مسؤولون أميركيون: «القاعدة» تبنت استراتيجية لشن هجمات محدودة في دول عربية

محللون استخباراتيون يربطون بين مذكرات الظواهري وهجومي جربة وكراتشي

TT

قال مسؤولون في وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية (سي.آي.ايه) ومكتب المباحث الفيدرالي (اف.بي.آي) إن مجموعة صغيرة من الكوادر القيادية في «القاعدة» قد اعادت ترتيب استراتيجية الشبكة بغرض شن هجمات محدودة النطاق تهدف الى زعزعة الامن ثم إطاحة الحكومات العلمانية في الدول العربية والاسلامية، إضافة الى التخطيط لشن هجمات كبيرة ومتطورة ضد اهداف اميركية.

وقد اتضح ان التفجير الذي استخدمت فيه سيارة مفخخة على القنصلية الاميركية بكراتشي يوم الجمعة الماضي كان جزءا مما يعتقد محللون اميركيون انه استراتيجية جديدة تبنتها شبكة «القاعدة» منذ بدء الحملة ضدها في بافغانستان. ومن المعتقد ان استراتيجية شن الهجمات المحدودة، التي كانت موجهة في السابق الى عدة اهداف في مختلف الدول، قد خضعت للمراجعة على اساس ان يستخدم فيها انتحاريون لتوجيه ضربات الى اهداف اميركية وغربية ويهودية في الدول المسلمة التي تتبع نظم حكم علمانية.

وطبقا لما ورد في مذكرات ايمن الظواهري، التي نشرتها «الشرق الأوسط»، فإن الهدف من الاستراتيجية الجديدة يتركز على اطاحة حكومات دول مثل باكستان ومصر والاردن. ويعتبر الظواهري مسؤول السياسات الاستراتيجية في «القاعدة».

وفي نفس الوقت، قال مسؤولون اميركيون ان شبكة «القاعدة» لا تزال تخطط لهجمات كبيرة ومتطورة ضد اهداف اميركية داخل الولايات المتحدة وخارجها. واوضح مسؤول ان بعض هذه الهجمات سينفذ بواسطة مجندين يتلقون بعض المساعدة من شبكة «القاعدة»، فيما ستنفذ هجمات اخرى بواسطة اعضاء في «القاعدة». ويعتقد المسؤولون انفسهم ان الهجمات التي استهدفت مركز التجارة العالمي ووزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون) يوم 11 سبتمبر (ايلول) الماضي كان الغرض منها قتل اكبر عدد من الاشخاص وإلحاق الدمار بالاقتصاد الاميركي، كما يرى هؤلاء ان مثل هذه العمليات يسبقها عادة تخطيط لمدة سنوات وبمشاركة مباشرة من مساعدي شبكة بن لادن.

ويعتقد محلل ان هناك مجموعة رئيسية في قلب الشبكة اصغر حجما من التقديرات السابقة، حسبما اشار مسؤول استخباراتي سابق في حديث له مع زملاء يعملون حاليا في الحكومة، وتحدث عن احتمال ان يكون عدد الاشخاص الذين يتولون المسؤوليات القيادية العليا في شبكة «القاعدة» محدودا. ويعتقد المسؤول نفسه ان هذه العدد يتراوح بين 16 و18 بعضهم قتل والبعض الآخر رهن الحبس في الوقت الراهن، كما يرى كذلك ان المجموعة الرئيسية للقيادة لا تزال قادرة على الاتصال بمختلف المواقع. ويضيف ان هناك مئات وربما آلاف من المتطرفين الذين انضموا الى خلايا ومجموعات تابعة للشبكة عقب تلقيهم تدريبا في معسكرات «القاعدة» في افغانستان ابتداء من فترة منتصف التسعينات حتى مطلع عام 2001، وكانت باكستان تمثل نقطة التقاء مهمة لهذه العناصر.

ويعتبر هذا الجانب واحدا من الدروس التي استخلصها مسؤولو الاستخبارات من قضية المواطن الاميركي خوسيه باديلا، المدعو عبد الله المهاجر، الذي اعتقل في شيكاغو مطلع مايو (آيار) الماضي بتهمة إجرائه عملية استطلاع تمهيدا لشن هجوم بقنبلة مشعة. وقد اثبت اعتقال المهاجر ان شبكة «القاعدة» لا تزال قادرة على استقطاب مجندين وتزويدهم بالتدريب والمال اللازم لتنفيذ عمليات رغم ان قاعدتها الرئيسية في افغانستان لم تعد موجودة.

وقال مسؤول كبير في الادارة الاميركية ان شبكة «القاعدة» لا تزال تعمل، واوضح ان السلطات الاميركية تمكنت من إلقاء القبض على المهاجر الذي يعتبر عنصرا عاديا، بيد ان ذلك، كما اشار، لا يعني بالضرورة نجاح السلطات الاميركية في إلقاء القبض على كل هذه العناصر.

وهدف شبكة «القاعدة» والتكتيكات الجديدة لتحقيقه وردت في الآونة الاخيرة في مذكرات ايمن الظواهري المكونة من 100 صفحة. فقد نادى الظواهري بـ«التركيز على العمليات الاستشهادية كأنجح وسيلة لإلحاق الاضرار بالخصم وأقل تكلفة من ناحية الخسائر في جانب التنفيذ» في مواجهة «الزيادة الهائلة في عدد اعدائهم ونوعية اسلحتهم وقوتهم المدمرة»، في اشارة الى الولايات المتحدة.

ويقول الظواهري في رسالته «توجيه ضربة للاميركيين واليهود في الدول المسلمة لا يلحق الاذى بالولايات المتحدة فحسب، بل يفضح النظام الحاكم امام المسلمين عندما يهاجمنا دفاعا عن الاميركيين واليهود».

