أربعة أحزاب يسارية مغربية تحل نفسها وتندمج في حزب سياسي واحد

TT

تواصلت أمس في الدار البيضاء أشغال المؤتمر التأسيسي لحزب اليسار الإشتراكي الموحد، الذي أعلنت فيه أربعة أحزاب يسارية مغربية عن حل نفسها للإندماج فيه. وكان المؤتمر قد إنطلق يوم السبت الماضي في جو احتفالي طبعه الحنين الى الفترة الذهبية للحركة اليسارية الثورية المغربية في السبعينات (حركة اليسار الجديد). وقال محمد بنسعيد آيت إيدر، أمين عام منظمة العمل الديمقراطي والشعبي، احد الاطراف المندمجة في الحزب الجديد،خلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر «لن ننسى الدور الذي لعبه اليسار الجديد خلال هذه الفترة التي كانت فترة نهوض للشباب في العالم وفترة بروز توجهات ثورية لتغيير الانظمة التبعية ومواجهة الهيمنة الامبريالية، ولن ننسى حملات القمع التي تعرض لها والتي ذهب ضحيتها جزء كبير من النخبة».

من جهته، اعتبر احمد حرزني، العضو القيادي في هيئة «الفعاليات اليسارية المستقلة» انعقاد المؤتمر التأسيسي لحزب اليسار الاشتراكي الموحد بمثابة انبعاث لحركة اليسار الجديد.وقال «ان اليسار الجديد كما هو معروف قد ادى ضريبة باهضة وغير مسبوقة على نضاله حتى ظن البعض انه انتهى وولى، فإذا به يعود الى الميدان كما نرى اليوم اكثر عنفوانا واكثر عزما على تحقيق مطالب الشعب المغربي». واضاف حرزني ان هذا الانبعاث يعتبر دليلا على ان حركة اليسار الجديد لم تكن «نزوة شباب» وانما هي تعبير اصيل عن حركة المجتمع وعن آلام وآمال وتطلعات طبقاته المسحوقة». ووصف عمر الزايدي، امين عام حزب الحركة من اجل الديمقراطية، المؤتمر بـ «العرس النضالي اليساري المتميز»، الذي مكن مكونات اليسار الجديد اخيرا من طي صفحة الشتات وتدشين مرحلة جديدة تتوخى تأسيس الحزب الديمقراطي الحداثي والجماهيري لتوفير الشروط النضالية الكفيلة بتحقيق التغيير المنشود. واعلن محمد مجاهد امين عام حزب حركة الديمقراطيين المستقلين ان اللقاء الوطني لحزبه المنعقد يوم 12 يوليو (تموز) الجاري ، قرر حل حركة الديمقراطيين المستقلين والانخراط في الوحدة الاندماجية وتأسيس حزب اليسار الاشتراكي الموحد، متوجا بذلك سيرورة شاقة وعسيرة من المحاولات والمبادرات الوحدوية، كهدف راود احلام اجيال متتالية من المناضلين اليساريين منذ السبعينات. وعبر مجاهد عن الاستعداد لتنفيذ قرار الحل في الوقت المناسب، صحبة باقي المكونات المشكلة لليسار الاشتراكي الموحد، التي اتخدت أجهزتها التقريرية قرارا مماثلا.

وترجع جذور حركة اليسار الجديد إلى نهاية الستينات وبداية السبعينات، حيث كانت إحتجاجات الطلبة في مارس ( اذار) 1965 على قرار وزارة التعليم بمنع التلاميد الذين تجاوزوا سن 17 سنة من ولوج السلك الثاني من الثانوي، بمثابة الفتيل الذي يسفجر الأوضاع السياسية المتأزمة بالمغرب. وأمام إتساع حركة الإحتجاجات تلك كان رد فعل السلطة عنيفا، وأسفر تدخل الجيش عن مقتل نحو 100 شخص واعتقال نحو 7000 شخص، مما أحدث رجة في المشهد السياسي وزعزع استقرار الأحزاب اليسارية التقليدية (حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ،وحزب التحرر والاشتراكية (الشيوعي سابقا)، وأدى إلى ظهور تيارات راديكالية بداخل الأحزاب التقليدية وعلى هامشها. وتشكلت الحلقات الماركسية - اللينينية الأولى في مدن مراكش وفاس والدار البيضاء والرباط، وقد ساهمت الأحداث العالمية آنداك، خصوصا حرب 1967، والثورة الثقافية في الصين، والأحداث الطلابية في فرنسا عام 1968، في توسع الحركة التي ستعرف فيما بعد بحركة اليسار الجديد، وإلى تجذرها وتأسيس تنظيماتها السرية التي كان من أبرزها « 23 مارس» و«إلى الأمام» و«لنخدم الشعب» ومجموعات الطلبة القاعديين. ومع بوادر الإنفراج السياسي التي عرفها المغرب خلال النصف الثاني من السبعينات، ورفع حالة الحظر على الاتحاد الوطني لطلبة المغرب عام 1978 والعفو الملكي عام 1980 الذي سمح بعودة مجموعة من القياديين اليساريين من المنفى، بدأت فكرة الخروج من السرية والانتقال إلى العمل القانوني تتداول وسط مكونات الحركة. وطرحت الفكرة بجدية خلال مؤتمر منظمة «23 مارس» عام 1979 في الخارج، وتم التهيء لها عبر إصدار جريدة «أنوال» إبتداءا من شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من نفس السنة. ودخلت قيادة المنظمة إلى المغرب في مارس (اذار) 1981، إلا أن الأحداث التي شهدها المغرب في يونيو (حزيران) 1981، والتي أعادت للأذهان ذكريات أحداث مارس 1965 التي تأسست في سياقها المنظمة علقت قرار الإعلان عن التحول للعمل القانوني، الذي لم يتحقق إلا عام 1983 حين تأسس حزب «منظمة العمل الديمقراطي والشعبي» وسط انتقادات باقي مكونات حركة اليسار الجديد. غير أن توجه المغرب نحو مزيد من الانفراج السياسي، رغم الترددات والارتباكات التي شابته والتغيرات العالمية ، كلها عوامل اعادت مسألة التحول للعمل العلني، إلى واجهة اهتمامات مكونات حركة اليسار الجديد.

