أحمد عصمان الوزير المغربي الأول الأسبق: لا بد من مراجعة إتفاقية الحدود بين المغرب والجزائر طال الزمن أم قصر لأن البرلمان لم يصادق عليها

قال لـ«الشرق الأوسط» إن ملف الصحراء انتهى بتوقيع اتفاقية مدريد وأياديه بيضاء على الاتحاد الاشتراكي

TT

نادرا ما يتحدث أحمد عصمان، الوزير الاول المغربي الاسبق، ورئيس البرلمان الاسبق، ورئيس حزب التجمع الوطني للاحرار (وسط، مشارك في الحكومة الحالية)، الى الصحافة، رغم ان جعبته مليئة بالمعلومات والشواهد المتعلقة بتاريخ المغرب المعاصر. وهو هنا في حديثه مع «الشرق الأوسط» يعطي صورة حول الوضع السياسي الراهن في المغرب، على بعد اشهر قليلة من تنظيم اول انتخابات تشريعية في عهد الملك محمد السادس، كما يحاول ان يعطي ايضاحات عن أحداث عرفها المغرب خلال الحقب الثلاث الماضية، ما زالت تلقي بظلالها وتداعياتها على الحياة السياسة الراهنة. ويشرح عصمان ايضا خلفية عدم مصادقة البرلمان المغربي حتى الآن على اتفاقية الحدود الموقعة بين المغرب والجزائر في السبعينات، وقضايا أخرى. وفي مايلي نص الحديث.

* ألا تتخوفون من اعادة انتاج خارطة سياسية مشتتة نتيجة نمط الاقتراع الذي اعتمد لتنظيم الانتخابات التشريعية المقبلة؟

ـ اود ان أتساءل في البداية، هل من الملائم أن نربط ظاهرة «بلقنة» الحياة السياسية والتشتت الحزبي بطريقة الاقتراع. ثانيا، هنالك من يثير مسألة طريقة الاقتراع الأحادي الاسمي التي كان معمولا بها في المغرب باعتبارها مظهرا متعارضا مع الديمقراطية، بينما هو في الحقيقة نمط معمول به في الديمقراطيات العريقة. وشخصياأعتبر انه اعتقاد لايقوم على أساس صحيح، لأن مظاهر التزوير والارتشاء يمكن أن تحدث في جميع الحالات، سواء كان الاقتراع باللائحة أو بطريقة الأحادي الاسمي. اننا مقبلون الآن على مرحلة جديدة سيعتمد فيها نمط جديد للاقتراع، وما زالت التساؤلات قائمة حول جدوى هذاالنمط ومدى ملاءمته للمرحلة التي تشهدها بلادنا. وقد عادت التساؤلات من جديد حول هذه المسألة اثر صدور قرار المجلس الدستوري الذي يجيز ترشيح المستقلين، وهو أمر يثير مشاكل.

* ما هي طبيعة هذه المشاكل؟

ـ انها مشاكل ستنعكس على الأحزاب وعلى البلاد بصفة عامة. وقد شرعت الحكومة في دراسة موضوع ترشيح المستقلين، الذي يتعين أن نقيده بشروط، مثلا تقديم البرنامج الانتخابي، وعدد من التوقيعات المساندة للمترشح من قبل منتخبين أو مستشارين على الصعيد الوطني أوالمحلي.

* ألا يبدو تحفظك ازاء ترشيح المستقلين متناقضا مع وضعية حزبكم، الذي تأسس نتيجة تجمع مستقلين؟

ـ لست متحفظا، وانما قرار المجلس الدستوري الذي فرض تعديل القانون المقصي للمستقلين من الترشح، فسح المجال لهم . ونحن لا يمكننا رفض مبدأ ترشيح المستقلين، فنحن أصلا انبثقنا كحزب من فئات من المستقلين، كما ان الديمقراطيات في العالم لا تمنعهم من حق الترشح. وينص الدستور المغربي على حرية المواطنين في الانتماء أو عدم الانتماء السياسي. لكننا نريد التأكيد على ضرورة وضع شروط لترشيح المستقلين، والا أفرزت الانتخابات نتائج غير منتظمة.

