«سي. آي. إيه» تستعين بعشرات خبراء المعلوماتية العرب لفك رسائل «القاعدة» المشفرة

خبراء في المعلوماتية: اتصالات مكثفة عبر الإنترنت شبيهة بالتي أجرتها قبل 11 سبتمبر

TT

يدعو موقع انترنتي المسلمين الى السفر لباكستان بهدف «ذبح الجنود الاميركيين»، بينما يدعو موقع آخر الى التبرع لشراء ديناميت لـ «نسف اليهود الاسرائيليين»، ويعرض موقع ثالث شريط فيديو جديداً لأسامة بن لادن ويتعهد ببث لقطات للضحايا الاميركيين في افغانستان.

وفي الوقت الذي تطارد الولايات المتحدة وحلفاؤها مقاتلي «القاعدة» وغيرها من الجماعات في الكهوف والجبال والغابات، فإن هذه المجموعات تتجه بصفة متزايدة الى الانترنت للاستمرار في حملتها ضد الغرب، طبقا لمعلومات كشف عنها مسؤولون في هيئات تطبيق القانون الاميركية.

وقد اصبحت الانترنت واحدة من الوسائل الاساسية للاتصالات بين عناصر «القاعدة». وتستخدم شبكة بن لادن وغيرها من المجموعات المتشددة، مواقع على الشبكة الدولية بهدف التخطيط للهجمات وتجنيد اعضاء جدد والحصول على التبرعات، بدون احتمال التعرض الى الاعتقال من قبل مكتب المباحث الفيدرالي او غيره من اجهزة تطبيق القانون الاخرى.

واوضح مسؤول اميركي كبير ان ميدان المعركة الالكتروني الجديد يسمح لـ «القاعدة» وغيرها من الجماعات بأن تسبق دائما الحرب الاميركية ضد الارهاب. واكد المسؤولون ان معظم المعلومات في تلك المواقع مكتوبة بالعربية ومشفرة. ويجرى اخفاء تلك المعلومات المشفرة في صور رقمية، الامر الذي يجعل العثور او الاطلاع عليها صعباً ان لم يكن مستحيلاً.

وقال روفن باز، من معهد السياسة الدولية لمكافحة الارهاب: «طبقا للظروف الحالية للحرب العالمية ضد الارهاب، فإن الانترنت اصبحت وسيلة حيوية، ومن الواضح، انها وسيلة سهلة للاستغلال».

ولا يشك المسؤولون الاميركيون في ان «القاعدة» وغيرها من الجماعات المتطرفة، تستخدم الانترنت للاعداد لهجمات ضد الولايات المتحدة. وافاد هؤلاء المسؤولون بأن ابو زبيدة (30 سنة)، القيادي في «القاعدة» الذي القي القبض عليه في باكستان في مارس (آذار) الماضي، استخدم موقعا انترنتياً للتخطيط لهجمات 11 سبتمبر (ايلول) وللاتصال مع الخاطفين التسعة عشر الذين نفذوا تلك الاعتداءات.

وذكر المسؤولون انهم عثروا مطلع العام الحالي على 2300 رسالة مشفرة وملفات معلومات في جزء محمي بكلمة سر للدخول في موقع اصولي محفوظ في كومبيوتر ابو زبيدة. وتضيف المصادر ان الاتصالات بدأت في مايو (ايار) 2000 ووصلت الى ذروتها في اغسطس (آب) 2001، ثم توقفت في 9 سبتمبر، أي قبل يومين فقط من الهجمات. غير ان المسؤولين رفضوا تحديد اسم هذا الموقع.

وفي الآونة الاخيرة بدأ نشطاء «القاعدة» بارسال مئات الرسائل المشفرة المخبأة في ملفات لصور رقمية على موقع ebaycom للمزادات. ومعظم تلك الرسائل ارسلت من مقاهي الانترنت في باكستان والمكتبات العامة في جميع انحاء العالم. وقد جرت المحاولات للاتصال بالمتحدث باسم ebay بهدف التعليق، الا انه لم يرد على المكالمات. وقد تضاعف حجم الرسائل الشهر الماضي، مما يشير، حسبما يرى المسؤولون في اجهزة الاستخبارات الاميركية، الى ان «القاعدة» تخطط لهجوم جديد.

