الرئيس الكولومبي لـ«الشرق الأوسط»: لا يمكن القضاء على الفقر بدون القضاء على الإرهاب والتعريف البريطاني للإرهاب نموذجي وعلى الأمم المتحدة أن تتبناه

TT

وصفها اشهر مواطنيها الروائي جابريل جارسيا ماركيز بانها «جزء من الجنة على الارض».

وبالرغم من ذلك، اذا نظرت اليها عن قرب، فإن كولومبيا الواقعة في اميركا الوسطى والمطلة على البحر الكاريبي والمحيط الهادي تبدو مثل الجحيم. فهنا يقتل المسلحون مائة شخص يوميا، ويختطفون الف شخص آخرين. ونصف سكان البلاد (30 مليون نسمة) لديهم خبرة مباشرة بالعنف الارهابي، او راح فرد من افراد اسرهم على الاقل ضحية للارهاب.

ويرجع الارهاب في كولومبيا الى الستينات عندما كان التوجه في اميركا اللاتينية الى اطلاق اللحى على طريقة فيدل كاسترو، وقراءة بعض الصفحات من كتب لينين وسرقة بندقية من الشرطة المحلية والتوجه للغابة للقتال من اجل ثورة البروليتاريا.

وخلال العقود الثلاثة الماضية اختفت كل الجماعات الارهابية في اميركا اللاتينية تقريبا، العديد منها عن طريق الاندماج في النخبة الحاكمة.. لكن بقيت كولومبيا هي الاستثناء. وهنا حولت الجماعات الارهابية نفسها الى تكتلات للاتجار بالمخدرات، واقامت امبراطوريات صغيرة قائمة على الجريمة. واليوم تنتج كولومبيا 80 % من كل الكوكايين المستخدم في الدول الغنية في اميركا الشمالية واوروبا.

وقبل اربع سنوات تمكن الرئيس اندريس باسترانا من التوصل الى اتفاق مع الجماعات الارهابية، وعرض عليهم السيطرة على منطقة في حجم سويسرا مقابل وقف اطلاق النار. وانتهك الارهابيون الاتفاق فور توقيعهم عليه.

وفي اوائل الشهر الحالي انتخب الكولومبيون الفارو يوريبي وهو محام في التاسعة والاربعين من عمره تلقى تعليمه في جامعة اكسفورد، وكان يشغل منصب حاكم مدينة ميديين ثاني اكبر مدينة في البلاد. وقد فاز يوريبي بأغلبية ساحقة، بعدما تعهد بتبني سياسة متشددة ضد الارهاب. ويشير فوزه الى رفض الرأي العام لمحاولات باسترانا ذات النوايا الحسنة في التوصل الى سلام مع المنظمات الارهابية. وزار يوريبي مدريد وباريس ولندن هذا الاسبوع سعيا وراء دعم اوروبي لحملته ضد الارهاب. وفي حفل غداء خاص في باريس كان لـ«الشرق الأوسط» هذا الحوار معه:

* قدم لك شعبك تفويضا واضحا لمواجهة الارهاب.. ما هي العناصر الرئيسية في السياسة التي اقترحتها؟

ـ هدفي الاساسي والعاجل هو استعادة هيبة الدولة وسلطتها، لقد حاول المقاتلون تحويل الدولة الكولومبية الى شريك في صراع. واعتقدوا ان الدولة، التي يشلها الافتقار الى السلطة، لن تكون قادرة على تطبيق واجبها الاول والاساسي وهو ضمان امن مواطنيها. وأنوي اصلاح ذلك بطريقتين:

الاولى: ايجاد وسائل قانونية جديدة تسمح للشرطة بالتدخل بسرعة في القضايا العاجلة. وفي الوقت الراهن، لا يمكن للشرطة، اذا علمت ان ضحية لعملية خطف موجود في منزل معين في مكان محدد، شن غارة على هذا المنزل بدون تصريح مكتوب من قاض. وهو الامر الذي يمكن ان يستغرق شهرا.

الثانية: تعتقد قوات حرب العصابات ان كولومبيا تفتقر الى جيش فاعل، وهدفي ان اوضح لهم ان جيشنا فاعل، وعلى مستوى جيد من التدريب ومجهز تجهيزا مناسبا.

* هل يعني ذلك انك ستبدأ حملة ضد الارهاب؟

ـ لا أحب الخوض في التفاصيل في هذه المرحلة المبكرة.. ما يمكنني قوله هو انني سأعرض اجراء حوار من مركز قوة، سيعلم رجال حرب العصابات قريبا انهم يتعاملون مع حكومة يمكنها ان تكون رحيمة وقوية في ذات الوقت.

* تصر على استخدام عبارة «رجال حرب العصابات»، لماذا لا تطلق عليهم كلمة الارهابيين؟ ففي النهاية ان الجماعة المسماة بالقوات الثورية المسلحة لكولومبيا هي منظمة ارهابية...

ـ اعرف التعريفات المستخدمة في الولايات المتحدة وبريطانيا.. ولكني لا أود ان ادخل في جدل حول التعريفات.. مشاعري الخاصة تجاه القوات الثورية والجماعات الصغيرة ليست لها علاقة بالموضوع. الجميع يعلم ان القوات الثورية اغتالت ابي. وقد كنت هدفا لخمس عشرة محاولة اغتيال، آخرها في شهر ابريل (نيسان) الماضي. وبالرغم من ذلك انا اعرض الحوار والسلام القائم على احترام القانون وسلطة الدولة.

