بن عيسى يكشف خبايا اتصالاته مع دي بالاثيو قبيل اجتياح القوات الإسبانية جزيرة ليلى

وزير خارجية المغرب :الوزيرة الإسبانية قالت لي في ساعة متأخرة من ليلة الاجتياح «سأطير فورا إلى الرباط للتأكد من أنكم ستنسحبون»

TT

كشف محمد بن عيسى، وزير خارجية المغرب، تفاصيل الحوار الذي دار بينه وبين وزيرة الخارجية الاسبانية انا دي بالاثيو في ساعة متأخرة من الليل، وذلك قبيل لحظات من الاجتياح الاسباني لجزيرة ليلى. وقال بن عيسى، الذي كان يتحدث الليلة قبل الماضية، أمام البرلمان المغربي، ان الاتصالات التي جرت يوم الثلاثاء الماضي أثمرت اتفاقا كان سينسحب المغرب بموجبه من الجزيرة قبل منتصف نهار يوم الاربعاء، وقال بن عيسى ان هذا الاتفاق تم التوصل اليه عبر وساطة أميركية، على أساس أن تضمن واشنطن عدم دخول اسبانيا للجزيرة عند خروج الجنود المغاربة منها.

وقال بن عيسى انه فوجئ قبيل الرابعة من صباح أمس باتصال من السفيرة الاميركية بالرباط مارغريت توتويلر، التي ابلغته أن وزيرة الخارجية الاسبانية، تريد أن تسمع منه شخصيا العرض الذي توصل اليه المغرب مع الولايات المتحدة. وقال بن عيسى انه هاتف الوزيرة الاسبانية مباشرة بعد تلك المكالمة، وذكر أنه فوجئ بان دي بالاثيو، كانت مضطربة ومتشنجة، وسألته إن كان الغرض الذي تقدم به المغرب يحظى بموافقة القيادة المغربية، فأكد لها ذلك. كما طلبت منه أن لا يدخل المغرب ضمن حسابات الملفات العالقة موضوع سبتة ومليلية المحتلتين من قبل اسبانيا في الشمال المغربي. فأكد لها بن عيسى ان ذلك لا يدخل ضمن تصور المغرب الذي يعتبر أن تناول هذا الموضوع لم يحن وقته بعد.

واضاف بن عيسى أن الوزيرة الاسبانية فاجأته بقولها «إذا كنتم جادين، فيجب أن تأمروا بخروج افراد القوات المغربية حالا من الجزيرة»، فرد عليها بن عيسى، وكانت الساعة تشير الى الرابعة الا خمس دقائق صباحا»، سيدتي الساعة الآن في بطن الليل، وأنا وأنت كوزراء خارجية لا نصدر الاوامر للممارسات الامنية، فانتظري حتى طلوع الشمس، وقبيل منتصف النهار،سننسحب». ووصف بن عيسى الحالة التي كانت عليها الوزيرة الاسبانية آنذاك، وقال إنها كانت متشنجة، وكلمته بلغة حادة: «إما أن يتم الانسحاب حالا أو لا شيء».

ووصف بن عيسى طريقة التفاوض الاسباني «بالسلوك التهكمي « الخارج عن اعراف التقاليد الدبلوماسية . وقال إن اسبانيا فرضت شروطا تعجيزية، كمطالبة وزيرة الخارجية بحل الازمة على الساعة الرابعة فجر يوم الاربعاء الماضي، وإقناع السلطة العليا في البلاد، في اشارة الى العاهل المغربي الملك محمد السادس، لإعطاء تعليماته لرجال الامن الستة للخروج من جزيرة «ليلى» في نفس اللحظة، بل إن دي بالاثيو اقترحت، حسب قول بن عيسى، الحضور الى مدينة الرباط على متن طائرة خاصة في الساعة نفسها على اساس ان يستقبلها وزير الخارجية المغربي بمعية العاهل المغربي وبحضور صحافيين ومصورين لاثبات صحة الاتفاق المراد توقيعه. وقالت دي بالاثيو لنظيرها المغربي «سألبس الروب وآخذ طائرة خاصة فورا باتجاه الرباط».

واستطرد بن عيسى قائلا، أنه بعد ذلك تلقى خبرا مفاده أن الاسبان احتلوا الجزيرة. مشيرا الى أن النية كانت مبيتة للقيام بهذا الانزال، مضيفا ان هناك من جاء في آخر لحظة لتغيير الاتفاق الذي توصل اليه المغرب مع الوزيرة الاسبانية.

وأوضح بن عيسى انه كلما حاول الطرفان احتواء الازمة من خلال اللقاءات المتواصلة بين وزارتي خارجية البلدين، استجد طارئ يعكر صفو الاتصالات يكون وراءه بعض المسؤولين الاسبان او قوى داخل اسبانيا تريد النيل من وحدة تراب المغرب حينا، او تدفع الى تصعيد جدليات الهجرة السرية والتنقيب عن النفط في المياه الاقليمية المغربية حينا آخر.

