رئيس مجلس النواب المغربي: لم نستضف الإسرائيليين وهم الذين دفعوا فاتورة إقامتهم

TT

يعتبر عبد الواحد الراضي، رئيس مجلس النواب المغربي، من أقدم النواب المغاربة الذين عايشوا جميع البرلمانات التي عرفها المغرب منذ عام .1963 داخل الحزب وفي الحياة السياسية العامة كان دائما ينظر الى الراضي بكونه الرجل الموفق، وعندما انتخب عام 1997 رئيسا لمجلس النواب كانت تلك أولى الاشارات التي ارسلها الحكم الى المعارضة السابقة لكسب ثقتها، وبعد ذلك بشهور تم تنصيب أول حكومة تناوب برئاسة عبد الرحمن اليوسفي الذي ينتمي الى نفس الحزب الذي ينتمي اليه الراضي. ويظهر اليوم الى أي حد كانت تلك الثقة في محلها، فأول شخصيتين دستوريتين في المغرب بعد الملك هما رئيس الجهاز التنفيذي ورئيس الجهاز التشريعي ينتميان الى نفس الحزب الذي كان يوصف بكونه «اشد المعارضين» للحكم. وخلال اربع سنوات ونيف من التجربة الانتقالية الحالية التي يمر بها المغرب تغيرت اشياء كثيرة في المغرب، ولعل اهم ما تغير هو خطاب الاطراف التي كانت الى حد كبير في حالة خصام دائم. وطوال التجربة الحالية حافظ الراضي على هدوئه وصمته وقليلا ما أدلى بمقابلات صحافية، وفي هذا الحديث الذي خص به «الشرق الأوسط» يكاد يبدو للقارئ ان الراضي ما زال يفضل صمته على الكلام الذي يؤتث اليوم المشهد السياسي المغربي:

* كيف تقيم سياسيا الولاية التشريعية الحالية؟

ـ نحن الآن بصدد انجاز حصيلة لأداء المؤسسة التشريعية من حيث الانتاج التشريعي، ومراقبة الحكومة، وستكون هذه الحصيلة جاهزة عندما ننتهي من جرد كل الاحصاءات، وعندها يمكننا تأويل وترجمة الارقام سياسيا، وعندما نصل الى هذه المرحلة يمكن ان نتحدث عن الحصيلة بكيفية أعمق وأوسع.

* وما هي قراءتك السياسية للتجربة الحالية؟

ـ من الناحية السياسية يمكن القول إن الولاية التشريعية الحالية كانت جيدة، لأننا عشنا اربع سنوات ونصف حياة عادية وطبيعية. وخلال هذه الفترة لم تعمل المؤسسة كما كنا نتمنى، ولكنه بصفة عامة اشتغلت في كل الميادين التي كان يتطلب منها واجبها العمل بها. كنا نطمح لما هو أحسن، لكننا نحمد الله لاننا لم نعش اية ازمة او مشاكل كبيرة رغم وجود احد عشر فريقا برلمانيا داخل المؤسسة وخمسة عشر حزبا. لقد استطعنا خلال اربع سنوات ونصف السنة ان نجعل من هذه المؤسسة فضاء للحوار والنقاش، والجو الذي عشناه داخل المؤسسة كان جوا عاديا. ومع الاسف لم تستطع وسائل الاعلام ان تعكس هذا الجو للرأي العام. وبصفة عامة يمكن القول ان التجربة البرلمانية الحالية كانت تمرينا ديمقراطيا ايجابيا. الكثير من القوانين التي صادق عليها المجلس الحالي تمت المصادقة عليها بالتوافق او الاجماع. وهذا يعكس جو الحوار والنقاش الذي كان يسود داخل اللجان وبين المجلس والحكومة. كما ان هناك نصوصا اخرى وقع حولها خلاف ونقاش وصودق عليها بالتصويت بالغالبية. وخلاصة القول فهذه الولاية كانت عادية والجو الذي سادها كان عاديا.

* الى جانب الايجابيات التي عددتها، يلاحظ استمرار ظاهرة غياب النواب عن الجلسات العمومية، خاصة عندما يتعلق الامر بالتصويت على قوانين أساسية مثل قانون الصحافة او قانون المالية، كيف تفسر استمرار هذه الظاهرة؟

ـ اشرت الى هذا الجانب عندما قلت ان الامور لم تكن كما كنا نتمنى، كنا نريد ان تكون مساهمة النواب اكبر واحسن.

