الإعلان عن حكومة رافاران الجديدة.. واليسار حقق مفاجأة بفوزه في باريس

شيراك يبدأ ولايته الجديدة بالإيعاز إلى أحد وزرائه المتهمين بالفساد بالتنحي طوعا

TT

كان من المقرر ان تعلن امس تشكيلة الحكومة الفرنسية الجديدة التي عهد الرئيس جاك شيراك، مجدداً، برئاستها الى جان ـ بيار رافاران، عقب الانتصار الكاسح لليمين المعتدل الممثل في تجمع الاتحاد من اجل اكثرية رئاسية، في الانتخابات التشريعية الثانية.

ولم يكن منتظراً ان تحمل حكومة رافاران الثانية تعديلات على توزيع الحقائب الرئيسية، اي الخارجية والاقتصاد والعدل والدفاع والداخلية.

ومثلما كان متوقعا، فان شيراك ورافاران، الفائزين الرئيسيين في هذه الانتخابات، يسعيان الى قطيعة مع الماضي وارساء بداية جديدة لحكمهما لا تشوبها فضائح الماضي ونزاعاته، وهذا ما يفسر اعلان وزير الشؤون الاوروبية في حكومة رافاران الاولى رينو دونديو دو فابر عزوفه عن الوزارة ورغبته في تكريس وقته لمدينة تور التي انتخب عنها.

غير ان حقيقة الامر مختلفة تماماً. فالوزير السابق للشؤون الاوروبية، الذي امضى في الوزارة اربعين يوماً، مهدد بالملاحقة امام القضاء بسبب فضيحة مالية تعود الى عدة اعوام مضت. ودونديو دو فابر، المقرب من وزير الخارجية دومينيك دو فيلبان، فضّل الانسحاب على ان يكون بقاؤه في الحكومة ممسكاً للمعارضة اليسارية والاشتراكية حتى تفتح النار على شيراك ورافاران. وبالاضافة الى ذلك، فان شيراك نفسه، الذي كانت له صولات وجولات مع القضاء في الاعوام الماضية، لا يريد بأي حال، ان يُعاد فتح هذه الملفات انطلاقاً من حالة وزير الشؤون الاوروبية السابق. وهذا ما حفز شيراك ورافاران على إفهام دونديو دو فابر بضرورة اعلانه الطوعي عن التنحي عن منصبه الوزاري.

هذا الموقف لسيدي السلطة التنفيذية شيراك ورافاران، يسهل الدفاع عنه، ذلك ان الاتحاد من اجل اكثرية رئاسية حقق فوزاً تاريخيا بحصوله على 370 مقعداً في البرلمان الجديد، تضاف اليها المقاعد الـ29 التي حصل عليها الاتحاد الديمقراطي الفرنسي. وبهذا يكون اليمين المعتدل قد نجح في ايصال 399 نائباً الى البرلمان (من اصل 577 نائباً)، فيما الحزب الاشتراكي خسر 100 مقعد ولم يبق له في الجمعية الوطنية الجديدة سوى 153 نائباً. من هذا المنطلق، لم يكن مقبولاً لليمين المعتدل، الذي سيطر على كل ادوات ومفاصل السلطة في البلاد، ان يبدأ فوراً بتبديد رأسماله من الدعم الشعبي والتوقف عند حالات خاصة.

ورغم هذا الفوز التاريخي الذي يضمن لليمين المعتدل خمس سنوات على الاقل من الحكم، من غير استحقاقات انتخابية مؤثرة، فان الفرنسيين واقفون بالمرصاد للأكثرية الجديدة وهو يريدون افعالاً. فرئاسة الجمهورية والحكومة والسلطة التشريعية (البرلمان ومجلس الشيوخ) والقضائية (المجلس الدستوري، المجلس الأعلى للقضاء) وخلاف ذلك، كلها تدين له بالولاء، وبالتالي، فاذا قصّر او تباطأ، فان الناخبين الفرنسيين لن يغفروا له، حينما يحين موعد الحساب.

وانتصار اليمين المعتدل ترافق مع اقصاء اليمين المتطرف عن البرلمان ومع تراجع اليسار المتطرف كذلك. اما بالنسبة لليسار الاشتراكي، فانه رغم محافظته على عدد مقبول من النواب، فان ما آلمه يتمثل في هزيمة عدد من وجوهه المعروفة وأهمها على الاطلاق مارتين اوبري، في مدينة ليل، شمال فرنسا. وأوبري، التي شغلت منصب وزيرة الشؤون الاجتماعية في حكومة ليونيل جوسبان، ابنة جاك ديلور، رئيس المفوضية الاوروبية الأسبق، وكانت المرشحة الأبرز لترؤس الحكومة لو وصل جوسبان الى قصر الاليزيه. والهزيمة الثانية اصابت الخضر، حلفاء الاشتراكيين في اتحاد «اليسار المتعدد»، فقد هزمت رئيسة حزب الخضر دومينيك فوانيه التي شغلت وزارة البيئة في حكومة جوسبان. ولم يستطع الخضر ايصال اربعة نواب الى البرلمان الجديد. اما الحزب الشيوعي الحليف الآخر للاشتراكيين في السلطة، فقد خسر رئيسه روبير هو، الذي سقط دي انتخابات الاحد الماضي. وعزاؤه الوحيد انه نجح في الحفاظ على مجموعة برلمانية بحصوله على 21 نائباً في الجمعية الوطنية.

ورغم هذه الهزيمة التي اصابت اليسار، على المستوى الوطني، فانه حقق نجاحاً ذا معنى في العاصمة باريس حيث نجح تحالف اليسار في الحصول على اغلبية مقاعد العاصمة، اذ انه سيطر على 12 مقعداً من اصل 21 مقعداً. فقد حافظ مرشحو اليسار على المقاعد التسعة التي كانت في حوزتهم ونجحوا في انتزاع ثلاثة مقاعد اضافية. ويعزو المراقبون هذا «الاستثناء» الى شخصية رئيس بلدية باريس الاشتراكي برتراند دولانويه. والاهم من ذلك ان اليسار نجح في انزال الهزيمة بثلاثة وجوه يمينية معروفة ومقربة من شيراك. اولها وزيرة الدولة في حكومة رافاران دومينيك فرسيني، والثاني جاك طوبون، وزير العدل الاسبق وأحد اركان الحزب الديغولي، والثالث باتريك ستيفانيني، المدير المساعد لحملة شيراك الرئاسية.

وكانت العاصمة باريس قد مالت يساراً العام الماضي، للمرة الاولى منذ مائة عام، بفوز المرشح الاشتراكي دولانويه برئاسة بلديتها. ويجلب هذا الفوز بعض العزاء لحزب يعتبر ان خروج مرشحه بعد دورة الانتخابات الرئاسية الاولى كان ظلماً. غير ان هذا الفوز يضع برتراند دولانويه في موقع جيد في معركة التنافس على رئاسة الحزب الاشتراكي التي لا بد ان تفتح في الاسابيع القادمة.