* ألا ترون أن كثرة الأحزاب التي بلغ عدده اأكثر من 35 حزبا ستفرز خارطة سياسية مشتتة بعد الانتخابات ؟

ـ نحن نحبذ أن تنتظم الأحزاب في تحالفات قبل الانتخابات لتفادي المشاكل التي تترتب عن التشتت الحزبي، الذي ظهرت بوادره الآن في البرلمان وخارجه. وبطبيعة الحال، فان المرحلة اللاحقة للانتخابات ستفرز أيضا تحالفات أو ائتلافات بهدف تشكيل حكومة أو تقوية معارضة. وخلال الانتخابات يمكن أن يتم التوصل الى حد أدنى من التنسيق بين بعض الأحزاب، هذه كلهاخيارات ممكنة.

* وما هي الأحزاب التي تجرون معها اتصالات بهدف التنسيق للانتخابات؟

ـ تربطنا علاقات طيبة مع مختلف الأحزاب وفي مقدمتها أحزاب الغالبية، وبدأنا في الآونة الأخيرة اجراء اتصالات مع حزبي الاتحاد الاشتراكي والاستقلال ومع أحزاب أخرى بما فيها أحزاب غير مشاركة في الحكومة. ولكن لم نحسم بعد الأمور فيما يتعلق بالتعامل في الانتخابات. ويبدو أن الأحزاب غير مؤهلة لحسم قضايا التنسيق والتحالفات في الانتخابات، لأنها لا تزال منشغلة بترتيبات ومداولات حول اجراءات تنظيم الانتخابات. ولذلك يتعين انتظار قليل من الوقت كي تتضح الصورة.

* أعلنتم مرارا أن لديكم أيادي بيضاء على حزب الاتحاد الاشتراكي، فهل لكم أن تكشفوالناطبيعة هذه الايادي؟

ـ يتعلق الأمر بمكاسب ومواقف تاريخية ومشرفة اتخذها حزبنا، وضمنها الموقف الذي حصل عندما دعيت من طرف الديوان الملكي لحضور جلسة، عقدت عند الوزير الأول السابق المرحوم المعطي بوعبيد، وحينما حضرنا وكانت الدعوة قد وجهت لي من طرف جلالة الملك الراحل الحسن الثاني، الذي كان ربما ينتظر مني كشخص وكرئيس حزب اتخاذ موقف لتصحيح بعض الأوضاع، وضمنها قرار كان قد سبق أن اتخذه ويتعلق الأمر بحل حزب الاتحاد الاشتراكي اثر صدور موقف المرحوم عبد الرحيم بوعبيد، الأمين العام السابق لحزب الاتحاد الاشتراكي، الرافض لفكرة الاستفتاء في الصحراء، لكن الملك الراحل غير فيما بعد موقفه وتراجع عن مسألة حل الحزب. وكان ضمن الحضور في الاجتماع الذي دعينا اليه، المرحومان الجنرال أحمد الدليمي، مديرالضباط المرافقين للملك الحسن الثاني، والمستشار ادريس السلاوي، ولم يتخذا موقفا في الموضوع، ومن جانبي، اتخذت موقفا رافضا لمسألة حل حزب الاتحاد الاشتراكي، وقلت انه غير مقبول، وأن القضاء هو الجهة التي يعود لهاالحسم في أي مشكلة تتعلق بمحاسبة مسيري حزب في بلد يؤمن بالتعددية الحزبية.

* ما مدى صحة وجود برودة في علاقات حزبكم مع حزب الاستقلال نتيجة سعي كل منهما تزعم التيار الليبرالي اليميني في البلاد ؟

ـ لقد نشأ حزبناعلى فكرة الديمقراطية الاجتماعية ونادينا بها مبكرا قبل أن تصبح مذهبا تتبناه معظم الأحزاب في العالم، وقد تبدلت الأوضاع بعدما حصل اثر انهيار المعسكر الاشتراكي، ولم تعد الايديولوجيات توجه الأحزاب، بل ان ما يهيمن الآن هو قضايا النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية. وبالمقابل فهناك تشابه في برامج الأحزاب وتصوراتها، ولم يعد هناك مجال للتمييز بين مفاهيم اليسار واليمين، ففي فرنسا مثلا لانجد فوارق جوهرية بين برامج الحزب الاشتراكي والتجمع من أجل الجمهورية. وبالنسبة لعلاقاتنا مع حزب الاسقلال فنحن لا نشاطر الرأي القائل بوجود برود، بل هنالك علاقات طيبة بيننا.

