30 مفكرا ومثقفا مغربيا يناقشون في مراكش أسباب إخفاق مشاريع الإصلاح السياسي التي عرفها المغرب منذ القرن الماضي

TT

التأم أخيرا في مدينة مراكش جمع ضم نحو ثلاثين مفكرا ومثقفا مغربيا للاجابة عن سؤال واحد مفاده: لماذا فشلت كل تجارب الاصلاح التي عرفها المغرب منذ القرن التاسع عشر؟ وهو سؤال جديد ـ قديم ظل يتكرر في المغرب منذ هزيمة المغاربة امام الجيش الفرنسي في واقعة إيسلي بالشرق المغربي عام 1844، وهي الهزيمة التي مهدت الطريق لفرنسا لبسط أطماعها على المغرب.

وجاءت هزيمة تطوان بالشمال المغربي عام 1860 على يد الجيش الاسباني لتضع المغرب بين الاستعمارين الفرنسي والاسباني، ومنذ ذلك التاريخ والانتلجنسيا المغربية تطرح سؤال الاصلاح. وجاءت مناسبة طرح هذا السؤال في سياق ندوة كبيرة نظمتها وزارة الوظيفة العمومية والاصلاح الاداري واتحاد كتاب المغرب تحت عنوان واسع هو «ثقافة الاصلاح في المغرب».

وانطلقت الندوة من ارضية، مفادها أن الجميع في سفينة واحدة، وأن الاصلاح هو مسؤولية الجميع كما جاء في كلمة محمد الخليفة، وزير الوظيفة العمومية والاصلاح الاداري، الذي قال ان المغرب ظل يعيش خيبات أمل الاصلاح منذ القرن التاسع عشر، قبل ان يتساءل لماذا اخفقت جميع مشاريع الاصلاح التي عرفها المغرب؟ وقدم خالد الناصري، استاذ القانون مقاربة لسؤال الاصلاح من خلال طرح ثلاثة اسئلة: اين نحن؟ اين نذهب؟ ما العمل؟ وجوابا عن تساؤله الاول، سجل الناصري ان المغرب يمر حاليا بازمة عميقة ومعقدة تاريخيا واجتماعيا واقتصاديا ومؤسساتيا وسياسيا، لكنه قال ان هذه الازمة رغم تعدد اوجهها وحدتها لم تصل بعد الى خنق البلد، ومن هنا يأتي تساؤله الى أين نذهب؟ ليقر بان المغرب الذي استبعد منطق الثورة لا خيار امامه سوى باب الاصلاح، لذلك فلابد من الربط بين جدلية الطموح والواقعية لبناء مشروع مجتمعي طموح ولكن واقعي.

و بدا الناصري أكثر تشاؤما عندما اراد الحديث عن مستقبل المغرب، فبالنسبة له تعتبر هذه اول مرة سيقبل فيها المغرب على انتخابات ولا احد يعرف ماذا يمكن ان يتمخض عن انتخابات سبتمبر (ايلول) المقبل.

وترك الناصري تساؤله الاخير معلقا عندما اعترف قائلا «أنا عاجز عن اقول الى اين نسير بعد الانتخابات المقبلة، لان لا أحد يستطيع التكهن بنتائجها، واحتمال الرجوع الى الوراء وارد».

من سؤال الناصري الفلسفي الى طرح بنسالم حميش، استاذ الفلسفة، الذي خلص الى القول ان «النوايا الحسنة لا تكفي، فلا بد من توفير شروط وعوامل الاصلاح وتحديد الاولويات ووضع الآليات المناسبة للانجاز المبرمج والمضطرد». وعلى نفس الخط تدخل، الناقد نور الدين افاية، الذي انطلق هو الآخر من مرجعيات فلسفية في حديثه عن الاصلاح ليتساءل «هل يمكن الحديث عن الاصلاح دون الحديث عن اصلاحيين ومصلحين؟».

ودائما من حقل التفكير الفلسفي اتى صوت كمال عبد اللطيف، احد المهتمين بتاريخ الافكار ليدعو الجميع الى اعادة صياغة الاسئلة الكبرى التي كانوا يخشون من طرحها، وتكسير الاقنعة القديمة وتبديلها باقنعة منتسبة لزمانهم السياسي، وخلص عبد اللطيف الى الاعتراف بأنه «كلما ظلت هواجسنا السياسية معتزة بالمخاتلة، سنظل نراوح مكاننا، وهذا ما يؤدي الى احتباس كل اصلاح حقيقي».