* لكنكم اتخذتم اجراءات ضد تغيب النواب، لماذا لم تطبقوها؟

ـ اتخذنا اجراءات، لكننا لو كنا مررنا الى مرحلة التنفيذ كنا سنخلق ازمة، لانه لم يكن هناك اي تعاون من قبل النواب، كنا مثلا نقوم بتوزيع لوائح لتسجيل الحضور، وكنا نلاحظ وجود توقيعات اشخاص تؤكد حضورهم وهم غائبون، وعدم وجود توقيعات تؤكد حضور أشخاص هم بالفعل حاضرون . فلو اننا مررنا الى مرحلة التنفيذ كنا سنظلم البعض.

* هل يتعلق الامر بغش من قبل بعض النواب؟

ـ سمه ما شئت، فما لاحظناه هو ان الامور لم تكن سليمة، ولم يكن بوسعنا تطبيق نصوص الجزاء، لان ذلك كان سيكون فيه حيف ضد اشخاص لا ذنب لهم فيما يحصل.

* الا ترى ان مثل هذا الامر لا يشرف المؤسسة التشريعية؟

ـ هذا حكم قيمة، انا اتحدث عن واقع واسرد معلومات واترك للقارئ الحكم.

* وكيف تفسر ان بعض ممثلي الامة لم يتنالوا الكلمة طيلة هذه الولاية التشريعية؟

ـ هناك نواب لم يكتسبوا دراية الكلام، او كانت تنقصهم الجرأة لتناول الكلمة امام الملأ في جلسة علنية.

* لكن اربع سنوات ونصف كانت كافية ليكسبوا دراية الكلام؟

ـ بالفعل، لكن هذه الظاهرة موجودة حتى في برلمانات اخرى، هناك نواب يفضلون المساهمة داخل اللجان، لان عدد المتدخلين يكون قليلا، وتسود بينهم بعض الالفة. وهناك من يفضلون التدخل داخل فرقهم ويتم الاتفاق على متحدث باسم الفريق. فكون نائب لا يتحدث في الجلسات العمومية فهذا لا يعني انه لا يشارك في النقاش، اذ تتوفر لديه مناسبات اخرى لابداء رأيه.

* كيف تفسر ان الوزير الاول لم يكلف نفسه طيلة الفترة التشريعية الحالية عناء الجواب عن سؤال شفوي واحد خلال جلسات الاسئلة الشفوية؟

ـ هذا سؤال آخر يتضمن حكم قيمة مسبقة، وأقترح عليك ان توجه السؤال الى الوزير الاول، فالقانون الداخلي للمجلس لا يلزم الوزير الاول بالحضور الى البرلمان. هو من يختار الوقت الذي يحضر فيه الى البرلمان او من ينوب عنه في الرد على الاسئلة التي توجه اليه.

* هناك من يقول ان المغرب خلال الولاية التشريعية الحالية اشتغل ببرلمانين نظرا لوجود غرفتين داخل نفس البرلمان، الى اي حد أثرت هذه التجربة على الاداء التشريعي في المغرب؟

ـ هذه ليست مشكلة تسيير بقدرما هي مشكلة اختصاصات. الدستور يمنح للغرفتين نفس السلط، وبما ان الامر كذلك يوحى للملاحظ ان الامر يتعلق ببرلمانين وليس برلمان من غرفتين.

* وكيف ترى افاق التجربة الحالية؟

ـ ليس لدي موقف خاص، الدستور المغربي ينص على نظام الغرفتين ونحن نقوم بتطبيق ما ينص عليه الدستور، واذا ما طرح هذا الموضوع للنقاش، آنذاك يمكن ان تسألني عن رأيي.