ومنذ 11 سبتمبر، قال كل من مكتب المباحث الفيدرالي (اف. بي. آي) ووكالة الاستخبارات المركزية (سي. آي. ايه) ووكالة الامن القومي، انهم استعانوا، بالاضافة الى محلليهم، بعشرات الخبراء في المعلوماتية ممن يتحدثون اللغة العربية، لفك تلك المعلومات المشفرة. واضافت الوكالات الاستخباراتية الاميركية انها لم تتوصل الا للقليل مما يمكن القيام به بهدف وقف «القاعدة» وغيرها من المجموعات الاخرى من استخدام الانترنت لاجراء الاتصالات بين عناصرها، إذ لا توجد قوانين تنظم بشكل مباشر عمل المواقع او وقفها. وبدلا من ذلك، تلجأ السلطات الى محاولة اقناع الشركات التي تستضيف تلك المواقع بإغلاقها. الا ان اغلاق «موقع» إرهابي في جهاز خادم ما، لم يحل دون ظهوره بعد ايام قليلة في جهاز خادم آخر.

وخلال الاسابيع الخمسة الاخيرة، ظهر موقع «الندا دوت كوم» العربي، والذي يعتقد انه مقرب من «القاعدة»، في ثلاث اجهزة خدمة في ماليزيا وتكساس وميشيغان. وقد تمت ازالة الموقع من اجهزة الشركة مقدمة الخدمة، التي قالت انها لا تفحص ولا تترجم مواد المواقع، بعد تلقيها شكاوى من افراد وجهات مسؤولة. ويتوقع المسؤولون الاميركيون ان يعود الموقع الذي بدأ في العمل في يناير (كانون الثاني) الماضي، الى الظهور مرة اخرى قريبا.

واوضح بيان ظهر في موقع «الندا» في الاسبوع الماضي «ان العدو الاميركي، الذي لم يتمكن من السيطرة على المجاهدين في ميادين المعارك، يحاول منذ 11 سبتمبر تكميم وسائل الاعلام العالمية. وكلما حاولت الولايات المتحدة خنق حرية التعبير، زاد ذلك من اصرارنا على كسر هذا الصمت. وستخسر الولايات المتحدة الحرب الاعلامية ايضا».

وهناك عشرات المواقع الانترنتية المشتبه فيها، وقد بدأ معظمها بعد بداية الحملة الاميركية في افغانستان في اكتوبر (تشرين الاول) الماضي. ومعظم هذه المواقع باللغة العربية، وتتضمن بيانات تدعو لقتل الاميركيين وشن هجمات ضد مصالح الولايات المتحدة.

وقد فحصت «يو. اس. ايه. توداي» العديد من هذه المواقع، وقامت بترجمتها. ومن بين أهم هذه المواقع، «عزام دوت كوم»، وهو موقع يعتقد المسؤولون الاميركيون انه مرتبط بـ «القاعدة»، وهو يحث المسلمين على السفر الى باكستان وافغانستان للقتال ضد «الحملة الصليبية الاميركية المدعومة من اليهود». ويقدم نصائح للمسافرين حول كيفية تجنب اثارة شبهات العاملين او الدبلوماسيين او الشرطة.

واوضح مسؤولون اميركيون ان الموقع يحتوي على رسائل مشفرة في صوره ونصوصه، وهوالاسلوب المعروف باسم steganography. وقالوا ان الرسائل المخبأة تحتوي على تعليمات من «القاعدة» بخصوص الهجمات المستقبلية. ويستخدم خبراء المعلوماتية والرياضيات في وكالة الامن القومي بفورت ميد (ولاية ماريلاند) اجهزة كومبيوتر عملاقة في محاولة لفك الشفرات ووقف الهجمات المحتملة.