* كيف تفسرون قيام حزبكم الشريك الأساسي في حكومة عبد الرحمن اليوسفي، بتوجيه انتقادات لأداء الحكومة، ألا تحرك هذا الخطاب دوافع انتخابية؟

* لقد وجهنا منذ البداية انتقادات نعتبرها بمثابة نقد ذاتي لعمل الحكومة التي نعتبر طرفافيها. ولكننا طرف له حصة ضئيلة من الحقائب الوزارية (4 وزراء) .ولم يكن وراء موقفنا أية حسابات أو مزايدات أو دوافع انتخابية. لقد كانت البلاد تجتاز مرحلة انتقالية، وأراد الملك الراحل الحسن الثاني تشكيل حكومة التناوب، وتمكين المعارضة السابقة من أداء تجربتها.ولبينارغبة الملك دون حسابات، رغم أن حزبنا حصل على اكبر عدد من المقاعد في البرلمان، ورغم ذلك لم نطالب برئاسة الحكومة، ولاحتى العدد الكافي من الوزراء. وقد اعتبرنا ذلك مرحلة انتقالية تهيء لمرحلة جديدة .

* والآن، هل أنتم راضون عن حصيلة الحكومة؟

ـ لا نقول في المجمل انها حصيلة سلبية، بل نقول انها ايجابية ولا يستهان بها، وهذا لم يمنعنا من توجيه ملاحظات حول التجربة مثل التباطؤ في العمل الحكومي أو عدم تحمل الوزير الأول والحكومة لجميع الاختصاصات الواسعة المنصوص عليهافي الفصل 60 من الدستور .

* أنتم اذا تعارضون فكرة تعديل الدستور باتجاه تخويل الوزير الأول والبرلمان اختصاصات أوسع؟

ـ ان الدستور المغربي في مستوى عال، ولا أقول ذلك لأنني كنت من المساهمين في تهييئه، سواء دستور 1972، حينما كنت ضمن لجنة سداسية هيأت نص الدستور، وضمت اللجنة زعماء أحزاب سياسية وهم علال الفاسي (الاستقلال)، وعبد الله ابراهيم (الاتحاد الوطني للقوات الشعبية) وعبد الرحيم بوعبيد ( الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية). كما شاركت في تهيئة دستور 1992، الذي انبثق عنه الدستور الحالي (1996)، وقد تمت التهيئة لدستور 1992 من طرف لجنة ثلاثية كنت عضوا بها (ايام كان رئيس البرلمان) مع المرحومين أحمد رضا كديرة وادريس السلاوي، مستشاري الملك الراحل الحسن الثاني، وكان التشاور حول الدستور يتم من طرف اللجنة والأحزاب السياسية الذين أدلوا بآرائهم عبر مذكرات ومقترحات أخذت بعين الاعتبار. وأعتقد أن الدستور الحالي في مستوى عال، والمهم في الدستور والقوانين هو تطبيقها بشكل سليم.

وشخصيا لا أوافق على الرأي القائل بتعديل الدستور الحالي، لأنني أعتبره دستورا جيدا ومثاليا حتى بمقارنته مع دساتير دول وديمقراطيات عريقة. ولكن الدستور الحالي، وكما حصل للدساتير السابقة في بلادنا، لم يطبق دائما بكيفية سليمة .

* شهدتم تجارب انتخابية متعددة في المغرب، فهل لديك مايجعلك تنتظر من الانتخابات المقبلة أن تكون نزيهة ومختلفة نوعياعن سابقاتها؟

ـ نحن متفائلون، فيما يخص الانتخابات المقبلة، ولكنني اشير الى آراء عدد من المتخصصين في العلوم السياسية، الذين يقولون بأنه لا يمكن اجراء انتخابات نزيهة وشفافة 100 في المائة، مادام مستوى العيش في المجتمع لم يرتق الى حد معين.

* هل تشيرون بذلك الى ظاهرة استعمال المال لشراء ذمم الناخبين؟

ـ هذه مسألة يشار اليها حتى في دول متقدمة جدا، ولكننا نعتقد أننا في عهد جديد يمكن أن تجري في ظله انتخابات في مستوى جديد.

