واشنطن مطمئنة لمواقف جيران العراق من مخطط الهجوم ومحللون يرون أن المحايدين سيلتحقون بالمؤيدين

TT

وصف مسؤول أميركي كبير ردود فعل العديد من البلدان التي اتصلت بها الولايات المتحدة بخصوص مخططاتها لضرب العراق بانها كانت «أفضل مما كنا نتوقع». وأول إشارة لهذا الموقف اتضحت عندما تخلى الاتحاد الأوروبي عن الموقف المضاد تماما لموقف «الدعم الانتقادي»، وجاءت البادرة الأولى من لندن هذا الأسبوع، إذ قال رئيس الوزراء البريطاني توني بلير أمام مجلس العموم إنه يعتبر نظام صدام حسين «خطرا جديا» يحتاج إلى التعامل معه «بهذه الطريقة أو تلك». ثم جاء تصريح خافيير سولانا، مفوض الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية، الذي اعتبر ان الكرة الآن في الملعب العراقي، قائلا: «كل شيء يعتمد الآن على الكيفية التي سينفذ بها العراق التزاماته تجاه الأمم المتحدة». من جانب آخر، وصلت الى الرئيس العراقي صدام حسين أخبار سيئة أخرى من إيران وتركيا، إذ استقبل المسؤولون الأتراك المسؤول الثاني في البنتاغون: بول وولفويتز، في أنقرة هذا الأسبوع و«استمعوا بتعاطف واضح» إلى الموقف الأميركي تجاه العراق. فبدلا من معارضة العمل العسكري ضد العراق من منطلق مبدئي، سلّط الأتراك الضوء على خسائرهم الاقتصادية نتيجة للعقوبات الدولية المفروضة على العراق. وبترجمة هذا الموقف الى التطبيق السياسي، يعني ذلك أن انقرة لن تعارض استخدام القوة ضد بغداد، إذا ضمنت تعويض خسائرها المالية.

أما الأخبار السيئة من إيران فقد جاءت عبر موقفين: الأول، عندما قامت طهران بتجميد خططها الهادفة للسماح لعشرات الآلاف من الإيرانيين بزيارة العتبات المقدسة في العراق. وهذا يعني أن إيران تتوقع وقوع هجوم عسكري مما يجعلها حريصة على تجنب وقوع ضحايا بين الزوار المدنيين، وثانيا، سرّب المسؤولون الإيرانيون معلومات توضح أن القيادة الإيرانية ستتبنى على الأكثر موقفا محايدا في حالة الهجوم على العراق. ومن المتوقع أن تُناقش هذه المسألة في جلسة مغلقة للمجلس الأعلى للأمن القومي في طهران في بداية الأسبوع المقبل.

وحسب الإعلام الرسمي الايراني، هناك ثلاثة خيارات ستتم مناقشتها في الاجتماع. الأول، يدعمه المرشد الايراني علي خامنئي، الذي يدعو إلى تشكيل تحالف مع العراق لمقاومة الغزو الأميركي، ويستند تبرير هذا الموقف منطقيا الى حقيقة أن إعلان إيران عن وقوفها مع العراق سيُضعف فرص واشنطن بالنجاح في خلق جبهة واسعة لمهاجمة العراق. أما الخيار الثاني، فيدعمه الرئيس محمد خاتمي، الذي يدعو إلى تأييد المبادرة الأميركية بشرط أن يكون لطهران دور في صياغة الحكومة اللاحقة للعراق بعد إسقاط نظام صدام حسين، بينما يدعو الخيار الثالث إلى وقوف إيران على الحياد مثلما قامت به أثناء حرب الخليج الثانية، سنة 1991 . وحسب ما جاء في صحيفة «طهران تايمز» فان الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني الذي يعتبر الآن واحدا من أقوى الشخصيات السياسية، من المساندين لهذا الخيار.

وحسب ما يقوله المؤيدون لخيار إزاحة صدام حسين فان هذا الخيار سيؤدي إلى نهاية الخطر الأمني الطويل الذي تواجهه إيران منذ فترة السبعينات. وهذا سيعني في الوقت نفسه تدمير كل المنظمات المعارضة للنظام الإيراني، خصوصا منظمتي «مجاهدين خلق» و «كومه له» الكردية، اللتين ظلتا شوكة مغروزة في جسد النظام الإيراني خلال العقدين السابقين.

