حرب تصريحات بين الموالين والرافضين لمؤتمر «الإنقاذ» الجزائرية في بلجيكا

TT

جدد انعقاد مؤتمر باسم الجبهة الاسلامية للانقاذ في الرابع والخامس من الشهر الجاري في بلجيكا الحديث عن هذا الحزب الاسلامي المحظور في الجزائر، واعاد الامل لبعض مناصريه، إلا أنه في المقابل كرس مزيداً من الانقسامات في صفوفه.

ففي وقت ابدى فيه الموالون للجناح المشارك في المؤتمر ارتياحهم لـ «الخبر المفاجئ والسعيد»، فان القيادي البارز في الحزب رابح كبير رأى ان ما جرى في بلجيكا «لم يكن مؤتمراً وانما لقاء سرياً «عقده» عدد محدود جداً من الاخوة «معروف» من تاريخهم انهم ساروا في وقت من الاوقات في اتجاه مخالف للجبهة»، بل ان «بعضهم سبق أن اعلن عن ذوبان الجبهة الاسلامية في هيكل مشبوه»، في اشارة الى اعلان فصيل ما يسمى بالجزأرة داخل الجبهة الذوبان في الجماعة الاسلامية المسلحة عام .1995 وكان الخلاف قد برز قبل فترة طويلة حين رفض جناح رابح كبير وعبد القادر بوخمخم المؤيدين لسياسة الوئام المدني عقد مؤتمر للحزب قبل اطلاق سراح رئيسه عباسي مدني ونائبه علي بن حاج، في حين قرر التيار الآخر الذي يعتقد انه يضم جناح الجزأرة وقياديين آخرين مثل علي جدي ومراد دهينة، المضي في عقد المؤتمر الثالث للجبهة وقالوا انهم حصلوا على موافقة من عباسي مدني وعلى رسالة تأييد منه قرئت في لقاء بلجيكا. وعبر موالون عن هذا التيار الاخير عن تفاؤلهم بأن يكون المؤتمر الاخير «فاتحة خير لعودة علاقات طبيعية مع السلطة حتى يرى أنصار هذا التيار، وهم ما يزالون يشكلون أغلبية يتيمة، حزبهم وقد أعيد له الاعتبار وله كلمته في الساحة السياسية الوطنية».

لكن رابح كبير شدد أمس في حوار مع «الشرق الأوسط» على ان «رئيس الجبهة مسجون ونائب رئيس الجبهة مسجون، وحتى لو حصل المؤتمرون فرضاً على رسالة من الشيخ فان هذه لوحدها ليست كافية لتعطيهم شرعية ما»، بل إن ما قاموا به يعتبر «فتنة وتشكيكاً في الصف ولا يمكن ان يكون له ما بعده كما يقولون «لأنه» عمل مبتور لا قيمة له».

ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية امس عن مصدر مقرب من الجبهة ان مؤتمر بلجيكا اطاح برابح كبير بسبب مواقفه التي دعا فيها الى «التخلي عن الكفاح المسلح» ضد السلطة الجزائرية. لكن هذا التشدد ضد رئيس الهيئة التنفيذية بالخارج لم يمنع المشاركين في المؤتمر من رفضهم «للعنف الذي تشهده الجزائر»، مما اعتبر اول نبذ للعنف من قبل التيار المناوئ لكبير داخل الجبهة.

واوضح مصدر مقرب من الجبهة ان الموفدين لمؤتمر بلجيكا قرروا حل الهيئة التنفيذية للجبهة في الخارج «وكل الهيئات القائمة بما فيها الهيئة البرلمانية»، بانتظار انتخاب هيئة تنفيذية جديدة ورئيس لها «خلال 48 يوما» قبل نهاية سبتمبر (ايلول) المقبل. وبحسب المصدر نفسه، فان المؤتمرين قرروا استبعاد رابح كبير وقياديين آخرين مثل احمد الزاوي، من مجلس الشورى الذي بات يضم 61 عضوا بدلا من .48 ومن بين الاعضاء الجدد في المجلس اثنان يقيمان حاليا في فرنسا لم يكشف عن اسميهما.

إلا أن رابح كبير يؤكد انه لم يستبعد من اللقاء «بل بالعكس فانهم حاولوا جهدهم لنحضر هذا اللقاء لتزكيته، اذ بعثوا (لي) برسالة وحاولوا بكل الطرق، ولكننا رفضنا ذلك، بل انني تسلمت رسالة شخصية من عباسي مدني حول الموضوع ورددت عليه بأن هذا العمل لا يمكنه ان يكون شرعيا او مقبولاً».

وهون كبير كثيراً من نتائج لقاء بلجيكا، معتبرا ان «الجبهة ما زالت باطاراتها وقياداتها، وعلى اتصال بنا، بما في ذلك الاطارات والقيادات في الجيش الاسلامي للانقاذ الذين لا يزالون على نفس الخط». وقال «لا ارى اليوم شيئاً تغير سوى ان بعض اخواننا كانوا يسمونها تنسيقية الجبهة في الخارج عقدوا باسمها مؤتمراً وأرادوا ان يلغوا هيئات الجبهة، وهذا التواء ومحاولة استيلاء على حق ليس لهم».

وانتقد كبير كذلك لجوء المؤتمرين الى اظهار ابناء الشيخ عباسي مدني ضمن الحضور ليكسبوا بذلك شرعية، واصفاً ذلك بـ «المؤسف جداً وبالسابقة الخطيرة». وقال كبير ان «ابناء الشيخ هم ابناء الشيخ ليس الا، وبالتالي فهم كبقية مناضلي الجبهة».

وقارن كبير، ملمحاً، بين محاولة تيار الجزأرة «الاستيلاء» على شرعية الجبهة في منتصف التسعينات وبين لقاء بلجيكا. وقال «مثلما رفضت ذوبان الجبهة في الجماعة المسلحة بكل قوة وأصررت على ان الجبهة حزب سياسي، ارفض اليوم اي محاولة لاي جهة بطرق غير شرعية للاستيلاء على الجبهة». يذكر ان تيار الجزأرة داخل الجبهة كان قد اندمج مع الجماعة الاسلامية المسلحة عام 1995 قبل ان يتخلى عن تلك الخطوة لاحقاً اثر انقلاب عناصر الجماعة على الجزأرة واغتيالهم لعدد كبير من قياديي هذا التيار مثل محمد السعيد.

ورأى محللون ان مؤتمر بلجيكا ربما زاد من إضعاف جبهة الانقاذ اكثر مما افادها، بسبب إبرازه من جديد للخلافات القديمة المتجددة في الحزب، وهي خلافات شخصية اكثر منها موضوعية، وايضاً بسبب عجزه عن جذب اهتمام الحكومة الجزائرية وإبداء اي تعليق. ورغم هذه الوضعية الصعبة لـ«الإنقاذ»، فان كبير بدا متفائلاً وأكد وجود اتصالات مباشرة وغير مباشرة بين الهيئة التنفيذية التي يرأسها والسلطة الجزائرية، وقال «إننا ما زلنا نعمل ونجتهد من اجل دفع السلطات الى حل سلمي وسياسي للأزمة».