مواقف متباينة للمعارضة العراقية من المجلس العسكري الجديد

المتحفظون يخشون عودة الدكتاتورية والمؤيدون يريدون ميثاق شرف يلتزم فيه العسكريون بمبادئ الديمقراطية

TT

على نحو غير عادي وكأنه واحد من الانقلابات العسكرية التي اعتادها العراقيون، احتل الاجتماع الذي عقدته مجموعة من الضباط العراقيين المعارضين في لندن مطلع الشهر الماضي مساحات كبيرة من الاهتمام الاعلامي والسياسي الدولي. وساهم في ذلك توقيت عقد الاجتماع مع تصاعد التحذيرات والتسريبات الاميركية بشن ضربة عسكرية للنظام العراقي.

وكان الاجتماع سابقة في عمل المعارضة العراقية التي عرفت بتشتت جهودها. فهل يستطيع المجلس العسكري ان يكون نواة لعمل مدني عسكري موحد؟

حاولنا معرفة آراء بعض اطراف المعارضة العراقية المدنية اضافة الى بعض الشخصيات المستقلة، وقد فوجئنا بأن البعض لم يعرف بالاجتماع والبعض الآخر لم يتسلم حتى وثيقة الشرف التي خرج بها الاجتماع، ووجدنا انفسنا نرسلها بالفاكس من أجل محاورة الطرف الآخر، حتى تولد لدينا انطباع بأن الكثيرين لم يحسموا مواقفهم بعد من هذا التجمع العسكري الذي يصنف نفسه ذراعا عسكريا للمعارضة العراقية.

يقول صفاء محمود، ممثل «المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق» في فيينا وبرلين: كمبدأ عام، نحن نرحب بكل مبادرة تهدف الى العمل على تحقيق هدف شعبنا العراقي باسقاط نظام صدام. اما مؤتمر الضباط الذي عقد في لندن، فليس لدينا معلومات مسبقة عن عملية انعقاده، ولم يجر اتصال أو تحرك منهم نحونا بالرغم مما سمعنا من انهم ينوون التحرك نحو الاحزاب العراقية المعارضة.

* انتم لديكم قوات عسكرية هي فيلق بدر، وهم يدعون لان يكون الجيش هو القوة الوحيدة المسيطرة في مرحلة ما بعد التغيير فكيف تسلمون بهذا؟

- ان فيلق بدر هو قوة منظمة وتنتمي للشعب. واذا تحقق التغيير فهو جزء من الشعب وجيشه والمجلس الاعلى للثورة الاسلامية يركز على الجيش العراقي كقوة حاسمة في التغيير.

ويقول هوشيار زيباري عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني: نحن نرحب بما اسفر عنه هذا الاجتماع من قرارات جيدة حول مستقبل ودور الجيش، وايضا في تأكيد الاجتماع على مبدأ الحكم الفيدرالي في العراق. اما عن علاقتنا بهؤلاء الضباط فهي علاقة جيدة، ورؤيتهم تتفق مع رؤيتنا في ما يتعلق بمطالبتنا بعراق ديمقراطي فيدرالي يحقق الديمقراطية لكامل العراق.

وهناك الكثير من الخطط والافكار التي خرجوا بها، ولكن يجب ترجمتها على أرض الواقع. اما عن التوقيت لعقد الاجتماع فأعتقد انه توقيت مناسب وممتاز من حيث ملاءمة الظروف الدولية.

ويقول أبو أحمد الجعفري احد قادة حزب الدعوة الاسلامية : ما جاء في ميثاق الشرف الذي خرج به الاجتماع غير كاف لتقييم طبيعة توجه هؤلاء الضباط، وما زلنا لا نعرف هل هم واجهة سياسية ام هي مبادرة لعدد من الضباط في الخارج. والشيء الآخر الذي نتمناه هو اننا نحرص عندما تكون مبادرة من هذا النوع ان تضم أكبر عدد ممكن من الضباط. وحتى الآن لم نسمع باشتراك ضباط مثل عبد الامير عبيس الذي شارك في انتفاضة عام 1991، اضافة الى ضباط آخرين. النقطة الاخرى هي مدى التحام الداخل مع هؤلاء الضباط ومدى قدرتهم على تحقيق التواصل مع ضباط الجيش الموجودين في الخدمة، وهذا ما يعطيهم صدقيتهم.