* تميزت التجربة البرلمانية الحالية بتفعيل دور لجان تقصي الحقائق، لكن الملاحظ ان التقارير التي وضعتها هذه اللجان حول مؤسسات عمومية ظلت حبيسة الادراج، لماذا لم يتم تفعيل ما جاء في تلك التقارير؟

ـ القانون هو الذي يمنحنا الحق في القيام باعمال التحري والتقصي، وبناء على تحقيقاتنا نضع تقريرا مفصلا ، وبعد ذلك يقدم التقرير امام المجلس للمصادقة عليه وينشر في الجريدة الرسمية، وهنا تنتهي مهمتنا، اما اذا كنت تسأل عن تفعيل مقتضيات اخرى خارجة عن اختصاصاتنا فيمكن ان توجه السؤال للجهات المعنية مباشرة.

* ألا ينتقص هذا من دور المؤسسة التشريعية؟

ـ لا، فدورنا الذي ينص عليه الدستور أنجزناه.

* لكن كمؤسسة تشريعية لماذا لا تقوم بتغيير القانون الذي لا يسمح لها بتقديم تقارير لجانها الى القضاء مباشرة؟

ـ في العالم باسره هناك سلطة تشريعية واخرى قضائية، ونحن لا يمكننا ان نتابع الاشخاص ونقوم بدور السلطة القضائية، واذا ما عدلنا القوانين لنمنح لانفسنا كل السلط فسنخلق خللا بين المؤسسات.

* بحكم موقعك على رأس مجلس النواب، ووجود عبد الرحمن اليوسفي على راس حزب «الاتحاد الاشتراكي» التصقت دعوة مسؤولين اسرائيليين الى المغرب بحزبكم سواء اثناء انعقاد المؤتمر 107 لاتحاد البرلمانات العالمية بمراكش، أو اجتماع الاشتراكية الدولية بالدار البيضاء، ألن تؤثر مثل هذه الاستضافات على اداء الحزب غدا في الحملة الانتخابية؟

ـ انت تستعمل عبارات ليست في محلها، فنحن لم نستضف اي احد فكل الذين حضروا دفعوا تكلفة اقامتهم. الضيافة تعني ان تؤوي الشخص وتطعمه نحن لم نوجه الدعوة لاي احد. الامر يتعلق بمؤسستين دوليتين متعددتي الاطراف (اتحاد البرلمانات الدولي والاشتراكية الدولية) عقدا مؤتمريهما بالمغرب، والدولة المغربية قبلت بان تعقد هذه المؤسسات مؤتمراتها على ارض المغرب. الاتحاد البرلماني الدولي يضم 142 دولة عضوا من بينها اسرائيل، وكون إحدى هذه الدول الاعضاء غير مرغوب حضورها فهل ستتوقف حياة الاتحاد، وهل تطلب من المغرب أن يبقى مكتوف الايدي؟، التجربة بينت ان الاسرائيليين حضروا، واتخذت القرارات التي كان مقررا اتخاذها، وصدر بيان بالاجماع ينص على ضرورة انشاء دولة فلسطينية الى جانب الدولة الاسرائيلية. لقد حضر اشغال هذا المؤتمر الفلسطينيون وكانوا مرتاحين من الظروف التي مرت فيها اعمال المؤتمر، واعتقد ان ايجابياته كانت اكبر بكثير من سلبياته.

* لو كنتم في المعارضة هل كنتم ستتصرفون حسب نفس المنطق الذي تتحدث به الآن؟

ـ نحن الآن لم نعد في المعارضة.

* كنت رئيس المؤتمر السادس لحزب «الاتحاد الاشتراكي»، وانت عرفت دائما بانك رجل التوافق داخل الحزب، هل كان بامكانك فعل شيء ما للحيلولة دون انشقاق الحزب ولم تفعله؟

ـ هذه كلها افتراضات، فمن قال انني لم أقم بفعل اي شيء لتفادي ما حصل. لقد مضى على انعقاد المؤتمر العام سنة ونصف السنة،والرأي العام تتبع اشغاله،وحتى اذا ما كنت قد قمت بمحاولات لرأب الصدع، فان تلك المحاولات لم تعط اية نتيجة، وهذا كل ما وقع.

* كيف تقيم العلاقات مع حليفكم حزب «الاستقلال» خاصة ان هذه العلاقة تزداد توترا كلما اقتربت الانتخابات؟

ـ اعتقد انك تعرف اكثر مني في هذا المجال، وليس لدي ما اضيفه.

