إسبانيا تحذر المغرب من فرض سياسة الأمر الواقع .. وبن عيسى يؤكد عدم سحب الجنود من جزيرة «ليلى» ويشدد على الحوار

TT

في الوقت الذي حذّر فيه رئيس الحكومة الاسبانية، خوسي ماريا ازنار، امس المغرب من ان اسبانيا «لن تقبل بوقائع مبنية على سياسة الأمر الواقع»، اثر اقامة وحدات عسكرية مغربية في جزيرة بيريخيل (ليلى)، ذلك ان وقائع من هذا النوع «لا تسهم الا في تدهور» العلاقات الثنائية، اكد وزير الخارجية المغربي، محمد بن عيسى امس في الرباط ان المغرب لن يسحب جنوده من جزيرة «ليلى» لاعتباره انها منطقة مشمولة بالسيادة المغربية. وأعلن بن عيسي في مؤتمر صحافي عقده أمس رفقة الطيب الفاسي الفهري كاتب الدولة (وزير الدولة) في الخارجية والتعاون أن بلاده قدمت مذكرة رسمية أمس لاسبانيا عبر سفيرها المعتمد في الرباط، تتضمن عناصر الرد المغربي على المذكرة الشفوية التي وجهتها وزارة الخارجية الاسبانية للسفارة المغربية في مدريد قبل ثلاثة أيام.

وفي رده على سؤال حول موقف الاتحاد الأوروبي المؤيد للموقف الاسباني والداعي لانسحاب فوري من الجزيرة، قال بن عيسى ان بلاده فوجئت بتصريحات الناطق باسم رئاسة الاتحاد الأوروبي، لأن الرئاسة لم تطلع على كافة المعطيات الضرورية وعلى الجدلية المغربية القانونية والتاريخية بخصوص الوضع في جزيرة ليلي. وأضاف أن المغرب بصدد تقديم عناصر الموقف المغربي للاتحاد الأوروبي، معربا عن اعتقاده ان الاتحاد الأوروبي سيكون له المام كامل بالموضوع بعد اطلاعه على تلك العناصر، والذي يعتمد على القنوات الدبلوماسية والحوار كوسيلة وحيدة لحل مثل هذه القضايا. وأعرب بن عيسي عن اعتقاده بأن الاتحاد الأوروبي ليس طرفا في الخلاف الاسباني ـ المغربي حول الجزيرة، وهو خلاف يكتسي طابعا ثنائيا. وحول التصعيد العسكري الاسباني، قال بن عيسي «لقد فوجئ المغرب بموقف السلطات الاسبانية، لأن الموضوع لا يستحق كل هذا التهويل والتصعيد في الكلام والحركة»، مشيرا الى ان بلاده تأمل بعد ردها على المذكرة الاسبانية أن «تتفهم السلطات الاسبانية الموقف المغربي وتعتمد ما شرحناه لها، وبالتالي يحاول الطرفان المغربي والاسباني احتواء هذا الظرف عن طريق الحوار والقنوات الدبلوماسية». وأضاف ان الحوار سيكون وسيلة لبحث سبل ضمان الأمن في منطقة مضيق جبل طارق في اطار المصالح المشتركة والتعاون بين البلدين.

وأكد بن عيسي أن المغرب ليس لديه أية نية بتاتا وعلى الاطلاق في تصعيد من أي نوع، وبالأحرى التصعيد العسكري، واذا كان هنالك من يريد تصعيد الأمور فان المغرب سيكون أول من يعارض هذا الاتجاه.

ومن جهته، وصف الطيب الفاسي الفهري كاتب الدولة المغربي في الخارجية ما يحدث الآن بين المغرب واسبانيا بأنه «سوء تفاهم، ويتعين أن نبين بشكل واضح تمييز موضوع جزيرة ليلي عن النزاع التاريخي القائم بين البلدين حول مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين والجزر الجعفرية، وهو نزاع يبقى قائما».