ولم يذكر بن عيسى اسماء اولئك المسؤولين او تلك القوى، واكتفى بالقول ان تلك القوى لا تستسيغ ان تكون العلاقات بناءة وطبيعية حفاظا على مصالح البلدين، حيث تستثمر اسبانيا بشكل مهم في المغرب، ويقطن بها حوالي 250 الف مغربي، ويعبرها مليون ونصف المليون مغربي كل صيف، ويتابع بها مئات الطلبة تعليمهم العالي.

واستغرب بن عيسى اقتران هذه التصرفات بتصاعد الافتراءات على المغرب من خلال الاعلام الاسباني، ووصف بن عيسى تلك الكتابات بكونها «كانت شلالات من الكتابات لم اقرأ لها مثيلا في اي صحافة ما ضد القيادة المغربية والانسان المغربي والاسلام».

وتأسف بن عيسى لتصريحات السفير الاسباني التي اتسمت في نظره بالغلو حينما قال «ان المغرب يعمل من اجل القضاء على الوجود الاسباني في شمال افريقيا». وتساءل عن الدلائل التي جعلت السفير الاسباني يدلي بهذه التصريحات بل تحدى الاسباب ان كانوا يتوفرون على ملف او وثيقة قانونية تثبت صحة ادعاءاتهم لبسط نفوذهم على جزيرة ليلى.

وعزا بن عيسى هذا التهويل الى كون المغرب سبق وان عبر في العديد من المناسبات عن مطالبه المشروعة في استرجاع سبتة ومليلية والجزر المجاورة سواء في لقاءات ثنائية او في الجمعية العامة للامم المتحدة.

والح بن عيسى على ضرورة اتباع المفاوضات السلمية في اطار الشرعية الدولية، مشيرا الى ان المغرب سيطرق باب كل الهيئات والمنظمات الدولية لاسترجاع حقوقه المشروعة ومن جهتها، نفت وزيرة الخارجية الاسبانية الليلة قبل الماضية ان تكون اسبانيا توصلت الى اتفاق مع المغرب حول الوضع في الجزيرة لحظات قبل التدخل العسكري الاسباني فيها.

وفي مقابلة مع برنامج «تيرثير غرادو» الذي تبثه القناة الثانية للتلفزيون الاسباني، قالت دي بالاثيو، ردا على ما اكده وزير الخارجية المغربي «يا ليت اسبانيا كانت توصلت الى مثل هذا الاتفاق ولم تكن دفعت لبدء هذه العملية». وتأسفت وزيرة الخارجية «لكونها» ستفند كل الشائعات التي تتحدث عن المغادرة الفورية للقوات الاسبانية الموجودة بجزيرة بيريخيل او انه سيتم تعزيزها.