* كثيرا ما يتم الحديث عن دود الدبلوماسية البرلمانية، فما الذي لعبته هذه الدبلوماسية في قضية مصيرية بالنسبة للمغرب كقضية الصحراء؟

ـ قضية الصحراء تتولى ادارتها المؤسسة الحكومية مع الامم المتحدة، ودورنا هو دور التفسير والتوضيح لزملائنا وكل اصدقائنا، وهذا العمل قمنا به وسنصدر مطبوعا يتضمن جميع الاتصالات التي قمنا بها خلال السنوات الاربع الماضية.

* بارتباط مع هذا الموضوع، وبحكم موقعك اتيحت لك فرصة لقاء الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة مرتين، فهل كانت قضية الصحراء حاضرة خلال محادثاتك مع الرئيس الجزائري؟

ـ عندما قابلت الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لم اتحدت معه حول قضية الصحراء، فزيارتي له كانت زيارة مجاملة، بدون جدول اعمال محدد.

* لكن هذا لا يمنع من الحديث عن العلاقات الثنائية واسباب تعثر اعادة تطبيعها؟

ـ ما حصل هو نوع من تبادل الآراء، فنحن سلطة تشريعية ولسنا سلطة تنفيذية، ولم تكن لدي صلاحيات لاتخاد قرارات.

* الم يتم الحديث حتى عن الآمال والطموحات؟

ـ طبعا دار الحديث عن اشياء عامة، وخاصة الامور الذي تخص البلدين ومستقبل علاقاتهما.

* وكيف تنظر الى هذا المستقبل؟

ـ طال الزمن ام قصر، فانه محكوم علينا بحكم الظروف التي نعيشها اليوم وبحكم الجغرافية ان نبني المغرب العربي. الخلافات توجد بين جميع الدول ويبقى هناك هامش للتفاؤل، والامل يحذونا في التغلب على مايفرق بيننا.

* الملاحظ انه كلما دخلت العلاقات بين البلدين مرحلة من التوتر، إلا ويثار من جديد الحديث في بعض وسائل الاعلام المغربية وعند بعض الفاعلين السياسيين عن الحدود بين المغرب والجزائر، ونحن نعرف ان البرلمان المغربي لم يصادق حتى الآن على اتفاقية الحدود المبرمة بين البلدين، فما الذي يؤخر هذه المصادقة؟

ـ هذا تقييمك الشخصي، اما الحقيقة فشيء آخر.

* لكن هذا ما شهدناه فعلا عندما طرحت الجزائر فكرة تقسيم الصحراء، فهناك في المغرب من طالب باعادة النظر في اتفاقية ترسيم الحدود مع الجزائر بما ان البرلمان لم يصادق عليها بعد...

ـ هذه الاتفاقية التي تتحدث عنها غير مطروحة علينا للمصادقة عليها، ولم يسبق ان قدمت لنا هذه الاتفاقية داخل البرلمان للمصادقة عليها.

* البرلمان صادق على عدة قوانين تخص الانتخابات المقبلة، هل تعتقد ان الضمانات التشريعية والقانونية الموجودة حاليا كافية لتنظيم الانتخابات المقبلة في نزاهة وشفافية؟

ـ من الناحية القانونية والتشريعية كل شيء متوفر. اما سلوك الانسان فشيء آخر. هناك مثلا قوانين ضد السرقة وهذا لايمنع من وجود سرقة. لكن من قام بالسرقة يجب ان يعاقب. هناك ضوابط ضد الغش وهذا لا يمنع ان يحاول البعض ان يغش، ومن ارتكب هذا الفعل هناك قوانين لمعاقبته.

* ألا تخشى من حصول المفاجئة غدا في الانتخابات؟

ـ الانتخابات كلها مفاجئة، ولا يمكن التنبؤ بالنتائج من الآن والارتياح لها.

* ما هو الموقع الذي تأمل ان يحتله حزبكم في الانتخابات المقبلة؟

ـ مثل كل حزب نأمل ان نحتل الصف الاول.

* وبالتالي الحفاظ على منصب الوزير الاول؟

الدستور يقول ان الملك هو الذي يعين الوزير الاول، فتعيين الوزير الاول من اختصاص الملك.