إسبانيا تواصل تعزيز أسطولها البحري قبالة السواحل المغربية والرباط تعلن تشبثها بالخيار الدبلوماسي وتعتبر التصعيد الإسباني «مبالغا فيه»

الاتحاد الأوروبي يحث المغرب على سحب قواته من «ليلى» * دي بالاثيو: إرسال السفن «لغة رموز نفهمها جميعا»

TT

القاهرة ـ «الشرق الأوسط»: تسارعت امس وتيرة ردود الفعل الاسبانية والاوروبية ازاء اقامة المغرب مركز مراقبة في جزيرة ليلى او بريخيل، حسب التسمية الاسبانية، الواقعة في مياهه الاقليمية على بعد 200 متر من اليابسة. ففي الوقت الذي تواصل فيه اسبانيا تعزيز اسطولها البحري قبالة سواحل المغرب، وطلب فيه بيان صادر عن رئاسة الاتحاد الاوروبي (الدنمارك) من الرباط سحب قواتها «فورا» من الجزيرة، قال محمد بن عيسى وزير خارجية المغرب لـ«الشرق الأوسط» إن المغرب « متشبت بالخيار الدبلوماسي، وهناك اتصالات قائمة بين الرباط ومدريد».

واضاف المصدر ذاته انه ليست للمغرب اية رغبة في استفزاز اسبانيا، بيد أنه وصف التصعيد الاسباني بسبب اقامة بلاده مركز مراقبة في جزيرة ليلى بأنه «تصعيد مبالغ فيه، ولا يتناسب إطلاقا مع الوضع الحالي».

وذكر بن عيسى ان جزيرة ليلى تقع داخل المياه المحلية المغربية ولم يسبق أن كانت تحت السيادة الاسبانية.

وجدد بن عيسى التأكيد على أن المغرب يتطلع الى تهدئة الامور والتوصل الى تسوية الاوضاع عن طريق الحوار والعمل الدبلوماسي. وقال بن عيسى ان المغرب حين حصل على استقلاله، واسترجع الاقاليم الشمالية من اسبانيا، كانت جزيرة ليلى ضمن الاراضي المسترجعة.

واشار الى ان المغرب سبق له ان اوفد من حين لآخر دوريات الى الجزيرة كلما اقتضت الضرورة ذلك.

وفي اسبانيا، ارتأت أنا دي بالاثيو، وزيرة الخارجية الاسبانية، ان بلادها فعلت «ما كان يجب عليها عمله» اي قيامها بارسال سفن حربية الى قبالة سواحل جزيرة بريخيل (ليلى)، التي نشر فيها المغرب قوات عسكرية الخميس الماضي. وقالت ان «هناك لغة رموز نفهمها جميعا، من قبيل ارسال الدوريات». وجاءت تصريحات دي بالاثيو في مقابلة نشرتها صحيفة «الموندو» الاسبانية امس. وشددت وزيرة الخارجية الاسبانية الجديدة على وجوب عدم ممارسة «الخيال السياسي» وعلى عدم إخراج الاوضاع من إطار واقعها.

ورفضت الوزيرة ان تحدد الى متى تبدي بلادها استعدادا لانتظار رد من الرباط على طلب الانسحاب من الجزيرة. وقالت انه «في هذا المجال، لا يمكن اعطاء مهل».

واضافت «إننا نقول، نحن هنا. ليست المسألة خطيرة. إننا هادئون. نحن دولة ديمقراطية عضو في الاتحاد الاوروبي».

واردفت قائلة: انطلاقا من هنا سندع فترة من الوقت تمر، ثم سنحلل احتمال عدم صدور رد عن المغرب.

وكانت اسبانيا قد أرسلت اول من امس فرقاطة « نابارا» وطرادين الى قبالة شواطىء سبتة ومليلية.

وفي بروكسل، طلب الاتحاد الاوروبي امس من المغرب ضرورة الانسحاب الفوري للجنود المغاربة من جزيرة ليلى. وقال بيان مقتضب صادر عن الاتحاد الاوروبي، بث أمس على شبكة الانترنت، إن رئاسة الاتحاد، التي تتولاها الدنمارك حاليا، تعرب عن قلقها الشديد إزاء تطورات الاوضاع في الجزيرة، والتي أدت الى نشوب خلاف بين اسبانيا والمغرب.