* كيف تعرف الارهاب؟

ـ اعرف بوجود جدل كبير حول هذا الموضوع، ولكني اعتقد ان افضل تعريف هو الموجود في قانون مكافحة الارهاب المطبق في بريطانيا. لا يحضرني نص التعريف بالضبط ولكنه يحدد الارهاب بكونه: استخدام العنف ضد المدنيين سعيا وراء اهداف سياسية او آيديولوجية او دينية. كما انه يوضح ان هؤلاء الذين يساعدون الارهاب بتقديم الاموال او الدعم السياسي ارهابيون. وانا على ثقة من اي تعريف تتبناه الامم المتحدة لا بد ان يتبنى التعريف البريطاني.

* لقد اصبح الارهاب ظاهرة دولية.. ما هي الطريقة المثلى للتعامل معه؟

ـ عندما كنت طالبا اعتقدت انه سيمكن القضاء على الارهاب بالقضاء على الفقر. اما الان فلا يمكن القضاء على الفقر بدون القضاء على الارهاب. ان الحق الاول والاهم للمواطن هو سلامته وأمنه. كل شيء آخر يأتي عقب ذلك. لا توجد قضية او دين ولا آيديولوجية يمكنها ان تشرح، او تبرر، الاستخدام المتعمد للعنف ضد المدنيين الابرياء. وعلى اي حال فإن رجال حرب العصابات في بلادنا ليسوا فقراء. بل هم لا يتلقون دعما ماليا خارجيا كما كان العديد من جماعات حرب العصابات في العالم تفعل. وهم يهتمون بالفقراء.. وفي السيطرة على مزيد من الاراضي، حيث يمكنهم انتاج المخدرات.

* يدعي نقادك انك تنوي تنظيم وحدات للدفاع الذاتي يمكنها ان تبدو مثل «فرق الموت».

ـ نقادي يقولون اشياء كثيرة.. ولكني احب ان اقيم طبقا لاعمالي، يوجد في كولومبيا اليوم مليون حارس شخصي. وهناك العديد من جماعات الدفاع الذاتي، كلها قانونية. ما اقترح القيام به هو وضعهم كلهم تحت سيطرة الدولة. بالنسبة لي الجماعات شبه العسكرية التي تعمل خارج سلطة الدولة ليست هي الحل، لان ضمان سلامة المواطنين هي مهمة الدولة، وليس شركات الامن الخاصة.

* وقع سلفك الرئيس باسترانا اتفاقا مع واشنطن. هل يشتمل هذا الاتفاق على مشاركة القوات الاميركية في الحرب ضد الارهابيين؟

ـ لسنا في حاجة الى القوات الاميركية.. ما نحتاجه هو الدعم التقني والمالي الاميركي. يجب ان تساعدنا الولايات المتحدة على حماية المجال الجوي. ان رجال حرب العصابات وشركاءهم من تجار المخدرات يستخدمون 40 طائرة يومية لنقل المخدرات. ليس لدينا وسائل لمراقبة كل هذه الرحلات، فما بالك بوقفها.. ان كولومبيا تغطيها الغابات، ولذا نحتاج الى طائرات هليكوبتر للوصول الى المناطق النائية. لقد اعترضت على الجوانب الاجتماعية لخطة كولومبيا، التي تدعو الى دعم المزارعين الذين يوافقون على منع زراعة نبات الكوكا، وزراعة محاصيل قانونية. والخطة تستمر لمدة عامين، وتقدم لكل عائلة الفي دولار، وأود مد هذه الخطة، اذ ان للولايات المتحدة وغيرها من الدول الكبرى التي تباع فيها المخدرات مصلحة في مساعدتنا على حل المشكلة من جذورها.

* هل تعتقد ان هجمات 11 سبتمبر (ايلول) الماضي على الولايات المتحدة قد غيرت الرأي العام العالمي تجاه الارهاب؟

ـ نعم.. ان الناس الان اصبحوا اكثر تقبلا لافكارنا، كما ان العديد في الغرب يفهمون الان انه لا يمكن لأي شخص ان يبقى آمنا. وان المأساة التي تعرضنا لها لا ترجع الى خطيئة اساسية من جانبنا.

* في السنوات الثلاث الماضية انتشرت تقارير عن علاقات بين «الارهابيين الكولوميين» وجماعات مثل الجيش الجمهوري الايرلندي ومنظمة (ايتا) في اقليم الباسك الاسباني.. بل وايران.

ـ نتابع كل هذه التقارير.. فالقنبلة التي كان من المفروض ان تقتلني في شهر ابريل الماضي صنعتها جماعة «ايتا» في اسبانيا. كما تنتظر مجموعة مشتبه في انتمائها الى الجيش الجمهوري الايرلندي محاكمتهم في كولومبيا. وبالنسبة للعلاقات مع الدول الاخرى، فكل ما يمكنني القيام به هو التأكد من اننا اكثر يقظة.

* ماذا عن فنزويلا؟ الرئيس هوجو شافيز متهم بمساعدة القوات الثورية المسلحة لكولومبيا...

ـ سأكشف عن وجهة نظري للرئيس شافيز شخصيا. سأقول له ان لدينا 2200 كيلومتر من الحدود المشتركة، وانه اذا اراد مساعدة شعب كولومبيا فمن الافضل القيام بذلك عبر حكومتنا. لا يجب ان نسمح لتكتلات المخدرات وجماعات حرب العصابات بتحويل فنزويلا الى فرع جديد لنشاطاتهم الاجرامية.. وهو امر سيئ لكل من فنزويلا ولنا.