منتصر الزيات: قلبي مع «الجهاد» وعقلي مع «الجماعة الإسلامية»

محامي الجماعات الإسلامية في مصر لـ«الشرق الأوسط»: الظواهري حي وقد وصلتني تطمينات بذلك

TT

رغم خطوط التماس العديدة بينه وبين العديد من قيادات الجماعة الاسلامية، الا ان المحامي منتصر الزيات حاول خلال حوار مع «الشرق الأوسط» ان يقلل من اهمية هذه العلاقات. وقلل كذلك من الجدل في ما يتعلق بدوره في مبادرة وقف العنف التي أطلقتها القيادات التاريخية للجماعة الاسلامية بالسجون المصرية والترويج لها، وتراجع دوره في هذه القضية لاحقا. وكشف الزيات، المعروف بمحامي الجماعات الاسلامية في مصر لـ«الشرق الاوسط»، خلفيات علاقته المثيرة مع قيادات تنظيم «الجهاد» وعلى رأسها زعيمها الدكتور أيمن الظواهري الرجل الثاني في تنظيم القاعدة الذي يقوده اسامة بن لادن. وقال الزيات انه يختلف مع القاعدة حول ممارساتها ضد المصالح الاميركية في مناطق مختلفة من العالم، لكنه اشار الى ان قلبه مع الجهاد وعقله مع الجماعة الاسلامية. وأعرب الزيات عن اعتقاده بأن الدكتور الظواهري مازال حيا، مؤكدا وجود تطمينات وصلته من شخصيات قريبة ووثيقة الصلة بالظواهري تؤكد هذا المعنى.

وهنا نص الحوار:

* لماذا انفردت وحدك تقريبا باسناد الاتهام لتنظيم القاعدة في احداث سبتمبر (ايلول) الماضي واتخذت موقفا «نشازا» في تأكيد صحة أشرطة الفيديو التي بثت لأسامة بن لادن، ألا يصب ذلك في خانة دعمك للمواقف الاميركية؟

ـ أولا أحب أن أفرق بين دوري كباحث مهتم بشؤون الحركات الاسلامية اعتني باثبات وقائع تاريخية وفق سياقها الطبيعي وتدقيق سياسات شخصيات اعتبارية لجماعات أو هيئات أصولية تلزم فيه الموضوعية والشفافية واحترام أدوات البحث والتحصيل واكتساب مصداقية لازمة في هذا المضمار، اما دوري المهني كمدافع عن بعض الأشخاص الذين يتهمون أو يحاكمون في قضايا عن وقائع محددة فأكون مقيدا بطبيعة الحال باعتبارات عدم الاساءة للمراكز القانونية لمن أدافع عنهم.

ولذلك لم أكن في موقف المتعنت ضد القاعدة بقدر ما اجتهدت أن أكون في قراءتي مؤرخا منبت الصلة عن انتماءاتي، واعتمدت أولا على الخطاب الاعلامي الذي تبناه تنظيم القاعدة في الفترة الأولى التي تلت الحدث قبل سقوط طالبان وهو خطاب توافق مع حالات مماثلة وفي حوادث مشابهة بدءا من فتوى بن لادن في استهداف الاميركيين عموما وما تلى ذلك من تأسيس الجبهة العالمية للجهاد ضد اليهود والصليبيين والقيام بعملية تفجير السفارتين في نيروبي ودار السلام ثم تفجير المدمرة كول، وقد أثبتت الايام صحة ما كنت أذهب اليه، وعندما حاول البعض التشكيك في الشريط الأخير لأحمد الحزنوي الغامدي صدرت عن القاعدة بيانات أو مقالات عبر الانترنت تشجب فيها هذه التأويلات وتؤكد مسؤوليتها وصحة الشريط، فسقوط طالبان جعل مسألة تبني القاعدة لأحداث سبتمبر (ايلول) يبدو واضحا بعد زوال المانع الأدبي.

* لكنك كنت جارحا في نقدك للدكتور أيمن الظواهري؟

ـ أحب أن اتجاوز الآن المشكلات العالقة مع الدكتور أيمن الظواهري الى وقت آخر تسمح الظروف بالحوار معه بطريقة أفضل.