واعلن البيان عن مساندة رئاسة الاتحاد لاسبانيا في هذا الخلاف، وحثها المغرب «على سحب قواته فورا» من الجزيرة. واعربت وزارة الخارجية الاسبانية امس عن «الرضا» تجاه بيان الرئاسة الدنماركية للاتحاد الاوروبي في دورته الحالية، الذي يطلب من المغرب سحب قواته «فورا» من جزيرة ليلى. وقالت مصادر دبلوماسية لوكالة الانباء الاسبانية «افي» ان هذا الاعلان هو «آخر خطوة دبلوماسية» جرت في النزاع الناشىء بين اسبانيا والمغرب بعد قيام افراد من القوات المسلحة المغربية بنصب خيمتين ميدانيتين ورفع علمين للمملكة المغربية على الجزيرة الصغيرة (ليلى) الواقعة على بعد حوالي 200 متر من الساحل المغربي. واشارت المصادر ذاتها الى انه «لم يكن من الممكن انتظار اقل من ذلك» من الرئاسة الدنماركية، واوضحت أن الشيء الوحيد الذي تستطيعه هذه الهيئة الرسمية هو «تحديد المواقف» عبر بيان، حيث أن اتخاذ قرار بما إذا كان من الضروري البدء في اجراءات اخرى، يدخل في دائرة اختصاص الدول الاعضاء بالاتحاد الاوروبي. وجاء بيان الرئاسة الاوروبية الحالية استجابة لمساعي الحكومة الاسبانية لدى الاتحاد الاوروبي لمطالبته بإعلان موقفه تجاه هذه المسألة. واوضحت المصادر أنه على الرغم من عدم تحديد مهلة قصوى لإنهاء وضع احتلال الجزيرة الصغيرة، فإن رغبة الحكومة الاسبانية هي إنهاء النزاع «في اسرع وقت ممكن»، على اساس أنه «ليس من الممكن تأجيله» الى أجل غير مسمى.

وقال مراقبون لتطورات أزمة جزيرة ليلى إن الرباط بدورها تنتظر مذكرة رسمية من إسبانيا لشرح ظروف قيام وحدات من البحرية الإسبانية قبل اسبوعين بمناورات في جزيرة «نكور» الواقعة قبالة مدينة الحسيمة (شمال المغرب). وكان وزير الخارجية المغربي، محمد بن عيسي، قد طلب رسميا من السفير الاسباني في الرباط أن تقدم مدريد توضيحات رسمية لبلاده حول المناورات التي قامت بها البحرية الإسبانية في جزيرة « نكور». وفي القاهرة، أجرى الأمين العام لجامعة الدول العربية، عمرو موسى، أمس اتصالاً مع وزير خارجية المغرب محمد بن عيسى تم خلالها التشاور بشأن الجزيرة المغربية ليلى.

واستمع موسى الى شرح قدمه له بن عيسى حول آخر التطورات،حيث أبدى موسى اهتمام جامعة الدول العربية بمتابعة المستجدات المتعلقة بهذا الأمر. واتفق موسى وبن عيسى على متابعة الاتصالات فيما بينهما في هذا الشأن.

وكان موسى قد صرح الليلة قبل الماضية، إجابة على اسئلة الصحافيين، أنه ليس لديه «إطّلاع سابق على المستندات» حول النزاع، ولهذا طلب من مدير مكتب الامانة العامة لجامعة الدول العربية، هشام يوسف، إعداد الملف اللازم بهذا الشأن. وفي سبتة، كان مقررا امس أن يقوم سكرتير الدولة الاسباني (وزير دولة) للشؤون الامنية، بيدرو مورينيس، بزيارة رسمية للمدينة الواقعة شمال المغرب، حيث سيعقد سلسلة لقاءات مع سلطاتها بعد أحداث جزيرة ليلى. ووفقا لما ذكرت مصادر من مندوبية الحكومة الاسبانية في مدينة سبتة، فسيجتمع سكرتير الدولة للشؤون الامنية بمندوب الحكومة المركزية في سبتة، لويس بيثينتي مورو، وبرئيس المدينة، خوان خيسوس بيباس (المنتمي الى الحزب الشعبي الحاكم في اسبانيا)، لمناقشة مسائل متعلقة بالوضع في المدينة في ظل الازمة القائمة مع المغرب. كما سيجري مورينيس محادثات مع كبار مسؤولي مندوبية الحكومة الاسبانية في سبتة، إلا أن مواضيع المحادثات لم تعلن رسميا.

