اشتباكات بين «مجموعة الضنية» و«فتح» والكفاح المسلح توقع قتيلين وتسعة جرحى في مخيم عين الحلوة في لبنان

قذائف الـ «آر. بي. جي» أعادت ذكريات حرب الشوارع في المدن * مسؤول منظمة التحرير في لبنان أبو العينين: مجموعة الضنية مرتبطة بالعدو الإسرائيلي

TT

أسفرت اشتباكات مسلحة وقعت امس في مخيم عين الحلوة الفلسطيني قرب صيدا في جنوب لبنان عن مقتل مسلحين اثنين وجرح تسعة اشخاص غالبيتهم ينتمون الى حركة «فتح» والكفاح المسلح الفلسطيني. وقد انطلقت شرارة الاشتباكات بهجوم شنه مسلحون تابعون لـ «مجموعة الضنية» وهم لبنانيون لجأوا الى مخيم عين الحلوة واحتموا بالجماعات الاصولية الفلسطينية بعدما فروا من شمال لبنان مطلع عام 2000 اثر اشتباكات دامية وقعت في حينه مع الجيش اللبناني.

وجاء انفجار الوضع في مخيم عين الحلوة بعد اسابيع من التوتر تخللتها سلسلة انفجارات وتبادل التهديدات بين الجماعات الاصولية والفصائل الفلسطينية الاخرى التي تطالب بتسليم افراد «مجموعة الضنية» الى السلطة اللبنانية لمحاكمتهم وفقاً للقوانين المرعية.

وقد طرحت هذه القضية بقوة الشهر الماضي عندما اقدم اصولي لبناني يدعى بديع حمادة ويعرف بـ «ابو عبيدة» على قتل ثلاثة عسكريين لبنانيين ثم لجأ الى عين الحلوة حيث احتمى بـ «جماعة النور» الاصولية المنشقة عن «عصبة الانصار» التي يرأسها الاصولي الفلسطيني احمد عبد الكريم السعدي (ابو محجن) المطلوب للقضاء اللبناني.

وترافقت الاشتباكات، التي استعاد المخيم معها مشاهد حروب الشوارع التي عاشتها المخيمات الفلسطينية والمدن اللبنانية خلال سنوات الحرب من 1975 الى 1990، مع اتهامات وتهديدات متبادلة. وفيما وصفت «جماعة النور» عناصر «فتح» والكفاح المسلح بـ«الخونة والمرتدين» وكررت انها «ستحول المخيم ولبنان كله بركة من الدماء»، اعلن مسؤول منظمة التحرير الفلسطينية مسؤول «فتح» من لبنان سلطان ابو العينين ان الفصائل الفلسطينية «عازمة على اقتلاع «مجموعة الضنية» وتسليمها للسلطات اللبنانية». واتهم هذه المجموعة بأنها «مرتبطة بالعدو الاسرائيلي».

مراسل «الشرق الأوسط» في صيدا افاد انه استخدمت اسلحة صاروخية ورشاشة في الاشتباكات التي تعتبر الاعنف منذ سنوات. وقد اندلعت إثر قيام عناصر من «مجموعة الضنية» بمهاجمة المقر الرئيسي لمنظمة التحرير وحركة «فتح» ومقر الكفاح المسلح الفلسطيني عند المدخل الشمالي للمخيم وذلك عند الخامسة والربع فجراً. واستخدم المهاجمون قذائف «ار. بي. جي» وقنابل يدوية واسلحة رشاشة. وذكر انهم كانوا ثلاثة فاجأوا عناصر الحراسة. وقد أدى الهجوم الى مقتل عنصر من الكفاح المسلح الفلسطيني، هو محمد عاطف ابو حسان (الملقب سيف) (27 سنة) من مخيم البداوي شمال لبنان والى جرح ثمانية عناصر من حركة «فتح» جروح احدهم خطرة وهو ابراهيم خليل ابراهيم الذي نقل الى مستشفى حمود في صيدا. اما الجرحى الباقون فنقلوا الى مستشفى الهمشري التابع للهلال الاحمر الفلسطيني وهم سامر عثمان سامر عبد الكريم مليحة، شادي فاضل سلام ابو العسل، محمود كريم، حسن حسين اليوسف، ونادر شبلي.

وبعد الهجوم على المقرين اندلعت اشتباكات عنيفة امتدت الى مخيم الطوارئ حيث تمركز عناصر «مجموعة الضنية» وهو المخيم الذي تسيطر عليه «عصبة الانصار» التي قيل ان عناصرها اشتركوا في القتال الى جانب عناصر الضنية. وهو الامر الذي نفاه «ابو طارق السعدي» شقيق امير العصبة «ابو محجن» الفار من وجه العدالة اللبنانية، قائلاً: «لم نشارك وهذه اتهامات مرفوضة». ووصف الذين يتحصنون في ازقة مخيم الطوارئ ويطلقون النار بأنهم «بعض العناصر الشاذة». وقال: «اننا نعالج الموضوع بكل ايجابية ودقة». وادى تبادل اطلاق النار الكثيف والقذائف الى مقتل احد عناصر «مجموعة الضنية» المدعو محمد رياض المحمود الملقب بـ «ابو ثابت». ونقلت جثته الى مسجد مخيم الطوارئ. وادى تبادل اطلاق النار الى اصابة عدد من السيارات وتضرر منازل عدة واصابة شبكات المياه والكهرباء في المخيم. وقد تجددت الاشتباكات عند السابعة والنصف صباحاً، ثم توقفت.

وسجل انتشار مئات العناصر من حركة «فتح» في شوارع عين الحلوة مدججين بأسلحتهم الرشاشة وقاذفاتهم الصاروخية. فيما تسارعت الاتصالات لتطويق الاشتباكات، وسط اجماع فلسطيني على ضرورة تسليم العناصر الذين هاجموا مقري «فتح» والكفاح المسلح.

