مصطفى إسماعيل: متفائل بنجاح محادثات نيروبي بسبب الضغوط الأميركية

وزير الخارجية السوداني لـ«الشرق الأوسط»: التطبيع مع الولايات المتحدة ما زال بعيد المنال

TT

قال مصطفى عثمان اسماعيل وزير الخارجية السوداني انه متفائل بنجاح مفاوضات السلام الجارية الان في ضاحية بالقرب من العاصمة الكينية نيروبي بين الحكومة والجيش الشعبي لتحرير السودان. واستبعد فشلها بسبب الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة لاقناع طرفي النزاع على توقيع اتفاق سلام. واقر اسماعيل في حوار مع «الشرق الأوسط» بوجود انفراج محدود في العلاقات مع واشنطن، مشيرا الى ان التطبيع الكامل للعلاقات بين البلدين ما زال بعيد المنال. واكد ان الخرطوم ابلغت الامين العام للامم المتحدة كوفي انان بتطلعها لقيام المنظمة الدولية بدور لاحلال السلام في السودان، لكنها تعتقد بان الوقت لم يحن بعد للتدخل في مفاوضات كينيا.

واعتبر وزير الخارجية السوداني ان وجود المعارضة السودانية المسلحة في الاراضي الاريترية يؤثر على قيام علاقات نموذجية بين البلدين، لكن الحوار جار الان بهدف الوصول الى تفاهم.

وهذا نص الحوار:

* كيف تنظرون الى امكانية تحقيق السلام في السودان بعد التطورات الحاصلة داخليا واقليميا ودوليا؟

ـ هناك ثلاثة عوامل تؤثر في مسيرة السلام السودانية، وهي مؤثرات داخلية واقليمية ودولية بالنسبة للجانب الداخلي، نجد حدوث انفراج في الساحة السياسية تجاه الوفاق الوطني والحوار، والاعتراف بالآخر والحريات العامة، مهما قيل عن محدوديتها فانها اتاحت فرصة لتقليل الاستقطاب الحاد الذي كان سائدا وموجدا بين الحكومة والمعارضة.

اضافة الى خطوات حتى ولو وصفت بالمحدودية فان جهودا تنموية اخذت طريقها في المدن الجنوبية، الى جانب النسبة العالية من الطلاب الجنوبيين الذين تخرجوا من مراكز التعليم العليا في البلاد، كما ان ما تم التوصل اليه من اتفاق ادى الى توقف اطلاق النار في جبال النوبة وعودة الحياة الطبيعية في ارجائها. وخلق احساسا في المناطق الاخرى التي تشتعل فيها الحرب بانه يمكن ان يطفئ فيها مثل هذا الاتفاق والذي يطفئ نيران الحرب.

هذه العوامل الداخلية اوجدت تيارا ضاغطاً تجاه اهمية ايقاف الحرب واحلال السلام.

اما بالنسبة للعوامل الاقليمية، فان الانفراج الذي حدث في علاقات السودان مع دول الجوار خاصة مع اوغندا مؤخرا، وقبلها مع اثيوبيا، اضافة الى المبادرة المشتركة المصرية الليبية والتي اوجدت بدورها مناخاً اقليميا ضاغطا في اتجاه السلام، ادى الى بروز اصوات تنادي بالسلام. وعلى المستوى الدولي، فان التقرير الذي صدر من السناتور جون دانفورث المبعوث الخاص للرئيس الاميركي جورج بوش في مايو (ايار) الماضي اكد على ان هنالك امكانية لاحلال السلام في السودان. وتأكيد الالتزام من جانب الامم المتحدة والولايات المتحدة باهمية احلال السلام في السودان، وكذلك ما ورد ضمن البيان الختامي لقمة الثمانية في كندا في يونيو (حزيران) الماضي اذ جاء اسم السودان تحديدا ضمن الدول التي سيسعون لاحلال السلام فيها.

هذه العوامل اوجدت تيارا قويا تجاه وقف الحرب واحلال السلام في السودان.

* ولكن ما هي الدلالة على جدية المفاوضات الجارية في نيروبي؟

ـ اذا نظرنا للمباحثات التي تجري الان في نيروبي فهي تعتبر الاطول منذ توقيع اعلان الايقاد عام 1994الى جانب مشاركة الاصدقاء الاوروبيين بفعالية من هذه المباحثات. كما ان هذه المباحثات تخطت المسائل الاجرائية مثل تحديد الاجندة وغيرها والدخول مباشرة في مناقشة القضايا الرئيسية مما استدعى ان تضع الاطراف المعنية، الحكومة والحركة الشعبية مواقفها الحقيقية تجاه هذه القضايا المطروحة، وتبتعد عن التكتيك، والمراوغة، كل ذلك يجعلنا نقول ان المفاوضات تجري في الاطار الصحيح، ولست متشائما بما تسرب من وثائق للصحف، بسبب الجهود التي تبذلها الادارة الاميركية لاقناع الاطراف على توقيع اتفاق سلام، بعكس الادارة الاميركية السابقة التي ركزت في سياستها على استمرار الحرب كجزء من اجندتها للضغط على حكومة الخرطوم، كما ذكروا، حتى تروض او يتم تغييرها.