واختار احمد حرزني، الباحث الاجتماعي تنبيه الجميع بقوله «لا يكفي ان نقول ان هناك ازمة، فعندما نكون مرضى لا نحتاج الى التشخيص فقط، وانما الى معرفة اسباب المرض وتحديد اوليات التطبيب». ان ما يجعل المغرب مترددا امام كل تجربة اصلاحية هو وجود مفارقة بين اصحاب نظريتين: اولئك الذين ما زالوا يؤمنون بالثورة وبالتالي فهم لا يرون اي داع للاصلاح حاليا، واولئك الذين يقولون ان الثورة لن تأتي غدا فلا داعي للاصلاح.

التناقض بين أصحاب هاتين النظريتين هو الذي يؤدي الى انتاج «اصلاح معاق» حسب تعبير محمد البردوزي، استاذ العلوم السياسية، الذي قال ان المغرب كلما بدأ ببعض الخطوات في الاصلاح الا وتوقف في نصف الطريق او تراجع الى ما كان يسير عليه. والمشكلة، حسب البردوزي، راجعة اساسا الى النخب والساسة المغاربة الذين شبههم بالاسفنجة «لا يمارسون دور النخب في القيادة، وانما يعكسون بعض القيم الشوفينية التي تحرقهم من قبل مبدأ «اصبر واترك الامور تأخذ مجراها». وهذا المبدأ هو الذي ولد عدة امراض شبهها البردوزي بالاقفال التي تحكم اغلاق الابواب امام كل اصلاح من قبيل الارتكان الى الماضي ومعاداة كل تغيير، والجبن عندما يتعلق الامر باتخاذ القرارات الحاسمة، والاقطاعية والمحاباة، والاعتماد على الهياكل المعتادة في تدبير الموجود، وتفضيل النماذج المألوفة، والاتكال على الدولة.

هذه الكوابح او الاقفال تؤدي الى مفارقة أخرى سجلها محمد الطوزي، الباحث في العلوم السياسية، عندما قال ان صانع القرار في المغرب عندما يقوم بالاصلاح فهو يقوم به لأغراض محافظة، والنخبة عندما تفكر في الاصلاح فهي تفكر فيه بطريقة محافظة للوصوال الى بناء مشروع حداثي، وهذا ما يعطل كل اصلاح يعرفه المغرب.

ولتجاوز هذه المفارقة لا بد من الخروج من هذا النسق الثقافي السائد، وهذا ما حاول عبد الاله بلقزيز، استاذ الفلسفة، خلخلته عندما قال ان الاصلاح لا يستجيب الا اذا كان هناك ضغط اجنبي من الخارج، واعطى مثالا على ذلك تطور ملف حقوق الانسان، وقال ان الدولة لم تستجب مباشرة الى ثقافة حقوق الانسان عندما كان المجتمع المدني المغربي هو الذي يحركها، لكن عندما اصبحت تلك الثقافة احدى املاءات البنك الدولي والخارج بصفة عامة جاء تجاوب الدولة سريعا معها، لذلك يرى بلقزيز ان كل ما يوصف اليوم بكونه اصلاحا هو فاقد لشرعيته لان فكرة الاصلاح في المغرب ما زالت تستمد شرعيتها من حاجيات اقليمية وضغوط دولية.

عدم وجود مثل هذه الضغوط التي اصبحت تفرض نفسها بحدة في زمن العولمة هي التي ادت حسب الشاعرة مليكة العاصمي الى تأخر المغرب 40 سنة، هي عمر استقلال المغرب، لم يستطع خلالها توفير السلم الاجتماعي، ولا تحقيق العدالة الاجتماعية، ولا حل المشاكل الاقتصادية المتراكمة، لكن كل هذه المشاكل التي لا تشكل في نظرة التشكيلي محمد شبعة تعتبر كارثة لان اكبر كارثة في تصوره تتمثل في «تدهور السلوك المدني بالمغرب وتراجع دور الاحزاب في تأطير المواطنين»، وهذه ليست مقاربة اخلاقية وانما ايضا مقاربة دينية مثل تلك التي اعتمدها عبد الاله بن كيران الناشط الاسلامي الذي لخص مقاربته في فكرة بسيطة، مفادها ان لا إصلاح بدون اصلاح الانسان.