البيت الأبيض يفتح من جديد ملف العلاقة المحتملة بين صدام حسين وبن لادن

TT

على الرغم من الشكوك العميقة التي اعرب عنها مسؤولون في وكالة المخابرات المركزية الاميركية (سي. أي.إيه) ومكتب المباحث الفيدرالي (إف.بي. أي)، إلا إن البيت الأبيض بات الآن يدعم مزاعم تقول إن محمد عطا المشتبه في خطفه إحدى الطائرات التي نفذت هجمات 11 سبتمبر (أيلول) الماضي، التقى سرا عميلا للمخابرات العراقية في العاصمة التشيكية براغ، قبل خمسة أشهر من ذلك التاريخ، في إشارة محتملة إلى أن نظام صدام حسين كان على علاقة بالهجمات الإرهابية.

مسؤول بارز في إدارة الرئيس جورج بوش قال في حديث صحافي إن الدليل المتعلق بهذا اللقاء موضع الجدل «ما يزال موضع نقاش» مضيفا: «ولا بد إننا سنتحدث مرارا حول هذه القضية».

وإذا ما تأكدت علاقة صدام حسين بهجمات 11 سبتمبر فإن إدارة بوش سيكون لديها ما يدفعها لتعزيز جهودها المتعلقة بحشد التأييد المحلي والدولي لتوجيه حملة عسكرية تستهدف الإطاحة بالرئيس العراقي.

مع إن مسؤولي «سي. أي. إيه» و«إف. بي. أي» كانوا قد استنتجوا قبل أشهر مضت إنهم لم يعثروا على دليل قوي يؤكد مزاعم المصادر التشيكية بشأن حدوث لقاء براغ. لكن مسؤولا أمنيا فيدراليا قال اول من أمس إن «إف بي أي» قام خلال الأسابيع الاخيرة بمراجعة «أخرى دقيقة» لعلاقات عطا المحتملة بالعراق، بما في ذلك السجلات المتعلقة بأسفاره ومحادثاته الهاتفية. وأضاف إنه لم يكن يعلم ما إذا كانت المراجعة قد توصلت إلى روابط جلية، لكنه اعتبر ان القضية تعد واحدة من أولويات المكتب «الأكثر أنية».

وقال مسؤول في المخابرات الأميركية إن «سي أي إيه» ما زالت «تدرس احتمال» أن يكون العراق قد مول هجمات سبتمبر، لكن لم يتسن العثور على دليل دامغ أو معلومات تؤكد ذلك، وقال: «ليس هناك شيء مؤكد».

وكان البيت الأبيض قد امتنع في وقت سابق عن دعم أولئك الذين يصرون على ان لقاء براغ يشير إلى ضلوع أياد عراقية في هجمات سبتمبر الماضي مباشرة. فاللقاء مع عطا، هو الزعم الوحيد الذي ظهر على الملأ بشأن علاقة مباشرة بين صدام حسين والهجمات.

لكن الإدارة الأميركية تواجه ضغوطا بشأن تقديم مبرر عقلاني أكثر وضوحاً بشأن حملتها العسكرية أو عمليتها السرية المحتملة ضد العراق وللاطاحة بصدام أو القضاء عليه.

وقد بدأ عدد من أعضاء الكونغرس ينتمون للحزبين الديمقراطي والجمهوري، ممن يدعمون الإطاحة بالرئيس العراقي، باثارة أسئلة تتعلق بالمخاطر والنفقات المتوقعة للحملة العسكرية المقترحة وما قد يعقبها. تماما كما يفعل حلفاء أميركا الرئيسيون في أوروبا ومنطقة الشرق الأوسط. ولو تمكنت الإدارة الأميركية من إثبات علاقة العراق بما حدث، كما يقول المحللون، فإن تلك الأسئلة والشكوك قد تتبخر.

حتى الآن، واصلت الإدارة الأميركية القول إن العمل العسكري ضد العراق له ما يبرره، بسبب الخطر الذي يشكله إنتاج نظام صدام حسين لأسلحة نووية وكيماوية وبيولوجية بشكل سري، وهي أسلحة يمكن أن تستخدم ضد الولايات المتحدة أو ضد حلفائها.

في المقابلة التي أجريت مع المسؤول في إدارة بوش، أيد هذا المسؤول ان البيت الأبيض بحاجة لتعزيز جهوده المتعلقة بإقناع حلفائه والرأي العام الأميركي بأن صدام حسين يشكل خطرا آنيا.

