الرئيس الجيبوتي: لا نعاني من مشكلة تطرف ديني وتعاوننا مع المخابرات الغربيـة غير موجه ضد أي دولة في المنطقة

TT

تعيش جمهورية جيبوتي المعروفة بوطن الرجال هذا الشهر احتفالات شعبية ورسمية صاخبة في ذكرى مرور 25 عاما على استقلالها عن فرنسا في 27 يونيو (حزيران) .1977 وبموقعها الاستراتيجي المهم في منطقة القرن الافريقي والمطل على البحر الأحمر والمحيط الهندي تتزايد الأهمية السياسية والعسكرية لجيبوتي التي أنضمت للجامعة العربية بعد شهرين فقط من الاستقلال.

وتحدث الرئيس الجيبوتي اسماعيل عمر جيلة لـ«الشرق الأوسط» بترتيب خاص من موسى محمد أحمد سفير جيبوتي في القاهرة حول آخر التطورات الداخلية والاقليمية وموقف بلاده من الوضع الراهن في الصومال والأراضي المحتلة. ونفى جيلة في رده على «اسئلة» ارسلت عبر الفاكس، وجود وساطة جيبوتية بين الصومال واثيوبيا لحل الخلافات القائمة بينهما، غير انه أكد استعداده للقيام بأي جهود لتقريب وجهات النظر بين البلدين. وأشاد جيلة الذي تولى السلطة عام 1999 ليخلف عمه حسن جوليد أبتيدون أول رئيس للجمهورية الجيبوتية، بالدعم الذي تقدمه السعودية لبلاده كما دعا المستثمرين ورجال الاعمال العرب الى توجيه استثماراتهم الى جيبوتي التي قال انها تتمتع بمقومات اقتصادية كبيرة وتتميز بموقعها الجغرافي وامتلاكها وسائل الاتصالات الحديثة. وأكد الرئيس الجيبوتي ان بلاده لا تعاني من أي مشكلة تتعلق بالتطرف الديني بفضل ما وصفه بالتضامن الذي يسود وضعها الاجتماعي. وقال ان تعاون بلاده مع اجهزة المخابرات الاميركية والغربية ليس موجها ضد اي دولة في المنطقة.

وهذا نص الحديث:

* ما هو تقييمكم للسنوات الخمس والعشرين التي مضت بعد استقلال جيبوتي؟

ـ بطبيعة الحال فقد شهدت السنوات الخمس والعشرون الماضية عددا من الأمور والأحداث كان أبرزها على الاطلاق العمل على ترسيخ دعائم الاستقلال الوطني بإقامة مختلف مؤسسات الدولة الناشئة، وتشييد البنية التحتية لدولة النظام والقانون والالتفات الى مختلف محافظات ومناطق الجمهورية في الشمال والجنوب وتوفير وسائل الحياة الأساسية لسكانها بعد أن كانوا محرومين من الحد الأدنى منها، بالاضافة الى تأكيد مبادىء الوطن في الوحدة والمساواة والسلام.

وتم تطوير التعليم وتوسيع دائرته وتسليم مقاليد ادارة شؤون البلاد لابنائه، والعمل على مكافحة الأمية والجهل وغيرها من موروثات عهد الاستعمار، كما تم خلالها تأكيد الهوية الوطنية الجيبوتية والانتماء القومي العربي والاسلامي بانضمامنا الفاعل الى جامعة الدول العربية، ومنظمة المؤتمر الاسلامي، ومختلف الهيئات والمنظمات الاقليمية، والدولية، والعمل على ترسيخ الديمقراطية والمشاركة الشعبية في ادارة شؤون البلاد والتداول السلمي للسلطة. لقد تحقق الكثير من الانجازات الوطنية تحت راية الاستقلال الوطني. وان كانت طموحاتنا أكبر، الا أن واقع الظروف الاقتصادية التي يكابدها بلدنا كبقية دول العالم الثالث هي العائق عن ادراك امالنا العظيمة في تحقيق أقصى قدر ممكن من الرخاء والرفاه.

