصلات وصداقات مع السودان لا تزال تؤهلنا أكثر من آخرين للتعاطي مع الشأن السوداني. وكل ما أرغب بإضافته الى ذلك، هو أنه عندما زارت وزيرة التنمية الدولية كلير شورت السودان في يناير (كانون الثاني) اكدت لها كل الاطراف، الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان، أن على بريطانيا ان تلعب دوراً بناءً بهدف إحراز تقدم في إطار البحث عن السلام. إذن، لقد كان هناك تأييد، لا بل طلب، من الاطراف السودانية كلها لتأديتنا دوراً اشد فاعلية مما قمنا به في اشهر سابقة (على الزيارة).

* هل تعني أن حماسكم وحماس غيركم للبحث عن السلام في السودان لا علاقة له باكتشاف النفط في تلك الدولة؟

ـ لا. لاعلاقة له بتاتاً بالنفط. أعتقد ان النفط قد يساعد على تعزيز السلام. صحيح أن الغالبية تنظر إليه على نحو سلبي كمحرض على الحرب. لكن من الممكن أيضاً بصورة مساوية أن النفط قد يحرض على السلام، إذا توفرت النية الحسنة لدى الاطراف كلها. فهو يشكل مصدراً طبيعياً إضافياً للسودان يتقاسمه الجميع بشكل متساوٍ تقريباً، ويساهم الى درجة كبيرة في معالجة مشاكل التفاوت التاريخية والاستجابة الى حاجات وآمال الناس. وتحقيق السلام يغدو اسهل حين تتوفر بعض المصادر الطبيعية.

* ما قصدته من سؤالي في الحقيقة، هو التساؤل عما إذا كانت رغبتكم انتم والاميركيين بالحصول على النفط السوداني، هي التي تدفعكم الى العمل على إحلال السلام في البلاد؟

ـ لا. لدينا ما يكفينا من النفط.