اما سياسة الادارة الحالية فقد اعطت الاولوية لتحقيق السلام في السودان.

وايقاف الحرب، ولذلك ألقت بثقلها خلف مفاوضات نيروبي التي تجري الآن، ورغم ان المسؤولية الأساسية تقع على الأطراف المعنية، ولكننا لا نستطيع ان نتجاهل الدور الخارجي خاصة الأميركي، والذي يشارك الآن بفعالية في اطار الوصول الى تسية سياسية تقود الى وقف الحرب واحلال السلام.

* هل اهتمام واشنطن بالسلام غالب على الاهتمام بتطبيع العلاقات مع الخرطوم؟

ـ الولايات المتحدة، في الواقع حددت 3 نقاط في استراتيجيتها تجاه التعامل مع السودان وهي اولاً السلام كأولوية وثانياً المساعدات الانسانية للمواطنين المتضررين من الحرب في الجنوب، وثالثاً العلاقات الثنايئة وعلى رأسها التعاون في مجال الارهاب ثم الملفات الأخرى، الاقتصادية والسياسية، وبالرغم من ان الحوار بيننا وبين اميركا يتضمن الملفات الثلاثة، غير انه وطبقاً لترتيب الأولويات فان السلام يأتي في المقدمة، كلما حدث تقدم في ملف السلام، انعكس ذلك على الملفات الأخرى.

ولا أتصور تطبيعاً كاملاً في العلاقات بين البلدين قبل التوصل الى سلام وايقاف الحرب، بالرغم من ذلك فان العلاقات الثنائية تقدمت خطوات الى الأمام منذ وصول الادارة الحالية للحكم، على سبيل المثال تم رفع العقوبات المفروضة على السودان من جانب مجلس الأمن، ثم اعادة فتح البعثات الدبلوماسية في العاصمتين.

كما انه في اطار تقدم العلاقات خطوات الى الأمام تمت زيارات لأول مرة بعد انقطاع دام عشر سنوات، على مستويات عليا تمثلت في زيارة وزير خارجية السودان لواشنطن في فبراير (شباط) الماضي، وفي زيارة مساعد وزير خارجية اميركا للخرطوم في يوليو (تموز) الجاري.

وكذلك تعيين المبعوث الأميركي الخاص جون دانفورث، وتوقيع اتفاقية السلام في جبال النوبة، وكذلك فان المساعدات الانسانية التي كانت قاصرة على منطقة واحدة بدأت تصل الى المواطنين في المناطق الأخرى.

* أليس هنالك قضايا أخرى معلقة بين الخرطوم وواشنطن؟

ـ توجد قضايا اخرى معلقة كبقاء السودان في قائمة الدول التي ترعى الارهاب كما تسميها وزارة الخارجية الأميركية، وذلك رغم الاشادات المتكررة من جانب الادارة الأميركية في محاربة الارهاب، وكذلك فان العقوبات الاقتصادية ما تزال مفروضة من قبل الادارة الأميركية على السودان، استطيع القول بوجود انفراج محدود ولكن ما زال بعيداً عن التطبيع الكامل.

* هل طرح امين عام الأمم المتحدة كوفي انان لدى زيارته للخرطوم دوراً للأمم المتحدة في عملية احلال السلام في السودان؟

ـ نعم الأمين العام أكد أنه شخصياً والأمم المتحدة يتطلعان الى دور في عملية احلال السلام للسودان، نحن من حيث المبدأ نرحب بهذا الدور ولكننا نعتقد ان الوقت لم يأت بعد لكي تتدخل الأمم المتحدة في المباحثات السياسية التي تجري الآن في نيروبي، ولكنها كما أبلغنا الأمين العام فاننا نتوقع دوراً كبيراً من الأمم المتحدة في المرحلة القادمة للتشاور بين السودان والأمم المتحدة.

* ما هو المقصود من وراء عقد اجتماعات قمة ثنائية وثلاثية في الخرطوم في الفترة المقبلة تتعلق بالنزاعات الحدودية؟

ـ السودان، هو القطر الأكبر مساحة في افريقيا، والموقع الاستراتيجي كرابط بين الدول العربية والافريقية يسعى الآن للنهوض بقدراته وامكاناته حتى يلعب الدور المنوط به في محيطه الاقليمي ومسؤولياته العالمية خاصة، اننا نستقرئ الأحداث الاقليمية بقيام الاتحاد الافريقي ومبادرة النيباد لتنمية افريقيا وما يمكن ان يقدمه السودان في هذا الاطار فهو يمتلك الأراضي الخصبة والمياه المتوفرة.