من جانب آخر، تؤكد المصادر الرسمية في واشنطن غياب أي «معارضة مُعتبرة» للمخططات الأميركية الهادفة لضرب العراق بين البلدان العربية. وأنكرت هذه المصادر صحة التقارير التي قالت ان الأردن سيستخدم كقاعدة انطلاق لهجوم بري واسع تقوم به القوات الأميركية ضد العراق. فالمسافة الفاصلة بين الأردن وأول المناطق الآهلة بالسكان داخل العراق تبلغ عدة مئات من الكيلومترات، وهذا يعني تمديد الخطوط اللوجستية إلى أكثر من إمكانياتها. كذلك، فإن خيارا كهذا سيسمح بتعريض القوات البرية الأميركية إلى هجمات عند انتشارها على مساحات واسعة خالية من أي أهمية استراتيجية. وسيكون لإقحام الأردن في الحرب جانب سلبي آخر، إذ أنه سيقرّب النزاع أكثر إلى إسرائيل وبالتالي سيكون ذلك في خدمة صدام حسين الذي ظل يحاول دائما طرح نفسه كبطل للحق العربي ضد إسرائيل.

لكن الأردن سيستخدم في عدة فعاليات أخرى مثل جمع المعلومات الاستخبارية، وعمليات التغلغل، وقد يكون موقعا تنطلق منه الوحدات الأميركية الخاصة للقيام بعمليات عسكرية في الخطوط الخلفية للجيش العراقي. وقال محلل عسكري في واشنطن: «ليس هناك أي خطط لإنشاء قواعد في الأردن لأي هجوم بري أو جوي رئيسي ضد العراق».

ومن المتوقع أن تكون القواعد الأميركية الجوية في قطر وعمان والمنامة على اتم الاستعداد للمشاركة الكاملة في العمل العسكري بعد انتهاء هذا الصيف. مع ذلك، وفي حالة البدء بالهجوم العسكري، قد لا تلجأ الولايات المتحدة إلى استخدام قواعدها في قطر وعُمان والبحرين، إذ ان البنتاغون أعد خطط طوارئ لاستخدام التسهيلات المتوفرة لديه خارج القواعد الجوية الواقعة في البلدان العربية وتركيا. وقال المحلل الأميركي: «الإدارة الأميركية تدرك كم هو مهم اتباع سياسة لا تكون رهينة للسياسات العربية والتركية»، لذلك هناك مساع تبذل حاليا لتجاوز البلدان العربية وتركيا في هذا الهجوم إن كان ذلك ضروريا.

وتبني الولايات المتحدة حاليا قواعد جوية جديدة في أوزبكستان وأذربيجان وجورجيا وبإمكانها أن تستخدم القواعد في هذه البلدان الثلاثة لهجمات جوية مكثفة ضد العراق. وبإمكان الأسطول السادس والقوة البحرية في الخليج أن يشاركا بتزويد منصات إطلاق الطائرات والصواريخ تجاه العراق. في الوقت نفسه، تبني الولايات المتحدة مواقع لها في الميناء الاريتري عصب، الذي يمكن استخدامه أيضا كقاعدة لانطلاق قاذفات القنابل والطائرات المقاتلة.

وتقول مصادر الإدارة الأميركية إن الرئيس جورج بوش يريد أن يستخدم نفس الاستراتيجية الدبلوماسية التي استخدمها في حربه ضد طالبان. وتتمثل هذه الاستراتيجية في دعوة الولايات المتحدة لكل البلدان المعنية لمشاركتها في الائتلاف الهادف لإسقاط صدام حسين. وسيُرحب بتلك البلدان الموافقة على المشاركة في هذا الائتلاف. أما تلك التي ترفض فستنذر. ففي حالة أفغانستان، وعند بدء الولايات المتحدة بالسعي لتشكيل ائتلاف، واجهها الرفض حتى من بلدان تنتمي إلى حلف الناتو. لكن حال اتضاح أن الولايات المتحدة ستتحرك لوحدها إن كان ذلك ضروريا قفزت جميع البلدان إلى جانبها. في الوقت الحاضر، ليس هناك إلى جانب الولايات المتحدة، سوى بريطانيا وأستراليا وهنغاريا وبولندا وجمهورية التشيك، في مساعيها لمهاجمة العراق، لكن المحللين الأميركيين يعتقدون أنه حال اتضاح عزم واشنطن على العمل العسكري ضد صدام حسين سيقف الكثيرون إلى جانب المنتصر.

يقول المحللون الأميركيون، إنه مع بدء تحول الرأي العام العالمي باتجاه الاستسلام تدريجيا نحو القبول بفكرة الهجوم العسكري على العراق، سيستغرق وضع الآليات الضرورية «لقصف مكثف ومتواصل» للأهداف العراقية الحساسة موضع التنفيذ عدة أسابيع فقط.

مع ذلك، يشكل الهجوم الجوي جزءا من خطة واسعة تشمل شكلا ما من عمليات برية أخرى. وهذا الجزء هو الذي ما زال موضوعا للنقاش بين الخبراء العسكريين في واشنطن ولندن.