* كيف تنظرون الى مستقبل منطقة القرن الافريقي في ظل التطورات الراهنة؟

ـ لمنطقة القرن الافريقي ظروفها وتناقضاتها الخاصة ككل بقاع العالم، ولقد شهدت بالاضافة الى الصراعات الداخلية في بعض دولها، صراعات حدودية، كانت سببا رئيسا في اصابة هذه الدول بكوارث انسانية رهيبة، بالاضافة الى الكوارث الطبيعية التي تضرب المنطقة كالجفاف مثلا. ونحن في جيبوتي كان دورنا دائما توفيقيا بين مختلف الفرقاء، ايمانا منا بأن لا تنمية ولا رقي ولا مخرج لشعوب ودول هذه المنطقة من ظروفهم الصعبة، الا بتحقيق الاستقرار الدائم والشامل وحل مختلف المشاكل بالحوار والتفاهم والعمل على خلق مجتمع واحد متكامل يرسخ ثقافة السلام والحوار والتعاون. وعلى هذا الاساس كان انشاء منظمة دول الايقاد التي تستضيف جيبوتي مقرها، والتي تمثل النواة السلمية لتعاون دائم بين شعوب المنطقة، بالاضافة الى أننا أقدمنا على استضافة ثلاثة مؤتمرات للمصالحة الصومالية كان آخرها مؤتمر عرتا الذي توج باعادة بعث الدولة الصومالية بعد عقد من الصراع وغياب الدولة المركزية الممثلة للشعب. اننا ننظر الى مستقبل المنطقة بكثير من الأمل والتفاؤل، وذلك متى ما عمل الجميع من أجل السلام والاستقرار وعدم اثارة النزاعات أو تأجيجها، واحترام الاتفاقات والمواثيق الدولية الداعية الى احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.

* الرئيس الصومالي اتهم اثيوبيا بالتدخل في شؤون الصومال وغزو أراضيه، هل لديكم موقف من السياسية الاثيوبية الحالية تجاه الصومال؟

ـ سبق ان أوضحت موقفنا تجاه الصومال وتجاه كل دول المنطقة بأنه لا سلام ولا استقرار في المنطقة ككل اذا لم ترسخ ثقافة السلام والحوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وعليه ندعو الجميع ونحن على رأسهم الى اعتناق هذه المبادئ.

* لعبت شخصيا دورا بارزا ومهما للغاية في عقد مؤتمر عرتا للمصالحة الوطنية الصومالية، هل تعتقدون بامكانية نجاح أو حتى انعقاد مؤتمر مماثل في كينيا قريبا في نفس الاطار؟

ـ كان من المفترض ان ينعقد مؤتمر كينيا منذ أكثر من شهرين ليكون مؤتمرا مكملا لمؤتمر عرتا في تحقيق المصالحة بين الحكومة الصومالية المؤقتة المنتخبة من قبل كل الاطراف الصومالية كممثل شرعي ووحيد للشعب اصومالي وبين المعارضة المسلحة التي مازالت ترفض اللجوء الى العقل والحكمة والحوار في وضع نهاية لتمردها المسلح الذي مازال عائقا أمام الاستقرار التام في هذا البلد الشقيق، الا ان الترتيبات لهذا المؤتمر لم تكتمل بعد، ومازالت آمالنا قائمة في انعقاده ونجاحه حتى يتم الانجاز الكبير الذي تحقق في عرتا، لأن غايتنا دائما وابدا هي نصرة وانقاذ هذا الشعب العربي المسلم من ايدي العابثين بكيانه ووجوده.

