تباين مواقف الفرق النيابية المغربية حول تصريح اليوسفي أمام البرلمان

حصيلة عمل حكومة الائتلاف لم تسلم حتى من انتقادات أحزاب مشاركة فيها

TT

يعقد مجلس النواب المغربي (الغرفة الأولى في البرلمان) صباح اليوم جلسة عمومية تخصص لتقديم جواب عبد الرحمن اليوسفي الوزير الأول على تدخلات الفرق النيابية في إطار المناقشة العامة للتصريح الحكومي، الذي قدمه الوزير الأول في الاول من أغسطس (آب) الحالي أمام مجلس النواب حول حصيلة عمل الحكومة.

ويأتي رد اليوسفي في الوقت الذي تباينت فيه مواقف الفرق النيابية، في تدخلاتها أول من أمس، من حصيلة العمل الحكومي وفقا لموقع كل فريق، كما أن تدخلات بعض فرق الاغلبية لم تخل من انتقادات لأداء الحكومة. وفي هذا السياق، سجل عبد الرزاق أفيلال رئيس الفريق الاستقلالي أن الأداء الحكومي اعترته بعض النقائص كالتأخر الحاصل في إصلاح المجال السمعي البصري والضعف الذي اعترى عمل الحكومة في ما يخص «تخليق» الحياة العامة واستمرار ظاهرة الامتيازات وعدم محاكمة الذين ثبت تورطهم في اختلاس المال العام، في إشارة إلى فضائح القرض العقاري والسياحي والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (وهما مؤسستان عموميتان ثبت تورط عدد من المسؤولين فيهما من خلال تقارير اللجنتين البرلمانيتين لتقصي الحقائق).

ولفت أفيلال الذي يعتبر حزبه الحليف الأساسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي يقود الائتلاف الحكومي، إلى ما وصفه باستمرار ظاهرة الفوارق الاجتماعية وعدم مراجعة نظام المرتبات بالوظيفة العمومية. كما أشار إلى غياب التدابير اللازمة لتقليص دائرة الفقر وعدم اعطاء البعد الاجتماعي مدلوله الحقيقي مبرزا أن «الاعتمادات المرصودة للقطاعات الاجتماعية بقيت ضئيلة جدا». وأضاف أفيلال أن البعد الاقتصادي في العمل الحكومي «يبقى موضع تساؤل. هناك ركود اقتصادي وانكماش في المعاملات التجارية ومعدل النمو بقي بدوره دون المستوى المطلوب»، ودعا أفيلال إلى إعادة النظر في منظومة الجبايات المتعددة والكثيرة التي تثقل كاهل المستثمر وتشكل عرقلة حقيقية في وجه الاستثمار.

من جهته، قال الطيب بن الشيخ رئيس فريق التجمع الوطني للأحرار (غالبية) «إن الحكومة الحالية وإن كانت سجلت نتائج ايجابية في عدد كبير من القطاعات فإنها لم تستطع ايجاد حلول لعدد من المشاكل»، مشيرا إلى بعض النقائص التي قال إنها اعترت الاداء الحكومي كعدم اعطاء العناية الكافية للعراقيل التي تقف حجر عثرة في وجه المقاولين المغاربة وعدم التعجيل بخوصصة بعض القطاعات التي تعرف احتكارا، بالاضافة إلى البطء الذي طبع العمل الحكومي خاصة من حيث بعض الاجراءات المستعجلة التي لا تتطلب امكانات مالية ضخمة. ولفت بن الشيخ بالخصوص إلى استفحال البطالة التي ما زالت متفشية في المجتمع المغربي والمشاكل الناجمة عن ثقل البيروقراطية في الادارات العمومية وعدم تحرير بعض الخدمات الاحتكارية علاوة على عجز الحكومة عن تغيير السياسة النقدية المتبعة منذ 20 سنة.

الى ذلك، وصف أحمد السباعي الذي تدخل باسم المجموعة النيابية لليسار الاشتراكي الموحد، الممارسة الحكومية طيلة السنوات الأربع الماضية بأنها تميزت بتقدم نسبي في بعض المجالات وتحقيق بعض التراكمات الكمية في هذا القطاع أو ذاك دون أن تبلور ممارسة سياسية بديلة تقطع مع تجارب الماضي وتتجاوب مع طموحات وانتظارات الشعب المغربي، وقال السباعي إن الجوانب الايجابية في الممارسة الحكومية محدودة للغاية وسط الجوانب السلبية للتجربة ووسط مظاهر الفشل المسجلة في مجال تدبير الشأن العام والتجاوب مع تطلعات الشعب للتغيير والتقدم والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والاصلاح الشامل. واعتبر السباعي أن التحولات التي شهدتها المؤشرات الاقتصادية والمالية ظلت محدودة بسبب غياب سياسة اقتصادية قادرة على إنتاج الثروة وتحقيق التنمية الاقتصادية التي تتناسب مع حاجيات مجابهة التحديات العالمية والاحتياجات الداخلية. ولاحظ في هذا السياق استمرار تشجيع الفلاحة التصديرية والاستثمار في مجالات ذات طابع تحويلي بدل الاهتمام بالصناعة التي تمكن من تطوير الانتاج وخلق فرص شغل حقيقية، فضلا عن استمرار الاقتصاد غير المنظم والتهرب الضريبي. من جانبه، أبرز مصطفى كنعان الذي تدخل باسم المجموعة النياببة لحزب المؤتمر الوطني الاتحادي (انشق عن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية)، أن حكومة التناوب تفتقد لعنصر التجانس والتقارب الفكري والايديولوجي والرؤية السياسية مما جعلها حكومة ضعيفة تعوزها الجرأة والحزم في اتخاذ وتنفيذ القرارات الأساسية والحاسمة. وأضاف كنعان أن الوضع الاقتصادي اتسم باستقرار عام في معدلات الاستثمار الخارجي بخوصصة القطاعات المنفتحة على التكنولوجيات الحديثة واستمرار ضغط الدين الخارجي ومؤشرات خدمته مع ارتفاع كبير للدين الداخلي الذي انتقل من 122 مليار درهم الى 176 مليار درهم. (الدولار الأميركي يساوي حوالي 10 دراهم ونصف درهم).

