المغرب وإسبانيا يؤكدان رسميا الاتفاق على العودة إلى الوضع القائم لجزيرة ليلى قبل 11 يوليو

بن عيسى ودي بالاثيو سيلتقيان في مدريد خلال سبتمبر المقبل .. ودعته قائلة «الاحترام والمستقبل»

TT

اتفق المغرب واسبانيا على أن يجتمع وزيرا خارجية البلدين في سبتمبر (ايلول) المقبل في العاصمة الاسبانية مدريد.

وجاء الاتفاق خلال اجتماع تم امس في الرباط بين محمد بن عيسى وزير الخارجية المغربي ونظيرته الاسبانية آنا دي بالاثيو لاضفاء طابع رسمي على الاتفاق المحرز حول نزاع جزيرة ليلى.

وقال بيان صادر عن وزارة الخارجية المغربية ان وزيري خارجية البلدين اكدا رسميا خلال الاجتماع الاتفاق على العودة والحفاظ على الوضع الذي كان قائما قبل 11 يوليو (تموز) بشأن جزيرة تورة ـ بيريخيل، وذلك كما تم التفاهم عليه مع وزير الخارجية الاميركي، كولن باول بتاريخ 20 يوليو الجاري.

واوضح البيان ان كل ما يقوم به الطرفان في هذا الشأن لن يخل بموقفهما بشأن وضع الجزيرة، مشيرا الى ان الطرفين سيعملان على تنفيذ هذا الاتفاق بـ«حسن نية». وذكر البيان ان الطرفين اتفقا على فتح حوار صريح وصادق من اجل توطيد علاقاتهما الثنائية، كما اتفقا على ان يجتمع وزيرا خارجية البلدين في مدريد خلال شهر سبتمبر المقبل.

وحضر الاجتماع عن الجانب الاسباني سكرتير الدولة (وزير دولة) في الخارجية رامون خيل كاساريس، والمدير العام لشؤون الشرق الاوسط ومنطقة حوض المتوسط وافريقيا، غابرييل بوسكيتي، ومديرة مكتب الوزيرة الاسبانية ماريا بيكتوريا موريرو، والقائم بالاعمال لدى السفارة الاسبانية في الرباط، ادواردو ايبانيث، والمدير العام لمكتب الاعلام الدبلوماسي ألبيرتو آثا. ومن الجانب المغربي، حضر كاتب الدولة (وزير دولة) في الخارجية والتعاون، الطيب الفاسي الفهري، ومدير الشؤون الاميركية والعلاقات الثنائية علي عاشور، ومديرالشؤون الاوروبية، فتح الله السجلماسي، ومدير الشؤون القانونية والمعاهدات، محمد مجدي، والمستشار بمكتب وزير الخارجية فؤاد يزوغ. وخيم جو من البرود على مراسم استقبال وزيرة خارجية اسبانيا عند وصولها صباح امس الى مطار الرباط ـ سلا، حيث لم تجد في استقبالها سوى اثنين من كبار الموظفين في وزارة الخارجية المغربية، هما علي بن بوشتى مدير البروتوكول، والسفير السابق في مدريد، وفتح الله السجلماسي مدير الشؤون الاوروبية في الوزارة.

وانتقلت الوزيرة الاسبانية مباشرة الى مقر السفارة الاسبانية بالرباط، ليتشكل موكبها نحو وزارة الخارجية المغربية التي تطل على وادي ابي رقراق الذي يفصل بين مدينتي الرباط وسلا. وعلى غير العادة لم تجد الوزيرة في استقبالها سوى موظفين تابعين للمراسم في الوزارة اصطحبوها الى مصعد المبنى الذي حملها الى الطابق الاول الذي وجدت فيه الوفد المغربي برئاسة محمد بن عيسى، وزير الخارجية والطيب الفاسي الفهري كاتب الدولة (وزير دولة) في الخارجية، واربعة من كبار الموظفين بالوزارة المغربية.

ومن مفارقات اجتماع بن عيسى ـ دي بالاثيو انه انعقد في يوم عيد ميلاد الوزيرة الاسبانية، حيث اصبح عمرها 54 عاما.

وكانت الوزيرة الاسبانية ترتدي قميصا غامق الزرقة وسروالاً من نفس اللون، و«اشارب» من ثلاثة الوان (اصفر وبنفسجي ووردي هندي)، وتزينت بعقد من حبات حجر اللوبان البني الكبيرة، واسورة من نفس اللون والحجر.

وعكس ما كان متوقعا فقد دام الاجتماع اربع ساعات، بينما كان مبرمجا ان يستمر ساعة واحدة، تخللته مأدبة غداء عمل.

وبعد انتهاء مأدبة الغداء خرجت الوزيرة الاسبانية ورافقها هذه المرة نظيرها المغربي حتى باب الوزارة وودعها مصافحا.

وقال شهود عيان اتصلت بهم «الشرق الأوسط» ان الوزيرة الاسبانية اثناء خروجها من وزارة الخارجية المغربية سألت نظيرها المغربي عن الترجمة العربية لكلمة (Le respect) (بالفرنسية). فقال لها «الاحترام». وسألته ايضا عن الترجمة العربية لكلمة (Le Future) فقال لها «المستقبل». وحين همت بركوب سيارتها قال لها بن عيسى باللغة الاسبانية «سفر سعيد» فردت عليه قائلة بالعربية «الاحترام والمستقبل».

