الأمن الإيراني يعزز قواته في أصفهان تحسبا لاضطرابات متوقعة بعد استقالة آية الله طاهري

إمام المدينة المستقيل يتهم قيادة البلاد بانتهاك الحرمات والحريات ويصف العهد الحالي بأنه أسود

TT

أرسلت القيادة المركزية لقوات الأمن وقيادة الحرس الثوري في ايران وحدات اضافية، بينها وحدات من الكوماندوس والمغاوير، الى مدينة اصفهان بعد انتشار انباء عن عزم أهالي المدينة على اقامة مسيرة كبيرة غدا للاعراب عن استنكارهم لممارسات السلطات العليا التي أدت الى استقالة المرجع الديني ذي الشعبية في المدينة آية الله جلال الدين طاهري القريب من الرئيس محمد خاتمي، والذي اعلن استقالته في رسالة مفتوحة الى الشعب اول من امس.

واعلن نواب مدينة اصفهان في بيان غاضب عن أسفهم الشديد للظروف التي دفعت «شيخ المناضلين» آية الله طاهري الى الاستقالة، الذي ظل إماما لاصفهان منذ تعيينه من قبل الزعيم الايراني الراحل الخميني منذ اكثر من عشرين عاما.

وجاء توقيت استقالة طاهري واعلان رسالته متزامناً مع ذكرى انتفاضة الطلبة ومظاهرات الآلاف من الطلبة وتلامذة المدارس حول جامعة طهران وبعض مرافق العاصمة، ما يدل على نفاد صبر طاهري المعروف بتوجهاته الاصلاحية ودعمه الصريح لخاتمي ومشروعه الاصلاحي. وحسب قول الدكتور محمود صادق أحد نشطاء التيار الاصلاحي في اصفهان، فان طاهري كان بصدد اعلان استقالته منذ اكثر من سنة غير انه تراجع عن ذلك بالحاح من الرئيس خاتمي وعبد الله نوري وزير الداخلية السابق المسجون حاليا في سجن ايفين حيث التقى نوري وهو من اصفهان، خلال اجازة قصيرة خارج السجن في عطلة نوروز الاخير (21 مارس/آذار الماضي)، آية الله طاهري.

وعلمت «الشرق الأوسط» ان ما اهم ما دفع طاهري الى الاستقالة هي الضجة التي اثارتها الأوساط المحافظة أخيرا حول خطاب ألقاه المفكر والكاتب الاصلاحي البارز الدكتور هاشم آغاجري، أحد قادة منظمة مجاهدي الثورة الاسلامية في مدينة همدان والذي قال فيه ان الايرانيين ليسوا قروداً كي يكونوا بحاجة الى من يقلدون في شؤونهم الدينية، كما اعتبر ظاهرة رجال الدين بالقابهم المتعددة من حجة الاسلام الى آية الله، ظاهرة لا علاقة لها بالاسلام بل هي تقليد مسيحي، كما ان الدعوات لقتل آغاجري التي رفعتها الأوساط الدينية المناهضة للاصلاحات، فضلا عن اجراءات اجهزة الأمن بحق الطلبة، كانت بدورها دافعا لاعلان طاهري سخطه على الولي الفقيه واجهزته على حد قول مصدر قريب منه.

وترى المصادر الايرانية ان رسالة استقالة طاهري لا تقل اهميتها عن الرسالة المعروفة التي بعث بها آية الله حسين على منتظري الى استاذه وصديقه الامام الخميني في فبراير (شباط) 1989 والتي استغلها معارضوه لعزله. وفيما وصف منتظري في رسالته اجهزة أمن استاذه الخميني بانها اسوأ من سافاك الشاه، أورد طاهري وهو قريب جدا من منتظري بحيث خصص جانباً من رسالته لشجب اجراءات السلطة ضد منتظري ووضعه تحت الاقامة الجبرية منذ خمسة اعوام، كما أورد في رسالته عبارات قوية ضد رأس السلطة واجهزته ما يؤكد على ان طاهري الذي لم يصوت في عملية انتخاب خامنئي من قبل مجلس الخبراء زعيما للبلاد عقب وفاة الامام الخميني، لا يعترف بشرعية قيادة مرشد النظام حيث يقول في رسالته انه يترك أمر الشعب في أيدي صاحب الزمان، ما يعني عدم الاعتراف بالولي الفقيه (خامنئي) الذي يعتبره أنصاره نائبا لصاحب الزمان ـ المهدي المنتظر لدى الشيعة.

