«الشرق الأوسط» في الخطوط الأمامية على خط المراقبة بين الهند وباكستان

الكشميريون يفقدون 15 قتيلا يوميا والقصف لا يميز بين المقاتلين والمدنيين * رئيس الحكومة الكشميرية: قضيتنا تأثرت بأحداث 11 سبتمبر * مسؤولون كشميريون: الهند تطرد المسلمين وتستقدم الهندوس سعيا لتغيير التركيبة السكانية والتلاعب بالاستفتاء المحتمل

TT

يوحي الوضع المتأزم على الحدود بين الهند وباكستان بقرب انطلاق الشرارة الأولى المسببة لأكبر مواجهة عسكرية تشهدها شبه القارة الهندية. وقد أصبح المواطنون الكشميريون هنا مقتنعين أنه لا بد من خوض الحرب لوضع نهاية لمأساة كشمير التي استمرت أكثر من 50 عاما، والخروج بحل نهائي بدلا من الضياع والخسائر البشرية والمادية. لقد صارت المواجهة العسكرية المحتملة على مشارف البداية، حيث يتبادل الطرفان الاتهامات منذ عدة أشهر، وحركا قواتهما إلى الحدود استعداداً لساعة الصفر التي لا يعرف أحد متى قد تدق. والوضع الميداني يشير فعلاً الى قرب المواجهة، خاصة أن تبادل إطلاق النار بين الجانبين ازداد في الآونة الاخيرة مما ادى الى سقوط اعداد كبيرة من الضحايا.

«الشرق الأوسط» أمضت 100 ساعة على الحدود الهندية الباكستانية في اقليم كشمير وعلى خط المواجهة القتالية، كما زارت المدن الكشميرية الواقعة على الحدود الهندية ووقفت على الأضرار التي لحقت بالمنازل والأسواق والمدارس فضلا عن المستشفيات والمزارع والماشية. كما زارت مخيمات اللاجئين الهاربين من كشمير الهندية للتعرف عن قرب على الوضع المأساوي الذي يعانيه الكشميريون منذ أكثر من 50 عاما. وإلى تفاصيل الرحلة.

قابلني قبل بدء زيارتي إلى المناطق الكشميرية الواقعة في الجانب الباكستاني، السردار محمد عبد القيوم رئيس الوزراء السابق في الحكومة الكشميرية ورئيس اللجنة الوطنية لكشمير، في منزله بروالبندي في باكستان، وقال لي «رحلتك الى كشمير ستكون متعبة وخطرة، خاصة بعد التصعيد الأخير بين الجانبين الهندي والباكستاني على الحدود، فالطرفان أخذا مواقع قتالية على الحدود، يمكنك أن تبقى هنا في إسلام آباد ونزودك بالمعلومات التي تريدها، حتى لا تعرض نفسك للخطر». فأخبرته انني عازم على زيارة المناطق وخوض التجربة ومشاهدة ما يحدث على أرض الواقع، خاصة في المناطق الحدودية وخط المواجهة القتالية.

* صاروخ «غوري» في كشمير

* تحركت بنا السيارة من إسلام آباد الى مظفر آباد (عاصمة كشمير الباكستانية) في رحلة استغرقت أكثر من أربع ساعات قطعنا خلالها نحو 150 كيلومترا عبر طرق جبلية وعرة وخطرة، مرورا بـ«مري»، وهي مدينة جبلية تتميز بالبرودة في الصيف وتتساقط عليها الثلوج في الشتاء ويقبل اليها الباكستانيون والسياح الأجانب للتمتع بمناظرها الجميلة وغاباتها الخضراء. والطريق إلى مظفر آباد محفوف بالمخاطر نظرا لضيقه وكثرة الحافلات والشاحنات المحملة بالركاب سواء في داخل الحافلة أو على الأسطح، ومع ذلك يقود السائقون الحافلات بمهارة فائقة، إذ نادرا ما تقع حوادث، حسبما أخبرنا أبو بكر الصديق وهو رئيس تحرير صحيفة «أهم الأخبار» التي تصدر باللغة العربية في إسلام آباد.