وربط المسؤولون الاستخباراتيون بين ما تحدث عنه الظواهري والهجومين اللذين استهدفا معبداً يهوديا في جربة بتونس في ابريل (نيسان) الماضي وحافلة كان يستقلها فرنسيون في كراتشي الشهر الماضي، خصوصا وان هذين الهجومين نسبا الى تنظيم «القاعدة».

ومن خلال مراجعة بعض وثائق وكالة «سي. آي. ايه» ومكتب «اف. بي. آي» التي تسلمتها لجنة استخبارات مشتركة بين مجلسي الشيوخ والنواب (الكونغرس) بغرض اجراء تحقيق حول هجمات 11 سبتمبر الماضي، توصل محللون الى الكيفية التي تعمل بها المجموعة الرئيسية المحدودة التي تقود شبكة «القاعدة». ويعتقد هؤلاء ان بن لادن يعتبر الآن زعيما روحيا اكثر منه مخططا للعمليات والنشاط اليومي، اما الموافقة الدينية، فلا تزال تطلب من الشيخ عمر عبد الرحمن، الذي يقضي حكما بالسجن بسبب ادانته في مخطط لنسف معالم بمدينة نيويورك.

وكانت تعمل تحت الظواهري، مستشار السياسات والعمليات، مجموعة من كبار المخططين العسكريين مثل محمد عاطف (ابو حفص المصري)، الذي يعتقد انه قتل في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي خلال غارة جوية اميركية على كابل. والى جانب المصادقة على العمليات، كانت تشتمل مهام محمد عاطف على معاينة مواقع العمليات، فقد كان موجودا في كينيا عندما كان فريق مراقبة تابع لشبكة «القاعدة» يعمل على التقاط صور فوتوغرافية لسفارة الولايات المتحدة بنيروبي التي تعرضت لهجوم بشاحنة مفخخة في اغسطس (آب) .1998 وتعمل في المستوى الذي يلي محمد عاطف مباشرة مجموعة من المساعدين لهم خبرة في التدريب العسكري او تدريب الشرطة، اذ يعمل هؤلاء في التجنيد والتدريب في معسكرات افغانستان وفي بعض الحالات كفنيين في موقع احدى العمليات. فعلى سبيل المثال اشرف علي محمد، الذي كان يعمل ضابطا في الشرطة المصرية قبل انضمامه في ما بعد الى الجيش الاميركي، على تدريس عمليات الاستطلاع في معسكرات التدريب بافغانستان كما اشرف ايضا على الفريق الذي التقط صورا فوتوغرافية للسفارة الاميركية بنيروبي عام .1994 وفي مستوى اقل توجد مجموعة من مخططي العمليات مثل رمزي احمد يوسف، العقل المدبر لتفجير مركز التجارة العالمي عام 1993 ومخطط هجمات كان من المفترض ان تستهدف طائرات ركاب اميركية فوق منطقة المحيط الهادئ. وكان رمزي، الذي يقضي الآن حكما بالسجن في الولايات المتحدة، قد صنع القنبلة بنفسه وساعد في تجنيد عناصر على استعداد للموت في العمليات المزمعة. كما عمل ابو زبيدة، المعتقل حاليا في مكان غير معروف عقب إلقاء القبض عليه في باكستان، على تجنيد عناصر بغرض الانخراط في معسكرات التدريب في افغانستان خلال نهاية التسعينات، واشرف ايضا على ارسال المقاتلين الذين انهوا تدريبهم الى بلدانهم، اذ جرى تزويد بعضهم بالمال وتعليمات محددة للقاء آخرين وتنفيذ مخطط تفجيرات الالفية نهاية عام .1999 ويقول مسؤولون ان عمليات التحقيق يمكن ان توفر معلومات مهمة تساعد في القبض على آخرين. فالتحقيق الذي اجراه مكتب المباحث الفيدرالي مطلع عام 1995 مع عبد الحكيم مراد الذي القي عليه القبض في الفلبين كشف مخطط رمزي احمد يوسف وقاد الى القبض عليه. وكانت اتصالات قد جرت في وقت سابق بين يوسف وعلي محمد ووديع الحاج، وهذان الاخيران عربيان يحملان الجنسية الاميركية. كما ان المكتب اجرى تحقيقا معهما عام 1994 بسبب الاشتباه في دورهما في الهجوم الاول على مركز التجارة العالمي عام 1993، ومثلا عام 1997 امام هيئة محلفين كبرى بنيويورك كانت تجري تحقيقات حول الارهاب، لكنهما ادليا بمعلومات كاذبة حول انشطتهما في شبكة «القاعدة». ولم يلق القبض عليهما مرة اخرى الا بعد سنوات وحكم عليهما بالسجن عام 2001 بسبب دورهما في تفجير السفارة الاميركية في كينيا عام .1998 وكان رمزي يوسف، وهو من مواليد الكويت، قد استعان بخالد شيخ محمد، الذي عاش في الكويت ايضا وله صلة قرابة مع رمزي يوسف، في مخطط خطف الطائرات الاميركية في منطقة المحيط الهادئ. واصبحت السلطات الاميركية تشتبه في دور خالد شيخ في التخطيط لهجمات 11 سبتمبر الماضي. ولا يزال اسامة بن لادن وايمن الظواهري وخالد شيخ محمد ضمن ما يزيد على عشرة من المجموعة القيادية الرئيسية لشبكة «القاعدة» لا تعرف معلومات عنهم، اذ يعتقد محللون ان هؤلاء طالما ظلوا في حالة فرار، فإن الولايات المتحدة ستواجه خطرا مستمرا.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»