وقد جاءت اشتباكات الامس على خلفية التوتر الحاصل في المخيم منذ تسليم قاتل العسكريين الثلاثة بديع حمادة «ابو عبيدة» والانفجارات التي شهدها المخيم طوال اسابيع وتنامي الحديث عن اجراء حركة «فتح» اتصالات غير معلنة لتسليم عناصر «مجموعة الضنية» الى السلطات اللبنانية.

يذكر ان عناصر «مجموعة الضنية» هم لبنانيون هربوا الى مخيم عين الحلوة بعد الاشتباكات التي وقعت في جرود الضنية (شمال لبنان) بين مجموعات اصولية والجيش اللبناني مطلع عام 2000. وقد اتخذوا من مخيم الطوارئ الذي تسيطر عليه «عصبة الانصار» مركزاً لهم.

ويعرف من عناصر هذه المجموعة احمد ميقاتي (ابو بكر)، ابو رامز السحمراني (المعروف بغاندي)، علي عبدو، ومحمد المحمود (ابو ثابت) الذي قتل في اشتباك الامس وجميعهم مطلوبون للسلطات اللبنانية. وكانت «عصبة الانصار» تتولى في السابق توفير الغطاء لهذه المجموعة. لكن توفير هذا الغطاء انتقل مؤخراً وبشكل غير معلن الى المنشق عن «عصبة الانصار» عماد ياسين الذي يتولى قيادة مجموعة اصولية تتألف من حوالي 20 عنصراً.

وعقب الاشتباكات توجه عدد من المراسلين الصحافيين وبينهم مراسل «الشرق الأوسط» الى مخيم الطوارئ حيث كان المسلحون ينتشرون بأسلحتهم الرشاشة والصاروخية. وشوهدت سيارة «رانج روفر» عليها صورة لأسامة بن لادن. وقد تحدث احد اعضاء «مجموعة الضنية» ابو رامز السحمراني، الى الاعلاميين وهو يحمل سلاحه مهدداً ومتوعداً بأنهم لن يسكتوا عن قتل «ابو ثابت». وقال ان الاخير «كان متوجهاً الى احد المساجد للصلاة. وعمد الكذابون (يقصد عناصر فتح) الى قتله. واذا لم يقوموا بتسليمنا قاتل ابو ثابت فسنثأر له على طريقتنا. وسوف نقتل الذي قتله». واضاف: «لن نغادر المخيم. وسوف تشهد الايام من سيبقى في المخيم نحن ام هم. ولن نسلم انفسنا حتى ولو اصبح الدم بركاً وللركب».

وسخر السحمراني من اعطاء قيادة فتح «انذاراً لتسليم انفسنا». وقال: «نحن لن نعطيهم انذاراً، اذا لم يسلموا قاتل ابو ثابت، فسنقوم بإعدامهم جميعاً. قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار». وتدخل شاب ملتح مسلح بمسدس وعمد الى تهدئة «ابو رامز» ورافقه الى داخل مخيم الطوارئ.

الرجل الاول في منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان العميد سلطان ابو العينين قال ان «مجموعة الضنية مرتبطة بالعدو الاسرائيلي. ونحن عازمون على اقتلاع هذه الزمرة من المخيم بالطريقة الاحسن. واذا لم يحصل ذلك فباستخدام القوة». واضاف: «ان القوى الاسلامية في عين الحلوة رفعت الغطاء عن هذه المجموعة لأن امن المخيم مسألة مقدسة ولا يمكن لأحد ان يعبث بهذا الامن».

مسؤول منظمة التحرير الفلسطينية في منطقة صيدا خالد العارف قال انه «لا يجوز السكوت على هذا العمل. وعناصر الضنية مرتبطون بأجهزة مشبوهة». واضاف في مؤتمر صحافي: «نحن غير معنيين بأي اجتهاد او اجتماع، فمجموعة الضنية ارتكبت جريمة بحق شعبنا الفلسطيني، وهم تسللوا كالوطاويط».

واشار الى «اجماع شعبي وسياسي فلسطيني في المخيم على ضرورة اعتقال وتسليم مجموعة الضنية بكل افرادها». وقال: «اذا تعثرت عملية القاء القبض عليهم وتسليمهم بشكل سلمي فان ذلك سيتم بخيار عسكري وباستخدام القوة. وهذا اجراء سيتم ليس من قبل الكفاح المسلح فقط انما من كافة القوى الفلسطينية في المخيم». واضاف: «كل جهة لا تشارك ولا يكون لها موقف في هذا الاتجاه، تكون عملياً حامية لهذه المجموعة بطريقة غير مباشرة. والمطلوب اعتقال كل عناصر مجموعة الضنية وتسليمهم للسلطات اللبنانية. وهناك قرار ملزم للجميع باعتقال هؤلاء العناصر». ونفى العقيد عارف نفياً قاطعاً مشاركة «عصبة الانصار» في الاشتباكات. وظهر امس عقد اجتماع لكافة القوى الفلسطينية في مقر مسؤول ميليشيا «فتح» في لبنان العقيد منير المقدح. وجرى تدارس الوضع. وشكل المجتمعون لجنة سداسية برئاسة مسؤول اللجنة الشعبية في المخيم عبد مقدح ستجتمع مع مسؤولين في «عصبة الانصار» ليتوسطوا لاقناع المطلوبين بتسليم انفسهم. كذلك عقدت الاحزاب اللبنانية في صيدا اجتماعاً في مقر التنظيم الشعبي الناصري وادانت ما جرى في عين الحلوة.