والمنظر من نافذة السيارة مخيف ورائع حيث يستمتع الراكب بمنظر نهري «جيهلم» و«نيلم»، اللذين يمران من الهند ويلتقيان في ما بعد في نهر واحد، وهو نهر طويل يمر عبر الهند وكشمير وبعض المدن الباكستانية.

كان الوقت حينما وصلنا إلى مظفر آباد الخامسة عصراً، فأخبرني أحد المرافقين لنا، أننا قد وصلنا المناطق الكشميرية وعلى مشارف الدخول إلى مظفر آباد، حيث يربط جسر فوق نهر «نيلم» ويلتقي مع «جيهلم»، ويربض بجواره مجسم للصاروخ «غوري» الذي أنتجته باكستان. من النظرة الأولى يستطيع الزائر أن يتعرف على الوضع الاقتصادي في هذه المناطق، حيث ينتشر في جنبات الطريق باعة عصير الليمون ومشروب «روح أفزا» الذي يتكون من عدة مواد ملونة ويخلط بالماء وتضاف إليه بعض النكهات، ويضاف الى جميع هذه العصائر الماء والثلج. وهناك آخرون يتجولون حاملين أطباقا صغيرة فيها قطع من «جوز الهند» لبيعها.

أما الماء في نهر «جيهلم» فيسير بسرعة فائقة، ويخبرنا رحمت علي، وهو من القسم الإعلامي في الحكومة الكشميرية، والسائق الذي حملنا من إسلام آباد ورافقنا في جميع الرحلات داخل المناطق الكشميرية وعلى الحدود، أن المواطنين يجدون في هذا النهر، أحياناً، أجزاء من أجساد البشر قد قطعها الهنود والقيت في النهر لإرعاب الكشميريين. ويضيف أنه في أحد المرات وجد الناس رأسا مفصولة عن الجسد، وتبين في ما بعد أنها لفتاة كشميرية اغتصبها الهنود وقذفوا بها في النهر بعد فصل الرأس. والحوادث كثيرة مثلما ذكر سائق السيارة المرافق. وتنتشر حول النهر خيام صغيرة بالية، يقول أحد المرافقين، إنها لأناس معدومين من الأسر والأهل يعيشون فيها، ومعظمهم من الفقراء.

* ثقافة الحافلات

* حينما وصلنا إلى فندق «نيلم»، وهو واحد من من أربعة فنادق يرتادها السياح الأجانب، قال لنا موظف الاستقبال إن السياحة تأثرت كثيرا رغم أن مقومات السياحة من الناحية الطبيعية متوفرة ولكن تنقصها الخدمات، ولم يعد يزور المنطقة سوى بعض الباكستانيين في نهاية الأسبوع أو الكشميريين المقيمين في الخارج للتمتع ببرودة الجو والهواء العليل والمناظر الخلابة لأشجار الصنوبر والغابات الواسعة.

وبطبيعة الحال فإن البيوت في مظفر آباد مبنية على حافة جبل، حيث تتميز مناطق كشمير بأنها مناطق جبلية وتربطها جبال شاهقة، وميادينها وطرقاتها والبيوت فيها متقاربة، والناس، سواء كانوا رجالاً أو نساء أو أطفالاً، يفضلون السير على الأقدام لمسافات طويلة بدلا من استخدام المركبات مثل «الركشا» وهي دراجة نارية بثلاث عجلات يعلوها سقف يتسع لشخصين فقط أو ثلاثة وتتراوح أجرتها مابين 10 ـ 15 روبية (حوالي 30 سنتا). وسيارات الأجرة قليلة جدا، بينما يفضل الكشميريون ركوب الحافلات التي تكتظ في فترة الصباح والظهيرة. والشيء اللافت في هذه الحافلات التي يملكها مستثمرون ويعمل عليها سائقون مهرة، أنها مغطاة بالكامل من النحاس والزنك والزخارف والنقوش، فضلا عن أبيات من القصائد والحكم وهي «ثقافة الشاحنات» كما وصفها أبو بكر الصديق المترجم المرافق لنا.