أما عن الدعم الدولي والاقليمي فنحن كمعارضة بحاجة اليه لكنه يجب الا يتحول الى مبرر لالحاق الضرر بشعبنا وبنيته التحتية ومصالحه الوطنية، كما يجب الا ينطوي على فرض رأي مسبق أو تبني رأي اطراف معينة دون سواها.

نحن نريد العملية التي تحقق الالتحام وتنطلق من ارادة عراقية. وعندما تأخذ زمام الامور بشكل وطني لا بأس من أن تكون جزءاً من ضربة خارجية، وعندما تتطور الضربة، لا نفترض ان تكون القضية عسكرية بحتة بل يجب ان تترافق مع عمل سياسي ميداني لمختلف الفصائل والقوى الوطنية المعارضة. كما ان المتتبع للوضع السياسي يدرك ان العامل الاهم هو تأخر الجيش في التحرك، وعندما ينضج موقفه فان مثل هذا التنسيق مطلوب.

ويقول مجيد الحاج حمود، وهو من الشخصيات الديمقراطية المستقلة المعروفة:

انا لست مع الطرح العسكري المستقل. لو كانوا في العراق ولديهم وحدات عسكرية لكان الامر مختلفا، ولكنهم اشبه بالمدنيين من المعارضة. فهم خارج الخدمة منذ سنوات ولذلك ارى ألا يكونوا مستقلين عن المدنيين بل جزءاً من حركتهم.

وكل دول العالم تبدأ بتغييرات عسكرية ولكن يبقى العسكريون في السلطة، وهذا هو المحذور، وبرأيي أنه يجب أن يوقع العسكريون مع قوى المعارضة المدنية على ميثاق شرف وطني واسع يلتزم به العسكريون والمدنيون على السواء.

ويقول صادق الموسوي، مسؤول العلاقات العامة في الحركة الملكية الدستورية: نحن نؤيد خطوة وجود مجلس عسكري. كما اننا نؤيد ميثاق الشرف ونبارك لهم النجاح، ونتمنى ان يمتد تأثيرهم الى باقي العسكريين في الداخل للتوقيع على الميثاق. ونحن في الحركة الملكية الدستورية نؤكد دعمنا الكامل للمجلس العسكري وسنساهم بشكل فعال بترتيب كل اشكال التعاون بين هذا المجلس والقوى الوطنية الاخرى على الساحة. وقراءتنا لميثاق الشرف هي ان المجلس سيتولى حماية المواطن لمرحلة ما بعد التغيير، واذا لم يكن الجيش فمن هي القوة المؤهلة لتلك المهمة؟

ويقول الدكتور محمود عثمان، وهو سياسي كردي مستقل وكان وزيرا في الحكومة العراقية في السبعينات: شخصيا انا لا أشجع ان يعمل العسكريون على حدة والمدنيون على حدة، وملاحظتي ان هناك عسكريين شاركوا بجرائم ضد الشعب، فلا يجب ان يضم المجلس العسكري مثل هؤلاء. كما اننا نحتاج الى بعض الوقت لكي نحكم على مصداقيتهم من خلال عملهم، واذا ادى عملهم الى لف صفوف واسعة من الجيش العراقي حولهم فهذا شيء اساسي وسيكونون قوة بالتغيير والجيش له دور اساسي بالطبع.

* لكن هل بالامكان ان تلتف القوى الوطنية المدنية حولهم؟

- هناك جبهات حزبية وتكتلات عديدة وبعضها يحظى برضى بعض الاطراف الاميركية، وبعضها لايحظى بذلك. وفي الحقيقة هذا كله يحتاج الى توحيد، وبرأيي لكي ينهض المجلس بدوره بشكل تام يجب ايجاد جبهة وميثاق عريض لضم كل القوى العسكرية والمدنية ووضع آليات عمل ميداني وخطاب سياسي واضح بحيث انه عندما يتم التخاطب والتحاور مع الاطراف الدولية بمشروع تغيير موحد فإن تلك الاطراف ستكون مجبرة على احترام ارادة الشعب العراقي، ولذلك ارى ان المهمة الآن هي توحيد الجهود في جبهة عريضة وميثاق شرف للمدنيين والعسكريين.

