المحققون الأميركيون والألمان والإسبان يضعون تفاصيل التحركات الأخيرة لعطا وبن الشيبة قبل هجمات سبتمبر

TT

في الصباح الباكر من يوم 9 يوليو (تموز) 2001، قاد محمد عطا سيارة مستأجرة، ماركة هونداي فضية اللون، وغادر مدريد متجها شرقا الى مصيف تراغونا، الواقع على البحر الابيض المتوسط والمزدحم بالمصطافين والسياح. وحسب معلومات المسؤولين الاميركيين والاسبان، فان عطا كان في طريقه الى اجتماع سري لوضع اللمسات النهائية على الهجمات التي نفذت بعد أيام ضد مركز التجارة العالمي في نيويورك ووزارة الدفاع (البنتاغون) في واشنطن.

وبينما قطع عطا 300 ميل بتلك السيارة، كان زميله القديم رمزي بن الشيبة، الذي سكن معه في شقة واحدة في هامبورغ بالمانيا، يستقل طائرة من هناك الى ريوس، المطار الصغير الذي يخدم تلك المنطقة.

ويقول مسؤولو تطبيق القانون الاميركيون وموظفو الدوائر الاستخباراتية الغربية، ان ذلك الاجتماع، بالنسبة للمواطن اليمني بن الشيبة، كان بمثابة التتويج لمهمة بدأت في اجتماع مشابه قبل 18 شهرا، جرى في العاصمة الماليزية كوالالمبور، وذلك بعد ان وضع فشله المتكرر في الحصول على تأشيرة اميركية، حدا لآماله في «الاستشهاد» جنبا لجنب مع زميله عطا.

ويقول المحققون ان اجتماعي كوالالمبور وتراغونا، كانا أهم معلمين في عملية التخطيط لهجمات 11 سبتمبر (ايلول) الماضي. وتقول السلطات ان بن الشيبة، الذي يعتقد انه ما يزال على قيد الحياة، هو الشخص الوحيد الذي حضر الاجتماعين، مما يجعله المصدر الأساسي المحتمل للاجابة عن الاسئلة التي ما تزال حائرة في هذا المخطط.

وبالرغم من الجهود المضنية التي بذلتها الاستخبارات الاسبانية لمدة عام كامل، متعاونة مع مكتب المباحث الفيدرالي الاميركي (اف. بي. آي)، فان هذا الاجتماع الذي جرى في اسبانيا ما يزال محاطاً بالألغاز والأسرار ومليئاً بالفجوات. وقد اختفى عطا وبن الشيبة وسط جموع المصطافين لمدة ثلاثة أيام. ولا يعرف المحققون حتى الآن بمن التقى هذا الثنائي في تراغونا، وأين كانوا يعقدون اجتماعاتهم؟ وما هو الدعم الذي تلقوه من الراديكاليين بهذه المنطقة لتأمين ذلك الاجتماع؟

وقال مسؤول اميركي لمكافحة الارهاب «الرحلة الاسبانية ما تزال لغزا بالنسبة إلينا». وأضاف المسؤول ان ثمة تكهنات دائرة وسط مسؤولي الاستخبارات تقول ان واحدا على الاقل من قادة تنظيم «القاعدة» الموثوق بهم حضر الى اسبانيا لحضور هذا الاجتماع الهام الذي استغرق عدة أيام وعقد بأحد المنازل السرية في هذه المنطقة.

ومع استمرار التحقيقات يبرز بن الشيبة كأكثر المطلوبين خطرا ممن ينتمون الى الدائرة الضيقة التي يعتقد انها خططت للهجمات ونفذتها. وقال احد المسؤولين الاميركيين «إن لنا رغبة قوية في القبض عليه». واضاف ان بن الشيبة (29 سنة)، الذي هرب من المانيا الى افغانستان يوم 5 سبتمبر (ايلول) 2001، لعب دورا بالغ الاهمية في التخطيط المنهجي للهجمات. ويعتقد المحققون انه من بين اعضاء خلية هامبورغ التي تدور حولها تحقيقات 11 سبتمبر، فان بن الشيبة كان اكثرهم اتصالا بالناشطين الآخرين عبر اوروبا. وقد وجد رقم هاتفه الجوال، على سبيل المثال، خلال المداهمات التي قامت بها الشرطة الالمانية لمجموعة بمدينة دويسبيرغ (المانيا)، ذات صلة بالهجوم على معبد الغريبة اليهودي بتونس والذي راح ضحيته 14 سائحا المانيا في ابريل (نيسان) الماضي. ويعتقد المحققون ان بن الشيبة ربما كان له دور كذلك في الهجوم على المدمرة كول بميناء عدن عام 2000، خاصة انه نشأ في اقليم حضرموت.

واصدرت السلطات الالمانية امرا دوليا لاعتقال بن الشيبة. وورد اسمه كمتآمر غير مقبوض عليه، مع زكريا موساوي، الفرنسي من اصل مغربي، الذي يعتقد المحققون انه حل محل بن الشيبة في التحضير لتنفيذ مخطط هجمات سبتمبر، عندما فشل الأخير في الحصول على تأشيرة الدخول الى الولايات المتحدة. ويقال ان موساوي وصله مبلغ 14 الف دولار من بن الشيبة بعد فترة قصيرة من اجتماع اسبانيا.