واضافت انه بالرغم من ان «اسبانيا لا تنوي البقاء في الجزيرة»، لكنها تريد قبل اخراج قواتها، ضمانات من المغرب بالعودة الى الوضع السابق عن تدخله يوم 11 يوليو (تموز) الجاري. وفي ردها على سؤال حول ما اذا كانت الحكومة الاسبانية تخشى من رد عسكري مغربي، اجابت الوزيرة «ان منطق العقل سيسود». واضافت الوزيرة «ان اسبانيا لا يمكنها ان تتخذ موقفا اكثر انفتاحا وإيجابية; انا اكن كل الاحترام للحكومة المغربية ولصاحب الجلالة الملك، وعليه انا متأكدة من ان المغرب سيتخذ قرارا معقولا». وصرحت وزيرة الخارجية الاسبانية ان «ما تريده اسبانيا هو العودة الى الوضع القانوني السابق، لكن بضمانات; بمعنى اننا اذا غادرنا الجزيرة لن يدخلها المغاربة مجددا ونعود لنفس الوضع الذي كنا عليه قبل البارحة». وبعد توضيحها ان الوزير بن عيسى لم يقل ان التدخل الاسباني هو «اعلان للحرب» بل انه «يعادل» ذلك، طمأنت الوزيرة «المواطنين الاسبان والمواطنين المغاربة كذلك، لان اسبانيا والمغرب ربطت بينهما في الماضي ويجب ان تربط بينهما علاقة ممتازة وعليه فلا معنى لدق نواقيس الخطر دون وجود ضرورة لذلك. واوضحت دي بالاثيو ان «اسبانيا منذ نشوب هذا الحادث المؤسف، دافعت عن مبادئ الحق الدولي العام، وعن الفكرة القائلة بأن الخلافات، اذا وجدت، يجب حلها عن طريق الحوار والدبلوماسية وبالتحكيم للحق والقانون». واعربت دي بالاثيو عن املها في ان تتلقى اسبانيا «مقترحا من الحكومة المغربية وانطلاقا من ذلك يمكن للقوات الاسبانية ان تنسحب كما يمكن سحب كل الرموز بشكل يعيد جزيرة بيريخيل( ليلى) لما كانت عليه سابقا». واشارت الوزيرة الى ان صيغة جيدة لانهاء النزاع قد تكون «التعاون بهذه الجزيرة» عبر تسيير دوريات مشتركة، «لانه في النهاية نحن نسعى لذلك، لان المشاكل الكثيرة لمضيق جبل طارق هي الهجرة السرية وتهريب المخدرات». وامس، اكدت دي بالاثيو ان بلادها تنتظر من العاهل المغربي الملك محمد السادس او من حكومة الرباط «اعلانا قاطعا وبدون «شروخ» ولا «التباس»، يسمح بضمان عدم حصول ما وقع في جزيرة بيريخيل». وفي تصريحات لاذاعة «كادينا سير» المحلية، وصفت بالاثيو تأكيدات نظيرها المغربي «بالتصريح الفظ» حيال اشارته الى ان العمل العسكري الاسباني في جزيرة ليلى يوازي «اعلان حرب»، وشددت الوزيرة على ان اسبانيا «تريد مغادرة الجزيرة في اقرب وقت»، بيد انها شددت على ان بلادها تريد ضمانا بعدم عودة القوات المغربية «مجددا» عندما تنسحب من الجزيرة. واوضحت دي بالاثيو، ان هناك «محادثات تسير قدما» من اجل حل هذه الازمة، لكنها شددت على انها شخصيا ليس مقررا لديها في الوقت الراهن على الاقل عقد اجتماع محدد يسمح لها بالتفكير بان اسبانيا قد تكون قد غادرت جزيرة بيريخيل الصغيرة هذا المساء (امس). وردا على سؤال حول الدور المحتمل الذي لعبته الولايات المتحدة في الوساطة بين اسبانيا والمغرب، جزمت بالاثيو بأن الحديث عن وسطاء في هذه الازمة يبدو لها «محالا بعض الشيء» لان الامر يتعلق بقضية يجب حلها بين كلا البلدين، ولا يوجد فيه «تعقيد كاف» لاعطاء مكان للوساطة. وفي ردها على رفض فرنسا قيام الاتحاد الاوروبي مجددا باصدار بيان حول الازمة، اكدت بالاثيو ان «هذا ليس ما يحدث بالضبط داخل اروقة الاتحاد الاوروبي»، مؤكدة ان «فرنسا لم تفرض شيئا ابدا». واوضحت الوزيرة ان الاتحاد الاوروبي يعلن «اما عبر الرئاسة (الدورية)، التي ابدت موقفها، او عن طريق المجلس (الاوروبي)، فالأخرى هي دول اعضاء تطرح وجهات نظرها في وقت معين، لكن اسبانيا لديها اعلان جلي من الاتحاد لا يقبل الخطأ». جدير بالذكر ان الرئاسة الدنماركية للاتحاد الاوروبي في دورته الحالية قررت اول من امس عدم اصدار اعلان جديد حيال الوضع في جزيرة ليلى، كما كانت قد فكرت بذلك قبل ان تؤكد فرنسا، امام اللجنة السياسية والأمنية للاتحاد، انها لا ترى ذلك مناسبا لان الوضع يتعلق بمشكلة ينبغي حلها بالحوار المباشر بين المغرب وإسبانيا. ومن جهته، قال رئيس حكومة اقليم اندلسيا الاسباني، ورئيس الحزب الاشتراكي العمالي الاسباني في الاقليم، مانويل تشابيس، ان الجنود الاسبان المرابطين بجزيرة بيريخيل، يجب الا ينسحبوا الى حين التوصل الى اتفاق بين اسبانيا والمغرب يضمن العودة الى الوضع القانوني السابق عن 11 يوليو (تموز). وذكر تشابيس في تصريحات للصحافيين في قادش (جنوب اسبانيا) انه «من غير المنطقي» ان ينسحب الجنود الاسبان من الجزيرة دون التوصل مسبقا الى تعهد من المغرب بعدم عودة جنوده اليها. و«كفرضية للعمل» يرى رئيس اقليم اندلسيا انه «بالامكان التوصل الى حل اراه شخصيا جيدا» ويتمثل في انسحاب الجنود الاسبان «مقابل عدم اعادة «احتلال» الجزيرة من قبل المغرب». وابرز تشابيس ان هذا الحل، الذي يجب ان ينبع من مساع دبلوماسية بمشاركة منظمة ما او حكومة حليفة «قد يرضي اسبانيا والمغرب على حد سواء وفي نهاية المطاف سيعيد الوضع القانوني للجزيرة الى ما كان عليه في السابق». وابرز في الوقت نفسه ان «المهم لحل المشكلة هو الحديث كثيرا والحوار وعدم التخلي عن الخيار الدبلوماسي» من اجل حل المشكلة «وخاصة لتفادي اي تصعيد محتمل ارى شخصيا انه الاسوأ للبحث عن حل للازمة».