المتهم بمحاولة اغتيال شيراك يخضع لعلاج نفسي وأبلغ مسبقا يمينيين بنيته قتل الرئيس الفرنسي

برونري ترك رسالة إلكترونية على موقع للإنترنت قال فيها إنه سيكون «نجم السهرة» في برامج مساء الأحد

TT

اتصل الرئيس الفرنسي جاك شيراك مجدداً صباح امس بالاشخاص الأربعة الذين يدين لهم بالبقاء على قيد الحياة والنجاة من محاولة الاغتيال التي تعرض له اول من امس قبيل البدء بالعرض العسكري في جادة الشانزليزيه في باريس. وأبرز الاشخاص الأربعة، بلا شك، جاك ويبر، وهو مواطن فرنسي من منطقة الألزاس (شرق فرنسا)، كان دوره حاسماً في انقاذ شيراك من الرصاصة التي سددها له مكسيم برونري، الطالب الذي ينتمي الى اليمين المتطرف ومجموعات النازيين الجدد.

ووفق ويبر نفسه وشهادات آخرين، فانه هو الذي ضرب مكسيم برونري على معصمه وغير اتجاه الرصاصة التي انطلقت من بندقية المعتدي. ولو ترك هذا الأخير يسدد فوهة بندقيته التي اشتراها في 6 يوليو (تموز) من مدينة ايفري (جنوب باريس) لكان أصاب شيراك وربما ارداه قتيلاً. ولم يكتف ويبر الذي رد على شكر شيراك له بالقول انه «لم يفعل سوى واجبه»، بل انه سعى الى انتزاع البندقية من المعتدي الذي منعه كذلك من الانتحار.

والى جانب ويبر، لعب مواطن فرنسي ـ كندي من أصل جزائري اسمه محمد شلال دوراً كبيراً في انقاذ شيراك، ذلك ان شلال الذي جاء الى باريس بغرض السياحة، رمى بنفسه على مكسيم برونري وساعد في السيطرة عليه وفي انتزاع بندقيته بانتظار وصول رجال الأمن الذين كانوا منتشرين بكثافة يوم العرض العسكري، وبالرغم من نشر 4000 رجل أمن في منطقة مستديرة ايتوال وعلى طول جادة الشانزليزيه، فمن المستحيل تفادي عملية من النوع الذي قام به مكسيم برونري، خصوصاً ان عشرات الآلاف من الأشخاص يصطفون، تقليدياً، على طول جادة الشانزليزيه وعلى الشرفات المطلة وعلى الشوارع التي تفضي الى اشهر جادة باريسية.

وزاد من صعوبة تفادي حصول محاولة الاغتيال ان المعتدي قام بها منفرداً. وتبدو اوساط التحقيق الفرنسية مقتنعة من ان برونري ليس الاصبع الذي ضغط على الزناد في مؤامرة تستهدف القضاء على رئيس الجمهورية الفرنسية واحداث البلبلة والاضطراب داخل احد البلدان الرئيسية في الحرب على الارهاب. كذلك فان انتماء برونري الأكيد الى تيار اليمين المتطرف والتجمعات النازية الجديدة يبعد بشكل أكيد الشبهة عن الحركات الاسلامية الأصولية التي اظهرت التحقيقات التي أجريت في فرنسا، منذ 11 سبتمبر (ايلول) الماضي انها حاضرة على الأراضي الفرنسية ولها خلايا منظمة وقادرة على التحرك.

وتبدو المحاولة من صنع هواة وليست وليدة أجهزة او منظمات. فمن الصعب اعتبار مكسيم برونري محترفاً وهو الذي أخرج بندقيته من علبة بنية اللون تستخدم لنقل آلة الغيتار، فيما هو محاط بالعشرات والمئات من المتفرجين. يضاف الى ذلك ان البندقية التي اشتراها قبل اسبوع من محاولته قتل رئيس الجمهورية الفرنسي، رغم انها قادرة على ارداء شيراك عن بعد 150 متراً إلا انها ليست السلاح الأمثل لذلك. وكان بامكان القاتل ان يتسلح ببندقية حربية مجهزة بآلة تصويب وان يطلق النار على شيراك من شرفة احد الأبنية او من على أحد السطوح المطلة على جادة الشانزليزيه او ساحة ايتوال او حتى قريباً من ساحة الكونكورد، حيث المنصة الرسمية.

غير ان هذا العمل المنفرد لا يعني ان برونري، الذي يعاني من مشاكل نفسية واضطرابات عقلية، لم يقم بعمله عن سابق تصور وتصميم. فقد اثبتت تحقيقات أجهزة الأمن انه أعلم افراداً آخرين ينتمون الى المجموعات النازية الجديدة عن رغبته في قتل شيراك الذي أعيد انتخابه رئيساً في الخامس من مايو (ايار) الماضي. غير ان هؤلاء لم يأخذوه على محمل الجد. ولم تكشف عملية المداهمة التي قامت بها وحدة مكافحة الارهاب في منزل الطالب برونري عن اية عناصر اضافية ذات معنى، سوى انه اشترى كمية كافية من الطلقات ومنشورات وكتب تفيد عن خياراته الآيديولوجية لا بل النازية.

وأعلن وزير الداخلية الفرنسي نيكولا سركوزي، اول من امس، ان البندقية التي استخدمها برونري وهي من نوع 22 ملم ويمكن شراؤها بسهولة من أي محل لبيع المفرقات والأسلحة النارية، كانت محشوة بخمس طلقات، مما يعني ان المعتدي كان ينوي الاستمرار في اطلاق النار على موكب الرئيس كما كان ينوي الانتحار بعد عملية الاعتداء.