* ولماذا لم تنتظر تغير الظروف حتى ترد على الدكتور أيمن الظواهري؟

ـ لان الأمر مختلف، فالدكتور أيمن الظواهري نشر كتابه «فرسان تحت راية النبي» في توقيت صعب كانت الدنيا بأسرها تتقصى وتتسمع كل ما ينشر عن الظواهري تناولني فيه بنقد شديد واتهامات لابد أن أتعرض لها بالرد وتفنيد الحجج، وكان يصعب جدا تأخير الرد عليها لاعتبارات عديدة، لكني اكتفي بما تم ولا أريد أن استمر في هذا الشقاق، والموضوع مغلق لحين اشعار آخر، فهو أصدر كتابا ضمنه رؤية ومعلومات، وعقبت أنا بكتاب أشهرت فيه رؤيتي ومعلوماتي حول ذات النقاط التي أثارها، وأغلق الباب عند هذا الحد الى حين زوال الظروف القاسية التي تحيط به، ويبقى ان أشير رغم كل ما جرى في الشهور الأخيرة الى انني ما زلت احتفظ للدكتور الظواهري بتقدير خاص واحترام بالغ.

* بالمناسبة هل هو حي.. يعني هل لديك معلومات في هذا الخصوص؟

ـ أعتقد انه حي يرزق. وأتمنى من كل قلبي ألا تطوله الولايات المتحدة، وقد وصلتني تطمينات من شخصيات قريبة وترتبط معه بروابط وثيقة ومصاهرة تؤكد هذا المعنى بشكل غير مباشر وتؤكد استشهاد السيدة حرمه وابنه محمد، وزوج احدى بناته ونجاة الباقين، وقرأت أخيرا تصريحات صحافية للناطق باسم القاعدة سليمان أبو غيث يؤكد سلامة الدكتور الظواهري، لو ان الدكتور الظواهري قتل لكانت شهادة يفخر بها ويحرص أحباؤه على اعلانها.

* هل يعني كلامك هذا انك نادم على كتابك؟

ـ ولماذا أندم.. انه حقي المشروع في الدفاع عن النفس، لكن ما كنت أحب أن تصل الأمور بيني وبين الدكتور الظواهري الى هذا الحد المؤسف من التراشق وفساد ذات البين.

* فهم الكثيرون من هجومك على الظواهري بداية قربك من الجماعة الاسلامية ودورك في ترويج مبادرة وقف العنف؟ ـ الذي لا يعلمه الكثيرون ان صلتي عبر سنوات طويلة بقيادات الجهاد كانت أوثق كثيرا من صلتي بقيادات الجماعة الاسلامية، عبر علاقاتي الممتدة بالطرفين كان دائما قلبي مع اخوة الجهاد وعقلي مع اخوة الجماعة، كان دائما هناك خط رفيع في العلاقة بيني وبين قيادات الجماعة الاسلامية وقيادات الجهاد أحافظ عليه بحكم سنوات طويلة من العلاقة والعمل المشترك والسجون والمعتقلات التي قضيناها معا، وعندما أطلت فتنة الانقسام ونحن داخل السجن عام 1983 حرصت على أن تكون صلتي بهؤلاء وأولئك وثيقة لكن بعيدا عن الارتباطات التنظيمية، وحافظت على علاقات متوازنة معهما معا. توجهاتي وقناعتي وأدبياتي تتوافق بشكل كبير مع المبادرة التي طرحتها الجماعة الاسلامية فكان طبيعا أن اتفاعل معها مما أغضب الدكتور أيمن الظواهري مني لأنه كان يعتبرني أقرب له من الجماعة الاسلامية وكانت لي به ايضا صلة خاصة، وعندما نشط دوري في الترويج للمبادرة السلمية أرسل الدكتور أيمن محذرا وناصحا أن أرفع يدي عنها.

* لكن توترا ملحوظا طرأ في علاقتك بقيادات الجماعة الاسلامية منذ فترة طويلة، ويتعمدون اسقاط دورك في مبادرتهم؟

ـ حينما قمت بالترويج للمبادرة السلمية للجماعة الاسلامية كان ذلك لعدة اسباب اهمها انها تتوافق مع قناعاتي الشخصية التي سبق ان عبرت عنها في ابريل (نيسان) 1996، ومنها حرصي على الخروج من النفق المظلم الذي دخلت فيه الحركة الاسلامية وفتح ثغرة تنفذ من خلالها الدعوة الاسلامية وكسر الطوق الذي رغبت دوائر علمانية استمرارنا فيه، لكن من الطبيعي بعد الافراج عن بعض قيادات الجماعة مثل حمدي عبد الرحمن وآخرين ان يتراجع دوري وهذا أمر طبيعي يفسره البعض حسبما يحلو لهم، وحسبي ما فعلت لوجه الله ولا أحب أن أحمد بما لم أفعل.

