المهدي لـ«الشرق الأوسط»: المنشقون عن حزب الأمة دعمتهم الحكومة.. ولن أكون الترابي رقم 2

رئيس الوزراء السوداني السابق شن هجوما عنيفا على ابن عمه واتهمه بأنه لا يؤمن بغير السلطة

TT

لم يبد الصادق المهدي زعيم حزب الامة ورئيس الوزراء السوداني السابق وعبر اكثر من خمسة حوارات اجريت معه بهذه الصورة من الثقة والتفاؤل وهو يرزح تحت نيران اخطر انقسام في تاريخ حزب الامة دشنه ابن عمه مبارك الفاضل المهدي يوم الجمعة الماضي تحت شعار الاصلاح والتجديد.

ورفض المهدي في حديثه الذي تخير له ساعة مبكرة من صباح امس، لتفادي الضغوط والزيارات على حد قوله، اي مقارنة لهذا الانشقاق بحركته التي قادها ضد عمه الهادي المهدي اواخر الستينات من القرن الماضي فيما رفض ان تقود تداعيات مثل هذا الانشقاق لتطبيق سيناريو حسن الترابي الامين العام للمؤتمر الوطني الشعبي عليه على خلفية مشاركة مبارك المتوقعة في السلطة. ولم يخل الحوار مع المهدي من هجوم على خصمه وصفه فيه بأنه «غير معني اصلا بقضايا الفكر والتفكير في السياسة لانه يعتبر التفكير تنظيرا والتنظير خيالا والحلم والخيال مجرد مترادفات ولذلك فهو، اي مبارك، احادي النظر لا يرى ولا يؤمن بغير السلطة».

وذكر المهدي لـ«الشرق الأوسط» ان تقارب مبارك مع نشطاء الجبهة الاسلامية كان بسبب نفوره من الحزب الاتحادي الديمقراطي اكثر من كونه تقاربا معها. وفيما يلي اهم ما دار في الحوار:

* تحفظ لك الذاكرة السودانية ومن عاشوا وعايشوا خريف الغضب بينك وبين عمك الراحل الهادي المهدي وجولات الجمعية التأسيسية ومجيئك رئيسا للوزراء ثم زعيما للمعارضة استشهادك بابيات شعر الكندي الشهيرة ومنها: ان الذي بيني وبين بني ابي... وبين بني عمي لمختلف جدا. اذا اكلوا لحمي وفرت لحومهم... وان هدموا مجدي بنيت لهم مجدا. وان زجروا طير نحس تمر بي... زجرت لهم طيرا تمر بهم سعدا. ولا احمل الحقد الدفين عليهم... فليس رئيس القوم من يحمل الحقدا.

كيف ترى الانقسام الجديد ونقاط تماسه مع ما قمت به انت؟

ـ ما حدث في الستينات خلاف في داخل الحزب ذاتي الرؤى والاسباب ولم يكن فيه اختراق داخلي، ولكن ما حدث من مبارك وجماعته خلافات شكلت مدخلا لاختراق من خارج الحزب، وبالتالي فان المصطلح الصحيح في وصف ما حدث هو انه اختراق للحزب وليس انشقاقا واجزم هنا بان ما حدث منسق له سلفا مع جهات من خارج الحزب على خلفية اختلاف في الرؤية تجاه قضية الديمقراطية والشمولية. فمبارك وجماعته او المنسلخون مستعدون للمشاركة في السلطة بدون ان يغير لهم النظام من طبيعته، ومبارك بعيد هنا عن جوهر القضية المفتوحة امام كل السودانيين وهي، ايهما اجدى المشاركة في النظام بملامحه الشمولية ام اشتراط تغيير هذه الملامح كأساس للمشاركة، واقطع هنا ان هناك موقفا شعبيا متباينا بين سدنة الشمولية ودعاة الديمقراطية والغالبية العظمى مع الموقف الاخير.

واخلص الى القول ان التعبير الاصدق لوصف ما حدث من مبارك هو المثل الشائع: من مأمنه يأتي الحذر، فمبارك كان حامل اختامي واختام الحزب ولولا الثقة الكبيرة فيه ما امكن له ان يجد هامشا لانشاء هذه العلاقات، ومع ذلك، وفي نهاية المطاف اقول ايضا رب ضارة نافعة، لان الانسلاخ افضى ايجابيا في اتجاهين، الاول احداث استقطاب وحماس او قل انتفاضة داخل الحزب لصالح الشرعية والثاني، تأييد شعبي وسياسي واسع لدعاة الديمقراطية.

* الحرب على جبهتين

* هناك من يرى انك في وضع لا تحسد عليه، لانك ستحارب على جبهتين، اي جبهة المنشقين وجبهة الحكومة، هل انت جاهز، وما هي اسلحتك؟

ـ اولا لا اوفقك على تسمية الجبهتين هذه، فهي جبهة واحدة ولذلك اخترت لك عبارة اختراق، والاختلاف في اصله حول قضية التعامل مع الحكومة، وهم انحازوا للحكومة في وقت تواجه فيه الحكومة ذاتها منظومة من المشاكل هي:

1 ـ الحرب والجبهة المسلحة.

2 ـ الانشقاق الداخلي بين المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي، واقول هنا ان هذا الانشقاق لا يزال حيا.

3 ـ المعارضة المدنية.