وفي الوقت الذي اعتبر إدريس لشكر رئيس الفريق الاشتراكي أن تصريح الوزير الأول «قد وفق في طرح الاشكاليات الحقيقية على المواطنين والمواطنات واضعا أمامهم مقدمات الاختيارات المستقبلية المطروحة على بلادنا كديمقراطية ناشئة تحتاج إلى صيانة المكتسبات والإنجازات والدفع بمسلسل الانتقال الديمقراطي بشكل لا رجعة فيه»، فانه أشار إلى أن أي تقييم لتجربة حكومة التناوب يجب ألا يستبعد الأخذ بنظر الاعتبار الإرث الثقيل الذي ورثته، ثم عامل الزمن الذي تتطلبته الإصلاحات العميقة. وقال لشكر «الغريب أن نرى اليوم أولئك الذين أتيح لهم عنصر الزمن طويلا وممتدا لعقود طويلة أصبحوا يطرحون ما يسمونه بطئا في الأداء الحكومي على الصعيد الاقتصادي جاعلين من ذلك حصان طروادة في انتقادهم غير البريء للتجربة. الغريب أيضا أن نرى هؤلاء الذين أتيحت لهم قنوات الاقتراض وسيولاته خلال السنوات السمان والذين رهنوا ماليتنا العمومية بأثقال نتحمل وزرها اليوم، الغريب أن يطرح هؤلاء قضية التردد في الأداء الحكومي».

غير أن محمد لبصير رئيس فريق الاتحاد الدستوري (معارضة)، رأي أنه بالرغم من أهمية المكسب السياسي الذي حققه المغرب من خلال تبني خيار التناوب التوافقي، فقد لوحظ أن هذا التناوب لم يفرز نتائج ملموسة على صعيد الاداء الاقتصادي والاجتماعي. وأوضح أن هذا الاخفاق الاقتصادي تجلى في القوانين المالية على امتداد 5 سنوات من عمر الحكومة حيث إن تلك القوانين «كرست بنية محدودة الآفاق ورسخت هشاشة الاقتصاد ونموه المتواضع والبطيء، كما عجزت عن أن تؤسس على نحو ايجابي للعلاقة بين الحفاظ على التوازنات الماكرو اقتصادية وإحداث الدينامية الاقتصادية المطلوبة». وأشار إلى أن ارتفاع حجم الاستثمارات الخارجية بأكثر من 3 ملايين دولار «ليس ناتجا عن حجم الثقة في السياسة الحكومية ولكنه نابع من قيمة المؤسسات التي تم تفويتها أو تفويت جزء من رأسمالها»، في إشارة بالخصوص إلى اتصالات المغرب، مبرزا أن الحكومة «لم تفلح في كسب ثقة المستثمر وطنيا كان أو أجنبيا نتيجة ترددها وبطء مواصلة الإصلاحات». أما سعيد أمسكان رئيس فريق الحركة الشعبية (معارضة) فقد قال إن حكومة التناوب «لم تذهب بعيدا بالنسبة لتعزيز الحريات وبناء دولة الحق والقانون وإنما واصلت تطبيق ما كان مرسوما سابقا وقبل مجيئها»، مبرزا أن الحكومة جاءت بمراجعة ضيقة وغير شاملة لكل المقتضيات التي تمس الحريات. وأشار في هذا السياق إلى قانون الصحافة، قائلا إن مراجعة الحكومة لهذا القانون كانت «ارتجالية وخجولة وغير شاملة لظهير (مرسوم) 1958 مما أدى إلى رفضه من طرف المهنيين».

وأضاف أن الترسانة القانونية التي جاءت بها الحكومة (161 قانونا) لم تنعكس على الحياة العامة للبلاد على الاصعدة القضائية والاقتصادية والمالية والتعليمية. وخلص أمسكان إلى القول إن «عمل الحكومة كان عاديا أو أقل من عادي فليس هناك ما يمكن تسميته بالإنقاذ أو المبادرة المتميزة أو التغيير بل هناك تراجع في بعض المجالات جعل هذه الحكومة محل استياء من كل فئات المواطنين».