وقال الفاسي الفهري ان مطالبة المغرب عبر الأمم المتحدة سنة 1975 بانهاء الاحتلال الاسباني لمدينتي سبتة ومليلية والجزر، لم يتضمن الاشارة لجزيرة ليلي لأن المغرب يعتبرها جزءا من مناطقه الشمالية المحررة من الاستعمار الاسباني منذ سنة .1956 وأوضح الفاسي الفهري ان «وجود 12 عنصرا من الأمن المغربي على الجزيرة لا يشكل أي عمل هجومي أو اعتداء، أو حسابات، ولا يندرج بأي وجه ضمن مقاربة مغربية في هذا الاتجاه، حتى تقابل برد فعل في هذا الاتجاه أو ذاك، ان الأمر لا يتجاوز كونه عمليات عادية يقوم بها الأمن المغربي، ولذلك فان المغرب فوجئ بالتضخيم والنظرة العنيفة التي اتسم بها رد الفعل الاسباني ازاء الموضوع».

ونفى الفاسي الفهري حدوث أي اختراق للمجال الجوي المغربي من قبل طائرات عسكرية اسبانية، وذلك خلافا لما تردد في اليومين الأخيرين بشأن تحليق طائرات « اف 18» فوق مدينتي طنجة وتطوان (شمال البلاد).

وحول الطابع العسكري الذي يأخذه موضوع الجزيرة وكيفية رده في حالة فرض عليه الانسحاب، قال بن عيسي «لقد وقع تضخيم لهذا الموضوع الذي لا يستحق كل هذا التصعيد»، وأضاف ان «المغرب ليس لديه أية نية لعسكرة هذا الوضع».

وقال «ان المغرب مارس حقا وطنيا في المراقبة الأمنية في نطاق ترابه الوطني، وهو حق مارسه في الماضي ويمارسه الآن وسيستمر في ممارسته مستقبلا».

واعتبر بن عيسي أن موضوع جزيرة ليلى لا علاقة له بتطورات المفاوضات بين لندن ومدريد حول جبل طارق، كما انه لا يرتبط بحادث المناورات العسكرية،التي قامت بها وحدة من البحرية الاسبانية في جزيرة نكور قبالة مدينة الحسيمة (شمال المغرب).

وأبرز رئيس الحكومة الاسبانية في مداخلته في مناظرة «حالة الأمة» بمجلس النواب الاسباني، ان الحكومة الاسبانية ابلغت الرباط بانها ترغب في الحفاظ على علاقات دبلوماسية منسابة «لا يمكن ان تقوم الا على الاحترام المتبادل»، ولذلك «فانه مما لا غنى عنه العودة الى الوضع القانوني السابق على احتلال الجزيرة». وشدد رئيس الحكومة الاسبانية على «اننا نبذل كل الجهود الدبلوماسية من اجل اعادة احلال الشرعية الدولية». وقال «لن تقبل اسبانيا بسياسة الأمر الواقع».وذكّر بأن الحكومة قد اعلنت عن موقفها «ازاء وقائع لا تسهم الا في تدهور علاقات ينبغي ان تكون طبيعية بين الدولتين الجارتين». واختتم ازنار قائلا: «انا على اقتناع بأن الحكومة، امام قضية من هذا القبيل، ستلقى مساندة الغالبية الساحقة في مجلس النواب». وكانت وزيرة الخارجية الاسبانية، آنا دي بالاثيو، قد صرحت صباح امس بأن يصحح نظيرها المغربي، بن عيسى «ما يبدو انه يقوله عبر ما قرأته، لأجزاء من اقواله في الصحافة»، وألا يفتح مسائل مغلقة «لم تخضع للنقاش» و«لا تقبل النقاش». وقال بن عيسى في تصريحات صحافية نشرت امس، ان ردود فعل الاتحاد الأوروبي واسبانيا بدت له «مبالغا فيها تماما» واقترح اجراء حوار حول «عدد من المشاكل المعلقة، بما في ذلك جزيرة ليلى». وفي تصريحات لاذاعة «راديو ناثيونال» الاسبانية، اشارت دي بالاثيو «لدينا علم بأن تصريحاته (بن عيسى) ظهرت في الصحافة، لكنها لا تقدم موقفا متماسكا وواسعا». وكانت الوزيرة الاسبانية قد اضافت في تصريحاتها انها تنتظر من وزير الخارجية المغربي، خلال مثوله امس في مؤتمر صحافي امام وسائل اعلام دولية، «ألا يلجأ الى نزعة الضحية وألا يحاول كذلك فتح مسائل مغلقة تماما لأنها لم تخضع للنقاش وغير قابلة للنقاش». وقالت: «موضوعا سبتة ومليلية اللذان قصدهما الوزير بن عيسى على ما يبدو في جانب من تصريحاته،هما ما اعني بقولي، انهما من المواضيع التي لم تخضع للنقاش في المحفل الدولي، ولا تقبل النقاش». واعتبرت وزيرة الخارجية الاسبانية في تصريحاتها انه يجب على نظيرها بن عيسى ان يأخذ في الاعتبار ما يحثّه عليه كل من الاتحاد الأوروبي واسبانيا.