وفي المساء تزين الجبال الشاهقة اضاءات المنازل التي وصلتها الكهرباء حتى أعالي الجبال وكأن النجوم قد التصقت بها، وكما علمت من راجا محمد نويد، مساعد مدير القسم الإعلامي في الحكومة الكشميرية، فإن الكهرباء تقدم للمواطنين مجانا دون رسوم، حيث أن أوضاع المواطنين لا تسمح لهم بدفع رسوم الكهرباء. أما بخصوص الماء، فقد أنشأت الحكومة محطات لتنقيته وجلعه صالحاً للشرب. في مرات عديدة تخرج المياه الملوثة من الصنابير، وبالتأكيد لا تساعد الأوضاع الاقتصادية الحكومة على توفير مياه نقية، لكن بعض الأهالي يستخدمون أجهزة تنقية خاصة بهم لمعالجة المياه. ويضيف راجا نويد أن المواطنين في كثير من الأحيان يضعون الفواكه والمشروبات والأطعمة على طرف مجرى النهر حيث أن مياهه باردة جدا لكونها قادمة من جبال الثلج الموجودة في المرتفعات الكشميرية، فتبرد الفواكه والأطعمة. ويمارس البعض الصيد في المنطقة، ويقولون إن السمك في هذا النهر لذيذ وله طعم خاص.

ولا يستغني الكشميريون عن المذياع لمتابعة الأخبار، وهم يفضلون قضاء أوقاتهم خارج المنزل، فنسبة البطالة مرتفعة بينهم، والكثيرون يعملون في محلات صغيرة وأنشطة تجارية مختلفة. ويمتلك البعض منهم محلات لبيع الشاي أو لتصليح عجلات السيارات والدراجات. والأعباء الاقتصادية على الحكومة مرتفعة جدا، إذ ليس لها موارد خاصة، لكنها مع ذلك تنفذ مشاريع طرق وكهرباء وماء وتقدم مساعدات لأسر الضحايا والشهداء والمتضررين، كما ترعى اللاجئين القادمين من الهند وتقيم لهم المخيمات. وتنخفض الحركة أو تنعدم عند الساعة التاسعة مساء، كما تغلق المحلات بعد المغرب مباشرة، وفي العاشرة يكون الكشميريون قد غطوا في نوم عميق.

ويبدو مألوفا مشاهدة معاقين او مصابين، فقد بعضهم ساقه او ذراعه، يسيرون في الطرقات، وجميع هؤلاء قد أصيبوا في الحرب ضد القوات الهندية. ويتداول الأهالي قصة حدثت قبل يومين من قدومنا في الاسبوع الأخير من مايو (أيار) الماضي، ومفادها أن أحد الكشميريين رافق بناته الخمس المدرسات والطبيبات إلى السوق التي قابل فيها بعض أهل الحي، ووافق هناك على تزويج بناته لمجاهدين معاقين دون مقابل. ومثل هذه القصص كثيرة حسبما يفيد سكان المنطقة.

* «الشال» الكشميري هو المميز في السوق

* ويشتهر الخبز الكشميري لدى الناس، وهو من القطع الصغيرة الذي تضاف إليه الزبدة أو السمن ويعمل منه الحلو والمالح. وجميع المنتجات الموجودة في الأسواق تأتي من المدن الباكستانية. ويقول صاحب بقالة في سوق كشمير، أحد أقدم الاسواق في مظفر آباد، إن جميع البضائع موجودة هنا، إلا أننا نراعي السلع التي يقبل عليها المستهلك. ويظل «الشال» الكشميري هو المميز من بين السلع المعروضة للبيع، سواء كان للرجال أو النساء، ويحتاج الانسان إلى خبرة ودراية لشراء الشال لكونه يختلف من نوع لآخر، ويتراوح سعره بين 500 ـ 20000 روبية (أي بين 8 و355 دولارا). يذكر ان الدولار الواحد يساوي 56 روبية. ويعرف الشال الجيد من الملمس الناعم والنقوش الموجودة فيه.