والاهمية التي يعلقها المحققون على دور بن الشيبة زادت مع الاعتقاد بانه كان من بين الحضور في اجتماع ماليزيا ذي الاهمية الحاسمة في التخطيط لهجمات 11 سبتمبر. ويقول المسؤولون الاميركيون ان اجتماع ماليزيا الذي صورته الاستخبارات الماليزية بتوصية من وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية (سي. آي. ايه)، أثار كثيرا من الجدل وسط مسؤولي تطبيق القانون واجهزة الاستخبارات.

وقال مسؤول استخبارات غربي «رأيت الصور وليس هناك ادنى شك في انه كان هناك. ولا يساور أيا من المسؤولين في تطبيق القانون او الاجهزة الاستخباراتية الشك في انه كان هو، ولكننا عرضنا الصور على اصدقائه وعلى اشخاص يعرفونه وقالوا انهم لا يعتقدون انه هو».

واثناء عام 1999، وقبل اجتماع ماليزيا، كانت «القاعدة» تركز على سلسلة من الهجمات على لوس انجليس والاردن، لتتوافق مع حلول الالفية الجديدة. وقد فشلت تلك المخططات كلها. وفي يناير (كانون الثاني) 2000 اجتمع اعضاء «القاعدة» بكوالالمبور لتقييم فشلهم والتخطيط لهجمات جديدة. وقال المسؤولون بالاستخبارات الاميركية ان الهجوم على المدمرة كول وعلى نيويورك وواشنطن، جرى التخطيط له في ذلك الاجتماع.

وكان من بين حضور الاجتماع المذكور توفيق بن الطاش، احد كبار مساعدي اسامة بن لادن، والمواطنان السعوديان خالد المحضار ونواف الحازمي، اللذان اشتركا فيما بعد في هجمات 11 سبتمبر.

واضاف مسؤول الاستخبارات الغربي «عندما ذهب بن الشيبة الى اجتماع ماليزيا عام 2000، كان ذلك هو الوقت الذي صدرت فيه الاوامر بتنفيذ الهجمات».

وقطع بن الشيبة، المتواضع الشخصية، مسافة طويلة حتى غادر السفينة التي اقلته عام 1995 الى ميناء هامبورغ حيث طلب حق اللجوء السياسي. وقد ادعى انه لاجئ من السودان وسجن هناك اثر مظاهرة طلابية في الخرطوم. ولم تصدق السلطات روايته ولكن عندما صدر امر بابعاده في ديسمبر (كانون الاول) عام 1997 كان قد حصل بصورة غامضة على إقامة بالبلاد. وتمكن بسرعة من الالتحاق بعالم الاصولية في المدينة وصار يتردد على مسجد القدس وعلى مكتبة قريبة من هناك تباع في احدى غرفها الخلفية شرائط الجهاد.

ويعتقد المحققون ان اعضاء خلية هامبورغ الذين نفذوا فيما بعد هجمات سبتمبر، جندهم محمد حيدر زمار (41 سنة)، المواطن الالماني من اصل سوري.

ويقول المحققون ان بن الشيبة، صاحب الجسم النحيف والقصير القامة، لم يكن المجند المثالي بالنسبة لزمار، ولكنه كان مقربا من عطا، كما كان قوي الالتزام بـ«الجهاد». وظهرت صور بن الشيبة على شريط فيديو في زفاف احد منفذي هجمات سبتمبر، وهو سعيد بهاجي، في اكتوبر (تشرين الاول) عام 1999، وسجلت له كلمة كان يتحدث فيها عن خطر الصهاينة قبل القائه قصيدة يحث فيها على الجهاد.

وفي نوفمبر عام 1998 تخلى بن الشيبة عن حضور الدورة التمهيدية في اللغة الالمانية، وانتقل للعيش مع عطا وبهاجي. وكان زمار يتردد عليهم كثيرا في شقتهم بماريان ستريت بالقرب من الجامعة التي درس فيها عطا، حسب رواية الجيران. وقال مسؤول استخباري غربي «كانوا يقولون انهم يريدون ان يقاتلوا في سبيل الله. وكان زمار يقول لهم: اذا كنتم تريدون ذلك، فانكم قد وصلتم الى المكان الصحيح وقابلتم الشخص المناسب».

وقال المسؤولون الغربيون ان مجموعة هامبورغ، ذهب افرادها اوائل عام 1999، كل على حدة، الى معسكرات تدريب «القاعدة» وبقي كل منهم شهرين هناك يتلقى التدريب. وحسب المسؤولين انفسهم، فان المجموعة بمجرد تلقيها التدريب، توصل مسؤولو «القاعدة» هناك الى انها من العناصر الجديرة بالثقة.