ومن الأدلة على سابق التصور والتصميم، ان برونري ترك رسالة الكترونية على موقع للانترنت في بريطانيا يدعو فيها الى مشاهدة البرامج الاخبارية التلفزيونية لمساء الأحد، وجاء في الرسالة انه سيكون «نجم السهرة» في تلميح الى محاولته قتل الرئيس شيراك.

وحتى عصر امس، كان مكسيم برونري ما زال تحت اشراف اطباء «وحدة المعالجة النفسية» التابعة لمديرية الشرطة في باريس، بسبب حالة الاضطراب العقلي التي لمسها المحققون، منذ القاء القبض عليه وسوقه الى مكاتب «وحدة مكافحة الاجرام» القائمة في وسط العاصمة. ويعود لهؤلاء الأطباء الافتاء بشأن حالة برونري: فهم اما يعتبرونه مالكاً لقواه العقلية وبالتالي يمكن تسليمه للجهاز الأمني المختص ثم الى القضاء وإما يعتبرون ان حالته العقلية لا تتيح، في الوقت الحاضر استمرار استجوابه ومن ثم تسليمه الى قاضي التحقيق ويجب، تالياً ابقاؤه تحت الرقابة الطبية.

وبانتظار معرفة رأي الجهات الطبية، فان المحققين استجوبوا امس شقيقة مكسيم برونري وطلبوا استجواب والديه الموجودين في الخارج، لدى عودتهما.

وأظهرت تحقيقات الشرطة والصحافة ان صورة برونري في محلة كوركورون (في منطقة ايسون جنوب باريس) حيث يقيم في منزل والديه، لم تكن سيئة، بل ان جيرانه ومعارفه يعتبرونه «عادياً» مع ميل الى الانزواء.

ومنذ العام 1997 ظهر مكسيم برونري على سجلات الاستخبارات الفرنسية كعضو ينتمي الى منظمة الاتحاد والدفاع، اليمينية المتطرفة وذات الميول النازية والعنيفة والتي تتمتع بوجود ملحوظ داخل اوساط الطلبة. وتقترب هذه المنظمة في طروحاتها من مجموعات «حليقي الرؤوس» التي عاشر مكسيم برونري افرادها في منطقة ايسون.

وبعد ذلك، انتمى الجاني للحزب الوطني الفرنسي والأوروبي، اليميني المتطرف ثم التحق بحزب «الحركة الوطنية الجمهورية» التي يقودها برونو ميغريه. وهذه الحركة رأت النور عندما انشق ميغريه عن حزب الجبهة الوطنية التي يقودها جان ـ ماري لوبن، الذي نافس الرئيس شيراك، في الدورة الثانية، على منصب رئاسة الجمهورية في مايو (ايار) الماضي.

وفي الانتخابات البلدية التي حصلت في ربيع العام الماضي، كان مكسيم برونري مرشحاً على لائحة الحركة الوطنية الجمهورية، في الدائرة الثالثة عشرة في باريس. غير ان رئيس الحركة، برونو ميغريه، سارع الى الاعلان ان حزبه «ليس له علاقة» بما قام به برونري، مضيفاً انه يرفض كل اشكال التطرف وواصفاً محاولته بأنها «بغيضة».

وأثارت محاولة الاغتيال التي تعرض لها شيراك موجة من التعاطف والتضامن الداخلي والدولي مع الرئيس الفرنسي الذي هو سادس رئيس جمهورية يتعرض للاغتيال. واذا كان شيراك، مؤسس التجمع من اجل الجمهورية، وهو الحزب الديغولي، يعتبر نفسه الابن الروحي للجنرال شارل ديغول وخليفته في قصر الاليزيه، فان تعرضه للاغتيال يقربه من بطل فرنسا ورمز مقاومتها بوجه النازية.

فالجنرال ديغول تعرض لعدة محاولات اغتيال اهمها اربع وكادت كلها تقضي عليه. ومنذ تأسيس الجمهورية، قضى رئيسان قتلاً هما سادي كارنو عام 1894 وبول دومر (عام 1932) فيما تعرض الرئيس اميل لوبيه (1905) والرئيس ميلران (عام 1922) لمحاولتي اعتداء.

ولجلاء كل تفاصيل الحادثة، فقد طلب وزير الداخلية نيكولا سركوزي من اجهزة الشرطة تقريراً مفصلاً عن الحادث وعن الثغرات الأمنية التي قادت الى تعرض رئيس الجمهورية لعملية اغتيال.

وأخبر سركوزي الذي يقع مكتبه في وزارة الداخلية على بعد امتار من قصر الأليزيه انه عندما أبلغ شيراك بأنه تعرض لمحاولة اغتيال، فان هذا الأخير لم يبد عليه التأثر واكتفى بالرد قائلاً: «هل هذا صحيح؟».

ويتولى 52 عنصراً امنياً حماية الرئيس الشخصية وهم من نخبة افراد قوى الأمن والشرطة. غير ان هؤلاء مهمتهم حمايته عن قرب، فيما تعول الأجهزة الأمنية على المعلومات التي تصلها من الاستخبارات العامة لخنق أية محاولة اعتداء في المهد. ولكن يصعب على هذه الأخيرة الحصول على نتائج بنسبة مائة في المائة خصوصاً اذا كانت محاولات الاعتداء من فعل افراد منعزلين او مصابين بمشاكل نفسية كما كانت حالة مكسيم برونري الذي أراد قتل شيراك ثم الانتحار.