* تحركات مريبة

* أثناء عودتنا إلى الفندق، رأيت تحركات مريبة من المرافقين لنا الذين استغرق الحديث في ما بينهم وقتا طويلا، وبعدها اضطر راجا نويد إلى مغادرة السيارة والعودة بسرعة. استفسرت عن السبب فلم أجد إجابة شافية، لكن بعد لحظات، طلب معظم ملك، وهو من لجنة كشمير في المجلس القومي وموظف البروتوكول المرافق، منا العودة سريعا إلى الفندق وعدم إكمال التجول في السوق لدواع أمنية. وبعد أكثر من 40 دقيقة عاد نويد ومعه ورقة صغيرة، وقال إنه تلقى معلومات من الجهات الحكومية تفيد بأن الجيش الهندي عاد لإطلاق النيران على الحدود وقد نتج عن ذلك وفاة 8 أشخاص وإصابة ما يقارب 12 بينهم أطفال ونساء، وسوف يعود لمتابعة الأحداث. وطلب مني نويد العودة للفندق على أن نتقابل في الصباح ليتم نقلي إلى قصر الضيافة التابع للحكومة. ولم أتمكن من متابعة تفاصيل الأحداث، لكنني وجدت المرافقين معي ينصتون إلى جهاز المذياع لمتابعة الأخبار، فالكشميريون لا يشاهدون التلفزيون نظرا لطبيعة الجبال التي لا تساعد في استقبال البث ولا يشاهدون سوى القنوات الباكستانية غير الواضحة والتي تغلق عند الواحدة ليلا. ولكن هناك محلات لعرض السينما وأكثر الكشميريين يحبون مشاهدة الأفلام الهندية ويتابعون آخر الأفلام الموجودة في دور العرض. وتعلق في الأسواق وفي محلات بيع وتأجير الأفلام صور كبيرة لممثلين وممثلات هنود.

وفي اليوم التالي، استيقظت مبكرا مثل الكشميريين، حيث طلب مني راجا نويد الاستعداد لتناول وجبة الإفطار على مائدة السردار اسكندر حياة خان رئيس الحكومة الكشميرية. وحاولت جادا أن أعرف ما حدث ليلة أمس، إلا أن قيصر محمد رمضان من لجنة كشمير، طمأنني بعدم الاكتراث لمثل هذه الموضوعات، وان ما حصل يحدث يوميا والناس تعودوا على سماع مثل هذه الأخبار، إذ لا يوجد منزل في كشمير إلا وفيه فيه مصاب أو شهيد. لكن الجديد الذي ينتظره الناس هو قيام الحرب ويبدون مستعدين لخوضها.

ورغم أنني أمضيت معه أكثر من ساعة ونصف الساعة، فإن السردار اسكندر حياة خان كان مشغولا في إجراء الاتصالات لمعرفة تفاصيل الحادثة التي وقعت البارحة، وقال لي سوف تذهب إلى الحدود لتشاهد ما يحدث، ولكن لون بشرتك قريب من بشراتنا فاحذر من القناصة الهنود فإنهم يتربصون بالصحافيين ولا يريدونهم ان يزوروا المناطق الحدودية، أما لو كنت من ذوي البشرة البيضاء فان باستطاعتك مشاهدة ما يحدث دون خطورة، فالهنود يخشون أن يصاب أحد من الزوار الأجانب وخاصة من ذوي الجنسيات البريطانية والأوروبية.

والكشميريون يكنون الاحترام والتقدير لباكستان، حكومة وشعباً، لكونهم وقفوا معهم وساندوهم ويقدمون لهم الدعم السياسي والمعنوي في المحافل الدولية، ولهذا تجد على الجبال الشاهقة عبارات كتبت باللغة الأردية «كشمير بنيكا باكستان» ومعناها أن كشمير سوف تصبح باكستان، وهي عبارات كتبت بخطوط عريضة ويمكن مشاهدتها من أي مكان.

