تحقيقات داخل إدارة بوش حول التسريبات الأمنية للصحف والمباحث الأميركية تدرس إخضاع موظفين بالكونغرس لاختبارات الكذب

TT

رغم ان ادارة الرئيس جورج بوش تعتبر حتى الآن اكثر الادارات الاميركية فاعلية في المحافظة على سرية المعلومات، إلا انها تحاول الآن إيقاف تسريبات تهدد بإلحاق اضرار سياسية كبيرة ويمكن، حسب تصريحات المسؤولين، ان تؤذي الأمن القومي. وقد شرع محققون بمكتب المباحث الفيدرالي (اف.بي.آي) الاسبوع الماضي، في التحقيق مع موظفي لجنة من مجلس الشيوخ كانت تحقق في الثغرات الامنية التي ادت الى احداث 11 سبتمبر (ايلول) الماضي ومن الممكن ان تتخذ خطوة لا سابق لها باستخدام اجهزة كشف الكذب. وبعد ان عبر وزير الدفاع دونالد رامسفيلد عن غضبه بصورة علنية، شرع المسؤولون بالبنتاغون في التحقيق لتحديد الجهة التي سربت للصحف مشروع خطة حربية للهجوم على العراق. وقامت وزارة الخارجية من جانبها باتخاذ اجراء غير عادي، الاسبوع الماضي، اذ احتجزت في مقرها احد الصحافيين في محاولة منها لتحديد الجهة التي سربت برقية سرية تحوي معلومات محرجة حول سياسة الوزارة لمنح تأشيرات الدخول الى الولايات المتحدة. وكان كبار موظفي الادارة قد اعلنوا منذ بداية عهد بوش، انهم جادون في تطبيق المواد التي تعتبر تسريب الوثائق السرية جريمة يعاقب عليها القانون، ولكن لم يتضح الا اخيرا ان هؤلاء المسؤولين كانوا يقصدون ما يقولون.

وتوضح التسريبات كذلك الحدود التي يمكن لاية ادارة ان تحصر في إطارها انسياب المعلومات. فمع أن فريق بوش معروف بتكتمه الشديد على المعلومات، لدرجة ان بعض الوزراء لم يكونوا يعلمون ان بوش كان ينوي اقامة شعبة للامن الوطني، فان فريق الرئيس لم يتمكن من التحكم التام في كل اعضاء الجهاز التنفيذي او الكونغرس. وقد اثيرت بعض الاسئلة، من جهة اخرى، حول الحكمة في محاولة استئصال مصادر التسريبات الحالية. وقال وليام كريستول، الذي عمل رئيسا لموظفي نائب الرئيس السابق دان كويل، ان على الحكومة ان تركز فقط على التسريبات التي تهدد الأرواح وتضر بالأمن القومي. واضاف كريستول الذي يعمل الآن رئيسا لتحرير المجلة الاسبوعية «ستاندرد»: «لا توجد ادلة تذكر على ان التسريبات الحالية تنتمي الى ذلك النوع الذي أشرنا اليه».

وبدأت التحقيقات حول التسريبات في الكونغرس الشهر الماضي، بعد ان كشفت وسائل الاعلام محتوى شهادات لمسؤولين في وكالة الامن القومي، المعروفة بسريتها، في جلسة سرية بالكونغرس. وتشير التقارير الى ان مسؤولي الوكالة اعترفوا بانهم التقطوا يوم 10 سبتمبر (ايلول)، رسائل من القاعدة تقول: «غدا ساعة الصفر» و«المباراة تبدأ غدا» ولكنهم لم يترجموا هذه الرسائل من العربية الا يوم 12 سبتمبر (ايلول). وبعد ساعات من ادلاء مسؤولي الوكالة باقوالهم كان محتواها يذاع من على شاشات التلفاز وعلى الانترنت.