وكشفت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» أن مباحثات وزيري خارجية البلدين استندت إلى رسالة وجهها كولن باول وزير خارجية اميركا للجانبين، عشية انسحاب القوات الإسبانية، وهي بمثابة اتفاق «جنتلمان» يرتكز على عودة الجزيرة للوضع السابق الذي كانت عليه قبل إقامة المغرب مركز مراقبة عليها، وبحث تسوية سلمية لملف الجزيرة بدون سعي أي من الجانبين على تغيير وضع الجزيرة في انتظار التوصل للتسوية النهائية. بالاضافة الى إطلاق البلدين مباحثات حول «مجمل القضايا العالقة بين البلدين منذ سنوات، والتي أدى تراكمها إلى تدهور خطير في العلاقات».

وكان النائب الاول لرئيس الحكومة الاسبانية، ماريانو راخوي، قد أكد أمس قبيل اجتماع بن عيسى ـ دي بالاثيو أن المقابلة التي ستجريها وزيرة الخارجية الاسبانية، مع نظيرها المغربي، محمد بن عيسى، أمس ستدور حول مسألة جزيرة بيريخيل «على وجه الحصر». وفي تصريحات ادلى بها لمحطة إذاعة «كوبي»، اوضح راخوي ـ الذي يشغل ايضا منصبي وزير شؤون رئاسة الحكومة والناطق بلسان الحكومة الاسبانية ـ أن جدول اعمال الاجتماع «سينحصر» حول هذا الموضوع، وأكد أنه «في حالة سعي المغرب لإدراج مسائل اخرى فسنقول لا». وشدد راخوي على أن الهدف من الاجتماع ليس هو التوصل الى اتفاق «لأن الاتفاق حدث فعلا»، وإنما الهدف هو منح هذا الاتفاق «نوعاً من الصفة الرسمية، واثبات وجوده رسميا»، بالاضافة الى تحسين العلاقات الثنائية مع المغرب. واضاف نائب رئيس الحكومة الاسبانية موضحا: «يجب ألا ننسى أننا عشنا شهورا من الخلاف، وأن هذه هي المرة الاولى التي يحدث فيها اجتماع من هذا النوع خلال الفترة الاخيرة الماضية»، مؤكدا أن هذا اللقاء «له قيمة رمزية». وشدد راخوي على أن الحكومة الاسبانية كانت هي التي قررت اجراء المقابلة بين الوزيرة بالاثيو والوزير بن عيسى في الرباط «كبادرة على إرادتنا في الحفاظ على علاقات طيبة» وبعد أن «اوضحت تماما» ما هو موقف اسبانيا، الذي «لا يقبل ولن يقبل في المستقبل اتخاذ قرارات احادية الجانب مثل قرار تلك الايام الماضية». وقال النائب الاول لرئيس الحكومة الاسبانية ان السيادة على جزيرة بيريخيل (ليلى) عادت الآن «الى الوضع السابق بالضبط» الذي كان سائدا منذ حوالي 40 عاما، «بمعنى أنه لا توجد هناك قوات عسكرية ولا من أي نوع آخر، لا من إسبانيا ولا من المغرب». وقال الناطق باسم الحكومة الاسبانية ان «هناك وضعاً معيناً فعلا يطرأ لأن إسبانيا تعتقد أن لديها وثائق كافية للمطالبة بالسيادة على الجزيرة»، واعترف بأنه «في النهاية، يبدو أن المغرب أيضا لديه وثائق كافية للمطالبة بذلك». واشار راخوي ايضا الى تدخل وزير خارجية الولايات المتحدة، كولون باول، وقال ان هذا التدخل كان «ايجابيا جدا وسهّل التوصل الى هذا الاتفاق» الذي يعني «إعادة فرض الوضع السابق»، الذي كان «الهدف الذي طرحت الحكومة الاسبانية التوصل اليه عندما وقع الاحتلال المغربي». وختاما، اشار راخوي الى البيان الصادر عن رئاسة الاتحاد الاوروبي «بالدعم الواضح الذي لا لبس فيه لموقف اسبانيا»، وقال ان فرنسا «لم تعلن رسميا وعلنيا عن أي موقف معارض لموقف الاتحاد الاوروبي». وستسافر دي بالاثيو اليوم الى بروكسل حيث سيتوافق وجودها هناك مع وجود رئيس المفوضية الأوروبية، رومانو برودي، بعد يوم من اجتماعها مع نظيرها المغربي. وقال الناطق بلسان المفوضية الأوروبية، جوناثان فاول، أمس خلال مؤتمر صحافي ان زيارة دي بالاثيو لبروكسل تندرج في اطار أنشطة إحياء ذكرى معاهدة السوق الأوروبية المشتركة للفحم والفولاذ CECA التي ينصرم اجلها اليوم. غير ان الناطق بلسان المفوضية الأوروبية لم يحدد فيما إذا كانت الوزيرة الإسبانية تزمع كذلك إعلام رئيس المفوضية الأوروبية بمحادثاتها مع بن عيسى. الى ذلك، اعربت المفوضية الاوروبية امس عن شكرها للجهود التي بذلتها الولايات المتحدة من اجل حل المشاكل التي اندلعت بين اسبانيا والمغرب بسبب جزيرة ليلى. وقال المتحدث باسم الجهاز التنفيذي الاتحادي فاول في مؤتمر صحافي: «نشكر الولايات المتحدة على الدور الذي قامت به وعلى اتصالاتها التي سمحت بحل الازمة». وأبرز فاول ان الاتحاد الاوروبي قام بدوره «بعدة اتصالات»، على غرار البلدين المعنيين مباشرة، اي اسبانيا والمغرب.