* لم تكن تخف في السابق انتقاداتك لوزارة الداخلية ولوزير الداخلية الأسبق، ادريس البصري، فهل تغيرت الأمور في الوقت الراهن مع وزارة الداخلية ؟

ـ أعتقد أن تغييرا جذريا قد حدث، وأتمنى أن تكون الانتخابات نزيهة وأن تلتزم السلطات المحلية والعمومية الحياد، وهو أمر أعتقد أنه سيتم الالتزام به. وفي الماضي كانت الأمور غير ذلك، وكانت لدينا مشاكل عديدة. ورغم التدخلات والمضايقات التي حدثت في الانتخابات السابقة فقد حقق حزبنا نتائج لا بأس بها، وتمكنامن استرجاع مواقع مهمة عبر الانتخابات الجزئية .

* وما هو تفسيركم لاخفاق التجربة الصحافية لحزبكم، وماالذي يجعلكم تقفلون صحيفة «الميثاق» وتصدرون «التجمع»؟

ـ المشكلة بالنسبة لحزبنا وعلى غرار أحزاب أخرى، تكمن في غياب المداخيل، وضعف مساعدات الدولة، وغياب وسائل العمل. لأنه في الدول الديمقراطية تتولى الدولة تمويل الأحزاب السياسية، وبالنسبة لنا في المغرب لا وجود لهذه التمويلات، باستثناء المبالغ التي تخصص للحملات الانتخابية ففي الظروف العادية لا تخصص الدولة سوى مبالغ محدودة وغير كافية لمتطلبات وسائل عمل الأحزاب، فمثلا حزبناالذي يعد أول حزب ولا سيما أنه يتوفر على أكبر عدد من المقاعد في البرلمان ( 105 برلمانيين في الغرفتين)، خصص له مبلغ هزيل لا يتجاوز مليون وأربع مائة ألف درهم سنويا. وقد اقترحنا مرارا على الوزير الأول أن تخصص الحكومة من ميزانيتها التي تتألف من آلاف المليارات، مبلغ عشرة مليارات سنويا للأحزاب، لكن لم تقع الاستجابة.

* رغم الاشارات القوية التي وجهها الملك محمد السادس منذ توليه العرش سنة 1999، باتجاه التغيير والاصلاح، فالملاحظ أن الأمور لا تتقدم بالكيفية التي كانت مرتقبة، فالى ماذا يعزى هذاالوضع، وما هي نوعية التحديات والمشاكل التي تواجه المغرب؟

ـ ان المغرب يعيش وسط عالم يسوده الغليان والمشاكل، ونسبيا، ومقارنة مع دول أخرى، فان بلادناتحظى بنوع من الاستقرار والطمأنينة، ونحن في بلد يتميز بنظام ملكي وبتلاحم بين الملك والشعب، وهذا عنصر مهم جدا. وأعتقد أننا لم نستثمره بعد بكيفية ملموسة، ولا سيما في عالم يتسم بالغليان والاضطرابات.

* وكيف سيتم استثمار هذه الميزة، ما دامت النخب والأحزاب غير مندمجة في مسلسل الاصلاح والتغيير داخلها، وما زالت مؤتمرات الأحزاب تفرز نفس الوجوه ونفس الخطاب؟

ـ لا أريد الحكم على أحزاب أخرى، ومن جانبنا فقد قدم حزبناخلال مؤتمره الأخير نموذجا للديمقراطية الحزبية، وأفرز المكتب التنفيذي عبر الانتخاب المباشر والشفاف من قبل المؤتمرين، وجرت الأمور بكيفية شفافة ولاغبار عليها، ويمكننا أن نفخر بأننا كنا أول حزب يتوخى هذاالنمط الديمقراطي في افراز قيادته، وهو نمط صعب.

* ألا تعتبر نفسك كزعيم سياسي وحزبي، محط اختبار وانتقاد وانتخاب؟

ـ أنا مستعد دائما لتقبل الانتقادات والملاحظات، ودارت خلال المؤتمر مناقشات شفافة، و حظيت بتجديد انتخابي باجماع المؤتمرين، كما أنتخب المكتب التنفيذي بكل شفافية. ولدينامشروع انشاء هيئة جديدة في الحزب ويتعلق الأمر بهيئة حكماء ستعين في وقت لاحق، وستضم شخصيات بارزة ومؤسسي الحزب. ويتوخى حزبنا مبدأ اتخاذ القرارات على مستوى القاعدة، وهي الطريقة التي سنتبعها في اختيار المرشحين للانتخابات، وسيجري افراز رؤساء لوائح مرشحي الحزب، عبر لجان مركزية محلية.