* آثار 11 سبتمبر

* خلال وجبة الإفطار التي حضرها بعض الوزراء في الحكومة الكشميرية وبعض المسؤولين، قال لي السردار اسكندر حياة خان، إن الوضع على الحدود يقترب من الانفجار، ومنذ شهرين والأخبار غير سارة، إذ تمادت الهند في جبروتها وصارت تعامل الكشميريين في الجانب الآخر (كشمير الهندية) بقسوة، وتجبرهم على ترك مناطقهم لتصبح المناطق الكشميرية خالية من المسلمين ويسيطر عليها الهندوس والمسيحيون حتى إذا جرى استفتاء كانت النتيجة لصالح الهند. ويرى السردار حياة أن الولايات المتحدة ليست جادة في حل الموضوع لأنها، على حد تعبيره، ليست لها منافع في المنطقة. ولكن السردار حياة يعتقد أن القضية الكشميرية طال أمدها ولم يكن ينبغي ان تأخذ كل هذه المدة، كما يعتقد أن المنظمات الرسمية ساهمت في إطالة المدة. ويضيف أن القضية الكشميرية تأثرت بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول) الماضي، إذ صار الهنود يصفون أعمال المقاومة بأنها أعمال إرهابية، ويزيدون من اعتداءاتهم ضد السكان الابرياء في المناطق الحدودية، وخاصة في مناطق جكوتي وهجيرة وشكار وبنجوسا وسودن كلي وموم بجري.

وقال السردان حياة «إن الحكومة الكشميرية هي التي تتحمل مسؤولية العلاج ورعاية الأيتام وتقديم المساعدات لأسر الضحايا. وكما ترى، فاننا نحتاج إلى مساعدات، لكننا لا نجد مساعدات من دول إسلامية، والبنك الإسلامي يقدم مساعدات في الجانب الهندي للشعب الكشميري هناك، دون أن يقدم أي مساعدة لنا. إننا نحتاج إلى أدوية ومواد غذائية ومتطلبات أساسية للمصابين. المرضى ننقلهم إلى المستشفيات في باكستان أو يعالجون في مستشفياتنا». ويضيف السردار حياة خان، أن الكشميريين يفقدون ما متوسطه 15 قتيلاً يومياً وما بين 30 و50 مصاباً.

* مخيمات للاجئين على أطراف الجبال

* وفي الطريق إلى جكوتي، وقفنا على مخيم للاجئين، وهو واحد من 15 مخيماً أقامتها الحكومة الكشميرية يعيش فيها 30 ألف من اللاجئين الذين هربوا من الأراضي الكشميرية الهندية. وتبلغ تكلفة بناء المخيم الواحد 300 ألف روبية. وأكثر الموجودين داخل هذه المخيمات من النساء والأطفال وكبار السن. والأوضاع الصحية في هذه المخيمات، المقامة على أطراف الجبال، متردية من الناحية الصحية والاجتماعية. ويوجد في مخيم «كهري دبتا» قسم لتعليم الخياطة والتطريز والأعمال اليدوية وبعض الحرف. والحكومة الكشميرية تدفع لهؤلاء اللاجئين 750 روبية شهرياً لكل فرد، ولكن لا يسمح لهم بالخروج من المخيم للتنقل في أماكن او مدن كشميرية أخرى. ويقول أحد الموجودين في المخيم، وقد قدم حديثا من الهند، إن السلطات الهندية تمارس الكثير من الضغوط على الكشميريين هناك، كما أنها بدأت في تغيير التركيبة السكانية بإخراج المسلمين وابدالهم بمواطنين هندوس. ويضيف ان السلطات الهندية تضايق النساء والأطفال وتقتل الشبان. ويقول جلال مياه، وهو أيضا من الذين تمكنوا من الهرب، إن الحكومة الهندية تقوم، حين تزور وفود غربية المنطقة، بقتل بعض الهنود السيخ، وتدعي أن الكشميريين هم الذين قتلوهم، مضيفاً أن أهم متطلبات سكان المخيمات هي المساعدات المالية وتوفير الاحتياجات الضرورية والمواد الغذائية والأدوية.

وقبل أن نصل إلى جكوتي، وهي أقرب نقطة حدودية بين الهند وباكستان، أطلقت القوات الهندية النيران عليها، وحينما وصلنا وجدنا الناس يرفعون آثار الدمار الذي لحق بالسوق وبه 200 محل. وكان المصابون في طريقهم إلى العلاج. وقال لنا العميد نعمان وهو قائد المعسكر هناك، إن الجنود الباكستانيين ردوا على القوات الهندية، وبالفعل ألحقوا بها خسائر. ويضيف العميد نعمان أن الجيش الباكستاني يرد على المواقع العسكرية الهندية، بينما يرد الطرف الآخر على المدنيين الموجودين في المناطق الكشميرية، وحسب ما هو مشاهد فإن الطرفين على الحدود على أهبة الاستعداد للمواجهة في أية لحظة لان تبادل النيران يجري بشكل متقطع، وأكثر من مرة في اليوم، بل يظل إطلاق النار في كثير من الأحيان مستمرا، ولهذا فإن الكثير من المواطنين في الحدود الهندية يتركون المنطقة ويهربون الى اماكن بعيدة.