* لكنك غاضب لان الاضواء انحسرت عنك كما يقول البعض؟

ـ أي أضواء تلك التي انحسرت عني، أولا صاحب العقيدة لا يفكر بهذه الصورة الرخيصة، ثانيا انا لم اكتسب وضعيتي من كوني «محاميا» لكني أحد أبناء الحركة الاسلامية منذ نعومة أظفاري، والأهم من ذلك ان فكرتك هذه من الفكاهات التي يحلو للبعض ان يتندر بها، فأنا اذا لم اكتسب قيمتي من كوني مفكرا له مصداقية، لن استطيع أن استمر ولن يحترم أحد رأيي ولن يحرص أحد على سماع وجهة نظري، أنا احترم خصوصية الجماعة الاسلامية كما احترم خصوصية جماعة الجهاد ولا شأن لي مطلقا بالأمور التنظيمية ولا أحب أن أدس أنفي في ما لا يعنيني وعلاقاتي طيبة بالجميع وأتمنى لهم دائما التوفيق، وأنا أسعد الناس بما يتم تحقيقه من مكتسبات تفيد الحركة الاسلامية وتحقق لها انطلاقتها.

* لكن لوحظ ايضا تراجع علاقاتك ببعض زملائك المحامين في الوقت الذي حجب الاخوان ثقتهم عنك في الانتخابات الماضية لنقابة المحامين؟

ـ أنا لا أعفي نفسي من المسؤولية أو جزء منها على الاقل، لكن بالقدر ذاته لا أبرئهم من الجزء الآخر، والمشكلة انه لم يوجد من يسعى لرأب الصدع أو تقريب وجهات النظر وهذه إحدى العلامات المرضية في العلاقة بين الاسلاميين، لكن بشكل مباشر أعتقد ان بعض الاعلاميين لعبوا دورا مهما ورئيسيا في افساد ذات البين، ورغم ذلك فقد حصلت على اصوات كثيرة في انتخابات نقابة المحامين تعكس وجودي النقابي.

* لكن ماذا عن ملاحظاتك حول المقابلة الشهيرة الأخيرة التي أجراها مكرم محمد احمد مع القيادات التاريخية للجماعة الاسلامية؟

ـ هذه أمور تخص الجماعة الاسلامية ولا أحب أن أخوض في ما لا يعنيني أو أدس أنفي فيه.

* برز أخيرا الحديث عن محامي التعويضات داخل الجماعات الاسلامية، ما السبب في ذلك وما تبريرك لها؟

ـ أنا استغرب تماما هذه الحملة واعتقد انه فراغ دفع البعض الى اثارتها، لان الزملاء الذين يمارسون ويباشرون قضايا التعويضات للاسلاميين إنما يمارسون عملا مشروعا من صميم مهنتهم وحقهم في تقاضي الأتعاب المناسبة لانهم يتولون كل المصروفات طوال فترة التقاضي وهي طويلة، والحكاية أرزاق لا يصح ولا يليق ان يعترض عليها، كما ان هناك اخطاء في القرار الاداري بالاعتقال والقانون ألزم الجهة الادارية دفع التعويض المناسب نتيجة الاضرار التي ترتبت عن هذا القرار الخاطئ.

* لكنك ارسلت تطلب الفتوى من الشيخ عبد الآخر حماد في المانيا حول مشروعية قضايا التعويض؟

ـ أحب أن أوضح أنني لم استفْت الأخ عبد الآخر حول شرعية قضايا التعويض لأني أعلم شرعيتها بشكل كاف، لكن الذي طلبت حوله الفتوى هو ما ثار من جدل واعتمل في صدور البعض، وأنا منهم، حول شرعية أداء الشهادة في قضايا التعويض، فالذي يحدث ان بعض المعتقلين بعد الافراج عنهم يشهدون لبعضهم البعض أمام المحاكم عن مشاهدتهم التعذيب وفي الحقيقة هذا غير صحيح، على الاقل لكثيرين، وإنما ترد شهادتهم من باب العلم العام باعتبار ان كل من اعتقل قد تعرض للتعذيب فقلنا هل هذه الشهادة شرعية أم انها شهادة زور، فأرسل الشيخ عبد الآخر بمنتهى الشجاعة ان هذه الشهادة غير جائزة وهي شهادة زور، ولم أكتف بذلك إنما حملت هذه الفتوى للدكتور محمود مزروعة عميد كلية أصول الدين السابق الذي سبق ان أفتى بحل دم فرج فودة، فأكد صحتها وزاد عليها بأنه آثم من شهد وآثم من استشهد وآثم من قبل هذا المال.