* سبق لكم ان دعوتم الى مقاطعة أمراء الحرب الصوماليين بسبب ما ارتكبوه من جرائم ضد مصالح الشعب الصومالي؟

ـ ان الدعوة الى مقاطعة امراء الحرب الصوماليين لم تكن دعوة جيبوتية فحسب، فهناك مجموعة من القرارات الدولية والاقليمية المتخذة بهذا الخصوص، وان كانت بصيغ مختلفة، الا ان جميعها تصب في هذا الشأن، وهي صادرة من مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة، ومنظمة الوحدة الافريقية، وجامعة الدول العربية، وحقيقة لو تم احترام هذه القرارات الدولية من قبل دول الجوار لكانت قد انتهت أزمة الصومال منذ أمد بعيد.

* لماذا التقيت أمير الحرب الصومالي علي حسن عانو؟

ـ المقاطعة تعني اشكالاً عديدة أبرزها عدم السماح بأن تكون لهم يد طولى في العبث بأرواح أو أمن المواطنين، أما اللقاء بهم بصدد فتح باب الأوبة فهذا أمر مقبول اذا كان في مصلحة القضية الصومالية.

* ما هي ملابسات توقيع جيبوتي على اتفاقية للتعاون العسكري مع المانيا؟

ـ لا توجد أية ملابسات في الأمر فالموضوع لا يعدو كونه مجرد تقديم تسهيلات لاستخدام الموانئ الجيبوتية كقاعدة دعم لجوستي للقوات الالمانية وغيرها من قوات التحالف المرابطة في المحيط، وتأتي في اطار اداء جيبوتي لدورها العالمي في مكافحة الارهاب استجابة لتوصيات ومقررات الأمم المتحدة ذات الصلة. وللعلم فإن جيبوتي اشترطت عدم السماح لأية قوة تستخدم الأراضي الجيبوتية ان تنطلق منها لضرب أي بلد في المنطقة.

* ما هو الدور الذي تقومون به لمكافحة الارهاب؟ والى أي مدى وصل التعاون الأمني بينكم وبين أجهزة المخابرات الاميركية والغربية؟

ـ دورنا في هذا الشأن لا يخرج عن اطار توصيات الأمم المتحدة الداعية الى تعاون كل دول العالم لمكافحة الارهاب الدولي، وهو ذات النهج والتعاون الذي تنهجه مختلف دول العالم دون استثناء، وبهذا الصدد فقد أقدمنا على تشكيل لجنة برئاسة وزير العدل وعضوية مجموعة من الوزراء وقيادات الأجهزة الأمنية بصدد الرصد والتقييم والمتابعة للحالة بكل شفافية ووضوح.

* هل تعاني جيبوتي من مشكلة التطرف الديني كما هو الحال في بعض الدول العربية؟ ـ من نعم الله علينا في جيبوتي، ومن مميزات بلدنا وسماته التي نفخر بها هو ذلك التكافل والتضامن والتعايش بسلام ووئام بين مواطنيه، مما جعلنا نمثل ضمير القرن الافريقي لما نتمتع به من نعمة الاستقرار السياسي والاجتماعي والوحدة الوطنية وحتى الفكرية تجاه القضايا العليا لمصلحة الوطن والأمة التي نسأل الله تعالى أن يديمها علينا، وحقيقة نحن حتى اللحظة ولله الحمد بمأمن عن التطرف الديني والمشاكل التي ذكرتموها.

* هل تشعرون بالقلق من حملة المراقبة التي تقوم بها القوات الاميركية والغربية لسواحل الصومال؟

ـ مطلقا لا يوجد أي قلق من هذا الأمر بل هو مطلب ضروري في اطار الأوضاع السائدة عالميا لتثبيت الأمن في المنطقة للتأكيد ايضا على أن المنطقة تخلو من أي فتن قد تزعزع استقرارها، بل حتى أن الحكومة الصومالية المؤقتة تؤيد هذه الحملة وتقدم ما تستطيعه من دعم ومساعدة لهذه القوات لمكافحة الارهاب.