* مناطق تحت النار

* وتسبب إطلاق النار الذي وقع قبل وصولنا بساعات إلى جكوتي في مقتل 9 أشخاص وسيدتين وإصابة أكثر من 15 شخصا. ويقول محمد شبير وهو صاحب بقالة، إنه عندما بدأ إطلاق النار كانت زوجته تركض خلف أبنائها لحمايتهم ولكن أصابتها قذيفة أردتها قتيلة. وتتحول بيوت القتلى يوميا الى مكان يتوافد عليه المعزون. وفيما كنا نتفقد مدرسة ثانوية ومسجداً دمرهما القصف، عاودت القوات إطلاقها للنيران فوجدنا انفسنا فجأة داخل مخابئ، رغم أن السوق والمنازل مكشوفة أمام القوات الهندية. وبعد إطلاق نيران استمر أكثر من ساعة، طلب منا العميد نعمان مغادرة المكان، ولكننا فضلنا البقاء في المنطقة لمعرفة نتائج إطلاق النار. وقد أصيب في هذه العملية الجديدة 14 شخصا وعدد من المواشي.

حياة الناس على الحدود مليئة بالرعب والخوف والمجهول، فلا أحد يعرف على من سيأتي الدور أو من الذي سيقتل. ويقول افتخار شيخ، وهو من سكان جكوتي، إن المواطنين تعودوا على مثل هذه الحوادث. وتتم معالجة المصابين في المستشفيات الموجودة في المنطقة، وهي لا تتوفر على اي أدوية او وسائل علاج. ومعظم المصابين يفضلون التطبيب الشعبي. وقد تعطلت الدراسة في الكثير من المدارس نتيجة استمرار الهجمات الهندية، وقد وقفنا على مدرسة ثانوية دمرت بالكامل.

أما في هجيرة، وهي أحدى المدن الكشميرية القريبة من الحدود الهندية، فيقول محافظها سياد الزمان، إن القوات الهندية لا تعرف وقتا لإطلاق النار، ولكن عادة ما يكون في فترة الصباح والظهيرة، لان ذلك هو وقت الذروة وخروج الطلاب والأهالي إلى أعمالهم. ويضيف سياد أن القصف الهندي أسفر خلال الأسابيع الماضية عن سقوط 15 شهيدا ونحو 68 جريحا، وتدمير ما يقارب 290 منزلاً.

وقد تجولنا في سوق «دير بآزار» في منطقة هجيرة، حيث وجدنا الناس يقومون بترميم منازلهم التي تعرضت للنيران. ويقول سليم حسين، الذي اصيب شقيقه خادم حسين في القصف الهندي، إن إطلاق النيران يتم في كل الأوقات ودون تحديد. أما شريف أوان الذي يتحدث العربية لكونه عاش في الإمارات العربية المتحدة لعدة سنوات، فقال لنا «تعبت من ترميم منزلي، ففي كل مرة أنتهي منها تعاود القوات الهندية إطلاق النيران على منزلي، وهذا المنزل هو ما كل ما بقي لي بعد أن عدت من الإمارات». وفي منظر مؤلم شاهدت رجلاً مسناً يحمل على ظهره ابنته البالغة من العمر 20 سنة والمريضة الى العيادة. والأطباء في كشمير مثل البقالات، يكتبون اللوحات ويعلقونها على أعلى المحلات ليأتي الناس بهدف الكشف والعلاج. وهناك ايضاً محلات للتطبيب الشعبي، أو كما يسميها أهل المدينة «الحكيم»، وتشهد هذه المحلات إقبالا كبيرا من الناس لأسعارها الزهيدة.

=