* ألا تبدو لكم حملة حكومة اليوسفي ضد الفساد في المؤسسات العامة، حملة موجهة في جانب منها لكم، باعتبار دوركم في المسؤولية في السابق، أو للتخلص منكم مستقبلا؟

ـ أولا، نحن لسنا مستهدفين في هذه الحملة. ثانيا، ان مسؤوليتنا محددة في مراحل معينة وتحديدا عندما توليت شخصيا رئاسة الحكومة ما بين 1972 و1979، وتوليت رئاسة الحكومة اثر انتخابات سنة 1977، وكنا متحالفين مع حزب الاستقلال والحركة الشعبية. وفي سنة 1981 قمنا بدور المعارضة بشكل واضح ورسمي، وقد التأم اجتماع تاريخي برئاسة الملك الراحل الحسن الثاني في فاس، وشاركنا في الاجتماع وكان لدينا 87 نائبا في البرلمان، وكان انعقاد الاجتماع اثر موقف شجاع اتخذناه بعدم المشاركة في الحكومة التي كان يرأسها المرحوم المعطي بوعبيد، وجهنا في هذا الصدد، رسالة واضحة للوزير الأول حول أسباب موقفنا. فكان استقبال الملك، ووجه لنا خطابا وبادلته بخطاب، وبدا وكأن الأمر فيه تنسيق رغم أنه لم يحدث أي تنسيق في الأمر. وتحدث ابانها الملك الراحل عن التداول والتناوب. وقال لنا «أنتم معارضة صاحب الجلالة». وقد قام حزبنا بدور المعارضة . ومنذ تأسيس حزبنا سنة 1978، ولم يمض عام واحد على ذلك حتى طلبت من الملك اعفائي من رئاسة الحكومة، كي أتفرغ لتنظيم هياكل الحزب، لأنه لم يكن مستساغا أن أتولى منصب وزير أول وأقود حزبا جديدا في نفس الوقت. وبقي حزبناخارج الحكومة، وتولى دور المعارضة ابتداء من سنة .1981

* وما هي ظروف نزوعكم نحو معارضة الحكم في نهاية التسعينات؟

ـ صراحة كانت هناك ظروف غير ملائمة بالنسبة لنا.

* هل يمكنكم أن تشرحوا لنا ملابسات تلك الظروف ؟

ـ واجهنا مشاكل في تعامل الادارة التي كانت تتخذ مواقف ضد الحزب، وشخصيا لا أفهم لماذا كان حزبنا مستهدفا.

* وماذاعن مسؤولية حزبكم في موضوع سوء التسيير بالمؤسسات العامة؟

ـ لقد كان حزبنا بعيدا عن مواقع المسؤولية في المؤسسات التي شهدت مظاهر فساد، بل كنا نحارب كافة مظاهر الفساد في تسيير شؤون الدولة، بما فيها تسيير القضايا الكبرى واتخذنا مواقف جريئة وتاريخية، ويمكنني الاشارة في هذا الصدد الى رسالتين وجهتهما سنة 1981 كرئيس حزب وكشخصية وطنية، تتعلق الأولى بتسيير الأمور في الصحراء المغربية، وانتقدت الكيفية التي كانت تسير بها وزارة الداخلية الأمور في الصحراء، ورسالة أخرى وجهناها في نفس السنة للملك الراحل وبإذن منه، وتتعلق بالحالة العامة في البلاد وضمنها مشاكل الفساد والمحسوبية في الادارة، والاصلاحات التي يتعين اعتمادها.

* ألا تتخوفون من أن تؤدي الحملة على مكافحة الفساد ومايعلن عنه من فضائح مالية، الى الاساءة لسمعة البلاد في نظر المستثمرين الأجانب؟

ـ لكنها حملة على ممارسات ومظاهر وقعت في الماضي، ونحن الآن بصدد طي هذا الملف ودخول مرحلة جديدة في ظل القيادة الرشيدة للملك محمد السادس، الذي اتخذ عدة قرارات تتعلق بحقوق الانسان، وتطهير الادارة، واعتماد مفهوم جديد للسلطة، وأسلوب جديد في تسيير الشؤون العامة، وتتابع بلادنا هذه الخطوات والمبادرت التي ستعطي ثمارها في أفق متوسط.