ومن جهته، قال سكرتير الدولة الاسباني (وزير دولة) لشؤون الأمن، بيدرو مورينيس، امس في مليلية ان اسبانيا «لن تتخلى عن اي نوع من الاجراءات الشرعية التي قد تستدعيها الحاجة في اي وقت كان» اذا استمر المغرب في مسلك «غير مبرر فعلا» مثل اقامة مركز مراقبة في جزيرة ليلى.

واعرب مورينيس عن ان اسبانيا ستتصرف «مثلما يجب ان تتصرف البلدان التي لها تراث عريق من القانون الدولي والتي تنتمي الى مصاف البلدان المتحضرة»، مما يعني الاستمرار في المستويات المختلفة للطريق الدبلوماسية حتى الوصول الى اجراءات للضغط «من كل الأنواع». وقال مورينيس انه يعقد «الأمل» على ان يقوم المغرب «بالتأمّل حول ما فعله وابعاد ذلك وان يستدرك عمله بمغادرة جزيرة بيريخيل الصغيرة فورا». وفيما يتعلق بمقترح وزير الخارجية المغربي، بشأن فتح حوار مع اسبانيا حول «عدة مشاكل معلّقة، بما في ذلك مشكلة جزيرة ليلى» (التسمية المغربية لجزيرة بيريخيل)، والذي فهمته الحكومة الاسبانية على انه تلميح الى سبتة ومليلية، اشار مورينيس الى ان هذا الموضوع «واضح على الاطلاق للحكومة ولاسبانيا بأسرها». واشار الى ان هذا «الادّعاء» من طرف الوزير المغربي حول سبتة ومليلية ليس له في نظر اسبانيا «اي كيان واي معنى، ولا ينتمي الى هذا الوقت وافهم انه لن يكون محط تفاوض على الاطلاق». وفي شأن وصف بن عيسى امس لردود فعل الاتحاد الأوروبي واسبانيا على احتلال الجزيرة الاسبانية الصغيرة بانها «مبالغ فيها تماما»، اشار سكرتير الدولة لشؤون الأمن ان «الأمر الوحيد المبالغ فيه هنا هو ما فعله المغرب بالدخول الى الجزيرة وتمزيق وضع قانوني (قائم) مع اسبانيا منذ زمن طويل». وقال وزير الزراعة الاسباني، ميغيل ارياس كانيتي أمس ان حادث جزيرة بيريخيل (ليلى) قد يؤثر على المفاوضات بين المغرب والاتحاد الاوروبي من أجل التوصل الى اتفاق زراعي. واكد ارياس عند دخوله الى مقر اجتماع وزراء الزراعة في دول الاتحاد الاوروبي ان من «البديهي» ان هذا الحادث «لا يسهل» المحادثات بين الاتحاد الاوروبي والمغرب من أجل تجديد البروتوكول الزراعي من اتفاق الشراكة القائم بينهما. وقال الوزير الاسباني انه رغم ان هذه القضية «ليست من اختصاص وزارتي، فهي تؤثر في العلاقات بين الاتحاد الاوروبي والمغرب اللذين يربطهما اتفاق شراكة تندرج فيه مصالح زراعية مطروحة الآن على الطاولة». وبدأت فرقاطة «نابارا» الاسبانية امس سلسلة من المناورات والتمارين التكتيكية في المياه القريبة من سبتة، بينما بقيت فرقاطة