شارون يقرر التقاء الوزراء الفلسطينيين ويرسل قواته إلى قلب البلدة القديمة في نابلس

TT

أعطى رئيس الوزراء الإسرائيلي، آرييل شارون، تعليماته لمساعديه أن ينظموا له لقاءات مع عدد من الشخصيات الفلسطينية الرسمية وغير الرسمية. وأبلغهم أنه قرر بذل جهود أكبر لتحريك المسار السياسي وتغليبه على الوسائل الأخرى. وفي الوقت نفسه أرسل شارون قواته، فجر أمس، لهجوم عسكري على حي العقبة في قلب البلدة القديمة في نابلس بدعوى أن منفذي العمليتين الأخيرتين في القدس، الأسبوع الأخير، تلقوا الأوامر من «قادة الإرهاب في نابلس».

وفي واشنطن، عاد الرئيس الأميركي، جورج بوش، وأكد تأييده لسياسة شارون «الصارمة» هذه. وقال لوزير الخارجية الإسرائيلي، شيمعون بيريس، إن إعطاءه موضوع تصفية الإرهاب أفضلية مميزة، صحيح ويخدم المصالح المشتركة للبلدين.

وكان شارون قد دخل في الأسبوعين الأخيرين في حوار مع عدد من منتقدي سياسته من رجال الأعمال والاقتصاديين، إضافة إلى وزير خارجيته، شيمعون بيريس، ووزير دفاعه زعيم حزب العمل، بنيامين بن اليعزر، وحاول تبرير سياسته التصعيدية ضد الفلسطينيين. ورفض الربط بين تدهور الأوضاع الاقتصادية في إسرائيل والتدهور السياسي والأمني، وقال إنه سيخرج البلاد من أزمتها الاقتصادية من دون علاقة بما يجري على الساحة السياسية أو في ميدان الحرب. ولفت نظرهم إلى الدعم الذي تحظى به سياسته من الإدارة الأميركية وأبعاد هذا الدعم الاقتصادي أيضا، ولكنه إزاء الإلحاح بضرورة وضع استراتيجية سلامية تكون آثارها ملموسة، قال لهم: لم أكن قد قررت الإعلان عن هذا. ولكن، أمام إلحاحكم أكشف لكم أنني أبلغت مساعدي أن الوقت قد حان لتغليب الوضع السياسي. وقد بادرت بنفسي إلى دعوة المفاوضين الفلسطينيين الجدد وطرح مشروع الحل المرحلي للنزاع أمامهم والتفكير معا في سبل دفعه إلى الأمام.

وتبين أن الوفد الفلسطيني المدعو لدى شارون سيضم، حسب الاقتراح الإسرائيلي، كلا من: د. صائب عريقات، رئيس لجنة التوجيه العليا للمفاوضات، ود. سلام فياض، وزير المالية الجديد، وعبد الرزاق اليحيى، وزير الداخلية الجديد، إلا إذا قرر الرئيس الفلسطيني، ياسر عرفات، تغيير تركيبته.

ورأت مصادر في وزارة الخارجية في القدس أن شارون، بهذا الاجتماع، سوف يلتف من جديد حول صلاحيات وزير خارجيته، شيمعون بيريس، لأنه ليس راضيا عن نتائج اللقاءين اللذين عقدهما بيريس مع الوزراء الفلسطينيين قبل أسبوعين. أما المقربون من شارون فاتهموا بيريس بأنه ما زال يسعى لإعادة ياسر عرفات إلى حلبة المفاوضات «وهو الأمر الذي لا يتماشى مع سياسة إسرائيل الرسمية أو مع سياسة الإدارة الأميركية». ويقول هؤلاء إن شارون غاضب جدا من وزير خارجيته بيريس، لأنه حاول تنظيم «رحلة» خارج البلاد للرئيس عرفات.

وكان وزير البيئة، تساحي هنغبي، وهو من اليمين المتطرف في الليكود، قد كشف أن بيريس سأله رأيه حول إمكانية أن تسمح إسرائيل للرئيس عرفات بأن يغادر إلى جنوب أفريقيا للمشاركة في مؤتمر الأمم المتحدة لشؤون البيئة. وقال هنغبي إن بيريس أراد من خلاله أن يجس نبض شارون في هذا الموضوع، وإنه أغلق عليه الباب قائلا إنه لا يعتقد أن شارون يمكن أن يسمح بمثل هذا الأمر.