واكد مسؤولون اوروبيون ان ناشطا في «القاعدة»، على الاقل، تمكن من دخول الموقع. وعثرت اجهزة الاستخبارات الالمانية التي تمكنت من دخول الموقع في الخريف الماضي، على عنوان الكتروني لسعيد بهاجي، المشتبه في انتمائه الى خلية هامبورغ التي خططت لبعض مراحل هجمات سبتمبر. وبهاجي، الذي شوهد لآخر مرة في المانيا، اختفى مباشرة بعد اكتشاف الموقع.

وكان موقع «الندا» قد تضمن، قبل اغلاقه، تحذيرا من المتحدث باسم «القاعدة» سليمان ابو غيث، يقول فيه انه يجب على الولايات المتحدة «ان تشد الاحزمة»، وتستعد لمزيد من العمليات. وهذا الموقع الذي حمل عبارة «لا فخر بدون جهاد»، تضمن ايضاً معلومات مشفرة توجه اعضاء «القاعدة» الى مزيد من المواقع الآمنة وبها تعليمات عن كيفية شن الهجمات، طبقا لما ذكره المسؤولون الاميركيون.

ومن المواقع الاخرى، موقع «المهاجرون دوت كوم»، الذي يحث مؤيديه على اغتيال الرئيس الباكستاني برويز مشرف، ويصفه بـ «الدمية الاميركية». وهناك كذلك موقع jihadunspunnet الذي يعرض شريط فيديو لابن لادن من 36 دقيقة، اضافة الى اربع دقائق من مشاهد لم تعرض من قبل، وصورة لبندقية موجهة الى رأس الرئيس الاميركي جورج بوش.

لكن المواقع الاصولية لا تدعو كلها الى الجهاد ضد الولايات المتحدة، فموقع alsahacom مثلا يستضيف غرف دردشة وينتقد المتحدث فيها بن لادن باعتباره أساء للاسلام. ويقول تعليق في الموقع ان بن لادن «اساء لديننا ولكل ما نؤمن به»، بينما يقول تعليق آخر ان بن لادن «ليس اسلاميا، وانما هو ارهابي يستحق القتل. فليبارك الله وليحفظ اميركا».

يشار الى ان عملية انشاء مواقع على الانترنت سهلة للغاية. ففي حالة موقع «الندا»، استخدم اعضاء «القاعدة» واجهة تمويهية باسم «مركز الدراسات الاسلامية والابحاث»، بعنوان مزور في فنزويلا، وبعنوان بريدي الكتروني مجاني على (الهوتمايل)، بهدف الاتصال بشركة تستضيف المواقع في ماليزيا اسمها «اميرج سيستمز»، طبقا لمعلومات مسؤولين في اجهزة الاستخبارات. وقد أرسلت المجموعة، عبر البنك، 87 دولارا ثمن التكلفة السنوية للموقع.

وقال فينس كانيسترارو الرئيس السابق لمكافحة الارهاب في وكالة «سي.آي.ايه» ان «الاتصال عبر الانترنت اصبح وسيلة رئيسية بين اعضاء «القاعدة» حول العالم، لانها اكثر امنا واكثر غموضاً بالنسبة للمدققين».

غير ان «القاعدة» بدأت في الآونة الاخيرة تحث عناصرها على اخذ الحيطة. فقبل سحب موقع «الندا» حذرت شبكة بن لادن عناصرها من ان الموقع يخضع لمراقبة الاستخبارات الاميركية. وتعهدت «القاعدة» لاعضائها بإبلاغهم بعنوان الموقع الجديد بعد تشغيله، مشيرة الى ان ذلك سيتم عبر غرف الدردشة.

وقال موقع «عزام دوت كوم» اننا «نحث خبراء الانترنت المسلمين على نشر اخبار الجهاد عبر البريد الالكتروني وغرف الدردشة». واضاف «كلما زادت مواقع الانترنت، كان ذلك جيدا بالنسبة الينا. يجب ان نجعل من الانترنت وسيلتنا الرئيسية».

* خدمة «يو. اس. ايه. توداي» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»