المنظمات المسيحية الأميركية شكلت بدعم من بوش تحالفا مع تكتل الدول الإسلامية في مؤتمرات الأمم المتحدة

TT

تحالفت المنظمات المسيحية الأميركية مع الحكومات الإسلامية في مؤتمرات الامم المتحدة ضد توسيع حقوق الحماية الجنسية والسياسية للشواذ جنسيا والنساء والأطفال.

وحظي هذا التحالف الجديد، الذي بدأ في السنة الماضية، بدعم كبير من إدارة الرئيس الاميركي جورج بوش، التي عينت عدة ناشطين معادين للإجهاض في منظمات دولية رئيسية ضمن الوفود الأميركية، التي تشارك في مؤتمرات الأمم المتحدة المعنية بوضع السياسات الاقتصادية والاجتماعية على الصعيد العالمي.

لكن هذا الدعم الحكومي، أعطي دفعا قويا، من خلال موقف المنظمات المسيحية المحافظة، التي وضعت جانبا خلافاتها النظرية مع بعضها البعض، وبدلا من ذلك، وطدت أواصرها بالفاتيكان، وطورت أواصر جديدة مع كتلة الخمسين حكومة إسلامية، سواء تلك المعتدلة أو المتشددة فيها، وهذا يتضمن بلدانا مثل السودان وليبيا والعراق وإيران.

في هذا الصدد، قال أوستن روس، مؤسس ورئيس «معهد العائلة الكاثوليكية وحقوق الانسان»: «نحن نعتبرها حليفة، لكن ليس بالضرورة صديقة». ويتركز نشاط هذه المنظمة، التي مركزها في نيويورك، على دعم القيم المحافظة داخل مؤتمرات الأمم المتحدة المخصصة للقضايا الاجتماعية. وأضاف أوستن: «نحن أدركنا أنه لولا وجود بلدان مثل السودان، لكان الإجهاض أصبح معترفا به كحق إنساني على المستوى العالمي، في وثيقة الأمم المتحدة».

لكن هذا التحالف الجديد، بين الدول الإسلامية والمنظمات المسيحية الأميركية، وضع إدارة بوش في مأزق حرج، بدفعها إلى الاصطفاف مع اعتى اعدائها، مثل العراق وإيران، في الوقت نفسه، الدخول في مناوشات مع أقرب حلفائها الاوروبيين الذين يقفون إلى جانب، الحقوق الجنسية والسياسية. بل أن المسؤولين الأميركيين والإيرانيين تشاوروا في فترة الاستراحة حول حقوق الأطفال، أثناء انعقاد مؤتمر مخصص للأطفال كانت الأمم المتحدة قد عقدته في الشهر الماضي.

لكن هذه الشراكة وفرت للإدارة الأميركية الفرصة لاظهار أنها تلتقي مع الإسلام في كثير من القيم الاجتماعية، بينما تواجه الولايات المتحدة نقدا شديدا في العالم الاسلامي، بسبب استمرار دعمها لاسرائيل ولمواصلة «الحرب ضد الارهاب» منذ تسعة أشهر. وقال مسؤول أميركي، في هذا الصدد: «نحن حاولنا أن نؤكد وجود مساحات اتفاق بيننا وبين الكثير من البلدان الاسلامية في القضايا الاجتماعية».

من جانب آخر، قال مختار لاماني، الدبلوماسي المغربي، الذي يمثل الثلاثة وخمسين بلدا إسلاميا، المنتمية لـ«منظمة المؤتمرات الإسلامية» في الأمم المتحدة: «القضية الأساسية التي جمعتنا مع بعض هي الدفاع عن القيم العائلية. فالإدارة الأميركية الجمهورية جد واضحة في الدفاع عن القيم العائلية».

وأضاف لاماني، أن أول اتصال جرى به، من المنظمات المسيحية الأميركية غير الحكومية، كان أثناء الجلسة الخاصة للاجتماع العام حول مرض الايدز، الذي عقد في حزيران .2001 وكان الناشطون الليبراليون الغربيون (الحكوميون وغير الحكوميين)، قد تجاوزوا الحساسيات الدينية والثقافية، للبلدان الإسلامية، حسب قوله، من خلال وضع بيان ختامي للمؤتمر، لحماية المومسات ومستعملي المخدرات عبر الحقن بالشرايين، «والرجال الذي لهم علاقات جنسية بأمثالهم» من أن يصابوا بعدوى الايدز.

وقال لاماني: «لم يكن ذلك مقبولا بالنسبة لنا، ثم جاء الفاتيكان والمنظمات غير الحكومية، إلينا ليقولوا إن موقفهم هو نفسه الذي ندافع عنه». واستطاع التحالف الإسلامي ـ المسيحي، كذلك، أن يحقق نجاحا كبيرا في الشهر الماضي، في مؤتمر الأمم المتحدة المخصص للأطفال. اذ تزعمت الادارة الأميركية، التحالف لمنع إدخال تعبير «خدمات العناية التناسلية» في البيان الختامي، كانت الدول الأوروبية ودول أميركا اللاتينية قد اقترحته، ويعتبر المحافظون هذا التعبير إشارة إلى دعم الاجهاض.

وضم الوفد الأميركي، جون كلينك، المستشار السابق للفاتيكان في مؤتمرات الأمم المتحدة السابقة، وجانيس كراوس، وهي من الناشطات القديمات ضد الاجهاض في منظمة «النساء الأميركيات المعنيات»، وبول بونيسيلي، من كلية هنري المسيحية.

وسعت المنظمات المسيحية والبلدان الإسلامية الى أن تبني على ما تحقق من نجاحات بفضل تحالفها، في مؤتمرات الأمم المتحدة المقبلة، وذلك من خلال فرض تقييدات أكبر على الاجهاض في الاجتماع السنوي الذي اعدته «منظمة الصحة الدولية»، في الشهر الماضي، ثم لاحقا، في المؤتمر الاعدادي، لمساندة التطور في بالي، باندونيسيا.

ودفع هذا التحالف بعض البلدان الأوروبية والناشطين الليبراليين، الى التنبه من مخاطر اليمين المسيحي داخل الأمم المتحدة، بعد النجاح الذي تمكنت المنظمات المناصرة لحق الاجهاض من تحقيقه خلال العقد الأخير. في هذا الصدد، قال دبلوماسي أوروبي: «هم يحاولون الغاء الاتفاقيات المهمة التي تم التوصل لها في فترة التسعينات، خصوصا في ميدان حقوق النساء وتخطيط العائلة. ولا بدّ أن قرار الولايات المتحدة بالوقوف إلى جانبهم قد غير الديناميكيات».

ضمن هذا السياق، سيعقد «مركز وضع السياسات الدولي»، الذي تم إنشاؤه سنة 1997، لتعزيز القيم العائلية، من خلال التحالف مع منظمات أخرى تشمل المسيحيين المحافظين، والكنيسة الكاثوليكية، والحكومات الاسلامية، مؤتمره في الشهر القادم بكلية الحقوق، التابعة لجامعة بريغهام يونغ. وفي ذلك المؤتمر، ستتم دعوة المعادين للاجهاض ونقاد قانونيين من الامم المتحدة، إضافة إلى دعوة 60 دبلوماسيا يعملون في الامم المتحدة، وضمن هؤلاء هناك دبلوماسيون ينتمون إلى بلدان إسلامية وأخرى كاثوليكية محافظة.

*خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»