فابتداء من عام 1990 انطلق ما سمي آنذاك بحركة تجميع اليسار، لكن هذه الحركة بدل أن تتمخض عن تنظيم سياسي موحد أدت إلى بروز تنظيمات متفرقة. فظهر حزب «الحركة من أجل الديمقراطية» الذي أعلن منذ 1995 عن تحوله إلى العمل القانوني في إطار الثوابت المتعارف عليها بالمغرب، النظام الملكي والوحدة الترابية التي كانت من أبرز أسباب التوتر بين الدولة وحركة اليسار الجديد بسبب موقف بعض مكوناته الداعية إلى تقرير المصير في الصحراء. وتلاه حزب «حركة الديمقراطيين المستقلين» الذي تشكل أساسا من العناصر المتحدرة من «المجموعات القاعدية» التي كانت نشطة خلال عقدي السبعينات والثمانينات وسط الحركة الطلابية المغربية. ورغم ذلك ظل جزء مهم من مكونات يسار السبعينات خارج دائرة العمل القانوني حتى نهاية عقد التسعينات عندما أعلن قدماء المنتمين إلى منظمة «إلى الأمام» عن تأسيس حزب «النهج الديمقراطي» مباشرة بعد دخول الزعيم اليساري المغربي اليهودي أبراهام السرفاتي من منفاه بفرنسا.

وفي أكتوبر 2000 خلال مسيرة بالشموع إلى معتقل تزمامارت جنوب المغرب ، نظمتها جمعية «منتدى الحقيقة والإنصاف»، التي تمثل ضحايا الاختطاف والاعتقال السياسي بالمغرب، طرحت فكرة تجميع المفكرين اليساريين المستقلين، الذين ظلوا لاعتبارات مختلفة خارج التنظيمات والأحزاب السياسية. وتجسدت هذه الفكرة التي ولدت تحت الشموع بإنشاء «هيئة الفعاليات اليسارية المستقلة» التي ستشكل الطرف الرابع المندمج في حزب اليسار الاشتراكي الموحد، إلى جانب المستقلين الديمقراطيين والحركة من أجل الديمقراطية، والذي غاب عنه حزب «النهج الديمقراطي» المتحدر من منظمة «إلى الأمام»، المنافس الرئيسي لمنظمة «23 مارس» في السبعينات.

وتواصلت يوم امس اشغال المؤتمر التأسيسي وتم انتخاب 150 عضوا للجنة المركزية للحزب الجديد، عن طريق الاقتراع باللوائح، حيث اتفقت الأطراف الأربعة أن تتشكل اللجنة المركزية من 50 عضوا عن منظمة العمل الديمقراطي والشعبي، و41 عضوا عن حركة الديمقراطيين المستقلين، و31 عضوا عن الحركة من اجل الديمقراطية ، و28 عضوا عن الفعاليات اليسارية المستقلة. وكان الترشيح مفتوحا امام جميع المؤتمرين، كل حسب اللائحة التي ينتمي اليها. وبلغ العدد الإجمالي للمرشحين 300 مرشح. وتم فرز النتائج بالحاسوب.

وبعد انتخاب اللجنة المركزية سوف ينبثق عنها مكتب سياسي من 22 عضوا ينتخبون من بينهم امينا عاما للحزب، كما سيتشكل داخل اللجنة المركزية مجلس رئاسة يضم 8 اعضاء، بمعدل عضوين عن كل حزب من الاحزاب الاربعة المندمجة،والذي سيضطلع بمهام استشارية.

ورغم ترشح محمد بنسعيد آيت إيدر لعضوية اللجنة المركزية إلا أنه أعلن عن قراره عدم الترشح لمنصب الأمانة العامة للحزب الجديد. وذكرت مصادر قيادية في منظمة العمل الديمقراطي أن بنسعيد سيكون عضوا في مجلس رئاسة الحزب الجديد حسب الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين الأطراف المندمجة، ولم يستبعد اللجوء إليه لشغل منصب الأمانة العامة في حالة ظهور أزمة نظرا لمكانته النضالية كأحد رموز المقاومة وجيش التحرير خلال الفترة الاستعمارية ، وواحد من مؤسسي حركة اليسار الجديد في السبعينات. ولم تكشف الأطراف عن الشخصيات التي سيتشكل منها المجلس الرئاسي في انتظار الانتهاء من الانتخابات وتشكيل مختلف الأجهزة القيادية للحزب الجديد.