الولايات المتحدة تعد أول استراتيجية عسكرية للحرب الوقائية بعد هجمات سبتمبر

الخطة تتخلى عن البرنامج الصاروخي وتركز على التهديدات الجديدة

TT

تكشف خطة سرية أعدتها وزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون) ان الولايات المتحدة تعتزم التركيز خلال السنوات الخمس المقبلة على محاربة التهديدات المشابهة للتهديد الذي خلفه الوضع الأفغاني، إضافة إلى مواجهة مخاطر أسلحة الدمار الشامل وتطوير أسلحة أكثر دقة.

ويسعى «دليل الخطة الدفاعية» للفترة بين عامي 2004 و2009، إلى البدء بتنفيذ الخطة التي ستحل مكان استراتيجية فترة الحرب الباردة، حتى تتمكن القوات الأميركية من خوض حربين كبيرتين، وفي منطقتين مختلفتين، بشكل متزامن، وباستخدام أسلوب أكثر تعقيدا من السابق، حيث يتم وفقه تحقيق الهيمنة الجوية والفضائية على عدة جبهات.

ويمكن اعتبار الخطة الجديدة التي تغطي فترة الاعوام الخمسة والتي تجري مراجعتها سنويا، الأولى من نوعها منذ هجمات 11 سبتمبر (ايلول) الماضي، من حيث التحول السريع نحو استخدام أجهزة حربية شديدة التطور. وكان مثل هذا التحول قد طرأ لأول مرة أثناء حرب الخليج عام .1991 والوثيقة السرية، التي اطلعت عليها «لوس انجليس تايمز» وتنشر فحواها «الشرق الأوسط»، تطالب الدوائر العسكرية بأن تقوم بتطوير قدرات أكبر في تنفيذ هجمات وقائية «بدون سابق إنذار». ويمكن اعتبار مثل هذه الهجمات رؤية عسكرية جديدة كان الرئيس جورج بوش قد طرح خطوطها العريضة في مايو (ايار) الماضي عند القائه خطابا في حفل تخرج جرى في الأكاديمية العسكرية الأميركية الواقعة بمنطقة «ويست بوينت» في نيويورك.

وفكرة الهجمات الوقائية احتلت مكانة مركزية في مضمون الوثيقة السرية التي وقع عليها وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد يوم 3 مايو (ايار) الماضي، والتي طرحتها الإدارة الأميركية لاحقا، تحت اسم «دليل الخطة الدفاعية»، على قادة عسكريين كبار كي يصيغوا وفقها خططهم وميزانياتهم في العقد المقبل وما بعده. وتكشف الوثيقة التحول الكبير الذي طرأ في تفكير دونالد رامسفيلد وزعماء مدنيين آخرين منذ هجمات 11 سبتمبر.

ووفق الخطة السرية، فقد تم التخلي عن الاهتمامات السابقة بتطوير الأنظمة الدفاعية المضادة للصواريخ، وتطوير الأسلحة المنشورة في الفضاء، والبرامج الاخرى المعدة لحماية الولايات المتحدة من هجمات خارجية تقليدية. فبدلا من ذلك، أصبح التركيز الجديد على اسلوب يعتمد أكثر على التدخل وعلى استراتيجية تفضيل الفعل العسكري. ووفق هذه الاستراتيجية ستكون الولايات المتحدة جاهزة باستمرار للقيام بهجمات عسكرية في شتى أنحاء العالم، وفي أي وقت تشعر فيه بأن أمنها قد يكون موضع تهديد ما.

وتحمل الاستراتيجية شعاراً جديداً هو «الردع المبكر»، وتطلق على الأداة التكتيكية للخيار العسكري وصف «الهجمات بدون سابق إنذار». وما تعنيه هذه العبارات المضللة على صعيد التطبيق العملي هو التزام جديد ومتسع لعقيدة خوض الحرب من مسافة بعيدة. وتشكل حرب الولايات المتحدة في أفغانستان نموذجا للاستراتيجية الجديدة.

وفي هذا الصدد، كتب رامسفيلد في الآونة الاخيرة في مجلة «قضايا خارجية» الاميركية «التحدي الذي نواجهه في القرن الواحد والعشرين يتمثل في قدرتنا على الدفاع عن مدننا، وأصدقائنا وحلفائنا، وعن قواتنا العسكرية المنتشرة خارج الولايات المتحدة، إضافة إلى أجهزتنا الفضائية وشبكات الكومبيوتر، من أشكال هجوم جديدة». مضيفاً أنه يتعين على القوات العسكرية الاميركية «ان ترسل لمسافات طويلة كي تحارب خصوما جددا».

ويتحدث «دليل الخطة الدفاعية» بصياغة دقيقة عن هذه الفكرة التي يتنبأ فيها رامسفيلد بتحويل الجيش الأميركي إلى قوة ضاربة على المستوى العالمي، يكون فيها قادرا على تنفيذ الهجمات لوحده، وفي أي مكان من العالم، وفي أي وقت يقرره، مع احتمال وقوع خسائر ضئيلة في صفوفه.

وتدعو الخطة الجديدة الى مواصلة الالتزام بدعم تطوير نظام الدفاع المضاد للصواريخ وتطوير أساليب مواجهة ما يسميه الدليل بـ «الهجمات المتماثلة» التي قد تشنها بعض القوى الأجنبية التي لا تستطيع أن تتحدى الولايات المتحدة في ميدان الأسلحة التقليدية، لكنها قد تكون قادرة على إلحاق أضرار كبيرة بالولايات المتحدة عبر استخدام الارهاب أو أسلحة الدمار الشامل. وتخصص الخطة كذلك دعماً قوياً لمسألة الدفاع على الأراضي الأميركية.