وأضاف المسؤول الذي اشترط عدم ذكر اسمه قائلا: «خلال مناقشاتنا مع أصدقائنا في أنحاء العالم، لا أتذكر ان أيا منهم لم يقل التالي، بالطبع سيكون حال العالم أفضل من دون وجود هذا الرجل في السلطة. لكن هناك أولئك الذين يشعرون بالقلق بشأن كيفية تحقيق ذلك، وبشأن العواقب». واستطرد موضحا: «لا بد ان نكون نحن اول من يجب أن يتحدث كثيرا عن هذه المسألة. لكن عندما تكون القضية واضحة، فإن الناس سيدركون ماتعانيه كل التفاصيل بشأن أهمية تغيير النظام».

وردا على سؤال متعلق بتفاصيل التطورات الأخيرة، كرر المسؤول الأميركي الزعم المتعلق بلقاء عطا في براغ وقال: «الدليل المتوفر قابل للنقاش».

وكان وزير الدفاع الأميركي دونالد رومسفيلد قد اعتبر، في مؤتمر صحافي عقده يوم الثلاثاء الماضي، ان العراق «على علاقة» بتنظيم القاعدة، لكنه امتنع عن مزيد من التوضيح. فقد قال: «أعني إننا حتى الآن لا نعرف مايدور ميدانيا ـ في العراق ـ لكن إذا ما سألتم عن وجود القاعدة في العراق فالإجابة: أجل. و عن وجود القاعدة في ايران، أقول :أجل. وعن وجود القاعدة في الولايات المتحدة أقول : أجل».

وكانت التقارير المتعلقة بلقاء براغ قد تواردت في بادئ الأمر خلال شهر أكتوبر (تشرين الاول) الماضي، عندما أعلن وزير الداخلية التشيكي ستانيسلاف غروس ان عطا وصل جوا إلى براغ ما بين 8 و11 ابريل (نيسان) 2001، وإنه التقى بأحمد خليل إبراهيم سمير العاني، المستشار الثاني في السفارة العراقية. وقد طرد العاني الذي يعتقد أنه ضابط في المخابرات العراقية من جمهورية التشيك في 22 ابريل 2001 بعدما صورته كاميرات مراقبة وهو يتفحص مبنى بوسط المدينة يأوي محطة إذاعة «العراق الحر» التي تمولها أميركا، وتبث برامج ضد صدام حسين موجهة للعراق.

وعقب هجمات 11 سبتمبر، قال مخبر يعمل لحساب جهاز مكافحة التجسس التشيكي للمسؤولين إنه تعرف على عطا من خلال صورة فوتوغرافية نشرتها الصحف، وإن عطا كان قد التقى قبل أشهر من الهجمات بالعاني، وقد تمسك المسؤولون التشيك بتلك الرواية.

على إنه لم تظهر على السطح اية أشرطة تسجيل أو صور تؤكد ماحدث، كما ان مسؤولين أميركيين قالوا إن مراجعة منهكة للرواية فشلت في العثور على دليل بأن عطا سافر إلى براغ خلال شهر إبريل من العام الماضي. وأكدت السجلات عوضا عن ذلك إنه كان في فيرجينيا بيتش بولاية فيرجينيا، حيث يعتقد إنه كان يتفحص منشآت تابعة للبحرية الأميركية.

وخلال مارس (آذار) الماضي قال جورج تينيت، مدير وكالة المخابرات المركزية، للجنة في مجلس الشيوخ، إنه سيكون من الخطأ عدم اعتبار صدام حسين ممولا محتملا للهجمات. وأضاف إنه بالرغم من تناقض مواقف صدام حسين وأسامة بن لادن الدينية والأيديولوجية، إلا إنهما اشتركا في «مشاعر العداء» تجاه الولايات المتحدة، وإن «التعاون التكتيكي بينهما محتمل».

لكن منذ تصريحات تينيت أمام مجلس الشيوخ، لم تعثر «سي أي إيه» على «ما يؤكد دعم صدام العلني لخلايا القاعدة»، حسبما قال مسؤول في المخابرات الأميركية اشترط عدم ذكر اسمه.

وأضاف المسؤول ان الأدلة أشارت إلى أن عطا «مر عبر» براغ خلال عامي 1999 و2000 أثناء إقامته في المانيا. وقال إنه من الممكن ان يكون عطا قد توجه إلى براغ مرة أخرى من أميركا خلال الربيع التالي مستخدما وثائق مزورة، لكن «في أسفارهم خلال أوقات أخرى، استخدموا (الخاطفون) أسماءهم الحقيقية ووثائق صحيحة».

وأضاف المسؤول الأميركي انه لم يتم العثور على دليل جديد يؤكد لقاء براغ، وإن أحدا لم يطلب من وكالة المخابرات المركزية إعادة تقييم القضية، موضحا ان الوكالة لم تعثر على دليل يؤيد مزاعم ان أسامة بن لادن أو كبار مساعديه سافروا إلى بغداد.

* خدمة «لوس انجليس تايمز ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»