وفي حالة من الغضب الشديد استدعى نائب الرئيس ريتشارد تشيني كلا من رئيسي مجلسي النواب والشيوخ، وطلب منهما اطلاق حملة من التحقيقات. واستجاب بوب جراهام، رئيس مجلس الشيوخ، وبورتر غوس، رئيس مجلس النواب، بان طلبا من المدعي العام جون آشكروفت الشروع في اجراء التحقيقات. وقال احد المصادر ان من بين الاسئلة التي واجهها الموظفون هي ما اذا كانوا مستعدين لمواجهة جهاز كشف الاكاذيب؟ وقال احد المساعدين انه لا يعرف حالة خضع فيها الجهاز التشريعي للتحقيق عن طريق اجهزة كشف الاكاذيب من قبل الجهاز التنفيذي. وقال ان «اف بي آي» اذا كان جادا فعلا في استخدام هذه الاجهزة ، فان ذلك كفيل بان يثير معركة حامية بين المؤسستين. وقال احد الموظفين انه عندما سئل هذا السؤال اجاب بان اعضاء اللجنة وليس موظفيهم هم الذين يمكن ان يجيبوا على هذا السؤال ويتخذوا هذا القرار.

اما تحقيقات البنتاغون فقد بدأت بعد ان نشرت صحيفتا لوس انجليس تايمز ونيويورك تايمز الخطوط العريضة لخطة مقترحة للهجوم على العراق. واوصت الخطة بان يقوم البنتاغون باستخدام قوات برية وجوية وبحرية لضرب العراق من ثلاث جهات. وقال رامسفيلد في مقابلة تلفزيونية الاسبوع الماضي ان الوثيقة ربما يكون قد كتبها احد صغار المسؤولين. ولكنه قال لتلفزيون «سي أن بي سي» في مقابلة «اريد ان ارى من سرب هذه الوثائق وراء القضبان».

من جانبهم، قام مسؤولو وزارة الخارجية باحتجاز الصحافي جول ماوبراي، من مجلة «ناشونال ريفيو»، يوم 12 يوليو (تموز) لانه قال اثناء لقاء بمقر الوزارة بان لديه رسالة سرية من السفارة الاميركية بالرياض، حول بعض القضايا المحرجة المتعلقة بمنح تأشيرات الدخول الى الولايات المتحدة في السعودية. وقال ماوبراي في مقابلة اجراها اخيرا انه احتجز لمدة 15 دقيقة، بينما كان ضباط الأمن الدبلوماسي يحاولون ان يعثروا على الرسالة اذا كانت في معيته. وقال مسؤولو وزارة الخارجية انهم احتجزوا ماوبراي لانه قال في تعليقات مع الناطق باسم الوزارة، ريتشارد باوتشر، انه يحمل معه نسخة من الرسالة المعنية. وقالوا ان سلطات الامن الدبلوماسي لم يكن بمقدورها في تلك الظروف ان تسمح له بالخروج بدون محاولة من جانبها لاستردادها. وكان ماوبراي قد انتقد اجراءات منح التأشيرات في سلسلة من المقالات التي نشرها بالمجلة، متناولا موضوعا صار محرجا بالنسبة للوزارة ولكنه من المواضيع المحببة بالنسبة للمحافظين الذين يعتبرون الوزارة متساهلة أكثر مما يجب.

ولاعطاء فكرة عن مدى تعقيد قضية التسريبات، فان تقريرا داخليا عنها من قبل وزارة العدل ظل محظورا على التداول لعدة اشهر، بينما كانت الاجهزة المختلفة داخل الادارة تتصارع حول مصيره. ومن المفترض ان يقترح التقرير، الذي اعدته لجنة كونها مجلس الشيوخ العام الماضي، الخطوات التي يمكن للحكومة اتخاذها لايقاف التسريب، ويحدد ما اذا كان من المطلوب اجازة قوانين جديدة. وأكتملت مسودة التقرير قبل عدة اشهر واوصت بأنه ليس ضروريا اصدار تشريعات جديدة. لكن التقرير لم يكشف عنه النقاب نتيجة المعارضة التي وجدها من مدير «سي آي ايه» جورج تينيت، حسب تصريحات ادلت بها مصادر عليمة بمحتوى التقرير. وتقول المصادر ان تينيت لم يكن راضيا لأن وزارة العدل لم توص بمزيد من الشدة في تطبيق القوانين المتعلقة بمعاقبة تسريب المعلومات السرية. هذه الآراء تضع تينيت في مواجهة مع المسؤولين في وزارة العدل، الذين يقولون ان وزارتهم تضطلع دائما بدور «الاميركي القذر» في محاربة التسريب، مع ان «سي آي ايه» نفسها كثيرا ما اصدرت عقوبات متساهلة بحق موظفيها الذين ضبطوا متلبسين بكشف المعلومات والوثائق السرية.

* خدمة «لوس انجليس تايمز» خاص بـ «الشرق الأوسط»