وأشار طاهري في رسالته الى الفساد المنتشر والى استغلال السلطة من قبل عدد من رجال الدين الذين تحولوا الى «طواغيت» متخصصين «بنهب ثروة الشعب وقمع أبناء الأمة وكبت الحريات وبيع الوطن في أوكازيون الدول الاستعمارية». واكد على ان النظام بدلا من ان يطبق مبادئ الاسلام والثورة ومنها الحرية والعدالة «أخذ الحرية والعدالة الى المسلخ».

وجاء في رسالة طاهري ايضا: «لا استطيع ان اسكت على ما اسمعه عن ممارسات بعض الأولاد (أبناء كبار المسؤولين) واصحاب الكراسي ممن يرتدون العمامة ودخلوا في مسابقة لنهب ثروة الشعب وبيت ماله، انهم ينهبون أموال الشعب باعتبارها جزءا من إرث آبائهم».

واضاف طاهري في رسالته: «ان ممارسات السلطة اصبحت عاملا في تهرب الناس من الدين، والبلاد تواجه كارثة بالغة بسبب سوء الادارة والبطالة والادمان والرشوة والفساد. ومن ميزات هذا العهد الاسود، الزور والمبالغة في مدح الحاكم وانتهاك حرمة الناس وحرياتهم... لقد ركب هؤلاء (الحكام) حصان السلطة فهم يقودون البلاد نحو الانهيار. انهم يشجعون الأوباش والصعاليك على ضرب الناس وهتك النواميس، واسندوا مهمة حماية عروشهم الى جمع من الفاشيين والبلطجية... ان جمعا من القتلة انتهكوا قدسية الحرم الجامعي واقتحموا مساكن الطلبة ـ اشارة الى انتفاضة الطلبة ـ بشقاوة ووحشية بالغة، وأمنوا لأنفسهم اللعنة الأبدية بضلوعهم في الاغتيالات السياسية المسلسلة». ودافع طاهري عن حرية الصحف والاجتماعات معتبرا تعطيل الصحف الحرة جريمة بحق الدين والوطن. وانتقد بشدة الاجراءات التعسفية بحق آية الله منتظري الذي وصفه بـ«خيرة الفقهاء وأحد أوتاد الحوزة الدينية».

وبخصوص المظاهرات الطلابية التي اندلعت اول من امس كشفت اربعة تنظيمات طلابية كانت قد دعت لقيام المظاهرات رغم حظرها من قبل وزارة الداخلية، عن اعتقال ما يزيد عن 500 من الطلبة والنساء والرجال. وجاء في بيان لهذه التنظيمات ان المواجهات استمرت حتى منتصف الليلة قبل الماضية شمال وشرق طهران الى جانب ميدان انقلاب والشوارع المحيطة بجامعة طهران.

والمثير في مظاهرات يوم الطلبة الحضور الكبير لاولياء الطلبة والشبان، اي الجيل الذي شارك في المظاهرات التي شهدتها ايران قبل 24 عاما وانتهت بسقوط الشاه ومجيء الخميني الى الحكم. وقال رضا سميعي الذي كان يرافق ابنته طالبة الطب بجامعة طهران وابنه الطالب بجامعة الشريف في حديث مع احدى الاذاعات الفارسية الموجهة من الولايات المتحدة «جئت الى المظاهرة لعل ذلك يساعد في تقليل احساسي بالذنب أمام اولادي، اننا شاركنا في الثورة وعلينا الآن ان نسعى لتغيير الحكم الذي لم يجلب لنا سوى النكبة، واولادنا يلوموننا على فعلنا». وذكر شهود عيان ان المئات من الرجال شاركوا في مظاهرة الطلبة مرتدين ربطات العنق كرمز للعهد السابق وتعبيرا عن رفضهم للنظام الحالي.