وبعد اجتماعات ماليزيا قرر بن الشيبة المساهمة مباشرة في الهجمات كطيار، وفي الفترة بين مايو (ايار) واكتوبر (تشرين الاول) 2000 فشلت اربع محاولات قام بها في المانيا واليمن للحصول على تأشيرة الى الولايات المتحدة. وقال احد المسؤولين «الحظ وحده هو الذي منعه من الحصول على التأشيرة، والا لكان على متن احدى تلك الطائرات التي سقطت».

وحقيقة ان بن الشيبة كان في اليمن في اغسطس (اب) وسبتمبر عام 2000 اثارت الشكوك حول انه ربما شارك في الهجوم على المدمرة كول الذي حدث في اكتوبر من نفس العام، والذي خطط له في اجتماع ماليزيا المذكور، حسب معلومات المسؤولين الاميركيين.

وبعد الرفض الاخير الذي تلقاه بن الشيبة على طلبه للتأشيرة الاميركية، بحث الخاطفون امكانية اخرى لتجنيد الخاطف رقم 20، وكان ذلك هو موساوي الذي تلقى تدريبه في افغانستان عام 1998، حسبما يعتقد الاميركيون.

واثناء شهري مايو (ايار) ويونيو (حزيران) 2001، تسارعت الخطى في التجهيز للمخطط ووصل آخر السعوديين الذين كان مقررا لهم ان يلعبوا الدور «العضلي» في المخطط، الى الولايات المتحدة. وعندما اكتمل عدد المشاركين في الهجوم سافر عطا الى اسبانيا. وقال المحققون ان عطا اتصل مرتين بهاتف جوال، لم يستطع المحققون تحديد صاحبه، ولكن بن الشيبة تحرك في اليوم التالي مباشرة. ووصلت الطائرة القادمة من هامبورغ في تمام الساعة السابعة صباحا يوم 9 يوليو، وبعد ثلاث ساعات توقفت سيارة امام فندق مونيكا في مدينة كامبريلس الساحلية، على بعد بضعة كيلومترات الى الجنوب من مطار ريوس. وقد نقلت تحركات عطا وبن الشيبة صحيفة «البايس» الاسبانية.

ويقول بيري غوميز مدير الفندق، ان موظفة الاستقبال حينها رفضت اعطاءهما غرفة، رغم وجود غرف خالية، وذلك لأنها لم ترتح لشكل بن الشيبة، وكان الرجل الآخر قد بقي بالسيارة وبالتالي فان موظفة الاستقبال لم تتبين ملامحه. وذهب الاثنان حينها الى فندق تروبيكانا المجاور، ولكن الفندق لم تكن به اي غرف خالية. وقد اتصلت موظفة الاستقبال بعدد من الفنادق واستطاعت ان تجد غرفة مزدوجة بفندق مونيكا.

وعاد الرجلان الى فندق مونيكا واعطتهما موظفة الاستقبال الغرفة هذه المرة وقالت لهما ان احدهم قام بالغاء حجزه قبل قليل. وقال غوميز انهما قضيا الليل هناك وغادرا في صباح اليوم التالي. ومع ان مرافق بن الشيبة ما يزال مجهولا بالنسبة للمحققين فان اوصافه تشير الى انه ربما يكون بهاجي المواطن الالماني من اصل مغربي، الذي صدر بحقه هو الآخر امر اعتقال دولي من المانيا. ولكن احد المسؤولين الاميركيين قال انهم لا يملكون وصفا دقيقا لمرافق بن الشيبة ولذلك يمكن ان يكون هو محمد عطا. وكان عطا قد غادر مدريد في السيارة المستأجرة صباح ذلك اليوم ولم يقم باي فندق حتى 13 يوليو. ولم يعثر على أي اثر لعطا او بن الشيبة في الفترة بين 10 و13 يوليو.

وفي يوم 13 يوليو ظهر عطا عندما زار وكالة سفر بتراغونا، واشترى تذكرة الى فلوريدا يوم 19 من الشهر ذاته. وقد اقام في عدة فنادق في الايام التالية وكان يتحرك لانه لم يجد حجزا لاكثر من ليلة واحدة اثناء هذا الفصل المزدحم. وفي 16 يوليو عاد بن الشيبة الى المانيا، حسب معلومات المحققين.

وباكتمال التحضيرات للهجوم بعد اجتماع اسبانيا وبعد وصول التحويلات النقدية الى موساوي، هرب بن الشيبة من المانيا يوم 5 سبتمبر. ويعتقد المحققون انه اختفى في منطقة القبائل بباكستان، بعد ان سلك طريقا غير مباشر مر خلاله باسبانيا، وذلك قبل هجمات سبتمبر بايام قليلة.

وفي ديسمبر 2001 ظهر بن الشيبة في شريط فيديو آخر حصلت عليه القوات الاميركية بعد قصف منزل محمد عاطف، القائد العسكري لتنظيم «القاعدة». وقد نظر بن الشيبة بعيون واسعة الى الكاميرا والقى كلمات يتعهد فيها بمواصلة «الجهاد».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»