المحكمة العليا في إسرائيل تجيز للجيش الانتقام بهدم عشرات البيوت الفلسطينية

TT

في قرار غير مسبوق، انضمت محكمة العدل العليا في اسرائيل، امس الى «المجهود الحربي» للحكومة واجازت للجيش ان يهدم عشرات البيوت الفلسطينية التي يخرج منها فدائيون من دون حتى سماع دفاع اصحاب البيوت الابرياء.

وكتب رئيس المحكمة القاضي اهرون براك والقاضيان شلومو لفين واليعزر رفلين في قرارهم ان اسرائيل تعيش في اوج حالة الحرب مع الفلسطينيين وهدم البيوت هو جزء من هذه الحرب، فاذا اتيح للعائلات ان تستغل الاجراءات القضائية الاسرائيلية بالاعتراض على قرار الهدم، يمكن ان تتهدد حياة الجنود الاسرائيليين.

وجاء هذا القرار ردا على الدعوى التي تقدمت بها 42 عائلة فلسطينية في الضفة الغربية بواسطة جمعية حقوق انسان اسرائيلية وطالبت فيها بأن لا تهدم بيوتها قبل ان يتاح لها ان تطرح الموضوع امام المحكمة. وقالت الجمعية الاسرائيلية في تفسير طلبها، ان قوات الاحتلال قررت هدم بيوتها في اطار العقوبات الجماعية التي تقوم بتنفيذها ضد اناس ابرياء لا ذنب لهم سوى انهم ابناء عائلة خرج منها فدائي فلسطيني. فما ذنب الاطفال والنساء والمسنين وحتى الأب او العم او الخال او الجد عندما يقرر احد الابناء القيام بعملية فدائية مسلحة ضد اسرائيل؟

بالمقابل ادعت نيابة الدولة، باسم الجيش الاسرائيلي، بأن هدم البيوت هو جزء من العمليات الحربية التي يقوم بها للدفاع عن امن المواطنين الاسرائيليين. فقد ثبت ان الكثير من العمليات الفلسطينية ضد اسرائيل يمكن ان تتوقف وتلغى عندما يعرف من ينفذها ان عائلته ستعاقب من بعده، وستخسر بيتها وستطرد الى الخارج. وقالت انه اذا سمح لكل عائلة ان تتوجه الى المحكمة الاسرائيلية للاعتراض على الهدم، فان «الارهابيين الفلسطينيين قد يستغلون الوضع ويقومون بتلغيم تلك البيوت المرشحة للهدم، بحيث تنفجر بقوات الجيش وتوقع بينهم خسائر في الأرواح». وهددت النيابة المحكمة بأن لا تحمل نفسها مسؤولية قتل جنود اسرائيليين بهذه الطريقة.

وقبلت المحكمة هذا الطعن بشكل مستهجن، ولم تتدخل في حق الجيش في هدم البيوت لأناس ابرياء، واكتفت بالجانب الامني من الموضوع، واجازت للجيش ان يهدم تلك البيوت وغيرها من دون الحاجة للوصول الى القضاء. واكتفت بتحفظ واحد ثانوي هو: «اذا لم يكن هناك خطر على حياة الجنود او على هدف العملية العسكري، ينبغي اتاحة الفرصة لاصحاب البيوت بأن يعترضوا الى المحكمة».

ويضاف هذا القرار الى سلسلة اجراءات وممارسات تفرضها حكومة رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون واجهزتها المختلفة ويروح ضحيتها اناس ابرياء، فقط لكونهم عربا في ظل الحكم الاسرائيلي. ولا تقتصر هذه الاجراءات على الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، انما تصل ايضا الى المواطنين العرب في اسرائيل (فلسطينيي 48) الذين يشكلون نسبة 17.5% من السكان. وأمس اصدر وزير الداخلية، ايلي يشاي اوهو زعيم حزب اليهود الشرقيين المتدينين «شاس») اوامر تسحب بموجبها الجنسية الاسرائيلية من ثلاثة مواطنين عرب، مما يعني طردهم من وطنهم. والثلاثة هم:

ـ قيس حسن كمال عبيد، الذي يعيش منذ سنتين في لبنان، وتتهمه اسرائيل بالعضوية في «حزب الله» ومحاولة تجنيد مواطنين اسرائيليين لخدمة هذا الحزب والنجاح في تجنيد مواطن يهودي في هذه المهمة.

ـ نهاد ابو كشك، وهو معتقل في اسرائيل بتهمة التجسس لصالح السلطة الفلسطينية واجهزتها الامنية، وترك بيته في اسرائيل وانتقل للعيش في رام الله.

ـ شادي شرفا، وهو معتقل ادارياً في سجن نفحة الصحراوي وتتهمه اسرائيل بالمشاركة في عمليات تفجيرية ضد اسرائيل، وهو ايضا سكن في رام الله واعتقل لدى احتلالها في ابريل (نيسان) الماضي.

ولم يكن صدفة ان يشاي، بناء على توصية المخابرات العامة (الشاباك) اختار سحب الجنسية بالذات من هؤلاء الثلاثة الذين اختاروا العيش خارج اسرائيل، اذ ان هجرتهم تضعف امكانية الاعتراض على قرار الابعاد، لكنه في الواقع اراد ان يسجل سابقة قانونية. فالقانون الذي بموجبه اصدر اوامره الثلاثة لم يستخدم في اسرائيل بعد منذ نهاية السبعينات (استخدم في الماضي ضد المواطنين العرب الذين هربوا الى الدول العربية)، حتى اسوأ الحكومات فيها وأشدها عداء للديمقراطية واكثرها عنصرية ضد العرب لم تقدم على استخدامه، باعتباره بندا اشكاليا في القانون الاسرائيلي، والجهاز القضائي هنا يخجل منه، بل انه أثار انتقادات واسعة في المؤسسات الدولية ذات العلاقة. وعلى اثر ذلك بعثت وزارة القضاء الاسرائيلية في زمن حكومة بنيامين نتنياهو (قبل اربع سنوات) برسالة الى لجنة الحقوق المدنية والسياسية في الامم المتحدة تبلغها فيها بأن هذا البند في القانون الاسرائيلي (البند 11 ت في قانون الجنسية) يعتبر «بنداً ميتاً» وانه لم يتم استعماله ولن يتم استعماله في المستقبل. وعندما حاولت بعض الجهات الديمقراطية اجبار الحكومة على استخدامه ضد يغئال عمير، اليهودي المتطرف الذي قتل رئيس الوزراء اسحق رابين، رفضت المحكمة العليا ذلك.

واعتبر القادة العرب في اسرائيل هذه الاوامر هجوما غوغائيا على مواطنيهم ناجما على العداء العنصري ويهدف الى تهديد مكانتهم في وطنهم. وتساءل النائب الدكتور احمد طيبي، رئيس الحركة العربية للتغيير، لماذا لم يسحب وزير المالية الجنسية من المواطنين اليهود الذين تورطوا في مخالفات امنية؟ ان هذا يدل على ان الموضوع هو هجمة عنصرية فاشية ضد العرب لا اكثر، هدفها نزع الشرعية السياسية عنا وعن مجرد وجودنا.

ووصف النائب محمد بركة، رئيس الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، هذا القرار بأنه استمرار لتعميق سياسة الابارتهايد في اسرائيل.

وقال النائب طلب الصانع، نائب رئيس الحزب الديمقراطي العربي، ان الوزير يشاي يخاف من منافسه اريه درعي. وقد اراد ان يبني مجده على المواقف العنصرية المغرية لحزبه اليميني المتطرف.