لكن هذه الأولويات التقليدية تم حجبها في الدليل الجديد لصالح اولويات أخرى، بشكل قلل من تسليط الضوء على المسائل التي تهم الرأي العام. ويوضح رامسفيلد أن ما يريده من المؤسسة العسكرية الأميركية هو أن تركز على تطوير أسلحة وقوات قادرة على تنفيذ «هجمات بدون سابق إنذار لإلحاق هزيمة سريعة بالأعداء من منطلق الردع المبكر». ولتحقيق الهجوم الجوي يتطلب ذلك، حسب رامسفيلد، «دقة عالية جدا في التنفيذ» واستخدام كميات كبيرة من المعدات الأصغر حجماً والأكثر دقة، مشيراً إلى أن غالبية هذه المعدات يمكن إطلاقها من طائرات بلا طيارين.

وبالنسبة للدوائر المعنية الأخرى، فان الرؤية العسكرية الجديدة تعني تركيزا أكبر على جمع المعلومات الاستخباراتية حول الأعداء المحتملين والمخاطر التي قد يسببونها للولايات المتحدة، وتقنيات جديدة لشن حروب كومبيوترية ضد الاتصالات وأنظمة تكنولوجيا المعلومات، وتركيز أكبر على استخدام «القوات الخاصة».

وتركز الوثيقة على عدو غير تقليدي شبيه بما واجهه الجنود الأميركيون في أفغانستان، ويختلف عما كان يجري في الحروب السابقة التي يتواجه فيها الجنود ضد الجنود. وتركز كذلك على اعداد كبيرة من الوحدات العسكرية التقليدية والأسلحة الجاهزة للاستخدام ضد أعداء شبيهين بكوريا الشمالية والصين.

وتوجه الخطة الجديدة الدوائر العسكرية الأميركية كي تنفق مواردها المالية على خمسة مجالات هي: مواجهة الإرهابيين، وأسلحة الدمار الشامل، وميدان الاستخبارات، وحرب الكومبيوترات، وتطوير قدرات الهجوم الجوي والأنظمة العسكرية في الفضاء.

ويشير دليل الخطة الدفاعية ايضا الى اهداف محددة مثل تطوير أسراب الطائرات المقاتلة بلا طيار، بحلول عام 2012، والصواريخ التي تزيد سرعتها عن سرعة الصوت وتستطيع التحرك بسرعة 600 ميل بحري في 15 دقيقة. وتستطيع هذه الصواريخ أن تحطم صواريخ الخصم قبل إطلاقها. وحدد أقصى تاريخ لصنع هذه الصواريخ بعام .2009 ويقول مسؤولو البنتاغون إن الخطة تنظم عملية التحول العسكري التي ظل رامسفيلد يبشر بها منذ توليه منصب وزير الدفاع. وتركز الخطة على قدرات مثل «الهجمات المفاجئة الشديدة الدقة»، كما تدعو إلى تطوير أسلحة تستخدم موجهات المايكروويف وأشعة الليزر وصناعة قنابل مغلفة بالسلاح الذري قادرة على تحطيم المخابئ المبنية داخل كهوف جبلية شبيهة بتلك الموجودة في أفغانستان.

ويعتقد ان استخدام هذه الأسلحة سيعزز من قدرات المؤسسة العسكرية الأميركية للشروع بهجمات سرية وقائية ضد انواع جديدة من الخصوم. وقال مسؤول كبير في البنتاغون طلب عدم الكشف عن اسمه، ان الخطة ستستفيد منها القوة الجوية أكثر من القوة البرية. وقد يكون لهذا الجانب تأثير على ردود فعل الدوائر العسكرية لها. فالوثيقة دعت إلى جعل «حرب الكومبيوترات «ذات «كفاءة جوهرية»، الامر الذي يتضمن حماية شبكات الكومبيوتر الأميركية وتدمير شبكات الخصم الكومبيوترية.

ويمكن اعتبار المخطط الجديد تحولا جذريا من استراتيجية «مبدأ التهديد»، الذي كان يهدف لمحاربة خصوم الولايات المتحدة مثل الصين وروسيا، إلى تبني نظام «مبدأ القدرات» المصمم ليطور الإمكانيات، على «ردع وعزل وهزم الخصوم الذين سيعتمدون على الخداع والمفاجأة في حربهم غير التقليدية كي يصلوا إلى أهدافهم».

لكن بعض المحللين العسكريين أبدوا مخاوفهم من أن يبعث المخطط الجديد برسالة مفادها أن الحروب يمكن خوضها مقابل تقديم خسائر بشرية ضئيلة عن طريق «ضغط زر الحرب».

ومع ذلك، فإنه يمكن استعمال بعض من عناصر التكنولوجيا التي اقترحها دليل الخطة الدفاعية في حروب تقليدية تجري عالميا على قياس واسع، حسب ما ذكره مسؤول من «مركز الدراسات الاستراتيجية الدولية» التابع للبنتاغون.

وانتقدت الخطة الجديدة بشكل غير مباشر أداء أجهزة الاستخبارات الأميركية، وطالبت بإجراء تغييرات جذرية في هذا المجال. وفي هذا الصدد تقول الخطة انه «من الضروري خلال المدى الزمني المتوسط أن نحول القدرات الاستخباراتية بشكل يجعلها قادرة على تنبيهنا من وقوع الأزمة قبل حدوثها بفترة مناسبة، وتحديد الأهداف الخطيرة». وتؤكد الخطة الجديدة على ضرورة تطوير وسائل جديدة للإشراف على الحملات العسكرية وقياس درجة نجاحها.

* خدمة «لوس آنجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»