ويقول الدكتور فاروق رضاعة سكرتير اتحاد الديمقراطيين العراقيين: نحن في اتحاد الديمقراطيين ملتزمون بالتنظيم المدني وليس لدينا تشكيل عسكري. وبخصوص ما انبثق مؤخرا باسم المجلس العسكري فهم يمثلون 50 ضابطاً. وعلى قدر علمي فهناك 1600 ضابط في الخارج، وعلى المجلس العسكري أن يسعى لضم أكبر عدد ممكن من هؤلاء الضباط. لقد حضرت الجلسة الافتتاحية للاجتماع وكانت رؤية الاجتماع وما خرج به من وثائق جيدة بشكل عام. ولكن القضية تحتاج الى عمل أوسع لضم باقي الضباط وتوحيد الرؤى في ما بينهم، والاهم من هذا هو مدى استجابة ضباط الداخل لهم، لأن تقديراتي في أن ضباط الداخل قد لا يحملون نفس الحرارة في التعاطي معهم لأن الضابط المتقاعد في العرف العسكري ليس له تأثير الضابط الموجود في الخدمة الفعلية، وهؤلاء تركوا الخدمة منذ عدة سنوات. لكن رأيي بشكل عام ايجابي من انطلاقة هذا المجلس لأن أي تجمع يعلن موقفه بوضوح ضد النظام العراقي ويسهم في اضعاف هذا النظام هو مفيد للحركة ويعجل بنهاية النظام.

ويقول فؤاد معصوم، عضو المكتب السياسي للاتحاد الوطني الكردستاني: لم يكن انعقاد اجتماع الضباط العسكريين العراقيين المعارضين في لندن مفاجأة لنا، فقد كانت مشاوراتهم علنية وكانوا يهيئون انفسهم، وهذا طبيعي لأن اطراف المعارضة تلتقي لمناقشة كثير من الامور العراقية. ولكن لم يشترك ضباط من الاتحاد الوطني في هذا الاجتماع. والمجلس مبادرة من مجموعة من الضباط العراقيين من خارج الوطن، وربما هناك آخرون يشاركونهم الرأي والموقف، ولكن لم يتمكنوا من الحضور لظروف خاصة بهم. وهناك محاور في المعارضة العراقية، وهناك طروحات وتوجهات لدى بعض المحاور لتوحيد الخطاب السياسي، ولا شك ان الجيش العراقي جزء هام من الشعب العراقي فلا ينظر اليه بمعزل عن الشعب، ويحاول المجلس العسكري العراقي المشكل حديثا، في ما يبدو، أن يطمئن القوات المسلحة العراقية على مستقبل الجيش ودوره الفاعل، وان المعارضة لن تكون ضده، بل تريد التعاون معه. ولكن لا يوجد بين الاتحاد الوطني الكردستاني والمجلس العسكري اتفاق او حوار، كما أننا لم نتحاور مع جهة أجنبية بخصوص المجلس العسكري.

ويقول مفيد الجزائري، عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي: لم نفاجأ بنشاط الضباط المعارضين، فالتردي المتواصل للأوضاع في بلادنا على الصعد كافة، وتفاقم المخاطر المحيقة بها، يدفعان كل يوم المزيد من ابناء الشعب، في الداخل والخارج، مدنيين وعسكريين، الى الانغمار في البحث عن سبل لتغيير الواقع الماثل، والانخراط في الجهود الرامية الى الخلاص من العهد الدكتاتوري المدمر القائم، وتجنيب شعبنا المزيد من المحن والويلات.

وفي هذا الاطار جاءت فعالية الضباط المعارضين اخيراً في لندن. ورغم اننا كحزب لم نشارك في هذه الفعالية، فان لنا بين المساهمين العديد من المعارف والاصدقاء الشخصيين، المخلصين في تطلعهم الى تحقيق اماني شعبنا ومطالبه المشروعة.

