ردود الأفعال الإسرائيلية

اليمين: ما كان شارون ليكتب مثل هذا الخطاب * اليسار: الخطاب وصفة لاستمرار حمام الدم

TT

رغم تعليمات رئيس الوزراء الاسرائيلي، ارييل شارون، الصارمة بضبط النفس، لم يستطع مساعدوه ومعهم قادة معسكر اليمين الاسرائيلي وقادة المستوطنين اخفاء بهجتهم وشعورهم بتحقيق انتصار سياسي كبير من مضمون خطاب الرئيس الاميركي، جورج بوش. فاعلنوا انه حتى لو كان شارون نفسه سيكتب هذا الخطاب، لما كتبه بكلمات أفضل. بيد ان قادة المعسكر الليبرالي واليساريين وانصار السلام الاسرائيليين، رأوا في الخطاب خطأ سياسيا فادحا. ووصفه النائب العمالي حاييم رامون بالكارثة. وحتى وزير الخارجية، شيمعون بيريس، ذهل من الخطاب للوهلة الاولى وقال: انه وصفة طبية مضمونة لاستمرار حمام الدم في المنطقة.

وكان شارون، الذي اطلع على مضمون الخطاب في وقت سابق، قد امر مساعديه بان لا يظهروا اية فرحة مبالغ فيها امام اجهزة الاعلام، «حتى لا يسيء للرئيس بوش وللولايات المتحدة امام العالم العربي». واصدر بيانا رسميا فور انهاء بوش القاء الخطاب قال فيه: «اسرائيل مستعدة للذهاب نحو عملية سلام شاملة، بعد ان يتوقف الارهاب الفلسطيني والتحريض الدموي ضدنا في العالم العربي وبعد تنفيذ الاصلاحات في السلطة الفلسطينية بشكل فعلي وجوهري. وعندها، سنكون مستعدين لدفع ثمن السلام مهما يكن مؤلما».

لكن مساعدي شارون ووزراءه لم يتمكنوا من ضبط السنتهم فاقترح احدهم (وزير الامن الداخلي، عوزي لانداو) منح وسام «عزيز الصهيونية» للرئيس بوش. وقالت وزيرة الاعلام تسيبي لفنة: «زعيم العالم الحر قال رأيه بوضوح ولأول مرة بهذه الكلمات. فقد اوضح للشعب الفسطيني انه من اجل الوصول الى السعادة والامان عليه ان يغير قيادته الحالية. واما اقواله لاسرائيل فهي ليست جديدة. كلها موجودة في توصيات لجنة ميتشل». وقال وزير الشؤون البرلمانية، داني نافيه المقرب من رئيس الوزراء الاسبق، بنيامين نتنياهو: «ما كان ممكنا ان نتوقع خطابا افضل. ان بوش يظهر كأفضل رئيس اميركي في التضامن مع اسرائيل منذ تأسيسها قبل 54 عاما».

وامتدح الخطاب قادة حزب المفدال اليميني المتطرف، المعروف كحزب المستوطنين. وقال النائب ناحوم لنبحنشال: «انه خطاب يدل على فهم مخلص لمشاكل اسرائيل ومعاناتها. ويحقق لنا الامر الاساسي الذي نطالب به، الا وهو اسقاط عرفات». وسئل ان لم يكن مزعجا له وعد بوش باقامة دولة فلسطينية مستقلة بعد ثلاث سنوات وبازالة المستوطنات، فاجأب: «امامنا ثلاث سنوات حتى نصل الى هذه المرحلة. وانا لا اعتقد اننا سنصل الى نهايتها بهذه النتيجة. فالفلسطينيون لن يلتزموا بمطالب بوش الاولية، وهذا سيؤدي الى تأجيل الموضوع سنين طويلة».

واعتبر قادة معسكر شارون هذا الخطاب انتصارا سياسيا كبيرا لحكومة اسرائيل عموما، ولرئيس الوزراء شارون شخصيا، اذ ان الخطاب يتضمن كل مطالبه من بوش، كما عرضها خلال عشرات اللقاءات والمكالمات معه ومع مساعديه في الادارة الاميركية. وحددوا هذه المكاسب بندا بندا على النحو التالي:

* لم يطلب من اسرائيل شيئا، قبل ان يبدأ الفلسطينيون بتنفيذ مطالبه واهمها: وقف الارهاب وقف التحريض، وتغيير القيادة الملطخة ايديها بالارهاب وعلى رأسها ياسر عرفات. وحتى ذلك الحين يحق لاسرائيل ان تواصل عملياتها ضد الارهاب الفلسطيني.

* لم يطرح بوش جدولا زمنيا مفصلا، بل حدد فترة ثلاث سنوات مشروطة بان ينفذ الفلسطينيون مطالبه. فاذا لم ينفذوا، يتم تمديد المدة، وربما الغاء الفكرة نفسها حول اقامة الدولة الفلسطينية. وخلال هذه الفترة ستجري انتخابات عامة في كل من اسرائيل والولايات المتحدة. وقد اهتم بوش بان لا يحرج هو او شارون عشية المعركة الانتخابية.

* طالب بوش الدول العربية المختلفة بان تقيم العلاقات مع اسرائيل، وطالب سورية باغلاق معسكرات التدريب للمقاومين الفلسطينيين.

* اوضح بوش، بما لا يقبل الشك او التأويل انه يعتبر اسرائيل ضحية للارهاب الفلسطيني، يتعاطف معها ويتفهم حربها ضد الفلسطينيين، وعمليا يضيء لها الضوء الاخضر لتواصل معركتها حتى القضاء على البنى التحتية للارهاب.