ولكن كل هذا يتطلب معالجة للمنازعات وعلاقات متميزة على مستوى الدوائر المختلفة، وقد تناولنا الجهود المبذولة للسلام في السودان، ونحن ننظر الى السلام في السودان في اطار سلام اقليمي يسود المنطقة كلها، فلا يعقل ان نتصور سلاماً واستقراراً في السودان دون النظر للأوضاع في تشاد واثيوبيا واريتريا وافريقيا الوسطى وكل دول الجوار، وبالتالي نحن لا نريد للحرب المستمرة في الجنوب ان تمنعنا من أداء دورنا الاقليمي، من هنا يأتي اهتمام السودان بالأوضاع في تشاد وافريقيا الوسطى، وكذلك بالنسبة للعلاقات مع أوغندا حيث يتوقع تبادل زيارات على مستوى عال لوضع العلاقات الثنائية في اطارها الصحيح.

وهذا ايضاً يجعل السودان مهتماً بأمر السلام بين اثيوبيا واريتريا واستقرار الأوضاع في الصومال. ونضيف الى ذلك ان السودان يترأس الدورة الحالية للايقاد، ويستعد لاستضافة القمة الثلاثية، وقمة الاتحاد الافريقي عام 2005، وكل هذا يجعلنا نضعف الجهود لتحويل هذا الاقليم الذي حولته الحرب الباردة، والتنافس الآيديولوجي بين الكتلتين الشرقية والغربية في الحقب السابقة الى بؤرة للنزاعات والحروب وتدمير الانسان الافريقي كانسان وتعرضه لمعوقات المجاعة والأمراض الفتاكة.

نريد ان نستقبل القمة الافريقية عام 2005 والسودان يستشرف عيده الذهبي بمناسبة مرور 50 سنة على الاستقلال وهو في امان وسلام في داخله ومع محيطه المجاور.

* هل تم تجاوز التوتر في العلاقات مع اريتريا؟

ـ اريتريا، دولة جارة للسودان من حيث التداخل السكاني والتعامل المشترك، وتعتبر اقرب دول الجوار للسودان، واذا نظرنا الى مصر رغم العلاقات الوشيجة بين البلدين تاريخياً وثقافياً، ولكن الصحراء تظل عازلة، واثيوبيا رغم ان حدودها هي الأطول مع السودان، ولكن المواقع الطبيعية تؤثر في حركة التداخل، وهذا غير موجود ما بين اريتريا والسودان، حتى لو اخذنا ميناء عصب في اريتريا نجده اقرب الى كسلا منه الى ميناء بورتسودان، اما التداخل القبلي على الحدود يجعل من الشعبين في البلدين نموذجاً لعلاقة صحية بين دولتين جارتين، واستراتيجية السودان في علاقاته مع دول الجوار تضع كل هذه العوامل في الاعتبار، ولكن الذي يجعل هذه الاستراتيجية تتباطأ وتتعثر هو وجود المعارضة السودانية المسلحة في الأراضي الاريترية واستفادتها من العمق الاستراتيجي في ضرب وتدمير المؤسسات الاقتصادية وزراعة الألغام على الحدود الأمر الذي حول حتى الآن 450 من المدنيين الى مجموعة معوقين اما مقطوع اليد او الساق او الاثنتين معاً، وكذلك فان حركة المعارضة السودانية تستغل العاصمة اسمرة حيث تصدر اعلاناتها حول العمليات العسكرية، كما ان القيادات العسكرية تعقد اجتماعاتها في العاصمة الاريترية، وتقوم حركة التمرد بتدريباتها العسكرية في الأراضي الاريترية.

ونحن نحاول الآن من خلال الحوار بين الجانبين السوداني والاريتري الوصول الى تفاهم حول هذه القضايا حتى تنطلق الى علاقات سوية تتحرك في اطار الاستراتيجية. ودون شك، ان الأوضاع اليوم أفضل مما كانت عليه قبل ثلاثة اعوام ولكنها ما تزال دون الطموح. ونأمل في تجاوز كل ما سبق والانطلاق قدماً بالعلاقات مع دولة جارة وهامة مثل اريتريا.

* وماذا بشأن العلاقات مع مصر؟

ـ زيارة الرئيس عمر البشير الأخيرة لمصر احدثت نقلة هامة حيث تم الاتفاق مع الرئيس حسني مبارك على نفض الغبار عن ملفات التكامل السوداني المصري وتم توجيه النائب الأول لرئيس الجمهورية السوداني ورئيس وزراء مصر لتشكيل اللجان لتنفيذ ذلك التوجيه، وقد بدأت هذه اللجان أعمالها، وقطعت شوطاً مقدراً وتنعقد اللجنة العليا المشتركة في القاهرة في دورتها الثانية نهاية شهر يوليو (تموز) الجاري لوضع هذه الاتفاقيات موضع التنفيذ. ونتوقع في المستقبل القريب انطلاقة قوية جداً في العلاقات السودانية ـ المصرية بما يتناسب مع حجمها ووزنها التاريخي.