فالحكومة ذاتها في وضع كان المأمول منها امامه ان تعمل على توحيد الجبهة الداخلية لمواجهة الجبهة الحربية ولكنها فضلت ان تكسب قصرا وتخسر وسرا. اما بالنسبة لنا فقد كان واضحا ان الفئة المنسلخة كانت تعمل اصلا، وقبل انسلاخها سرا في احايين كثيرة، وجهرا في احايين اخرى، خارج شرعية الحزب، الامر الذي البس حزبنا نوعا من الانفصام كان موضع احاديث الناس، ولكننا الآن وبالتخلص من هذه الفئة تخلصنا من هذا الانفصام، وقد ظللت اردد دائما في هذا السياق المثل الشعبي «عشرة عقارب في الحوش.. ولا عقرب واحد في الجيب».

* مجمل خطابك الى ما قبل هذا الحوار معك يوحي بانك تستهين بما حدث، رغم انه يرقى في نظر البعض الى الانقلاب وليس مجرد الانشقاق او الانسلاخ، او قل الاختراق الذي قلت به. ما رأيك؟

ـ خطابي هو الوضوح، واقول لك انه واذا ما كان لما حدث ان يكون ذاتي المنطلقات، داخلي العوامل والتفعيل لكان امرا خطيرا، لكنه حدث بتحالف مع جهات خارج الحزب ولهذا جاء الاثر ضعيفا. واصارحك هنا، ان المنسلخين والمتحالفين مشددون بتجربة المؤتمر الوطني وانشقاق الشعبي منه ويعتقدون أن ذلك يمكن ان يحدث لحزب الامة وان الدعم الحكومي يمكن ان يعيد سيناريو ما حدث بين حزبي المؤتمر، تلك هي اشواقهم، لكن الموقف مختلف، فنحن في الاصل حزب معارض وحين تحدث مزايدة للانضمام للسلطة فانها تضعف المزايدين. اضف الى ذلك ان الذين قاموا بهذا العمل يمكن ان يصبحوا ملحقين بالسلطة ولكنهم ليسوا السلطة ولن يكونوا كذلك. وعلى كل حال، فما حدث في الحزب الحاكم شرارة «مذكرة العشرة» مصدره ان صوتهم لم يكن مسموعا في داخل حزبهم في حين ان العكس هو الصحيح عندنا، فالمنسلخون فئة كان صوتها داخل الحزب هو الاعلى من اي صوت وباعلى من حجمها الحقيقي ومن هنا وقعت في فخ الوهم. وعلى كل ففي مثل هذه الامور تصعب قراءة المستقبل، لان حدثا آخر في غير الحسبان يمكن ان يغير كل الحسابات ورهاننا هنا ان 90 في المائة من جماهير الحزب رافضة للاختراق وان 90 في المائة من جماهير الشعب مع الديمقراطية، كما ان رهاننا يرفض اصلا ان تكون هناك خاناتان، خانة الشمولية والخانة الحربية لاننا نتحدث عن خانة ثالثة هي الاجندة الوطنية ونحسب اننا نستطيع ان نراهن على وقوف الشعب السوداني بل والاسرة الدولية مع رهان السلام العادل والتحول الديمقراطي، وسنرى.

* ماذا في غير الحسبان

* ماذا تقصد بحدوث ما ليس في الحسبان؟

ـ هب ان اتفاقية سلام قد تم التوصل اليها، هب ان بحثا ووصولا لآلية الوصول للسلطة قد حدث، هب ان السعي لكيفية تغيير الاوضاع الدستورية في البلاد قد حدث وان انتخابات بحضور ومراقبة دولية قد تمت، ثمة اشياء عديدة في هذه السياقات يمكن لها ان تجعل مثل هذه المناورات والمكايدات سلعا بائرة.

* البعض يرجح وجود سيناريو في الافق يجرك فيه المنشقون الى مواجهة تقودك الى كافوري او الاعتقال او لان تصبح ترابي رقم 2؟

ـ حقيقة هذه امنيات المنسلخين، ولكن مكونات ما حدث لنا وما حدث لترابي تختلف اذا قرأنا هذه الحيثيات:

1 ـ ما حدث لترابي ناتج خلاف داخل الحزب نادى فيه تيار بمزيد من الديمقراطية، وليست لدينا مشكلة من هذا القبيل.

2 ـ ابرام الفصيل المنشق في الحزب لاتفاقية مع جهة تحمل السلاح اعطى المبرر لمن يريد ان يمنع حرية الحركة، بينما نحن واضحون جدا في هذه المسألة.

3 ـ حجم المراقبة الدولية والمتابعة اكبر الآن، يعني هذه المرة، واذا لاح ذلك السيناريو يمكنك القول او ترديد المثل الشائع «القطر فيه كمساري» او «في القطار الان كمساري».

والاهم من هذا ان الدكتور الترابي استصحبته ولاسباب تاريخية مقادير من سوء الفهم لدى كثير من الجهات الدولية لقاء اشياء معينة، فاتخذ ضده النظام اجراءات معينة ليحصد مكاسب معينة لدى تلك الجهات، في حين ان موقفنا هو العكس، فلدينا صلات اكدت لهم وضوح رؤيانا حول الديمقراطية والسلام، واذا ما اقدموا على ما قلت فسيخسرون، ومع ذلك، فكل شيء جائز في مثل هذه الاختلافات في المواقف.