وكان بيريس قد غادر الولايات المتحدة، صباح أمس، عائدا إلى تل أبيب بعد زيارة استغرقت أربعة أيام التقى خلالها كبار المسؤولين، بمن فيهم الرئيس جورج بوش، الذي دخل غرفة لقائه مع مستشارة الأمن القومي كوندوليزا رايس وفق ترتيب مسبق وجلس معهما ثلث الساعة. وعلم أن بوش أوضح لبيريس أنه راض تمام الرضا عن «سياسة شارون الصارمة في مكافحة الإرهاب»، وقال له إنه لا مفر من التعامل بصلابة مع «تنظيمات الإرهاب الفلسطينية». وعلل ذلك قائلا: «هؤلاء هم أعداء السلام الحقيقيون الذين يتغذون من الحروب. فكل تساهل معهم سيقويهم. ولن تنجو المنطقة من عملياتهم في أي ظرف، لذلك فلا بد من التخلص منهم». وبالإضافة إلى هذه الكلمات، التي بدت موجهة إلى بيريس نفسه وليس فقط إلى الفلسطينيين باعتباره مؤمنا بضرورة استمرار الحوار مع القادة الفلسطينيين، تحفظ بوش على العمليات الإسرائيلية العسكرية التي تمس بالمدنيين الأبرياء. وقال له: عليكم أن تكونوا يقظين إزاء نتائج عملياتكم. فقد تكون هناك عمليات قاسية جدا ضد المدنيين، تجر إلى رد فعل صعب وإلى تقوية منظمات الإرهاب.

يذكر أن بيريس أعلن في واشنطن، أول من أمس، أنه لا يرى غضاضة في بقاء عرفات رئيسا للفلسطينيين لكنه يؤيد في الوقت نفسه تقليص صلاحياته الرئاسية. وقال إنه سيلتقي، هو أيضا، هذا الأسبوع مع وزراء فلسطينيين. ورفض أن يؤكد أو ينفي النبأ حول موضوع خروج عرفات إلى المؤتمر في جنوب أفريقيا. ورد على سؤال بهذا الشأن قائلا: «لا أدري إذا كان عرفات مضطرا لأخذ تصريح منا بالخروج».

تجدر الإشارة إلى أن إسرائيل أعلنت أن قواتها التي تحتل مدينة نابلس بدأت في تنفيذ هجوم عسكري على حي القصبة (البلدة القديمة) وعدد من القرى والمخيمات القريبة من المدينة، انتقاما للعمليات الأخيرة، التي نفذها فلسطينيون في القدس. وقال الناطق بلسان قوات الاحتلال إن هذا الهجوم يهدف إلى القاء القبض على مطلوبين فلسطينيين وتصفية «ما بقي من خلايا الإرهاب النشيطة في المنطقة. وقد تم اعتقال عدد من الشبان، زعمت أن أحدهم كان ينوي الانطلاق لتفجير نفسه داخل إسرائيل». وقال أيضا إن قواته ضبطت مختبرين لصنع العبوات الناسفة وإنها عثرت في كل منها على مواد تفجيرية وأنابيب غاز وأجهزة كهربائية صغيرة للتحكم بوقت الانفجار.

وأعلن قائد قوات الاحتلال في الضفة الغربية أن قواته ستبقى في قلب المدينة عندما تنهي مهمتها. ولن تغادر قبل أن تتيقن من أنهم سلموا أسلحتهم واستسلموا. وقامت قوات الاحتلال بعمليات أخرى في أماكن مختلفة من المدينة واقضيتها مثل: فرض منع التجول (وهو الحبس البيتي الذي فرضته وما زالت تفرضه على أكثر من مليون فلسطيني، فلا يستطيعون مغادرة بيوتهم كل الليل وعدة ساعات في النهار. وتدخل الأحياء بيتا بيتا لتجري عمليات تفتيش وفي بعض الأحيان تنفذ الاعتداءات على البيوت وعلى الممتلكات.

وقال ناطق عسكري إسرائيلي إن العمليات الفلسطينية ستستمر كما يبدو «إذ أن هناك اتجاها استراتيجيا لدى عرفات وسلطته الوطنية بالاستمرار في العمليات».