* وهل ستوافقون على فكرة المجلس بأن يكون ذراعا عسكريا للمعارضة؟

ـ نعتقد ان الامر الحاسم هنا هو الجهد الملموس الذي يبذله ايّ طرف معارض، في مجرى العمل لانقاذ شعبنا ووطننا من شبح الحرب، ومن الحصار والنظام الدكتاتوري المقيت، ولتعبئة الجماهير من المدنيين والعسكريين وتنظيمهم واعدادهم وقيادتهم لتحقيق هذا الهدف النبيل. فهذا الجهد ـ وليس أي شيء آخر او قرار أي جهة سياسية ـ هو ما يمكّنه من احتلال هذا الموقع او ذاك، في اطار الكفاح الذي تخوضه المعارضة العراقية من اجل التغيير الديمقراطي.

* هل جرى حوار معكم وماذا سيكون موقفكم اذا طلبوا مثل هذا الحوار؟

ـ لقد كنا دائماً منفتحين على الجميع في جبهة المعارضة، ولم نكلّ يوماً من اجراء الاتصالات والمشاورات والحوارات مع اطرافها، بحثاً عن نقاط الالتقاء والقواسم المشتركة. فمهمة جسيمة، مثل عملية التغيير الديمقراطي في بلادنا والحيلولة دون تعرض شعبنا الى كوارث جديدة، انما تتطلب جهداً مشتركاً من جانب جميع العراقيين المخلصين، واحزابهم وقواهم المعارضة. وانطلاقاً من ذلك ايضاً تبقى ابوابنا مشرعة امام كل الساعين للسير قدماً على هذا الطريق.

* هناك خطط للأحزاب العراقية للتعامل ميدانيا مع أي حدث في العراق. هل تعارضون ما يطرحه المجلس في عدم السماح لميليشيات الاحزاب بالعمل بموازاتهم؟

ـ نحن نسعى الى اقامة نظام ديمقراطي دستوري تعددي تداولي مستقر، ودولة قانون واحترام للناس وحرياتهم وحقوقهم. وطبيعي بالتالي ان نرفض أي مظهر من مظاهر الفوضى والفلتان والتجاوز على القوانين والتعليمات، خاصة اذا كانت التشريعات والتعليمات صادرة عن حكومة ائتلافية ممثلة للمعارضة بأطرافها، تشكل حال الخلاص من النظام الدكتاتوري.

* ما هو موقف حزبكم من الخطة الاميركية للقيام بضربة عسكرية من اجل احداث تغيير سياسي في العراق؟ واذا نجحت واشنطن في ذلك، فهل يمكن ان تتعاونوا مع الحكومة التي ستشكل آنئذٍ؟ ـ نعتقد ان التغيير السياسي في العراق، الذي نريده تغييراً ديمقراطياً حقيقياً ينسجم مع تطلعات شعبنا الى لحرية والعيش الافضل والكرامة، لا يمكن تحقيقه بصورة آمنة وناجعة، تصان فيها ارواح المواطنين ودماؤهم من جانب، ويضمن للنظام الجديد الثبات والرسوخ من جانب ثان، الا اذا قام به شعبنا بنفسه، وانجزته جماهيره بقيادة احزابها وقواها الوطنية المعارضة المكافحة، وبدعم وتضامن دوليين شرعيين يستندان الى ميثاق هيئة الامم المتحدة.

ومن هنا ايضا جاء موقف حزبنا السلبي من الحرب والضربة العسكرية الامريكية، وهو موقف معروف وسبق لحزبنا ان عرضه في اكثر من وثيقة وبيان.

ومن هنا كذلك دعونا وعملنا، وندعو ونعمل من دون انقطاع، لتحقيق التقارب والتعاون والنشاط المشترك للاحزاب والقوى المعارضة. وقد طرح حزبنا من اجل ذلك «المشروع الوطني الديمقراطي»، اسهاماً في ارساء الاساس الضروري للعمل المعارض المشترك المستقل، المنطلق من مصالح ومطامح شعبنا اولاً وقبل كل شيء.

ومنطقي ان موقف حزبنا من أي حكومة تشكل بعد الخلاص من النظام القائم، سيتحدد في ضوء برنامجها، ومدى توافقه او تعارضه مع المشروع الوطني الديمقراطي للحزب.