* وهل تشاطرون المخاوف من اكتساح الاسلاميين للانتخابات المقبلة؟

ـ ليس لدينا تخوفات في هذاالصدد . وعلى اي حال فهناك حزب العدالة التنمية، الذي يمكن أن يحصل على بعض النتائج الايجابية، ولسناضد ذلك، مادام الأمر يتعلق بتيار داخل حزب سياسي مقنن ويخضع لجميع الاجراءات التي تخضع لهاالأحزاب السياسية، ولايوجد مايجعلنا نتخوف من اكتساح، ولانعتقد ذلك.

* وماهو رأيك فيماآلت اليه العلاقات مع الجزائر، وهل تؤيد بعض الدعوات في المغرب التي ترتفع في كل مرة يحصل فيهاتوتر بسبب ملف الصحراء، باعادة النظر في اتفاقية الحدود الموقعة بين البلدين؟

ـ في الواقع اننا نواجه سياسة جزائرية، تعادي المغرب بكيفية مبدئية، وكيفما كانت الظروف. وعندما نتحدث عن الحدود وموضوع الصحراء، فما هو الدور الذي تريد أن تلعبه الجزائر، انهاتريد أن تأخذ جزءا من الصحراء، وهذا أمر غير خاضع لمنطق. ان مشكلتنا مع الجزائر حول الحدود قائمة بسبب عدة حوادث واجراءات أخذت خلالها الجزائر أراضي شاسعة من التراب المغربي، ولا سيما منطقة تندوف وهي منطقة مغربية، وحتى حدود الخمسينات كان قائدها (حاكمها) يأتي دوما الى الرباط مع زعماء قبائل الصحراء لتقديم البيعة والمشاركة في حفل الولاء. وقد كنت شاهدا على ذلك ايام كنت رفيقاللملك الراحل الحسن الثاني، عندماكان ولياللعهد. لقد تم تحويل تندوف بجرة قلم من طرف المستعمر الفرنسي من خريطة المغرب وضمها لمستعمراته بالجزائر. وهذه حقيقة يعرفها الجزائريون، ورغم ذلك فان الملك الراحل لم يحاسبهم على تندوف، ولكن هنالك مشاكل في الحدود بين البلدين ستطرح طال الزمن أو قصر . لأنه بعد توقيع اتفاقية الحدود، جمعنا الملك الراحل الحسن الثاني كزعماء أحزاب سياسية مرتين كي نوافق على الاتفاقية وكانت المرة الأولى في افران والثانية في مراكش، وخلال اللقاء الأول في افران كانت الأحزاب السياسية كلهاضد اتفاقية الحدود، ولاحظنا أمراغريباحدث بعد فترة وجيزة عندما جمع الملك الراحل الحسن الثاني زعماء الأحزاب السياسية في اجتماع في مراكش قبل القائه خطاب العرش، الذي تحدث فيه عن قضية الحدود، ولوحظ فجأة أن كافة زعماء الأحزاب كانوا موافقين على اتفاقية الحدود، الا عبد ربه، وهو موقف تاريخي اتخذته كشخص وكرئيس حزب، وأعلنت بمفردي خلال الاجتماع رفض الاتفاقية.

* لكن محمد بوستة، الأمين العام السابق لحزب الاستقلال، قال انه كان بدوره معترضاعلى الاتفاقية؟

ـ لقد صرح بوستة أخيرا ان شخصيتين فقط كانتاضد اتفاقية الحدود، هماأحمد عصمان وعبد الرحيم بوعبيد، وهذا غير صحيح فقد كان بوعبيد خلال الاجتماع الأول الذي أشرت اليه مع كافة الزعماء الحزبيين الآخرين رافضا للاتفاقية، لكنهم غيروا كلهم مواقفهم في الاجتماع الثاني، باستثناء عبد ربه أحمد عصمان، وكان ذلك في بداية الثمانينات وكنت أتولى منصب رئيس مجلس النواب.