نومانثيا، التي وصلت فجر امس الى ميناء المدينة، راسية بمحاذاة مبنى السلطة المرفئية. وعلمت وكالة الأنباء الاسبانية «افي» من مصادر السلطة المرفئية ان فرقاطة «نابارا «أبحرت صباح امس بنيّة اجراء تمارين في مياه خليج قادش وبحر البوران، مثلما قال قائد الفرقاطة، غونثاليث رودريغيث، خلال مؤتمر صحافي، في حين، ظلّت فرقاطة نومانثيا، راسية قبالة مبنى السلطة المرفئية. وفرقاطة نابارا، التي تحمل طاقما من 190 فردا، قطعة بحرية قاذفة للصواريخ الموجّهة FGG وصُممت في الولايات المتحدة للقيام بمهام خفر وحراسة المراكب البرمائية أو حاملات الطائرات. وانطلقت فرقاطة «بالياريس» في الساعة الرابعة من فجر امس، بالتوقيت المحلي، من مدينة فيرول، في محافظة لاكورونيا (شمال غرب) في اتجاه قاعدة روتا (قادش، جنوب) للانضمام الى قطع الحراسة المواكبة لحاملة الطائرات «برينسيبي دي استورياس» الراسية في هذه القاعدة، حسب مصادر البحرية الاسبانية. وقالت المصادر ان الأمر يتعلق بمناورة «اعتيادية» في ظل الظروف الحالية، ذلك ان اثنتين من الفرقاطات التي تؤلف موكب حراسة حاملة الطائرات المذكورة (نابارا ونومانثيا) توجدان الآن في ميناء مدينة سبتة، بعد انتقالهما الى هناك بأمر من الحكومة. ونفى سلاح البحرية ان يكون لانتقال فرقاطة «بالياريس» علاقة مباشرة بعملية نشر القطع الحربية التي اجراها سلاح البحرية في مدينتي سبتة ومليلية، وابرز ان الأمر يتعلق بحركة «طبيعية» في وقت تقوم فيه قطع اخرى لحراسة حاملة طائرات «برينثيبي دي استورياس» بمهام اخرى. ويتضمن الجهاز الذي تم تطبيقه حتى الآن في منطقة مضيق جبل طارق فرقاطتي «نابارا» و«نومانثيا» الموجودتين في سبتة، وغرابيّتي «كاثادورا» و«انفانتا ايلينا» في مليلية. علاوة على ذلك،نقل السلاح البري والسلاح الجوي الى المنطقة طائرات مروحية للنقل من طراز «كوجار» و«تشينوك»، تنجز مهام للنقل والدعم اللوجيستي، الى جانب طائرات للاستطلاع التصويري. ويستبعد سلاح البحرية في الوقت الراهن حصول حركات اكثر للقطع البحرية خلال الساعات المقبلة في المنطقة، حيث يسود وضع من «الهدوء». وابحرت البارجتان الاسبانيتان «كاثادورا» و«انفانتا ايلينا» صباح امس من ميناء مليلية للقيام بمناورات في المياه القريبة من هذه المدينة وبالقرب من الجزر الجعفرية وصخرة بيليث وجزر الحسيمة والبوران، وهي المناطق الاسبانية الموجودة شمال المغرب، حسبما ذكرت مصادر من القيادة العامة للقوات البحرية الاسبانية امس لوكالة الانباء الاسبانية «افي».