وعلم من مصدر في مرفا سبتة ان اسبانيا ارسلت امس فرقاطة أخرى لتعزيز اسطولها البحري قبالة سبتة ومليلية. وذكر المصدر ان الفرقاطة نومانسيا غادرت مرفا روتا الذي ترسو فيه، والواقع في اقصى جنوب غربي شبه الجزيرة الاسبانية منتصف نهار أمس، على ان تصل صباح اليوم الى سبتة النقطة الاقرب الى جزيرة ليلى.

ويرتفع بذلك عدد السفن الحربية التي ارسلتها مدريد بهدف «طمأنة» سكان سبتة ومليلية كما اعلن رسميا، الى اربع.

وستنضم نومانسيا الى الفرقاطة نابارا قبالة سبتة، بينما السفينتان انفنتا ايلينا وكازادورا مبحرتان قبالة مليلية.

وذكرت معلومات لم تتأكد رسميا نقلتها وكالة الصحافة الفرنسية ان رئيس الحكومة الاسبانية خوسيه ماريا ازنار عقد امس اجتماعا طارئا مع نائب رئيس الوزراء ماريانو راجوي ووزير الدفاع فيديريكو تريو ـ فيغيروا.

وكان الهدوء وحركة المرور الضئيلة للاشخاص بالمعبرين الحدوديين اللذين يفصلان مدينة سبتة عن الاراضي المغربية هما سمة الساعات الاولى من صباح امس بهذه المدينة. ووفقا لما ذكرت مصادر امنية لوكالة الانباء الاسبانية «افي»، فإن حركة مرور المشاة عبر نقطة بني انصار الحدودية الشمالية ( مليلية) ومعبر تاراخال الحدودي ( سبتة) كانت «ضئيلة»، وهو شيء معتاد في يوم الاحد من كل اسبوع نظرا لكونه احد يومي العطلة الاسبوعية. واشارت المصادر الى أن عدد المارة سيزداد مع تقدم ساعات النهار، وخاصة مع وصول السياح القادمين من الاراضي الاسبانية بشبة الجزيرة الايبيرية، بالاضافة الى اهالي سبتة الذين اعتادوا قضاء عطلة يوم الاحد بأراضي المغرب. وعلاوة على ما سبق، كان منتظرا أن يزداد امس عدد المسافرين المغاربيين الذين سيعبرون الحدود في اطار «عملية عبور المضيق»، حيث كان يوم امس احد «ايام الذروة» في عملية عبور مياه مضيق جبل طارق التي يقوم بها المهاجرون المغاربيون الذين يعملون بالدول الاوروبية ويسافرون لقضاء اجازة الصيف في بلادهم. وفي الرباط، لوحظ أن وسائل الإعلام الرسمية المغربية (التلفزيون ووكالة الأنباء الرسمية) تجاهلت تطورات أزمة جزيرة ليلى بشكل تام، فيما ظلت تخصص الحيز الأكبر من تغطياتها لفعاليات حفل زفاف الملك محمد السادس.

وميدانيا لوحظ أن قطع البحرية الإسبانية التي تراقب جزيرة ليلى لم تتقدم نحو الجزيرة، وبالتالي فإن أي تقدم لوحدات البحرية الإسبانية في هذا الإتجاه سيؤدي إلى إنتهاك المياه الإقليمية المغربية.

وتواصل أربعة زوارق بحرية إسبانية، إثنين تابعين للبحرية وإثنين تابعين للحرس المدني،تمركزها قبالة جزيرة « ليلى».

وذكرت مصادر إعلامية إسبانية أن أربع طائرات مروحية وغواصة، تؤمنان وضع السفن البحرية الإسبانية الموجودة قبالة مدينتي سبتة ومليلية.