* هل تتوقعون ضربة أميركية وشيكة ضد الصومال؟

ـ لا أتوقع ذلك، فقد تغيرت النظرة الاميركية تجاه الصومال منذ بضعة أشهر وذلك بعد أن جاءت قواتها ومشطت المنطقة واشرفت على السواحل الصومالية وأطلعت على عين المكان بأنه لا ارهاب دولي ولا قواعد مشبوهة في الصومال.

* هل تقومون بالوساطة بين الصومال واثيوبيا من جهة وبين اريتريا واثيوبيا من جهة أخرى؟

ـ كان دور جيبوتي على مر تاريخها في المنطقة دورا توفيقيا نتيجة لما تتمتع به من احترام ومصداقية لدى دول الجوار، وقد سبق لجيبوتي ان قامت بدور الوسيط في مختلف النزاعات التي حدثت بين دول المنطقة سواء وساطات مباشرة أو من خلال المنظمات الاقليمية، ومازال وسيظل هذا الدور الجيبوتي قائماً، وان كنا في الوقت الحاضر لا نقوم به، ولكن اذا طلب منا حاليا واستدعت الظروف ذلك فلن نتردد.

* ما هو تقييمكم للوضع الراهن في الأراضي الفلسطينية المحتلة؟

ـ ان الاوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة مأساوية وتقود المنطقة برمتها الى حافة الهاوية، وذلك كله بسبب الغطرسة والارهاب الاسرائيلي الممارس في حق الشعب الفلسطيني الذي لا ذنب له الا انه قال «أريد أن أعيش بسلام وحرية وكرامة على أرضي كبقية شعوب الدنيا»، بينما اسرائيل تستغل الانحياز الدولي لها في تحقيق مآربها الخبيثة في التوسع، ومحاولة ابادة الشعب الفلسطيني بكل الوسائل الارهابية، ودلالة ذلك الرفض الاسرائيلي لكل محاولات السلام المطروحة من قبل العرب والفلسطينيين، وآخرها مبادرة ولي العهد السعودي سمو الامير عبد الله بن عبد العزيز التي ايدتها كل الدول العربية مجتمعة، وردت عليها اسرائيل باجتياح شامل لأراضي السلطة الوطنية الفلسطينية ضاربة عرض الحائط بالمقررات والمواثيق والعهود الدولية، واضعة حدا نهائيا لاتفاقيات أوسلو ومؤكدة حب وتعطش قيادتها الحالية للحرب والدمار وسفك الدماء.

* هل تنوون الترشيح لفترة رئاسية ثانية؟ وما هو البرنامج الذي تقدمونه للشعب الجيبوتي؟

ـ مازلت في منتصف الدورة الرئاسية الأولى، وعندما يحين موعد الدورة الثانية سيكون لكل حادث حديث.

* هل أنتم راضون عن مستوى الدعم المادي العرب؟ وأين المستثمرون العرب في جيبوتي؟

ـ أتوجه بالشكر في هذه المناسبة للاشقاء من الدول العربية وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية للدعم السخي الذي قدموه لجمهورية جيبوتي، الا أن أكثر ما نحتاجه في هذا الظرف هو قدوم رؤوس الأموال العربية للاستثمار وتحريك عجلة النمو الاقتصادي وتحقيق المنفعة المشتركة، والتكامل والتضافر الاقتصادي العربي ـ العربي، فنحن نمتلك ميناء دوليا هاما يقع عند المدخل الجنوبي للبحر الأحمر ويطل على مضيق باب المندب، ونمتلك أيضا الاستقرار السياسي والاجتماعي والبنية التحتية المتميزة في المصارف المالية العالمية، ووسائل الاتصال العصرية بالاضافة الى التسهيلات الممنوحة للاشقاء العرب اذا ما رغبوا في طرق باب الاستثمار في جيبوتي، فنحن مازلنا بانتظار قدومهم الميمون الينا.