* هل كان الملك يريد منكم كزعماء أحزاب أن تؤمنوا له مصادقة البرلمان على اتفاقية الحدود؟

ـ لا بد أن تراجع اتفاقية الحدود الموقعة بين المغرب والجزائر، طال الزمن أو قصر، لأن البرلمان لم يوافق عليها، طبقا لمقتضيات الدستور الذي ينص على أن الاتفاقيات مع الدول يوقع عليهاالملك ويصادق عليها، الا في حالة الاتفاقيات التي تترتب عليها تكاليف تلزم مالية الدولة، وفي هذه الحالة تكون الموافقة عليها بقانون. ومن الواضح الانعكاسات الكبيرة لهذه الاتفاقية على مالية الدولة وعلى البلاد ككل، وبماأن البرلمان لم يصادق على اتفاقية الحدود المغربية ـ الجزائرية، فانها اتفاقية غير مصادق عليها دستوريا حتى الآن.

* وما هو سبب غياب الحوار بين النخب وصانعي القرار في البلدين ؟

ـ لسنا مسؤولين كمغاربة عن هذا الوضع، والمسؤول هي الجزائر، ولا أريد هنا الطعن في نظام معين، ولكنني ألاحظ أن النظام الجزائري لم يتغر منذ استقلال البلاد، ونفس الأشخاص ونفس الجهة، وهي الجيش، تتصرف في الأمور، والجيش لا يريد التفاوض ولا يريد أي شيء، وهمه الوحيد هو استمرار الوضع على ما هو عليه قصد الحفاظ على مصالح معينة، وهذه مسألة جزائرية ـ جزائرية، ولكننا نؤدي ثمنها للأسف الشديد. وفي العالم الآن ولا سيما بعد انهيار المعسكر الاشتراكي، هناك ثلاث أو أربع دول فقط ما زال يحكمهاالجيش وضمنها الجزائر. وحتى الرئيس بوتفليقة، ربمايكون مغلوباعلى أمره، وحينما يريد رئيس جزائري تغيير الموقف والتفاهم مع المغرب، مثلما حدث مع الرئيس الراحل محمد بوضياف، الذي كانت تربطني به صداقة قوية، وقد راح ضحية جهوده من أجل التقريب بين البلدين.

* وكيف تنظرون الى مسلسل تسوية ملف الصحراء، في ظل الخيارات المطروحة؟

ـ ان ملف الصحراء ملف انتهى بصفة جوهرية، وشخصيا، لا أفهم لماذا نولي اهتماما لتصريحات الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة حول الصحراء. لقد كانت نهاية ملف الصحراء بتوقيع اتفاقية مدريد، وكأن الجميع يتجاهلها. وقد كان لي شخصيا شرف توقيع اتفاقية مدريد باسم المغرب بتاريخ 14 نوفمبر (تشرين الثاني) 1975، وهي اتفاقية ملزمة للجميع ولا سيما اسبانيا.

* ألا تعتقدون ان مواقف بعض الأطراف الاسبانية اليوم من ملف الصحراء تبدو وكأنها محاولات للثأر التاريخي من المغرب الذي وقع الاتفاقية مع اسبانيا عشية رحيل الجنرال فرانسيسكو فرانكو؟

ـ لقد خاطبت الاسبان في مناسبة سابقة وكنت أتحمل مسؤولية رئيس مجلس النواب، وقلت لهم انه من العار على دولة أن تغير مواقفها بتغيير حكومتها. وللأسف لدينا الآن مشاكل مع جيراننا الاسبان، ويجب أن تعود الأمور الى نصابها وأن تكون العلاقات طيبة، وحتى من جانب المغرب ينبغي أن نتحلى بالمرونة. وبالنسبة للرأي العام الاسباني أعتقد أنه واع بالمواقف التي يجب أن يتخذها ازاء المغرب الذي قدم تضحيات كبيرة.

وهناك مشاكل يتعين أن تحل وضمنها قضية الحملة ضد المهاجرين المغاربة في اسبانيا، وللأسف فان الحكومة الاسبانية اتخذت مواقف متطرفة خلال قمة الاتحاد الأوروبي باشبيلية. ونحن نشيد بالمواقف الأوروبية التي عاكست الموقف الاسباني وخصوصا موقف الرئيس الفرنسي جاك شيراك، الذي رد الأمور الى نصابها.وأعتقد أنناكمغاربة مطالبون بتوخي اللباقة والمرونة، وفي المقابل فان اسبانيا مطالبة باتخاذ مواقف ايجابية ومعقولة بالنسبة للمغرب، مواقف تليق بالجوار والتشارك في العديد الاشياء.