واعرب زعيم حزب «شنوي» الليبرالي المعارض، عضو الكنيست تومي لبيد، عن دهشته من ان الرئيس بوش لم يحاول ابدا ان يكون متوازنا ما بين الاسرائيليين والفلسطينيين. وقال: «انها قمة الصداقة الاميركية ـ الاسرائيلية. ولكنها تحتاج ايضا الى دور سياسي متوازن حتى يقتنع العرب بنزاهة الوسيط».

وخرجت الصحف الاسرائيلية صباح امس بمقالات افتتاحية وتحليلات تدل على ان انعدام التوازن وسلوك هذا النهج من بوش، يعني ابتعاد السلام، اي استمرار سفك الدماء. وكما كتبت «يديعوت احرونوت»، كبرى الصحف الاسرائيلية، فان خطاب بوش يشكل «تشجيعاً وحافزاً للمتطرفين من الجهتين». بينما حذرت «معاريف» شارون من ان يفهم ان الخطاب يعطيه الحرية في عمل ما يريد الان ضد الفلسطينيين سواء في المجال العسكري والاحتلال او في مجال الاستيطان.

وكانت القوى السياسية الليبرالية واليسارية قد صعقت من مضمون الخطاب. وكتب صحافي كان يجالس بيريس خلال القاء الخطاب ان «وجه بيريس راح يحتقن من جملة الى اخرى. وما ان انهى الرئيس (بوش) كلامه، حتى نهض من مكانه وصاح: «هذا خطأ. خطأ فادح. فكيف يمكن ان يشترط لاقامة الدولة الفلسطينية تغيير قيادتها. عرفات قاد الشعب الفلسطيني 35 عاما في اخطر الاوضاع واصعبها، ولم يتخل عن شعبه. فكيف يتخيل ان يتخلى عنه شعبه الآن». (في وقت لاحق من ظهر امس، خفف بيريس من لهجته. وقال ان الخطاب مهم جدا وواضح في اهدافه السلمية واهدافه ضد الارهاب. لكن تنقصه خطوات عملية تترجم الخطاب واحلامه الجميلة الى واقع).

وقال وزير الداخلية السابق في حكومة ايهود باراك، حاييم رامون: «ان الخطاب كارثة. الامر الوحيد الذي يضمنه هو استمرار سفك الدماء، كأني بالرئيس الاميركي يقول للشعبين الاسرائيلي والفلسطيني واصلوا ذبح بعضكم بعضا. فعندما تتعبون تعالوا اليّ».

وقال وزير الخارجية السابق، البروفسور شلومو بن عامي: «هناك حلم جميل في خطاب بوش، ولكن لا يوجد فيه اي شيء عملي. وعلى الصعيد العربي والفلسطيني، جاء الخطاب فظا وغير مقبول. فما هذا المطلب بتغيير عرفات وبفرض الديمقراطية. هل فعل بوش مثل هذا الامر مع اية دولة من الدول اللاديمقراطية التي يتعامل معها في العالم العربي او في شبه القارة الهندية؟ لماذا تغيير عرفات وكيف يتم هذا؟ بمنعه من ترشيحه نفسه في الانتخابات المقبلة؟ انني اتوقع ان يساهم هذا الخطاب في تصعيد سفك الدماء في المنطقة. واعتقد ان دوافع بوش في هذا الخطاب هي مثل دوافع شارون في قراراته السياسية: استخدام القضايا الخارجية في سبيل تسوية ازماته الداخلية. فما جاء به في خطابه هو نوع من الحل الوسط ما بين المعسكرات المتناحرة في البيت الابيض، بين تيار نائب الرئيس ديك تشيني وحليفه وزير الدفاع، رونالد رامسفيلد، وبين تيار وزير الخارجية، كولن باول».

وقال يوسي سريد، زعيم المعارضة اليسارية، ان خطاب بوش يعبر عن الحكم الاميركي البعيد عن واقع الشرق الاوسط. وقالت رفيقته ورئيسة كتلة حزبه (ميرتس) في الكنيست، زهافا غلئون: «الخطاب مهم. لكنه خلا من اية خطوات عملية جادة. وآمل ان لا يكون مجرد كلام.

وازاء كل ذلك، كان هناك من لفت نظر شارون وغيره من القادة اليمينيين المزهوين بهذا النصر، بالقول: «الخطاب جيد لاسرائيل في هذه المرحلة. ولكن، هل نفكر فيما يتضمنه بعد الانتهاء منها. ولنفترض ان الفلسطينيين نفذوا كل ما هو مطلوب منهم، فماذا سيفعل شارون في المراحل التالية؟ ان خطاب بوش من هذه الناحية كان بمثابة «وعد بلفور للفلسطينيين» (بلفور هو وزير الخارجية البريطاني الذي اعلن يوم 2 نوفمبر (تشرين الثاني) 1917 ان من حق اليهود ان يقيموا لهم وطنا قوميا في فلسطين. فاشتهر بـ«وعد بلفور»). فهو تحدث عن انهاء الاحتلال واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وذات السيادة»، كما كتب بن كسبيت في «معاريف»، امس.

الجدير ذكره ان لجنة الخارجية والامن البرلمانية الاسرائيلية ناقشت خطاب بوش في جلسة عقدتها امس بحضور شارون. وحذر مندوب «الموساد» (المخابرات الخارجية) من الاثر السلبي الذي تركه خطاب بوش على العالم العربي، فصاح به شارون مقاطعا: «من الخطأ التكلم بهذه الصيغة. فالخطاب لا يسيء للعالم العربي. بل العكس. انه يخدم المصالح الحقيقية للعرب. هكذا يجب ان نقول».